أحسن القصص

0 تعليق 364 مشاهدة

من الذي يشرح لنا القصص القرآني؟

إن الله يجيب على هذا السؤال فيقول في سورة يوسف:
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ(3)
الله وحده – سبحانه لا شريك له – هو الذي يقص علينا أحسن القصص , وفي قصص الله كفاية واستغناء عن قصص غيره, فهو أحسن القصص.
والقصص من وحي القرآن الكريم, وقبله كان الناس جميعا من الغافلين.

أبَعد هذه المقدمة الكافية , يلجأ أحد إلى مصادر أخرى للقصص من دون الله!
وقال جل شأنه في نهاية سورة يوسف:
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(111)
لهذا فإن القصة القرآنية تحوي كل ذلك, وعلينا أن نحللها باحثين عما أشار الله إليه.

والقصص في القرآن يقول الله فيه:
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(62)آل عمران
فهذا هو القصص الحق الذي لا تشوبه شائبة من باطل من بين يديه ولا من خلفه

ويبين الله هدفا آخر من القصص فيقول جلّ وعلا في سورة الأعراف (فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(176)

والقصص تثبيت للفؤاد, وما جاء منه في سورة هود بالذات, فيه الحق, وموعظة, وذكرى للمؤمنين, فيقول الله فيها: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ(120)هود

وفي سورة الكهف, يجزم الله سبحانه بأنه هو وحده الذي يقص علينا نبأهم بالحق فيقول: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى(13)
كما ينهانا سبحانه من أن نستفتي فيهم منهم أحدا فيقول: (فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا(22)الكهف
ولا أظن أن الله قد ترك لنا مجالا للحيرة والبلبلة, واللجوء إلى كتب سابقة أو أساطير حرفها يهود, أو اختلط فيها الحق بالباطل, فأبطلها جميعا, حيث لا تستطيع التفريق بينهما, فلا تدري ما تم تحريفه, وما لم يتم تحريفه.

ولنقرأ بعضا مما قاله ابن كثير في تفسيره لآية سورة يوسف:
“ومما يناسب ذكره عند هذه الآية الكريمة المشتملة علي مدح القرآن وأنه كاف عن كل ما سواه من الكتب ما رواه الإمام أحمد: حدثنا شريح بن النعمان انبأنا هشيم أنبأنا مجاهد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتي النبي صلي الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه علي النبي صلي الله عليه وسلم , قال: فغضب وقال “أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه والذي نفسي بيده لو أن موسي كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني”

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق نا سفيان عن جابر عن الشعبي عن عبد الله بن ثابت قال: جاء عمر إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال فتغير وجه رسول الله صلي الله عليه وسلم قال عبد الله بن ثابت فقلت له ألا تري ما بوجه رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا قال فسري عن النبي صلي الله عليه وسلم وقال “والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسي ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين”

وقال الحافظ أبو يعلي الموصلي: حدثنا عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير حدثنا علي بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق عن خليفة بن قيس عن خالد بن عرفطة قال: كنت جالسا عند عمر إذ أتي برجل من عبد القيس مسكنه بالسوس

فقال له عمر: أنت فلان بن فلان العبدي؟

قال نعم قال وأنت النازل بالسوس؟

قال نعم. فضربه بقناة معه. قال: فقال الرجل: ما لي يا أمير المؤمنين؟

فقال له عمر اجلس فجلس فقرأ عليه “بسم الله الرحمن الرحيم الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص – إلي – لمن الغافلين” فقرأها عليه ثلاثا وضربه ثلاثا

فقال له الرجل ما لي يا أمير المؤمنين؟ فقال: أنت الذي نسخت كتاب دانيال قال مرني بأمرك أتبعه

قال: انطلق فامحه بالحميم والصوف الأبيض ثم لا تقرأه ولا تقرئه أحدا من الناس فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحدا من الناس لأنهكنك عقوبة

ثم قال: اجلس فجلس بين يديه فقال انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ثم جئت به في أديم فقال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم “ما هذا في يدك يا عمر؟ ”

قال قلت يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علما إلي علمنا

فغضب رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة فقالت الأنصار أغضب نبيكم صلي الله عليه وسلم؟ السلاح السلاح فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلي الله عليه وسلم

