تمثل سورة البقرة الحكومة التنفيذية بكل خصائصها بدءا من القسم على احترام الدستوروتصنيف المواطنين طبقا لموقفهم منه, ومشروعيتها, ومسئوليات العمل العام وواجبات الدفاع والأمن القومي والعلاقات الخارجية والأحوال الشخصية والمالية…
زهرة القرآن:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «اقْرَأُوا الْقُرْآنَ. فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ. اقْرَأُوا الزَّهْرَاوَيْنِ : الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ . فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ. أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ. أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ. تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَأُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ. فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ. وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ. وَلاَ يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».[1]
والزهرة[2] هي نتاج النبات, بعد إنبات بذرته وامتداد جذوره ورفع ساقه وفروعه في السماء, ثم لكي ينتفع الناس به, تخرج زهرته حاملة حبوب اللقاح فإذا تلاقحت تحولت الزهرة إلى ثمرة, لينتفع الناس بها.
والغياية السحابة المنفردة, وهي ظل الشمس بالغداة والعشي. والبطلة السحرة.
كذلك هي سورة البقرة, فقد أنزلها الله بعد القرآن المكي الذي هو النبات الأول في الأصل والجذر والساق والفروع, فكانت هي الزهرة التي تتلاقح مع تقوى المتقين, وإخلاص المخلصين, وعمل العاملين, فتثمر هدى ورحمة للناس, تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
.. وكأن سورة البقرة هي الحكومة التنفيذية, تحمل أسس العمل العام النافع, والنظام والتشريع للحضارة الإنسانية, وينتج عنها استمرار للحياة, والحفاظ عليها.
ومن هذه الرؤية تظهر المحاور الرئيسة في السورة.
… ومن كل رؤية ومن كل زاوية فالقرآن جميل حكيم لا تنقضي عجائبه, وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق, وإنه يعلو ولا يُعلى عليه. اللهم علمنا القرآن, وارزقنا تدبّره, ونوّر قلوبنا وعيوننا وجوارحنا وألسنتنا وبيوتنا وأهلينا ومجتمعاتنا وحكامنا وحكوماتنا به… آمين.
…………..
لبث صلّى الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشر عاما بعد بدء نزول القرآن, وهو يدعو الناس..
.. وقد مثّل القرآن المكّي[3] في ست وثمانين سورة, مرحلة بناء قواعد الحضارة الإنسانية, والأساس السياسي لأية حكومة تسوس الناس وترعى مصالحهم. وقد استعرضت في رؤية للقرآن المكي تلك القواعد والأسس, فكانت خلاصتها هي مراحل: بناء الإخلاص , ثم المشاركة بين كل طوائف المجتمع على اختلاف عقائدهم, ثم القيادة بكل مستوياتها, ثم إدارة الأزمات, ثم بناء الحكمة, ثم أسس فصل الخطاب والنظام القضائي, ثم مناهج العمل والنشاط الإنساني والاقتصادي, ثم منهاج الدعوة العالمية لإخراج الناس عامة من الظلمات إلى النور, وترقية المؤمنين, وزلزلة الكافرين.
بداية العصر المدنيّ:
وبعد أن علمه الله أصول بناء الحضارة في القرآن المكيّ؛ هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.
بدأ القرآن المدني بسورة البقرة, وانتهى بها, حيث ظلت تتنزل طوال العهد المدني, بدءا من وصول رسول الله إلى المدينة, وإلى أن نزلت آخر آية في كتاب الله (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) وتنزلت خلالها كل السور المدنية بالتشريعات في كل ميادين الحياة.
ويمثل القرآن المدني في ثمان وعشرين سورة, إضافة رئيسة للمنهج القرآني في بناء الحضارة الإنسانية, فهو الحكومة التنفيذية القائمة على التطبيق العملي للقواعد والأسس المبنية في مكة. وهو ………
الحياة بالقرآن الكريم: وتشمل التنظيم الإداري والقيادي لحياة الناس في أي من المجتمعات الإنسانية, في دولة أو مؤسسة أو حتى عائلة. وتضم الفكر والتشريع والقضاء والعمل العام بكل صوره.
ويبدأ صلّى الله عليه وسلم في تأسيس دولة تقوم بأمر الله, وتعمل بكتابه في كل مناحي حياتها, وتكون مسئولة عن بناء حضارة إنسانية تشمل كل الناس في كل الأرض في كل الزمان, يضرب الله بها المثل في كيفية أن الإنسان الذي استخلفه الله في الأرض, لو أنه أخذ الهدى الذي أنزله الله له فتعلمه, وآمن به, وجعله سلوكا يطبقه ويعيش به, فسوف يرتفع شأنه في الدنيا, ويرتفع شأن الدنيا به, وتتحسّن أحوال الناس فيها. فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
فإمام الدولة ودستورها هو ذلك الكتاب, والمجتمع ينقسم أمامه إلى طوائف طبقا لاعتراف كل طائفة به, ورئاسة الدولة والوزارة لها مشروعية تمتد من استخلاف الله لآدم في الأرض, والنظام التشريعي ممتد من الهدى الذي أتى من الله إلى رسله وأنبيائه, وينصح الله المسئولين عن العمل العام بالاستعانة بالصبر والصلاة, حيث يتعرضون للمخاطر التي قد تصل إلى القتل في سبيل الله, والابتلاءات والمصائب, وعليهم مسئولية إبلاغ رسالات الله, فلا يكتمون ما أنزل الله للناس في الكتاب. والمسئولون عن العمل متبعون لهدي الله, لا يجتهدون مع نصوصه القطعية المحكمة, وإنما اجتهادهم يكون في التنفيذ, وهم لا يكتفون بتوجيه وجوههم قبل المشرق والمغرب, ولكن تجب عليهم الأعمال العظيمة الجليلة النافعة للناس فهم من المصلحين, وعليهم حفظ النظام وإقامة القصاص واحترام الوصايا, وهم قوم يعقلون, ثم يتقون, ثم ينفذون, فيدخلهم الله في برامج تأهيل شخصية لعلهم يتقون بالصيام والحج والعمرة, ويحرم عليهم أكل الأموال بالباطل ورشوة الحكام, وعليهم تحديد مواقيت للناس بالأهلة, كما أن عليهم التأهيل للقتال دفاعا عن النفس, وردا للاعتداء, ثم لإعادة الحقوق لأصحابها, ويضرب الله المثل بالذي إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل, وذلك الذي يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله, ثم يدعوهم سبحانه للدخول في السلم كافة وعدم اتباع خطوات الشيطان, وعليهم رعاية حقوق الفئات الأوْلى بالرعاية من اليتامى والمواليد والأرامل والمطلقات, وعليهم تنظيم المعاملات المالية من الإنفاق في سبيل الله للمصلحة العامة, ومنع الربا وتنظيم الديون. وفي الخاتمة, يؤكد الله لكل المسلمين باعتبارهم مسئولين عن العمل العام وشهداء على الناس, أن يؤمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله, والسمع والطاعة لله, ثم بالدعاء: “ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا, ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا, ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به, واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين”. آمين
وفيما يلي تفصيل بعد إجمال..
العمل العام
تمثّل سورة البقرة الحكومة التنفيذية, بكل خصائصها, بدءا بدستورها, وهو القرآن, وتصنيف مواطنيها طبقا لموقفهم من الدستور, ومشروعية وجودها وتوليها السلطة والمسئولية, وخصائص القائمين عليها ومسئولياتهم, وتربطهم بحبل الله وميثاقه, كما تبين المهام الرئيسة للحكومة التنفيذية من الدفاع والأمن القومي, والخارجية, والحكم المحلي, والأحوال الشخصية, والأحوال المالية والاقتصادية.
والحكومة التنفيذية لها دور بالغ الأهمية في الحياة, لا غنى عنه في سياسة الناس ورعاية مصالحهم, فهي تمثل العمل العام, الذي يتعدى حدود مصلحة صاحبه, إلى مصالح الناس, وتتعدى اهتمامات صاحبه الخاصة, إلى الهم العام للناس, وتظل اهتماماته تتسع لتشمل في النهاية كل الناس في كل مكان وفي كل زمان, بل وتشمل كل المخلوقات على الأرض التي جعل الله آدم وبنيه فيها خلفاء. وتلك مسئولية رسول الله, الذي أرسله الله للناس كافة ورحمة للعالمين, وكل مسلم يشهد ألا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله, يتحمل جزءا من تلك المسئولية إلى يوم القيامة.
وإن كانت الحكومات التنفيذية في الدول تمثل قمة العمل العام, إلا أنه أيضا يشمل رؤساء المؤسسات, والمنظمات الأهلية, وإمام المسجد, وواعظ الكنيسة, ورئيس الحي, وضابط الشرطة, والجندي في الجيش, والصحفي, والإعلامي, ورعاة حقوق الإنسان, وحقوق الحيوان والمهتمين بالبيئة, والمجاهدين لحريات بلادهم, والمدافعين عن المبادئ والأخلاقيات وحقوق الضعفاء والأقليات, وكل العاملين بالسياسة والعمل الحزبي والمجالس النيابية.
ويشمل العمل العام الحفاظ على النظام العام, وسن القوانين وتنفيذها, والمحافظة عليها, وتخطيط المستقبل, والعلاقات الخارجية للدول, والقضاء بين الناس. والتعليم والصحة والبيئة, والدفاع والأمن القومي, كما يشمل فروض الكفايات التي لا يقوم بها إلا بعض الناس.
وأمر خطير مثل العمل العام لا يمكن أن يغفله القرآن الكريم.
روى القرطبي في تفسير سورة البقرة (بَعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بَعْثاً وهم ذوو عدد وقدّم عليهم أحدثَهم سِنَّا لحفظه سورة البقرة، وقال له: «اذهب فأنت أميرهم») [4] , وهذا الحديث يؤكد أن سورة البقرة هي قواعد الحكومة التنفيذية, وهي ميثاق العمل العام, ومن يتعلمها فهو أمير الناس. وقد تعلّمها عمر رضي الله عنه بفقهها وما تحتوي عليه في اثنتي عشرة سنة. فتحولت الدولة الإسلامية على عهده إلى دولة حديثة لم يشهد التاريخ مثلها من قبل, وتحول بها عمر رضي الله عنه إلى رجل دولة من الطراز الأول, بعد أن كان في الجاهلية يصنع صنما من العجوة فإذا جاع أكله… اللهم اهدنا كما هديته.
كما روى عنه أنه قال: «إن لكل شيء سَناماً وإن سَنام القرآن سورة البقرة» والسنام هو قمة الجمل, وهو مخزن الغذاء, وهو موضع حمل الراكب, والأحمال التي يحملها, وكذلك المسئول العام والحكومة التنفيذية فهي سنام الدول وسنام الأمم, وهي التي تحمل هم المواطنين ومسئولية تدبير المعيشة لهم وحملهم إلى حاجاتهم وأهدافهم.
وروي أيضاً عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر إنّ الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة».
وقمة العمل التنفيذي تتمثل في الجالس على كرسي الحكم في أية دولة.
