سورة مريم..إعداد الجيل الجديد للقيادة

0 تعليق 335 مشاهدة

إن سألنا أي أب وأم: ما هي رؤيتهما لمستقبل أبنائهما؟ وما هي أهدافهما من تربيتهم؟ فربما نجد اتفاقا في الإجابة بين كل الآباء والأمهات بصرف النظر عن الجنسية ومستوى التعليم والملّة والتاريخ.
إن الجميع بلا شك يحبون ويسعَوْن إلى أن يعدّوا أبناءهم بالعلم وبالجسم وبالتربية وبالمال وبالخلق, كي يتبوأوا مراكز عالية في الدنيا, وينشئوا أسرا جديدة بمستوى معيشة أعلى.
ولكن .. هل للمسلمين إضافة إلى هذه الإجابات؟
… هل المطلوب من أبناء المسلمين يزيد عن المطلوب من أبناء غيرهم؟
…. ما الذي ينبغي أن يزيده المسلمون في أهدافهم من تربية أبنائهم؟

ربما يقول البعض: إن الهدف هو أن يعرف الأبناء ربهم ودينهم, أن يحفظوا من كتاب الله وسنة رسوله, أن يعملوا بما علموا. أن يدخلوا الجنة في الآخرة. أن يحظوا برضى ربهم. وكل هذه إجابات عاقلة وسليمة. ولكن ربما يشاركهم فيها بعض أهل الكتاب الذين يؤمنون بالآخرة, ولديهم كتب منسوبة إلى السماء.

أمّا الإضافة الأساسية التي يجب أن تميّز أهداف المسلمين من تربية أبنائهم دون غيرهم من الأبناء في العالم, بل الهدف الأول الذي ينبغي أن يقصدوه, والذي يشمل ويجُبّ كل الأهداف الأخرى, هو
أن يُعِدّوا أبناءهم لميراث رسالة الله إلى الناس
والتي بدأت من قوله تعالى إلى آدم وزوجه وبنيه: (اهبطوا منها جميعا, فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون), وإلى أن قال سبحانه: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا: فمنهم ظالم لنفسه, ومنهم مقتصد, ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير).

لقد انتقلت مسئولية رسالة الله إلى الناس من جيل إلى جيل, حملها أشرف خلق الله من الأنبياء والرسل, إلى أن وصلت إلى رسول الله محمّد عليه الصلاة والسلام, أشرف الخلق أجمعين. وباعتباره خاتم النبيين والرسل, ورسالته خاتمة الرسالات, فإن الأمة الإسلامية قد حمّلها الله مسئولية تبليغ هذه الرسالة إلى الناس, ومسئولية تطبيقها وإقامتها في كل مكان وفي كل عصر, ليعيش الناس في سلام وأمان بعيدا عن الظلم والطغيان, وبعيدا عن الفسق والفجور.

هذا المعنى نجده في سورة فاطر السابقة لسورة مريم مباشرة في ترتيب النزول, من قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ(29)لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ(30)

… وهؤلاء والله أعلم هم كل حملة كتاب الله ورسالاته إلى عباده من أول آدم عليه السلام, وإلى يوم القيامة, وكل من سار على نهجهم يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقهم الله سرا وعلانية, خاصة أولئك الذين أرسلهم الله من قبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ(31)
وهذه مرحلة رسول الله خاتم النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم.

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ(32). وهؤلاء هم من جاءوا من بعد محمد صلّى الله عليه وسلم, بموجب حرف العطف (ثمّ) فآمنوا بما جاء به وصاروا من المسلمين المؤمنين على ملة محمد وأبيه إبراهيم. أي هم هذه الأمة الإسلامية بكل أفرادها وكل تصرفاتها:
الظالم لنفسه, الذي لم يأخذ حقه من ميراث الكتاب,
والمقتصد, الذي أخذ حقه فقط ولم يزد على ذلك شيئا,
والسابق بالخيرات بإذن الله, ذلك هو الفضل الكبير, وهم من أخذوا حقهم من الميراث, وأدوا حقه في الحفظ والعمل والنشر والدعوة والأسوة الحسنة, والجهاد في سبيل ذلك لتكون كلمة الله هي العليا.

إذن فأمة محمد أورثها الله كل الكتاب الذي أنزل على أنبيائه ورسله والذي ختمه بالقرآن الكريم, وهي قد حملت هذه المسئولية, حيث لا كتاب بعد القرآن, ولا رسول ولا نبيّ بعد خاتم الأنبياء.
هذه المسئولية يحملها جيل بعد جيل, وينقلها جيل إلى جيل, ويتوارثها جيل عقب جيل.

إذن فنحن, ثم أبناؤنا نشترك جميعا في حمل هذا الميراث, ميراث الكتاب, يحمل كل منا ما يستطيع منه, فيحفظه, ويعمل به, ويدعو إليه.
فكيف نعدّ أبناءنا لحمل هذه المسئولية, ولميراث الكتاب؟ وما هو المنهاج الذي يجب أن يسير عليه الآباء حين يربّون أبناءهم على هذه النية, على أن يرثوا مسئولياتهم في الدعوة إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة, وبالجهاد حين يدعو داعيه؟

إن في سورة مريم (كاف ها يا عين صاد), منهاجا لتربية الأبناء وإعدادهم كورثة لرسالات الله. فالوارث لكتاب الله لابد أن يعدّ إعدادا جيدا, ويؤهل تأهيلا عاليا, وتغرس فيه خصائص تجعله يصل إلى قلوب الناس, بالحنان والحب, بالقلب والعقل, بالبركة والقوة والتفوق والمكان العلي.

المقالات

Sub Categories

نريد أن نكون من الذين قال الله فيهم: (ولقد يسرنا القرآن للذكر, فهل من مُدَّكِر!) نحيا بالقرآن, فنتعلم كيف نتدبّره, ونعمل به ونعلمه, كمنهاج حياة, فهو إمامنا نحو بناء الحضارة الإنسانية

روابط المقالات

اشترك

اشترك فى نشرتنا الاخبارية لتتابع جديد المقالات والاخبار

Develop By Quran – Copyright 2012 / 2022 – All Right Reserved

arArabic