إن الترتيب – والله أعلم- هو ترتيب لمراحل مختلفة من حياة الأبناء, والتطوير التربوي لهم في اتجاه التأهيل لميراث الكتاب وحمل مسئولية تبليغه وتطبيقه والتمكين لدين الله وشريعته, ولخلافته في الأرض.
لقد رتب الله القصص في سورة مريم حسب المرحلة العمرية للذرية, وهذا ما يمكننا أن نتبينه من مدارسة السورة وتدبّرها.
وبصفة عامة هناك ثلاث مراحل رئيسية في عمر الإنسان, تنقسم كل مرحلة منها إلى مرحلتين فرعيتين, فتكون جميعها ست مراحل, وفيها تقسيم لمراحل نمو الأبناء بل لعمر الإنسان عموما:
(الله الذي خلقكم من ضعف, ثم جعل من بعد ضعف قوة, ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة)
(ثم نخرجكم طفلا, ثم لتبلغوا أشدكم , ثم لتكونوا شيوخا)
ونظرا لجسامة مسئولية إعداد الذرية لميراث الكتاب, والتي تعني مستقبل الدعوة ومستقبل الدنيا كلها, مستقبل العمل بكتاب الله نشرا للحق والعدل وحربا للإفساد والطغيان, وتقويما للفجور والفساد, فإن الله سبحانه لم يتركنا أمام هذه المسئولية دون أن يؤهلنا لها في كتابه العزيز. وقد جاءت القصص الستة مفصلة لمراحل العمر المختلفة:
مرحلة الطفولة وتشمل:
فترة الصبى قبل البلوغ( الصبيّ والصبيّة) , ويمثلها يحيي عليه السلام حيث قال الله فيه: وآتيناه الحكم صبيا, (الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) (الذين لم يبلغوا الحلم منكم)
وفترة الغلام عقب البلوغ (الغلام والغلامة), ويمثلها عيسى عليه السلام, الذي قال الله على لسانه: وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا.
ويظل الإنسان طفلا حتى يبلغ سنّ رشده, فلا يمكن اعتبار من في سنّ البلوغ رجلا أو امرأة, بل هو طفل بلغ الحُلُم (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم, فليستأذنوا..)
ثم مرحلة بلوغ الأشدّ والرُّشد, وتشمل:
فترة الفتوة (الفتى والفتاة), ويمثلها إبراهيم عليه السلام, الذي تذكر في السورة تفاصيل عن بداية دعوته لأبيه, يقول عنه قومه: سمعنا فتي يذكرهم يقال له إبراهيم.
وفترة الشباب (الشاب والشابة) ويمثلها موسى عليه السلام, والذي تذكر في السورة تفاصيل عن بداية رسالته حين انتهى عصر فرعون وبدأ موسى يتلقّى عن الله رسالاته وكلامه وشريعته.
وهناك فارق مميّز لمرحلة ما قبل الزواج, ومرحلة ما بعد الزواج.
ثم مرحلة الحكمة وتشمل:
بلوغ الأربعين (الرجل والمرأة), (حتى إذا بلغ أشُدّه وبلغ أربعين سنة)
ويمثلها في السورة إسماعيل عليه السلام, حيث كان له أهل يأمرهم بالصلاة والزكاة.
ثم مرحلة المكان العليّ (الرجل الشيخ والمرأة العجوز),
ويمثلها إدريس عليه السلام الذي قال الله فيه: ورفعناه مكانا عليّا.
وهناك فارق بين الرجل الذي بلغ الأربعين, وبين الذي بلغ مرحلة الشيخوخة. وكذلك المرأة في سن الأربعين, وفي سن العجوز.
وقد وصف الله كل هؤلاء النبيين بأنهم إذا تتلى عليهم آيات الرحمان خرّوا سجدا وبكيا.
وفي السطور التالية, تتبين خصائص كل مرحلة من هذه المراحل, والأخلاق والطبائع التي يجب أن تغرس في الأبناء فيها, وأسلوب التربية المناسب لها, والذي يوصّل إلى تلك الأهداف.
ثم تتلوها خصائص الهدم التي يمكن أن يتعرض لها الأبناء, وكيفية مواجهتها وعلاجها.
فإلى رحاب السورة العظيمة, سورة مريم, وكل سور القرآن عظيمة…