والمثل الأعلى في كل شيء هو لله سبحانه وتعالى العلي العظيم, ولله المثل الأعلى في المسئولية عن الكون كله, وفي تدبير شئون السماوات والأرض, فتأتي آية الكرسي في سورة البقرة لتبين ذلك: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255))
والعمل التنفيذي يحتاج إلى سلطان, ثم إلى أمثلة عملية تمثل الخبرات اللازمة للعمل, ثم إلى خطوات ومنهاج لتنفيذ المهمات اللازمة, وملخص تلك الخطوات في فاتحة السورة (ألم) فيقيم الله سلطان الكتاب في القلوب (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) ويقيم سلطان الخلافة في الأرض, بدءا من سلطان آدم على الملائكة والجن والأرض كلها, إلى سلطان بني إسرائيل الذين فضلهم الله على العالمين برسالاته ومسئوليات نقلها إلى الناس, ثم سلطان رسول الله رحمة للعالمين, ثم سلطان المسلمين (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا), وضرب الله الأمثلة لمن ولاهم الخلافة فقصّروا فيها وما رعوها حق رعايتها, وخالفوا وكيف كان مصيرهم, ثم في الخطوة الثالثة, أنزل الله أوامره وبين المهام التي يكلف بها المسئولين الجدد عن الناس.
وكلما بدأ الله بتكليف بدأه بإعلاء سلطانه في القلوب والعقول, ثم بضرب الأمثلة عن ذلك التكليف, ثم ببيان التكليف نفسه. ففي التكليف باتباع ما أنزل الله, بدأ (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) ثم بضرب أمثلة عمن يتخذون من دون الله آلهة, ومن يتبعون خطوات الشيطان, ومن يتبعون آباءهم, ثم أمر بعد ذلك باتباع ما أنزل الله. وفي التكليف بالإنفاق والمعاملات المالية التي قد تعز على الناس قبل أبنائهم وأنفسهم, بدأ الله بآية الكرسي, لإعلاء سلطان الله في القلوب ومسئوليته عن السماوات والأرض (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) ثم ضرب الأمثلة بالذي حاج إبراهيم في ربه, وبالذي مر على قرية, وبإبراهيم حين سأل الله أن يريه كيف يحيي الموتى, ثم أمر بعد ذلك بالمهمات الخاصة بالمعاملات المالية. ولمزيد من الإيضاح عن الحروف يمكن مراجعة الموضوع في باب (الحروف النورانية) أو الحروف الفواتح..
ومع سورة البقرة والحكومة التنفيذية, والمسئولية العامة نقرأ باسم الله الرحمان الرحيم..
……………..
إمام الدولة ودستورها:
والإمام في دولة الإسلام هو (ذلك الكتاب), كتاب الله, تدور به شئون الدولة كلها. وهو أيضا إمام المؤمن الذي يتخذه منهاج حياة, ولا يكتفي بالتبرك بتلاوته دون فهم أو دون تطبيق. وأسوته الحسنة في الحياة بكتاب الله والحركة به, هو رسول الله صلّى الله عليه وسلم, بما أمره الله سبحانه (لتبين للناس ما نُزِّل إليهم)[5]
بنى الله سبحانه عظمة كتابه في قلوب المؤمنين, حيث سيؤمهم به إلى يوم القيامة, ويستعملهم على تبليغ رسالته للعالمين. إذن لابد أن يكون الكتاب لا ريب فيه, حتى يكون هدى للمتقين، وهذا ما أكدته فاتحة سورة البقرة (ألم* ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)
ومن يتتبع آيات الله في السور المكية, خاصة الأخيرة منها, يصل بعقله قبل قلبه, إلى أن (ذلك الكتاب لا ريب فيه), فكل ما أنبأ به ثابت وتراه العين المجردة, في الآيات الكونية, وفي أحوال العباد والأمم, كما يصل إلى الرهبة من الله والخوف منه ومن حسابه يوم القيامة, فيكون من المتقين, ويصل بعقله قبل قلبه إلى أن يكون من (الذين يؤمنون بالغيب), وهذه هي أسس الاهتداء بالكتاب, والاستفادة منه فيكون هدى ورحمة لمن آمن به بلا ريب, وبهذا فُتحت سورة البقرة.
…… ….. ……
أولا: الحياة بالقرآن لا تكون إلا بعد إزالة كل ريب فيه
(ألم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ … هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)
إن المسئول العام لابد أن يقرّ بثقته في الدستور دون أدنى ريب فيه, ويقسم على ذلك قبل أن يتولى مسئولياته العامة. ويشهد قارئ سورة البقرة من اللحظة الأولى بأن (ذلك الكتاب لا ريب فيه) فإن لم يشهد, فلن ينتفع به, ولن يصلح كشخصية عامة متبعة لذلك الكتاب.
والحكومة التنفيذية التي دستورها وإمامها القرآن, قبل أن تؤدي دورها في سياسة أحوال الناس, لابد أن تصدّق بالدستور, وتعلن ثقتها فيه, وإيمانها به دون ريب في أي جزء منه, سواء في صدق نسبته إلى الله, أو في أمانة الوحي الذي جاء به, أوفي صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلم الذي بلّغه للناس, أو في الثقة في كل حرف فيه وكل كلمة وكل معنى وكل حكم, وكل أمر وكل نهي, بأنها كلها من الله سبحانه لا ريب.
رغم أن القرآن هدى للناس, فهو يهدي الضال, ويعلم الجاهل, ويدل الحيران, ويبين آيات الله الكونية, وتاريخ الأمم السابقة, وينير الطريق إلى المستقبل والسبيل إلى الهداية, رغم كل ذلك, فإن أحكامه وقوانينه وشريعته لا يحدث النفع منها إلا بعد إزالة كل ريب في الكتاب, ثم لا يحدث النفع منها إلا للمتقين.
والذي يرتاب في أي شيء من ذلك الكتاب, لا يمكنه الاهتداء بما جاء به, وبالتالي فإنه قد لا يتبع الشريعة والأحكام التي نزلت فيه, ولكن يطلب منه أن يعود فيراجع موقفه من الكتاب, حتى يزيل الريب, بأن يحاول أن يأتي بسورة من مثله, ويدعو شهداءه من دون الله, فإن ثبت لديه أن هذا الكتاب يستحيل أن يأتي إلا من عند الله, ولا يمكن أن ينزّله إلا الذي يعلم السر في السماوات والأرض, فإنه يثق فيه, ويهتدي به, ويخشى على نفسه من مخالفته, سواء كان يخشى من عدم توفيق الله له في حياته إن خالف أوامره ونواهيه وهديه, أو يخشى من محاسبة الله له يوم القيامة على تركه لما أنزل الله وتفريطه فيه, أو تعطيله لأحكامه. أي أنه يكون من المتقين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس), وقال: (دَعْ ما يُريبُك إِلـى ما لا يُرِيبُكَ)
عندئذ, وعندئذ فقط, يصبح الكتاب هدى له, على أن يكون من المتقين, الذين يتقون غضب الله, ويتقون معصية الله, ويتقون سوء الحساب أمام الله يوم القيامة, فيكون الكتاب هدى لمثل هؤلاء, ولا يكون هدى لغيرهم من المرتابين فيه, ولا من الفجار الذين لا يراعون الله في تصرفاتهم, ولا حتى من المؤمنين الذين يكتفون بالإيمان والقناعة بأن هذا الكتاب من عند الله, ولكنهم لا يخشون حساب الله لهم, فيتركون العمل بذلك الكتاب.
………………..
● تصنيف المجتمع إلى طوائف على أساس العقيدة:
ثم تصنّف الآيات التالية (من 2 إلى 28) من سورة البقرة طوائف المجتمع, ففي مجتمع إمامه ودستوره القرآن, يتم تصنيف طوائفه طبقا لموقفهم من الدستور, مؤيدون مؤمنون به, أو معاكسون متربصون له كافرون به, أو منافقون يؤيدون في الظاهر ويخالفون في الباطن, أو عموم الناس الذين لا يؤيدون ولا يعارضون الدستور, فيتم عرضه عليهم للتصديق والثقة للانضمام للطائفة الأولى..
. فتبدأ بالمتقين, (…هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) الذين آمنوا بالكتاب ولم يرتابوا فيه, فصار هدى لهم, والدولة التي توافقت على تحكيم الله سبحانه في أمورها, تمكّن للذين آمنوا وعملوا الصالحات, ولا تمكّن للمفسدين في الأرض, كما تمكّن للمتقين ولا تمكّن للفُجّار, وذلك كما جاء في سورة ص؛ سورة القيادة (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض؟ أم نجعل المتقين كالفُجّار؟). وبالتالي, فإن المسئول عن تدبير الأمور بالقرآن هم المتقون الذين استقروا على الإيمان في قلوبهم, ولم يرتابوا في كتابهم, ويعملون به في كل أمور حياتهم حبا لله, واتقاء لغضبه, وبعدا عن الخطايا الناجمة عن معصيته جلّ وعلا.
ثم تصنّف طائفة الذين كفروا, أي الذين استقر حالهم على الكفر من بعد ما تبين لهم الحق, وأخذوا موقفا بغير رجعة, من الله ومن القرآن, وبالتالي فلا فائدة من دعوتهم بعد أن تبين الرشد من الغي, وتبينت آيات الله الكونية والتاريخية والمستقبلية وهذه حالة نهائية وليست ابتدائية, أي أن الله سبحانه لم يصم الذين كفروا بأنهم لا فائدة فيهم من أول يوم عرض عليهم الإسلام فيه, وإنما بعد مرور ثلاثة عشر عاما بكل ما عرض الله فيها من آيات وحكمة وإثباتات وشواهد عقلية ومنطقية, فمن لم يصدّق بعد كل ذلك, فلا فائدة فيه, , فهم يكفرون, بل ويعادون ويتربصون (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون, ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم, وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم).
ونظرا لتملك الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمتقين زمام الأمور في دولة الإسلام أو مؤسساته, فإن فئة أخرى غير مؤمنة بالله وكتابه, سوف تسعى لإظهار الإيمان اقترابا من السلطة, وهي بذلك أخطر فئة وأخبث جماعة, والله يبين أمرها المختفي لأخذ الحذر منها. وهم المنافقون (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) … (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا, وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون),
ثم يتوجه القرآن بعد ذلك بالدعوة إلى عامة الناس باللحاق بجماعة المتقين ليكون القرآن هدى لهم (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون). كما دعاهم إن كانوا في ريب, أن يعملوا على إزالة هذا الريب أولا, قبل أن يأمرهم بالعبادة (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين)
وتأخذ التقوى بيد أصحابها إلى العمل الصالح كما يرضاه الله, فتنشأ فئة يبشرها الله: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار)
………………
صفات المتقين الممارسين للعمل العام:
وللمتقين صفات كثيرة, ولكن الصفات التي تختص بتحقيق الهدى من ذلك الكتاب هي:
.. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
- الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ: لابد من توافر هذا الشرط في المتقين. فالله غيب, وجبريل أمين الوحي غيب, وما قصّ الكتاب عن السابقين من أمم غيب, وما أنبأ مما هو آت إلى يوم القيامة غيب, والبعث بعد الموت غيب, والحساب والجنة والنار غيب. ومن لم يؤمن بالغيب, فإن الكتاب لن يكون هدى له, وعليه أن يراجع نفسه حتى يصل إلى الإيمان بالغيب أولا, ثم بعد ذلك يقرأ ويتعلم ويتبع. والإيمان بالغيب هو ثمرة العقل الواعي الراشد الذي يقرأ القرآن الذي أنزله الله قبل نزول سورة البقرة, فجعله تمهيدا للصراط المستقيم وتهيئة للقلوب والعقول لتلقي هدي الله وأوامره ونواهيه تفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة.
- وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ: تدرج أمر الله للناس بالصلاة, من الالتزام بها, وعدم السهو عنها في سورة الماعون, إلى الخشوع فيها كما في سورة المؤمنون, إلى القيام بها في سورة السجدة (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون, تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا, ومما رزقناهم ينفقون), ثم للتحلي بصفات المصلين في سورة المعارج (إلا المصلين, الذين هم على صلاتهم دائمون, والذين هم ….) ثم بلغ بها القمة حين أمر في سورة العنكبوت (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون) فأصبحت الصلاة أداة لتنقية المجتمع من الفحشاء والمنكر, وهي الوسيلة التي هدى الله خليله إبراهيم عليه السلام إليها لتجميع الناس من حول المصلين, وتكوين الجماعة المتكافلة المتناصحة المتواصية, (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم, ربنا ليقيموا الصلاة, فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) وهي أيضا ما أوحى الله لموسى عليه السلام حين بدأ في الصمود أمام فرعون (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة). فتكون بذلك إقامة الصلاة هي أول آلية لإقرار شريعة الله في الأرض, وللتمكين للمتقين, ولدعوة بقية الناس للانضمام لركب الحضارة والتعاون على النهوض بالدولة وبالأمة.
- وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ: الجناح المالي في الدعوة أمر أساس, فالله سبحانه جعل الفقراء في عنق الأغنياء, وجعل في أموال المصلين حقا معلوما للسائل والمحروم. والضغوط المادية على الناس تجعلهم يهتمون بتحصيلها أولا وقبل التفكير في أمور المجتمع وإقامة نهضته وحضارته. ولهذا فإن المتقين لابد أن ينفقوا مما رزقهم الله سبحانه, فيكفلون فقراءهم ومحتاجيهم, ويقيمون العلاقة الأفقية بين أفراد وطبقات وطوائف المجتمع, بالإنفاق مما رزقهم الله. إنهم يدخلون في دين الله, ويشاركون في بناء الحضارة, وهم يتحملون من أرزاقهم وممتلكاتهم, يشعرون ويؤمنون أنها مما رزقهم الله, فينفقون لوجه الله, إنهم لا يسعون لتحقيق منفعة مادية من المشروع الحضاري, بقدر ما يحقق المجتمع منهم منفعة مادية, إن عقيدتهم تكلفهم أداء جزء مما رزقهم الله. وغيرهم يدخل في المشروع الحضاري لتحقيق منافع شخصية فلا يهتدون بهداية ذلك الكتاب.
- وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ: وتلك صفة أساسية للمتقين المسئولين عن إقامة الحضارة وإدارة الدولة, فهم يعترفون بالآخرين ويؤمنون بما أنزل من قبل القرآن, في إطار توحيد الجهود للبناء في مجتمع يستمتع بحرية العقيدة, ولإظهار العلاقة الطيبة الإيجابية مع الذين يؤمنون بما أنزل من قبل القرآن, ولضرب الأسوة الحسنة في التواصل والتفاهم, فإن آمن أهل الكتاب بما أنزل إليهم, وما أنزل من بعد, فسيصلون إلى كلمة سواء مع الذين جاءوا من بعدهم, حتى ولو ظلوا على شرعتهم وكتبهم, ولا إكراه في الدين.
- وَبِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ: اليقين بالآخرة أساس لتطبيق أوامر الله والانتهاء عن نواهيه. فالموقن بالآخرة يراجع كل تصرفاته وأقواله وأفعاله اتقاء الحرج بين يدي الله في الآخرة حيث يحاسب الناس على أساس ما أنزل إليهم. كما أن فقدان اليقين بالآخرة, يؤدي إلى ما نراه من ظلم وبغي وطغيان وفساد وفجور, خاصة في بعض القائمين على النظم السياسية في العالم, وفي بعض القائمين على مصالح الناس, بل قل في كل سلوكيات الناس إلا من رحم الله وهدى.
- أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: والذين يتصفون بتلك الصفات, يكونون على طريق هدى من ربهم, وأولئك هم المفلحون. لم يصلوا بعد لكامل الهدى, ولكنهم مؤهلون لتلقي هدى من ربهم فيتبعونه.
ما سبق مقدمة أساسية في مشروع إصلاح المجتمع. فنتيجة لتحقيق هذه الخصائص في عقيدة وسلوكيات المسئولين عن الحكومة وهيئاتها, وفي المسئولين عن مصالح الناس في المؤسسات والمصانع والمستشفيات والأعمال, نتيجة لذلك, فإننا نجد ناسا مؤهلين للتلقي من الله بآيات كتابه الكريم, وبالتنفيذ دون تردد أو ريب, وبالتسليم التام لما أنزل الله في كتابه. عندئذ فإن هؤلاء الناس يأتمون بكتاب الله, فيقودهم الله بهديه إلى الحياة بالقرآن.
إن المشروع الحضاري, إن لم يُبن على تقوى الله والاستعداد للحساب بين يديه, والإخلاص لله, والتضحية والبذل من القائمين عليه قبل غيرهم, فإنه سيتحول إلى بناء مدنية جوفاء, لها مظاهرها المادية, وليس لها قلب, ينتج عنها مفسدون في الأرض, وينتج عنها فُجّار, فلا تحصل من ورائهم منافع حقيقية للناس, بل هم أنفسهم يستفيدون استفادة شخصية على حساب الناس.
تحديات إقامة الحضارة ودولتها:
إن الإنسان هو العنصر الرئيس في إنجاح أي مشروع حضاري, أو في إفشاله. وبالتالي, فإن الاهتمام بإعداد الإنسان وثقته في المنهاج الذي يشارك في تنفيذه يعتبر أساس كل نجاح.
وإن كان الإيمان بالله, وعدم الارتياب في الكتاب, وتقوى الله, هو الأساس لتمكين أمر الله في الدولة, فإن الذي يخالف ذلك فيرتاب في الكتاب, يكون معوقا أو معرقلا, يمنع الوصول إلى الهدف؛ وبالتالي فإن الذين كفروا والمنافقين يمثلون تحديا يواجهه المشروع الحضاري, المبني على هدى الله النازل في كتابه, وعلى تقوى الناس لربهم في سلوكهم ومعاملاتهم. فالذين كفروا اتخذوا موقفا مضادا صريحا لكتاب الله وهديه, فهم غير مقتنعين به, أو قل غير مؤمنين به, والمنافقون مثلهم إلا أنهم يبدون خلاف ما يبطنون, فلو أننا اخترنا أحدا من أي من الفئتين ليتولى مسئوليات رئيسة في الدولة, فإنهم لن يلتزموا بما جاء في الكتاب, ويعني هذا أنهم سيأتون بما يختلف معه.
ومن عقيدة المتقين المؤمنين بالله أن ما جاء به ذلك الكتاب هو الحق, لا ريب فيه, إذن فما يخالفه هو الباطل والضلال (فذلكم الله ربكم الحق, فماذا بعد الحق إلا الضلال؟) (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)؛ وبالتالي فإن المتقين يعتبرون الذين كفروا غير مأمونين على سياساتهم وحكمهم, وحتى لو كانوا ناسا ذوي خبرات في الحكم وإدارة الدولة, إلا أن الأساس الذي يبنون عليه سياساتهم لا يلتزم بصراط الله المستقيم. ومن المتوقع أنهم لن يمانعوا اللجوء إلى أية سياسات تخالف ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه.
وقد سبق في سورة ص أن وضع الله قاعدة ليلتزم بها مجتمع المتقين في التمكين لمسئوليهم (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض؟ أم نجعل المتقين كالفجار؟)
والخلاصة أنه على المتقين أن يختاروا مسئوليهم من غير الذين كفروا, ومن غير المنافقين. ولكي يتعرف المتقون على خصائص تلك الفرق, فإن الله يبين خصائصهم وكيفية التعامل معها, وأسلوب دعوتهم للمشاركة في الالتزام بدستور الدولة, وأسس إقامة الحضارة. وبيان ذلك كالتالي:
- الذين كفروا
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)
قبل نزول القرآن, كان الكفر منتشرا ربما بسبب الجهل, ولكن بعد استعراض أدلة وجود الله, وقدراته وأسمائه وصفاته, أزيل الجهل بالله, والجهل بالغيب, والجهل باليوم الآخر, والجهل بأن الله يدبر الأمر, وأنه له الحكم وإليه ترجعون, والجهل بأن العمل إنما يكون صالحا بإخلاص لله رب العالمين. بعد إزالة كل تلك الأسباب للجهل, فإن العقل الطبيعي الذي يحتاج إلى إثباتات, يصل إلى القناعة المنطقية بالله.
إن القارئ للقرآن المكّي النازل قبل سورة البقرة, لابد أن يصل بعقله إلى التصديق بأمر الآخرة, بل واليقين بها, غير أن بعض الناس لا يكذّبون, ولكنهم يجحدون {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـاٰلِمِينَ بَآيَـاٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ}[6], بل إن بعضهم يتيقن منها, ومنهم فرعون وملؤه هؤلاء يتخذون موقفا معاندا جاحدا غير موضوعي (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعُلُوّا)[7] وكما يقص سبحانه عن الوليد بن المغيرة بعد أن قال في القرآن وفي رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما لم يستطعه كثير من الناس حتى المسلمون منهم, فيفكر في مخرج لنفسه ليقنع الناس بعكس ما اقتنع هو به, فيقول الله عنه في سورة المدّثّر (إنه فكر وقدّر, فقتل كيف قدّر, ثم قتل كيف قدّر, ثم نظر, ثم عبس وبسر, ثم أدبر واستكبر, فقال إن هذا إلا سحر يؤثر, إن هذا إلا قول البشر)
هؤلاء الذين كفروا, لا فائدة من دعوتهم فقد ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم, وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم, ولا جدوى من بذل أية جهود في سبيل دعوتهم للاشتراك في بناء الحضارة بهداية الله.
وما عليك إلا أن تبلغهم رسالات الله وإنذاره بالآخرة وبالبطش الشديد, وبآياته الكونية التي تدل على أهوال يوم القيامة طبقا لما قاله الله: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) ولكن لا تضيع وقتك في مناقشتهم في شريعة الله, وأوامر الله ونواهيه.
وقد هدى الله رسوله لذلك منذ بدايات بعثته صلّى الله عليه وسلم, حين قال (عبس وتولّى* أن جاءه الأعمى* وما يدريك لعله يزّكّى* أو يذكر فتنفعه الذكرى* أما من استغنى* فأنت له تصدّى* وما عليك ألا يزّكى* وأما من جاءك يسعى* وهو يخشى* فأنت عنه تلهّى* كلا إنها تذكرة* فمن شاء ذكره* في صحف مكرّمة* مرفوعة مطهرة* بأيدي سفرة* كرام بررة)
- المنافقون:
إن فريقا من الناس أسوأ من الذين كفروا؛ هم المنافقون, يخادعون, ويظهرون ما لا يبطنون, ويبطنون ما لا يظهرون. وهذه أخطر صفاتهم:
- الخداع والكذب: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)) فيتعامل معهم المجتمع المؤمن على أنهم منه, يؤاكلونهم ويشاربونهم, ويعاشرونهم, ويناسبونهم, ويشاركونهم, على أساس ما يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم؛ إلا أن الله يبين علاماتهم ويفضح خباياهم..