فقال “يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي اختصار ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون” قال عمر: فقمت فقلت رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبك رسولا ثم نزل رسول الله صلي الله عليه وسلم”. انتهى كلام ابن كثير
………………..
لقد آثرت أن أنقل كل هذه النصوص , التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , لتأكيد أن القرآن كافٍ لتناول القصص , وأن ما قصّه الله علينا فيه كل ما أراد أن يقصه , وأنه حين أراد سبحانه أن يفصّل , فقد فصّل , حتى بلغ أعماق ما تحدّث النفس البشرية به نفسها , وما أراد أن يجمل فقد أجمل, حتى وصل إلى المعاني في كلمات معدودات دون إخلال ولا زيادة , جل شأن الله , وسكت عما شاء أن يسكت عنه لحكمة هو يعلمها سبحانه , وأشار إلي ما أراد أن يشير إليه , وترك لنا بعد ذلك شأن التفكُّر والتدبُّر , ونهانا عن الأخذ من مصادر ملوثة بالتحريف , ومليئة بالأباطيل , ومخلوطة بالأكاذيب , حتى استحال التفريق فيها بين ما أنزله الله وبين ما بدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم , وبين الكلم الذي يحرفونه عن مواضعه. فلننتبه حين نقرأ في كتب التفسير إلى المصادر التي نقلت عنها, فإن لم تكن من كتاب الله, أو لم تكن مرويّة في حديث صحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام, فكيف نأخذ بها, وقد نُهينا عن ذلك في الكتاب والسُّنّة؟

كيف نأخذ العبرة من القصص؟
وأحسن القصص فيها تفصيل كل شيء, وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.
هل ندرس القصص ونستخرج منه عبرة لأولي الألباب؟
هل قصص القرآن هو مجرد سرد لأحداث تاريخية مضت ؟
هل يكفي أن نتلو هذا القصص, ونرويه لأبنائنا, قبل النوم, وفي التليفزيون, وعلى أقراص الكمبيوتر المضغوطة ؟
ما الذي أضافته علوم ومعارف القرون الأربعة عشرة الماضية بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ؟
ما الجديد في فهم هذا القصص بعد ما قدمته كتب التفسير الأمهات وأئمتها الأعلام ؟
هل هناك تأثير على فهم وتدبّر قصص القرآن, ناتج عن ممارسات الحياة في العصر الحالي, والأشكال الجديدة لها, في عصر السماوات المفتوحة وشبكات الاتصالات؟
هل يريد الله سبحانه أن يبلغنا ويعلمنا مناهج لإدارة الحياة والأعمال, وتطويرها من خلال القصص؟
هل لقراءتنا وتدبّرنا إضافات على ما أتى به الأوّلون؟
أم علينا أن نكتفي بما قرءوه لنا, ونظل نتلوه ونردده, وما كان مسموحا للأولين ليس مسموحا لأحد من بعدهم؟
وهل اقتصرت الآيات التي تحث على التدبّر على ناس دون ناس؟
هل انتهى جيل أولي الألباب عند الرعيل الأول, ولم يبق للناس من بعدهم فرصة لأن ينضموا إلى أولي الألباب؟

هذه محاولة للتدبّر , من خلال قراءات في سورة يوسف , بالتدقيق في ألفاظ وكلمات ومعاني القرآن.
إن التدبُّر مطلوب في حد ذاته, حيث به يكتشف المرء أبعادا لا نهائية لمعاني هذا الكتاب الذي لا تنقضي عجائبه, ولا تنفد خزائن أسراره, في كل المجالات والحقول, ينهل منه كلٌ حسب طاقته, وخلفياته الثقافية, وخبراته في الحياة.
إنه- كما قال ربنا سبحانه – بصائر من ربكم وهدى ورحمة.

فإن رأى أحدنا أمورا , واختلفت رؤيته عما رآه غيره , فلا عجب من ذلك , ولا حرج ولا بأس , بل إن هذا من مشيئة الله الذي قال سبحانه ” ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة , ولا يزالون مختلفين , إلا من رحم ربك , ولذلك خلقهم” . ولا يُمس القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, من خطأ المخطئين, وإنما تكون نظرتنا إن أخطأت هي المخطئة , ونقوم بتعديلها , ويظل القرآن سليما من أي تحريف , مصونا بأمر ربّ العالمين.
قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنْ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ(50)سبأ

المقالات

Sub Categories

نريد أن نكون من الذين قال الله فيهم: (ولقد يسرنا القرآن للذكر, فهل من مُدَّكِر!) نحيا بالقرآن, فنتعلم كيف نتدبّره, ونعمل به ونعلمه, كمنهاج حياة, فهو إمامنا نحو بناء الحضارة الإنسانية

روابط المقالات

اشترك

اشترك فى نشرتنا الاخبارية لتتابع جديد المقالات والاخبار

Develop By Quran – Copyright 2012 / 2022 – All Right Reserved

arArabic