- الإفساد في الأرض من حيث يظنون أنهم يصلحون(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12))
- احتقار الناس ومعتقداتهم (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13))
- التعامل بوجهين والتحالف مع شياطينهم (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)
- وإن كان الله قد زادهم مرضا, ووصفهم بأنهم هم المفسدون, وهم السفهاء, والله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون, فإن ذلك بسبب تفضيلهم الضلالة على الهدى (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16))
- لقد علم هؤلاء المنافقون الحق الذي أنزله الله, وقالوا آمنا بالله وباليوم الآخر, ثم إذا هم يبطنون غير ما أظهروا, فذهب الله بنورهم (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)
- )أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)). إن المنافقين حين يستمعون إلى كلام الله, فإنهم لا يرون ما فيه من خير كما لا يرى الجاهل ما في الصيّب من ماء يحيي الله به الأرض بعد موتها. والصيّب يصاحبه ظلمات ورعد وبرق, فيرى العاقل أن بها خير ودلالة على خير, وإنما يسأل الله خيرها ويستعيذ به من شرها, كما كان يفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم (اللهم حوالينا ولا علينا). أما المنافقون فإنهم مثل الجاهلين, لا يرون في الصيّب إلا الظلمات والرعد والبرق, كما لا يرون من هدي الله النازل في كتابه, إلا التهديد والوعيد, ثم هم يظنون أنهم إن جعلوا أصابعهم في آذانهم فإنهم يحمون أنفسهم من صواعق الصيّب, كما يصمّون آذانهم عن تهديد الله ووعيده المصاحب لهديه النازل, ظنا منهم أنهم إن لم يسمعوا فقد أنقذوا أنفسهم من العذاب, ولكن الله محيط بالكافرين.
- (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)) ثم إنهم ينتهزون أية فرصة استفادة من هدي الله لمصالحهم في الدنيا, فيلتزمونه ما وجدوا فيه مصالح عاجلة لهم, كما في المواريث مثلا, كما بين الله في سورة النور (وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين) حتى إذا أنزل الله في هديه ما يظنون أنه يخالف مصالحهم العاجلة, فإنهم يتركون هدي الله, كما يفعل الذي يحاول أن يستغل إضاءة البرق في المشي, فإذا ذهب البرق وأظلمت الدنيا عليهم قاموا وتركوا ما في البرق من فوائد ومطر يحيي به الله الأرض بعد موتها.
وهذه صفة المنافقين, يعلنون إيمانهم وتمسكهم به كلما كان في ذلك مصالحهم في تجارة أو ميراث أو نكاح أو معاملات, أو حماية من الخوف, كما يتنصلون من الإيمان كلما لم يجدوا مصلحة لهم فيه.
- عامة الناس
وفي المجتمع الإنساني في أي مكان وفي أي زمان, لابد من وجود ناس لم يتخذوا موقفا بعد من قضية الإيمان, فما هم بمؤمنين, وما هم من الذين كفروا, وليسوا بمنافقين. هؤلاء يتوجه لهم القرآن بالدعوة إلى عبادة ربهم لعلهم يتقون, ويعرفهم بربهم وآلائه ونعمته عليهم؛ فإن اتقوا فقد انضموا إلى مجتمع المتقين الذين يكون ذلك الكتاب هدى لهم. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)
فإن كانوا في ريب من الكتاب, فلا يتوجه لهم القرآن بأوامر ونواه, قبل أن يدعوهم لإزالة الريب أولا, ولو بمحاولة تقليد سورة واحدة من مثل ما أنزل الله (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)
حتى إذا عجزوا – وهم لابد عاجزون عن مواجهة هذا التحدي- فإنه يدعوهم لاتقاء النار(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)
فإن آمنوا وانضموا إلى طائفة العاملين الصالحات, فإنه يبشرهم بأفضل مما يتمنونه في الدنيا من جنات ورزق وأزواج وخلود(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)
.. وهكذا تغطي فواتح سورة البقرة كل أصناف الناس في المجتمع الإنساني وخصائصهم: المتقين, والذين كفروا, والمنافقين, ثم عامة الناس, وذلك طبقا لموقفهم من الدستور.
.. وهنا يضرب الله مثلا لاختلاف الطوائف المختلفة في تلقّى هدي الله. فحين يضرب الله مثلا ولو ببعوضة فما فوقها, فإن الذين آمنوا يعلمون أنه الحق من ربهم, وينشغلون بتحليله وفهمه وإدراكه, والإفادة منه. وأما الذين كفروا فإنهم يعترضون ولا يحاولون الفهم, فهم كافرون مبدئيا بكل ما أنزل الله. ومن هنا, فإن الذين كفروا والمنافقين لن ينقادوا بما ينزّل الله في كتابه, ولن يكون هدى لهم.
.. ومن هنا أيضا, فإن نفس المثل يضل الله به كثيرا ويهدي به كثيرا, على أساس تلقّي كل طائفة له. وما يضل به إلا الفاسقين. أي أنه ألبسهم لباسا يواري سوءاتهم, ففسقوا عنه, فنقضوا عهد الله, وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل, وأفسدوا في الأرض, فكان ضلالهم بما كسبت أيديهم, أولئك هم الخاسرون: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27))
إن الله يعالج الكفر باعتباره المعوق الأول لبناء الحضارة الإنسانية. فقد كان الله ولم يكن معه شيء, فهو الأول. والكافر لم يكن شيئا, ثم أحياه الله وأوجده, ثم هو يميته, ومثله كل إنسان, بل كل مخلوق, بل إن كل شيء هالك إلا وجه الله سبحانه وتعالى. يعترف بذلك كل عاقل. فكيف لعاقل أن يكفر؟! فإن صدّق بحالته قبل حياته, وصدق بحتمية موته, فإنه لابد لعقله أن يصدق بما يقوله خالقه من أنه يحيي بعد الموت, وإليه ترجعون. فإن صدق بذلك, فإنه يكون مؤمنا بالله, وبالبعث بعد الموت. (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28))
● تأصيل شرعية الخلافة الإنسانية على الأرض:
ثم تؤصل السورة أساس الخلافة في الأرض, ومصدر شرعيتها:
إن فطرة الله وقوانينه تسير بها الدنيا كلها, فلا نرى في خلق الرحمان من تفاوت, ولا نرى اصطداما بين خلقه, لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر, ولا الليل سابق النهار, وكل في فلك يسبحون.
وشاءت حكمته سبحانه, أن يسيِّر حياة الناس على الأرض بقوانينه, فجعل الله الإنسان في الأرض خليفة بعد أن هيأ له الأرض والسماء وترك له حرية الاختيار, فإما أن يلتزم هدي الله, وإما أن يسير على هواه.
إن الله جهز لنا الأرض والسماء قبل أن يستقدمنا إلى هذه الدنيا (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)
وقد تطورت خلافة الإنسان في الأرض في مراحل خمسة:
● اختار الله آدم للخلافة في الأرض, ليطورها ويستثمر نعم الله فيها, وترك له صلاحية التصرف إن هو تصرف بحكمة, ولم يعص أمر ربه.
● ثم لما عصى آدم ربه وخالف أول نهي له, بأكله من الشجرة المحرّمة, اختار الله أنبياءه ورسله يرسلهم بالهدى إلى بني آدم ليرشدهم في سلوكهم ومعاملاتهم, فمن تبع هداه فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون, والذين كفروا وكذبوا بآيات ربهم, لهم عذاب النار هم فيها خالدون. وكان كل نبي يبعث لقومه خاصة.
● ثم بدأ العالم في التواصل, فاستخلف الله قوما ليسوا بأنبياء ولا برسل, وكلفهم بأداء مهمة الأنبياء والرسل في منطقة من العالم, وهم بنو إسرائيل, وأنزل لهم الكتاب والفرقان, وفضلهم على العالمين.
● ثم لما لم يفلحوا في مهمتهم, عمم الله الاستخلاف على كل عباده الذين يختارون ذلك, بأن ختم رسالاته بمحمد صلّى الله عليه وسلم رسولا للناس كافة, ورحمة للعالمين, وأنزل معه القرآن هدى للناس, كل الناس.
● ثم أورث الله الكتاب للذين اصطفى من عباده, فكلف الأمة المتبعة للرسول الخاتم صلّى الله عليه وسلم بالسعي للتمكُّن في الأرض ليملكوا الأسباب التي تيسر لهم مهمة بلاغ رسالة الله للناس, وحكمهم بها منعا لظلم بعضهم لبعض, إن هم حكموا بما أنزل الله, وأحسنوا اتباع ما أنزل إليهم من ربهم, ولم يتبعوا من دونه أولياء.
وفيما يلي بيان ذلك…
- المرحلة الأولى: اختيار آدم للخلافة في الأرض:
لقد جعل الله آدم في الأرض خليفة دون الملائكة والجن وسائر المخلوقات, بعد إقامة الحجة عليهم, وتأهيل آدم وتعليمه وإبراز خصائصه التي تميز بها هو وبنوه على سائر المخلوقات. (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ..) ورغم أن الله سبحانه لا يُسأل عما يفعل, وهو القاهر فوق عباده, ورغم أن الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم, ويفعلون ما يؤمرون, إلا أن الله جلّ وعلا أتاح للملائكة أن يُبدوا رأيهم في الخليفة الذي جعله الله في الأرض. كان من وجهة نظر الملائكة أن الخليفة في الأرض لا بد أن يكون ممن يسبحون بحمد الله ويقدسون له, وألا يكون ممن لديهم القدرة على الإفساد وسفك الدماء (.. قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ..) ولكن لله حكمة في ذلك (.. قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)
إن أهم خاصية يؤهل الله بها آدم للخلافة في الأرض, هي القدرة على التعلُّم, والتعلُم إزالة للجهل, وبناء للقدرات التي بها يكون استثمار النعم التي خلقها الله, والقدرة على التصرف غير التقليدي فيها, وبالتالي القدرة على إحداث تغيير في الكون, من حالته التي فطره الله عليها, إلى حالته قبل قيام الساعة حيث (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها), رغم أن تلك القدرات قد تؤدي أحيانا إلى الإفساد في الأرض وسفك الدماء, إلا أنها في نفس الوقت لازمة لعمارة الأرض واستثمار نعم الله فيها.
(وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ …)
لمن كانت تلك الأسماء؟ لجمادات أم لعاقلين؟ لمنتجات أم لمنتجين؟ لاختراعات أم لمخترعين؟
إن الضمير (هم) في قول الله (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم, فلما أنبأهم بأسمائهم..) يبين أن الأسماء لعاقلين, ولو كانت لجمادات أو منتجات أو اختراعات لقال سبحانه: يا آدم أنبئهم بأسمائها, أو أنبئهم بها. فمن هؤلاء أصحاب تلك الأسماء؟
إنني أعتقد ـ والله أعلم ـ أن الأسماء لكل ابن من بني آدم أضاف شيئا للكون, حوّل شيئا من مخلوقات الله إلى حالة مختلفة عن حالته التي فطره الله عليها؛ فاتخذ من الشجر الثمار طعاما, وجعل الله به من الشجر الأخضر نارا, فطهى طعامه ونوّع فيه, واستأنس الحيوان, فأخذ منه اللبن واللحم والصوف والشعر والوبر, وجعل منه بيوتا وملابس وأثاثا, واستخرج من الجبال الحديد والنحاس والرصاص ومواد البناء, فأنشأ منها المساكن والقدور والأوعية, ثم السيارات والطائرات والأجهزة, وعلّّم الله نبيه نوحا عليه السلام بناء السفن من الألواح والدسر, فجاب بنو آدم بها البحر وحولوه من عائق للحركة, إلى وسيلة للانتقال ونقل البضائع, وأكلوا منه لحما طريا, واستخرجوا حلية يلبسونها من اللؤلؤ والمرجان, وعلمهم الله من الطيور الطيران, فحاكوها بصناعة الطائرات, وجابوا بها الفضاء واستعملوها في الانتقال والحركة بين أقطار الأرض, بل وأوحى إلى بني آدم بإدارة وقيادة لينتظموا في جماعات وليكونوا منتجين يغيرون في الكون.
إن هذه القدرات لم يمكن الله منها جنسا من خلقه سوى بني آدم, فأدّى في كون الله ما لم يؤده ملَك ولا جان ولا طير ولا حيوان, ولا جماد ولا نبات, بل سخرها الله كلها لبني آدم (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) (الإسراء)؛ فكانت مؤهلا كافيا لأن يجعله الله في الأرض خليفة, (.. فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)) إن الله الذي يعلم غيب السماوات والأرض, جعل آدم وبنيه خلفاء في الأرض ومكنهم فيها, ليستخرجوا من ذلك الغيب وليحولوا الأرض من حالتها التي فطرها الله عليها (كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام) إلى حالتها التي تقوم الساعة عليها بين تطور الأرض وما عليها(حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت ..) , وبين تطور أهل الأرض فنيا وإداريا (وظن أهلها أنهم قادرون عليها)(يونس) حينئذ تقوم الساعة, حيث لا داعي لوجود الإنسان على الأرض, فلن يضيف إليها شيئا جديدا. إذن فوجود الإنسان واستمرار الحياة مرهون بالتطور الذي يحدثه فيها, فإن توقف انتهى مبرر وجوده وقامت الساعة.
ولعلم الله بما تبدي الملائكة وما تكتم, فإنه لم يفاجئها بجعل الإنسان في الأرض خليفة, بل أنبأها بمشيئته, وسمح لها بإبداء الرأي, فلما تحفظت أبان لها حكمته من ذلك, بحيث تساهم بحماس في مساندة بني آدم في مهمتهم التي أوكلها الله لهم.
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)
والسجود إدامة النظر, والتطامن والانقياد والطاعة والخشوع والخضوع. وسجود الملائكة لآدم هو سجود لله طاعة لأمره, وهو سجود تسخير وعون لآدم وبنيه.
إن الملائكة موكلة بمعاونة بني آدم في مهمتهم, وبعد أن بين لهم حكمة اختياره لآدم خليفة, أمرهم بالسجود له, إعلانا عن معاونته, فسجدوا إلا إبليس, كان من الجن ففسق عن أمر ربه, حيث كان الأمر لكل الحضور, من الملائكة ومن الجن. أي أن الله الذي سخر لبني آدم مخلوقاته (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه) (الجاثية) سخر لهم أيضا الملائكة ليعينهم الله بها.
اتخذ إبليس خطا مغايرا, وبدأ بالمعصية, وكان أول من عصى الله في كونه, وتربص ببني آدم, ليستكمل الله بذلك عناصر الابتلاء لبني آدم, فإما أن يتبعوا هداية ربهم, وإما أن يتبعوا الشيطان المتربص بهم, فيضلون عن سبيل الله. وبين الطاعة والمعصية, يتحرك بنو آدم لأداء مهتمهم التي أوكل الله لهم بخلافة الأرض (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض, فمن كفر فعليه كفره) (فاطر)
اختبر الله آدم وزوجه في طاعته في أمر بسيط, فبعد أن أتاح لهما كل فرص الطاعة والاتباع, وسمح لهما بالأكل حيث شاءا, حرم عليهما الاقتراب والأكل من شجرة واحدة, فيكونا من الظالمين: (وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)
إلا أنهما وقعا في براثن الشيطان, فأزلهما عنها، فأكلا منها..
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ .. وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)
ثم اعتذرا لله, فقبل وتاب عليهما, غير أنه جلّ وعلا, أهبطهم وبنيهم جميعا مما كانا فيه….
فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)
- المرحلة الثانية: كل نبي يبعث لقومه خاصة:
ولم يترك الله آدم وبنيه دون هداية مبينة من عنده, فبعث الأنبياء والرسل برسالاته إلى الناس, لكل قرية نذير, ولكل قوم نبي أو رسول, فيتبعه بعضهم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون, ويكفر به بعضهم, فيكون من أصحاب النار هم فيها خالدون.
(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)).
وتنتهي المرحلة بنصر الله لرسله وتدمير القرى الظالمة, ثم يتوفى الله الرسل (.. وما كانوا خالدين* ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين)[8]
- المرحلة الثالثة: رسالات الله يحملها بنو إسرائيل:
ثم كلف سبحانه بني إسرائيل بمسئولية حمل دعوته للعالمين.
إن بني إسرائيل هم أبناء يعقوب عليه السلام, وكانوا هم أول جماعة يكلفها الله بمسئولية نشر دينه, وحمل رسالته إلى الناس, في منطقة جغرافية أوسع, وفي زمان أطول, وهم ليسوا برسل ولا بأنبياء. ولكي يؤهلهم لهذه المهمة أنزل الله فيهم أنبياءه ليهدوهم إلى الطريق, بدءا من موسى وانتهاء بعيسى عليهما السلام. ويرسل إليهم كتابا وفرقانا, ليؤهلهم لهذه المهمة.
وكان الأحرى بهم أن يراعوا الأمانة التي كلفهم الله بها, حين قال سبحانه: (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا)[9] وحثهم موسى عليه السلام على شكر نعمة الله عليهم بالعمل في دعوته والالتزام بمنهجه (وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويُذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم, وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم, وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم, ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)[10] , غير أنهم توالت خطاياهم التي بينها الله في القرآن الكريم, من الجهل, والكفر والشرك والكبر والاعتداء ومخالفة شرائع الله وأوامره, والاحتيال عليها, والسلبية, وتبديل قول غير الذي قيل لهم, ونسوا حظا مما ذكروا به, حتى استبدل الله بهم كل إنسان يلتزم بمنهج الله, أيا كان نسبه أو جنسه.
لم يفلح بنو إسرائيل في مهمتهم التي كلفهم الله بها, فبدلوا القول, وقتلوا النبيين بغير حق, وخالفوا أمر الله, ولم يراعوا الأمانة حق رعايتها, وأمهلهم الله أمدا بعيدا, إلى أن حاولوا قتل المسيح عيسى ابن مريم, فرفعه الله إليه, وشبّه لهم أنهم قتلوه, واتهموا أمه مريم الصديقة بالزنى وبرأها الله في قرآنه.
عدد الله إخفاقات بني إسرائيل في مهماتهم التي كلفهم الله بها, تلك الإخفاقات التي كانت مبررا لنقل المسئولية ليبدأها محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم, حفيد إسماعيل, وهو الفرع الأول لإبراهيم عليهم جميعا الصلاة السلام, ثم يتبعه أي إنسان مهما كانت هويته أو نسبه أو جنسيته أو لونه, فقط يؤمن بالله وكتبه ورسله, ويعمل بما أنزل الله فيها.
- المرحلة الرابعة: خاتم النبيين, مرحلة نزول القرآن:
أنشأ الله سبحانه نظاما جديدا لنقل دعوته إلى الناس عامة, فختم كل الرسالات والأنبياء برسالة الإسلام, وبنبيه ورسوله محمد صلّى الله عليه وسلم, وأنزل عليه القرآن الكريم, آخر رسالاته إلى خلقه, مصدقا لما بين يديه, وتكفل بحفظه من التحريف, بوسائل عديدة, وجمع فيه أحسن ما أنزل على رسله, ونسخ كل ما سبقه فأتى بخير منه أو مثله, بحيث لا يحتاج الناس إلى الرجوع إلى كتب سابقة عليه, وأنزل فيه كل ما يريد سبحانه من عباده, وقال لرسوله الخاتم: (والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه, إن الله بعباده لخبير بصير) وجعله يحيا به ويمارس ما فيه من هدى وأقام به دولة تمارس كل مسئوليات الدولة من إمامة للناس وقيادة وإدارة وإدارة الأزمات, والحكمة والتشريع, والقضاء وفصل الخطاب, ومناهج العمل وقوانينه, والانتشار بالدعوة في الأرض, وأقام ما تتطلبه الدولة من نظم قانونية واجتماعية وسياسية واقتصادية ودفاعية, وثقافية.
- المرحلة الخامسة: ورثة الكتاب:
ثم أورث الله هذه المسئوليات للذين اتبعوا الرسول النبي الأمّي صلّى الله عليه وسلم, وقال (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) وألزمهم بتبليغه لسائر الناس, في كل مكان وفي كل زمان, ويديرون به حياتهم في كل مناحيها. فيكون بذلك الحكم لله, عن طريق كتابه الهادي, وعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين يلتزمون كتابه وحكمه, ويلتمسون الهدى فيه. وهي دعوة مفتوحة لكل من يؤمن بها ويعمل بها, ولا تقتصر على قبيلة أو عشيرة أو قرابة ورحم, أو جنس أو مكان أو زمان واحد, فكل من يتبعون الرسول النبي الأمي ويعزرونه وينصرونه ويتبعون النور الذي أنزل معه يشتركون في الدعوة إليه, والحياة به وعمل الصالحات التي يدعو إليها.
بهذا النظام, فإن الله وفر الكتاب الخاتم الجامع لكل الرسالات السابقة ولكل ما يطلبه الناس لحياتهم إلى يوم القيامة, وتكفل بحفظه, وعاش به خاتم النبيين صلّى الله عليه وسلم وأسس به دولة متكاملة الجوانب, وأورثه إلى كل إنسان يقرر أن ينضم إليه, فيؤمن به ويعمل به, وكلفهم بمسئولية نشره بين الناس وتبليغ رسالات الله إليهم, ولم تعد تلك المهمة مقصورة على الأنبياء والرسل, بل لم يعد للناس حاجة لأنبياء جدد أو رسل ورسالات أخرى ولا إلى كتب سماوية أخرى.
وأصبح كل إنسان يشهد ألا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله, ولا يفرق بين أحد من رسل الله, أصبح رسولا لرسول الله إلى الناس, وقائما بأعماله صلّى الله عليه وسلم, ليتم الله نوره ويبلغ رسالاته للناس, ولتتم بذلك مهمة رسول الله كرسول للناس عامة ورحمة للعالمين, وهي مهمة متجددة متواصلة تمتد في الزمان ما خلق الله خلقا, وفي المكان ما مد الله في عمر الدنيا, إلى يوم تقوم الساعة.
كما ضمّن الله سبحانه في كتابه ورسالته الخاتمة, القوة الذاتية للاجتهاد والتغيير الذي يحتاجه المجتمع الإنساني الدائم التغيير, فأنزل في القرآن القواعد الأساسية للحضارة, وجمع فيه خبرات الأمم السابقة بأحسن القصص, وأمر الناس باتباع هدايته, والتقيد بها, مع التحرك داخل حدودها بالاجتهاد في أمور دنياهم, التي هم أعلم بها ـ كما علمهم رسول الله ـ فيطورون ويحدّثون في حياتهم كما يشاءون.
وكلما التزم الناس بقواعد كتاب الله الخاتم, وما بينه رسول الله صلّى الله عليه وسلم منه في حديثه وسنته, كلما عاشوا في رخاء وهدى ورحمة, وكلما بعدوا عنه .. كلما شقوا وعانوا وعاشوا في ضنك (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)[11]
وحيث أن الإنسان عموما لا يحب أن يراقبه أو يحاسبه أحد, بل يريد أن يُترك سُدى, هملا بغير تكليف ولا حساب ولا جزاء؛ فقد أنشأ الله في وجدان الناس عقيدة الآخرة حيث يقوم الناس لرب العالمين للحساب, وينتهي بهم المطاف إما إلى جنة, وإما إلى نار, بحيث تكون تلك العقيدة حافزا للناس على الالتزام بما أنزل الله إليهم, والرهبة والخوف من عاقبة الإساءة والسوء والظلم والإجرام والفساد والإفساد.
من خلال هذا النظام, يعمل الناس على تغيير شكل الحياة على الأرض, واستثمار نعم الله فيها, فتتحول من حياة بسيطة كما فطرها الله في بدء الخلق (.. إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام..) إلى حالة قصوى من التطور والتحديث والتغيير لكل شيء فيها (.. حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت ..) كما يصل الناس إلى الحالة القصوى من التقدم والتحكم في كل شيء على الأرض (.. وظن أهلها أنهم قادرون عليها..) عندئذ, لا يكون لوجود الإنسان على الأرض معنى, فلن يكون في الأرض شبر واحد لم يتطور, ولا عنصر واحد من عناصر القدرة عليها لم يملكه الإنسان, فلماذا يحيا الإنسان لحظة بعد ذلك؟ عندئذ, تقوم الساعة (.. أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس..كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون)
وبتعريف الله للناس بهذا النظام, فإنه سبحانه يدعوهم إلى دار السلام, ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)[12]
وهنا تنتهي كل مراحل الفعل للإنسان, وتبدأ مرحلة القيامة والحساب ثم بتنفيذ حكم الله طبقا لذلك, (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا….) (.. وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا..)[13]
نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة, وأن يباعد بيننا وبين جهنم.. آمين.
● دعوة بني إسرائيل للمشاركة:
كان لابد من بيان أسباب هذا الاستبدال, فاستعرضت الآيات التالية من سورة البقرة أفعال بني إسرائيل منذ كلفهم الله بحمل رسالته, إلى أن نزل القرآن الكريم يدعوهم للمشاركة في دعوته للناس. وهي في نفس الوقت تحذر المؤمنين من الوقوع في نفس الأخطاء, ومن سلوك نفس المسالك التي أدت إلى سحب الثقة من بني إسرائيل. وبيان ذلك في الآيات من رقم 40 إلى رقم 103.
- في أوائل ما أنزل الله في سورة البقرة, توجه إلى بني إسرائيل تحديدا باعتبارهم الحملة السابقين لرسالاته إلى الناس, حتى يجعلهم يلتزمون بما أنزل, ويصدقون رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلم, ويتعاونون معه في نشر دعوة الله للناس, والحياة بشريعته, فقال: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ..) وأمام نعمة الله بإنقاذ حياتهم وأبنائهم ونسائهم, ينبغي أن يؤدوا حق تلك النعمة برصد حياتهم لله, والوفاء بعهده (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ .. وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)).. لقد عاهدهم الله (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم, فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون)[14]
- ودعاهم لمناصرة دعوته والتحمس لها, فهم أولى الناس بالاتباع باعتبار مسئولياتهم التاريخية السابقة (وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ, وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ) وحيث أنهم على علم بآيات الله وكتبه السابقة, كما أنهم حرفوها, فقد حذرهم الله من التلاعب بها, ومن سوء استغلالها في إضلال الناس (وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)
- كما حذرهم من طمس الحق وإلباسه بالباطل (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) لقد أنبأهم الله بأنه سيرسل رسولا وكانوا من قبل يستفحتون على الذين كفروا, فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به.
- ودعاهم إلى الانضمام إلى طائفة عباد الله المتقين الذين تنشأ على أكتافهم الحضارة الإنسانية, والذين وصفهم الله في فاتحة سورة البقرة (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)
- وحذرهم من نسيان أنفسهم مما يأمرون الناس به, )أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)) ووصف لهم العلاج, بالاستعانة بالصبر والصلاة (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)
- لقد عاش بنو إسرائيل مفضلين على العالمين بتكليف الله لهم بنقل رسالاته إلى الناس, وجعل فيهم أنبياءه ورسله, وأنزل لهم الكتاب والفرقان مع موسى عليه السلام, والإنجيل مع عيسى عليه السلام )يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)
- )وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)
- )وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
- )وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)
● حيثيات نقل مسئولية الخلافة:
ثم شرعت الآيات في سورة البقرة, في بيان حيثيات نقل المسئولية العامة من بني إسرائيل إلى رسول الله الخاتم محمد صلّى الله عليه وسلم, ثم نقلها إلى أمته.
فقد نسخ الله الشرائع السابقة بالرسالة الخاتمة, وحذّر من تربص كثير من أهل الكتاب وظنهم بامتلاكهم الجنة والشفاعة لمجرد انتسابهم إلى نبي الله يعقوب – إسرائيل عليه السلام, وردّ الإمامة إلى أصلها – إبراهيم عليه السلام, وذكر إسماعيل الابن الأول له, والبيت الحرام كأول قبلة للناس, ومكة البلد الحرام, والأمة المسلمة لله, ودعوة إبراهيم وإسماعيل لله أن يبعث فيهم رسولا منهم, ووصية يعقوب لأبنائه أن يعبدوا إلهه وإله آبائه إبراهيم وإسماعيل وإسحاق- إلها واحدا, وأن يكونوا له مسلمين, وأمر الجميع بالإيمان بكل الرسل دون تفرقة, ثم حول الله القبلة إلى أصلها, ثم نقل المسئولية العامة عن العالمين إلى رسوله الخاتم محمد صلّى الله عليه وسلم, ثم حمّلها إلى كل من يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, ذكرا لله وشكرا له.
وفي شرح حيثيات نزع المسئولية من بني إسرائيل, استعرضت الآيات مخالفاتهم وإمهال الله لهم, حتى لم يصبحوا أهلا لحمل رسالات الله للناس. لقد عاشوا في جزيرة العرب قبل الإسلام, ورأوا الأصنام في بيت الله يسجد الناس لها, فلم ينهوهم, ولم يبلغوهم رسالة الله, ولم يستبدلوا شريعة الله التي أنزلها عليهم, بالأنظمة الكافرة الجاهلة الحاكمة, ولم ينهوا عن منكرات وأد البنات وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وأكل الربا وشرب الخمر, ولعب الميسر, بل تعالوا على الناس وكأن الدين حكر على بني إسرائيل, وكتموا ما أنزل الله من البينات والهدى.
………………….
والجدير بالذكر أن هذه الذنوب وهذا التقصير في أداء رسالة الله إلى الناس, قد يقع فيه كثير من المسلمين حين يعيشون بين غير المسلمين فلا يبينون لهم حكم الله فيما يفعلون من مظاهر الفسق والكفر والشرك والفسوق, بل إن بعض المسلمين يخفون عقيدتهم وممارساتهم لدينهم حرجا من أن يرى عليهم مظاهر إسلامهم, أو أن يوصفوا بالتعنت والتأخر, حتى في المجتمعات التي لا تضطهد المسلمين, وهذا قد يوقعهم في نفس ما وقع فيه بنو إسرائيل حيث كتموا ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بينه الله للناس في الكتاب, وأخشى أن يكونوا عرضة لنفس العقوبات (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) والعياذ بالله. نسأل الله السلامة.
……………..
وفيما يلي من آيات يحصي الله ما حدث من خطايا بني إسرائيل على مر تاريخ طويل, بحيث أصبح سمة لازمة لهم, إلا من رحم الله وهدى, وبحيث يبدو مسئولية أجيالهم الحالية من بعد نزول القرآن, عن أفعال أسلافهم منذ عهد موسى عليه السلام. ورغم أن القاعدة العامة (لا تزر وازرة وزر أخرى) تؤكد مسئولية كل إنسان عن فعله هو, إلا أن التصديق على أفعال الآخرين وعدم الاعتراض عليها, يضم فاعله إلى وزر الفاعل الأصلي, كما أنه يحمّل مسئولية الأفعال التالية على الفاعل الأصلي. وفيما رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (إذا كانت الفتنة كان من شهدها فأنكرها كمن غاب عنها, ومن غاب عنها فرضيها كمن شهدها) وأيضا (من سنّ سُنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده, من غير أن يُنقص من أجورهم شيء, و من سنّ سُنّة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن يُنقص من أوزارهم شيء)
ومن هنا نجد الآيات التالية تخاطب بني إسرائيل في عهد النبوة وما بعده وكأنهم فاعلون لما فعله آباؤهم وأسلافهم, وذلك لاستمرار الأحفاد على سلوك الأسلاف…
- )وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)
- )وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)
- )وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
- )وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)
- )وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)
- )وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)
- )وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)
- )وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)
- )إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
- )وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64)
- )وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)
- )وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)
- )ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
- )أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)
- (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)
- )وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)
- )فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)
- )وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)
- )وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)
- )وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)
- )وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)
- )وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)
- )وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)
- )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)
- )وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)
- )وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)
- )قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)
- )وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)
- )قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)
- )وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99)
- )أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)
- )وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)
- )وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)
- )وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)
تحذير من نوايا المخالفين:
وهنا يحذّر الله الذين آمنوا من تبديل القول, واتباع قول الذين كفروا من أهل الكتاب, ويحذرهم من نوايا وتربص الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين, ويختص برحمته من يشاء:
● (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)
● نسخ الشرائع السابقة بالرسالة الخاتمة:
بين سبحانه وتعالى أنه نسخ الشرائع السابقة كلها, وأتى بخير منها أو مثلها في رسالته الخاتمة (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) وقد جمع القرآن خير ما في رسالات الله إلى الناس منذ آدم إلى عيسى عليهم السلام, وأتى بخير منها أو مثلها, إذ ليس كل ما جاء على أفعال أنبياء الله ورسله يتبع تماما, فبعد أن هدانا الله بالقرآن لا يسأل مؤمن ربه (رب أرني كيف تحيي الموتى) ولا يسأل ربه (رب أرني أنظر إليك) فقد أجاب القرآن على تلك التساؤلات, وفي القرآن يقرأ المؤمن (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت) فلا يملّ ولا يضجر حين يدعو الناس فيرى فيهم المخالفات والضلال, ويأتي القرآن برسالة شعيب (ويا قوم أوفوا الكيل والميزان بالقسط) ويأتي بخير منها (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط, لا نكلف نفسا إلا وسعها) لكي يخرجنا من الحرج من عدم القدرة على القسط الذي يزن بمثقال حبة من خردل, إلى القسط الذي نستطيعه بالموازين والمكاييل المتاحة في كل عصر حسب دقتها. ويطوف رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالكعبة وفيها أكثر من ثلاثمائة وستين صنما يعبدها المشركون, فلا يقول لهم (وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين) بل إنه حطم أصنامهم في عقولهم أولا, فكان هينا عليه أن يحطمها بعد الفتح دون أن يقول المشركون (حرقوه وانصروا آلهتكم)
لذا فإن من فضل الله علينا أن هدانا بالقرآن ورشّد سلوكنا ومعاملاتنا وأقوالنا به, بناء على خبرات البشر والأنبياء والرسل والأمم السابقة, حتى وصلتنا رسالة الله ناسخة لكل ما سبقها, وأتى الله لنا فيها بخير مما نسخ أو مثله, ولله الحمد وله الفضل والمنة, ونسأله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته…
● الله ينسخ بخير منها أو مثلها: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107)
● تجنب الأسئلة الضالة (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) فلا نسأل رسولنا أن يرينا الله جهرة, ولا أن يجعل لنا آلها كما للمشركين آلهة والعياذ بالله, ولا نتبدل الكفر بالإيمان.
تربص كثير من أهل الكتاب:
ثم حذرت الآيات من سوء نوايا المخالفين ومكرهم وتربصهم بالمسئولين الجدد, وبين كيف نتجنب إساءاتهم ومكرهم وأخطاءهم, فهم يتمنون الشر والكفر للمؤمنين, ومنها:
● الحسد (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)) ويبين الله سبحانه كيف نتصرف في تلك الحالة بالعفو والصفح وانتظار أمر الله, وأقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
● التمني على الله لمجرد الانتساب (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)) لذا ينبه رسول الله صلّى الله عليه وسلم (من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) ودخول الجنة فضل من الله على من يستحقها, من أسلم وجهه لله وهو محسن.
● الاعتقاد بامتلاك الحقيقة (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)) وقد عافانا الله من ذلك, بأن أنزل الذكر وتكفل بحفظه وفيه الحقيقة وفيه الحجة على اليهود والنصارى, والحجة على المسلمين يقاسون عليه ولا يقاس القرآن عليهم وعلى تصرفاتهم وسلوكياتهم. فهو الكتاب القيّم.
● منع المساجد(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)
● نسبة ولد لله (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)
● التشكك (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)
● لن يرضوا عنك حتى تتبع ملتهم (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)
● الكفر بالكتاب(الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)
● ثم يدعو الله بني إسرائيل بذكر نعمته وعدم الاعتماد على نسبهم حيث لا شفاعة لنسب (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)
● تحويل الخلافة وإمامة الناس:
ثم عادت بنا الآيات إلى أصل إمامة الناس عامة..
● فالله جعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام للناس إماما, ولم يستجب لجعل الإمامة ميراثا مطلقا لذريته, فلا ينال عهد الله الظالمين (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)
● وجعل البيت مثابة للناس وأمنا (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
● وجعل مكة بلدا آمنا, وضمن الرزق لمن آمن ولمن كفر, بعطاء ربوبيته جلّ وعلا, فلا يحرم أحدا من نعمه بسبب كفره, حتى لا تكون النعمة هي السبب في الإيمان بالله تحت وطأة الحاجة أو الإغراء بنعمه. (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)
● وجعل إبراهيم وإسماعيل يرفعان قواعد أول بيت(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)
● وذكر الأمة المسلمة(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)
● وذكر الرسول الخاتم (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)) وهذه هي الآية الوحيدة التي ذكر فيها الترتيب: (يتلو عليهم آياتك, ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم) وفي كل المواضع الأخرى في كتاب الله لنفس المعنى, يكون الترتيب (يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) أي التزكية تأتي دائما قبل تعليم الكتاب والحكمة, ما عدا في دعوة إبراهيم وإسماعيل حيث جاءوا بتعليم الكتاب والحكمة قبل التزكية. والترتيب الذي اختاره الله هو الأصلح للناس, حيث أن معظم مشكلات العالم تكون من ناس متعلمين, ولكنهم غير متزكين, والتزكية أولا تجعل من التعليم نعمة, أما التعليم دون تزكية فيمكن أن يكون نقمة على صاحبه وعلى الناس. وينبغي أن يراعى ذلك في مناهج التربية, فيبدأ المربون بالتربية والتزكية, قبل أن يعلّموا.
● وجعل ملة إبراهيم هي الملة الصالحة (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)
● وذكر الوصية بالإسلام (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)
● وذكّر بأن إسماعيل هو أصل قبل إسحاق ويعقوب, ومن إسماعيل ولد محمد عليهم جميعا الصلاة والسلام, يعبدون إلها واحدا, وهم ونحن له مسلمون (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)
● وذكّر أفضلية ملة إبراهيم على اليهودية والنصرانية(وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)
● ونحن لا نفرق بين أحد من رسله (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)
● وإن تولوا فأمرهم إلى الله (فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)
● والعبرة بالإخلاص لله (قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)
● كل الأنبياء مسلمون (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)
●تحويل القبلة نقل لمسئولية رسول الله عن العالمين إلى أمته:
ثم حوّل الله القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام, إعلانا بتحويل المسئولية من بني إسرائيل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم..
● سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)
ثم نقل الله المسئولية كاملة إلى أمة محمد صلّى الله عليه وسلم, فهم الأمة الوسط شهداء على الناس, والرسول عليهم شهيد..
● وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)
● قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)
● وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)
● وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)
● وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)
● وفي مقابل أن الله جلّ وعلا أرسل في المسلمين رسولا منهم فإن عليهم أن يذكروا الله ونعمته الكبرى بالهداية, ويشكروا له بحملها إلى الناس كافة (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152))
يحمل هذه المسئولية كل من شهد ألا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله, إلى يوم القيامة, وهو مسئول عن إبلاغها لسائر الناس وعدم كتمان ما أنزل الله وبيّنه في كتابه. وعلى ذلك فإن المسلم شخصية عامة عليه مهام ومسئوليات تتعدى نفسه وأهله ومجتمعه القريب, فتمتد إلى كل الناس في كل مكان وكل زمان….
……………….
● بناء الشخصية العامة:
اختار الله من بين خلقه عبادا أرسل فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون, وأمام ذلك, كلفهم بتحمل مسئولية تبيلغ دعوة الله إلى الناس ذكرا وشكرا.
ومن هذه الزاوية, فإن الشخصية المسلمة ينبغي أن تتميز بصفات الشخصية العامة, الصامدة, المتبعة المنفتحة الأمينة المبلغة.
الشخصية المسلمة شخصية عامة, تحمل مسئوليات الناس أجمعين, تهتم بهم جميعا,
.. شخصية إيجابية وليست سلبية,
.. شخصية صامدة تبذل كل التضحيات بالنفس والجسم والمال والطعام والشراب حتى القتل في سبيل الله.
.. وهي شخصية متبعة لهدي الله في كل أمورها,
.. وهي شخصية منفتحة, لا ترفض تجارب السابقين وخبرات العالمين, وإنما تقيسها على هدْي الله سبحانه, فتأخذ منها ما لا يخالفه. وتقوّم وترفض ما يرفضه ويناهضه.
.. وهي شخصية أمينة على تبليغ ما يصل إليها من هدي الله, وعدم كتمانه, حيث بذلك تصل دعوة الله إلى الناس, بعد أن اكتملت رسالاته إليهم بالقرآن, وختم أنبياءه ورسله بخاتمهم صلّى الله عليه وسلم.
وحيث أن كبار المسئولين العموميين يحتلون مواقع غاية في الخطورة والتأثير على مصالح الناس والحياة, فإن الله سبحانه قد أفرد لهم في سورة البقرة مساحة كبيرة لاستعراض صفاتهم, وانتقاد مسالك بعضهم.
وحيث أن الله قد كلف المسلمين بالمسئولية العامة, فإنه يبني الشخصية العامة فيهم, التي تتعدى مسئولياتها الحدود الشخصية في النفس والأهل, لتشمل الناس أجمعين, وما يحيط بهم من ثروات الأرض والسماء, وبيّن خصائص تلك المسئوليات التي تنفع الناس قبل أن تنفع صاحبها, بل إنها قد تصيب صاحبها في نفسه وماله وحياته كلها.
والآيات التالية تُعمل العقل في الوصول إلى الله, واتباع هديه وبيانه, وترتيب الأولويات للشخصية العامة والعمل العام,
.. وتتلوها آيات البر وما بعدها فيها إعمال التقوى في تنفيذ تكليفات الله وأوامره ونواهيه
وتركز الآيات على بيان تلك الخصائص كالتالي:
الصبر والصمود:
إن المسئول العام يتعرض لما لا يتعرض له من يعيشون في الظل بعيدا عن المسئولية, وبالتالي فإن الله يبدأ في تأهيله بالصمود أمام المخاطر, التي قد تودي بحياته نفسها, وتصيبه في أمنه وطعامه وماله ونفسه, ويعينه على الصمود أمام مخاطر التصدي للمسئولية العامة بالاستعانة بالصبر والصلاة,( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157).
المرونة وقبول الآخر:
وحيث أن الشخصية العامة في مجتمع يسمح بالتعددية في العقيدة, لابد أن تتحلى بالمرونة وقبول الآخر, واستيعاب الثقافات المتعددة, فإنه أشار إلى قبول السعي بين الصفا والمروة رغم أن الكافرين في الجاهلية كانوا يطوفون بهما وعلى الصفا صنم يدعى أسافا, وعلى المروة صنما لأنثى تدعى نائلة, وذلك لأنه أصلا من شعائر الله قبل وضع الأصنام عليه, (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158), ومثله كل عادة أو كل الطبائع في شعوب وأمم وطوائف مختلفة, فإنها تعرض على شريعة الله وشعائر الله, وتعتمد وتُقبل إن لم تكن مخالفة, أو ترفض إن خالفت. والمسئول العام إن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم.
أخبرهم الله أن الصفـا والـمروة من شعائر الله، وكان من سنة إبراهيـم وإسماعيـل الطواف بـينهما.
ليست كل أفعال السابقين خاطئة, فما كان منها من شعائر الله, فلا جناح علينا أن نفعلها.
علينا ألا نرفض مبدئيا أفعال السابقين, أو أفعال المخالفين لنا, ولكن نعرضها على كتاب الله, فما كان منها موافقا له, فلا جناح علينا أن نفعلها, وما كان غير ذلك, فلا نفعلها.
وفي الاستمرار على شعيرة سابقة موافقة لشعائر الله, دليل على مرونة الدين, واستقطاب لمن تعود على شرائع أجداده, أن الدين لا يرفضها لمجرد أنها من شعائر السابقين, وإنما يراجعها على شعائر الله.
لقد بدأت شعائر الله يعلمها لإبراهيم عليه السلام الذي يرفع القواعد من البيت هو وإسماعيل, ثم أدخل المشركون على البيت أصناما يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى, فصحح الله برسالته الخاتمة العقيدة في قلوب الناس أولا, ثم في واقعهم بأن حطم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأصنام المادية في مكة بعد الفتح, بعد أن حطمها في قلوب الناس بالعقل والقلب والمنطق والحكمة والموعظة الحسنة, حتى إذا تحطمت لم تقم لها قائمة في قلوب الناس وعقولهم حتى اليوم, والحمد لله رب العالمين. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفل والفسوق والعصيان, واجعلنا يا رب من الراشدين.
مسئولية التبيين للناس:
والشخصية المسلمة العامة, عليها مسئولية التبيين للناس, وعدم كتمان ما أنزل الله في الكتاب, حيث إنه من خلالها سوف تصل دعوة الله إلى الناس, تلك الدعوة التي لا تخص فئة دون فئة ولا طائفة دون طائفة, ولا زمنا دون زمن. بل إن الله جعل كتمان ما أنزل من الكتاب والهدى كبيرة عظيمة من الكبائر التي تستوجب لعنة الله ولعنة اللاعنين.
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)
وقد بين رسول الله صلّى الله عليه وسلم لنا كيف نفعل ذلك, حين قال: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان) وفي إنكار المنكر بيان لما أنزل الله من البينات والهدى, فالمؤمن في بلاد غير مسلمة, يجتنب الخمر والميسر وأكل لحم الخنزير, ولا يقرب الزنا, ولا يرضى عن ظلم, يعلن ذلك ويبينه بإنكاره له, وبعدم ممارسته, وذلك أضعف الإيمان, فإن استطاع أن يغير بلسانه بأن يعلن ما أنزل الله من البينات والهدى, فليفعل, وإن استطاع أن يغير بيده, فذلك أقوى الإيمان. أما أن يعايش المنكر, ولا ينهى عنه, ولا يأمر بمعروف, فإن ذلك من الكبائر التي تستوجب لعنة الله والعياذ بالله, نسأل الله السلامة.
وفي التبيين مسئولية تقع على الذين آمنوا تجاه الذين كفروا وماتوا وهم كفار. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) إن المسلم يتحمل مسئولية تبيلغ رسالة الله لهم قبل أن يموتوا. وكلمة (ثم ماتو وهم كفار) متميزة في آيات القرآن التي تتحدث عن مصائر الذين كفروا. فالكافرون في الدنيا في أعناق المؤمنين أن يبلغوهم رسالة الله وليس علينا هداهم. وكلما مات أحد من الذين كفروا, أشعر كمسلم أنني ربما أُسأل عنه هل أبلغته؟ والهداية على الله, ولكن التبيلغ على المسلمين.
الاتباع:
لقد جعل الله الإنسان في الأرض خليفة, والخليفة مسئول عن تنفيذ تعليمات الذي استخلفه. وليس له أن يجتهد في شيء من تلك التعليمات, وإنما يكون اجتهاده في أساليب تنفيذها.
والشخصية المسلمة المسئولة باعتبارها ورثت الكتاب بعد انقطاع الوحي, وبعد الرسول الخاتم والرسالة الأخيرة الجامعة من الله للإنسان, تلك الشخصية ليس لها أن تبتدع منهاجا من عندها, وإنما عليها الاتباع والطاعة لله, وفي إطار ذلك لها أن تجتهد في التنفيذ والتطبيق ما تشاء, فهي طائعة لإله واحد لا إله إلا هو, (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)) يخضع له خلق السماوات والأرض المسخر لعباده, فعليهم أن يطيعوا مثله حتى لا يتصادموا مع سائر الخلق. واستعرضت الآيات كل أشكال اتباع غير الله, فهناك من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله, ومن يتبعون بعضهم بعضا, ومن يتبع خطوات الشيطان, ومن اتبعوا ما ألفوا عليه آباءهم, ومن كفر بالاتباع كليا. كما ضرب الله مثلا في طاعته حتى فيما يأكل الناس وفيما يشربون.
● اتباع سلطان الله الواحد(وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)
● وآياته في السماوات والأرض, الناتجة عن تحرك خلق الله, وفيها دليل على اتباع الخلق له سبحانه بما ينتج عنه كل النفع للإنسان وللخلق أجمعين (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)).
● وهناك من الناس من يتخذ من دون الله أندادا, فلن ينفعوهم يوم القيامة, حيث يتبرأون منهم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)
● وهناك ناس يتبع بعضهم بعضا من دون الله, وبالمخالفة لما أنزل الله, فيبين الله ما سيقعون فيه يوم القيامة من خلاف وتبرؤ متبادل بين الفريقين (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)
● وهناك من يتبع خطوات الشيطان(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)
● وهناك من يتبعون ما ألفوا عليه آباءهم (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)
● وهناك من لا يتبعون شيئا, بل يتبعون أهواءهم, فيكونون كمثل الذي ينعق بما لا يسمع (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)
● وهناك من يعلم ما أنزل الله وما أحلّ وما حرّم, فيتبع هدْي الله حتى في طعامه وشرابه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)
● وهناك من يعلم ما أنزل الله من الكتاب فلا يتبعه, بل يكتمه ويشتري به ثمنا قليلا (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)
الحقيقة الجامعة للبر: الأعمال العظيمة:
والشخصية العامة المسئولة, لا تكتفي بتولية وجهها قبل المشرق والمغرب, وهو أمر هام لا تصح الصلاة إلا به, غير أنه غير كاف, وإنما الشخصية العامة عليها مسئوليات الأعمال الجليلة المبنية على الإيمان وبذل المال للمحتاجين, وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والوفاء بالعهد, والصبر والصدق والتقوى, وعلى ذلك تقوم الدنيا وتبنى الأمم والحضارات, وتتحقق منافع الناس ومعايشهم وأمنهم (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)
وأهم صفة يجب زرعها وبناؤها, هي التقوى. فذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين, فشرط أن يستفاد به أن يكون المسئولون عن تطبيقه وضبط الحياة به, من المتقين.
لذا فإن برنامجا لتأهيل المسئولين بالتقوى, تم وضعه في هذا الجزء من سورة البقرة.
وكلما عظمت مهمة المسئول كلما كان مهما أن يلتزم التقوى. وبها يسكن المجتمع ويهدأ ويشعر بالطمأنينة…
القصاص:
فإقامة القصاص في القتلى بالمجتمع تقع ضمن مسئوليات المسئول العام في الدول, فهو الذي يمكّن أهل القتيل من قاتله, فيقاد إليه, أو يأخذ ديته أو يعفو, فترتاح القلوب, وتهدأ النفوس, كما تخضع المسألة للتحقيق ولا تترك لظنون وثأر أعمى يطيح بالرءوس دون تمييز (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179))
والتقوى هي الهدف من القصاص.
تنفيذ الوصية:
والمسئول العام عليه تنفيذ وصية من حضره الموت, دون تبديل, وهي أيضا مسئولية عامة, فمن يضمن احترام الوصية, التي قد تكون ليتامى ضعاف, أو لبيت مال المسلمين, ولضعفائهم وفقرائهم؟ (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)
ومرة أخرى التقوى أساس حفظ الحق في الوصية.
الصيام
ومن واجبات المسئول العام تحديد مواعيد الصيام, والفريضة عامة للناس أجمعين تربطهم بربهم القريب, فيربيهم الله على الصيام وهو امتناع عن الطعام والشراب والشهوة الحلال في غير وقت الصيام, فيعتاد المسلم كمسئول عام على الترك لله, والتحكم في شهواته الأقوى, وبالتالي يسهل عليه التحكم في كل شهواته ورغباته. والتقوى هي هدف الصيام: (لعلكم تتقون). ورغم أن الصيام عبادة فردية يقوم بها كل فرد وحده, إلا أن الذي يحدد بدءها وانتهاءها هو المسئول العام الأول في المجتمع, فيحدد دخول شهر رمضان, وانتهاءه, ويحدد مواقيت بدء صيام اليوم وإفطار اليوم. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
تحريم أكل الأموال بالباطل ورشوة الحكام:
نتيجة لإقامة فريضة الصيام في المجتمع, فإنه يسهل على المسلم كمسئول عام, ألا يأكل الأموال بالباطل, وألا يعرضها على الحكام فيفتنهم ويغريهم بها ليأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم, (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) وهي نتيجة رائعة للصيام تنفع الجميع حكاما ومحكومين, وتربيهم, فمن يمتنع عن أكل الطعام في نهار رمضان, لا ينبغي أن يقترف أكلا للأموال بالباطل مطلقا, والذي يؤتي الصدقة والزكاة لفقراء الناس في رمضان, لا ينبغي مطلقا أن يدلي بها إلى الحكام ليأكل فريقا من أموال الناس بالباطل وهم جميعا يعلمون.
إن هذا لبُعدٌ رائع للصيام, يخرج به من دائرة المنفعة الخاصة للصائمين أفرادا, إلى المنفعة العامة لعموم الناس في المجتمع المسلم, على اختلاف طوائفهم, ويحفظ الجميع من أكل الباطل, حكاما ومحكومين.
المواقيت:
والشخصية العامة ملتزمة بالمواقيت, وعلى قمتها الأهلة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)) والأهلة جمع لهلال, وهي تعني تتابع الشهور, أو قياس الزمن, وضبطه, وهي أساس حساب الشهور والسنين, كما أن الشمس أساس حساب اليوم والليلة, والتقسيم إلى ساعات ودقائق وثوان. وقد جعل الله الأهلة مواقيت للناس والحجّ. والحج ميقات سنوي, يوحد بين مواقيت المسلمين في العالم. ومواقيت الناس تشمل حساب الوقت عموما للناس عموما. وهذه مسئولية الحكومة التنفيذية, بأن تحدد مواقيت العمل والإجازات وأسس حساب الأجور, علاوة على تحديد كل ما يرتبط بالمواقيت فالصلاة كتاب موقوت, والصيام من هلال إلى هلال, والحج أشهر معلومات, والزكاة تحسب كل اثني عشر هلالا.
والتقوى هي وصف للبرّ (ولكن البر من اتقى)
القتال دفاعا عن النفس:
وتأتي مسئولية الدفاع عن البلاد والعباد, لتكون من أهم مسئوليات الحكومة التنفيذية, وهي مستعدة للقتال دفاعا عن النفس, (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)
فالقتال ضد الذين يقاتلوننا, إلى أن ينتهوا, مع النهي عن الاعتداء, وذلك للحفاظ على أرض الأوطان بإخراج الذين أخرجونا منها, ثم العفو حين ينتهي المعتدي, فنعيش في سلام بعد رد اعتدائه وإيقاف احتلاله, فلا عدوان إلا على الظالمين.
(فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)
وفي سبيل ذلك, فإن الدعوة للإنفاق لا تأتي هنا في إطار الإنفاق على الفقراء, فلذلك موضع آخر يأتي, وإنما تأتي في إطار الإنفاق لكي لا نلقي بأيدينا إلى التهلكة, وتأتي في أعقاب الحديث عن القتال دفاعا عن النفس, وردا للاعتداء, ودرءا للفتنة والظلم. ويكون الأمر بالإنفاق هنا ضمن الجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس. (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) وهكذا: (وقاتلوا في سبيل الله), (وأنفقوا في سبيل الله).
الحج والعمرة:
جاءت آية التوحيد (وإلهكم إله واحد), ثم آية البر لتشمل الصلاة والزكاة والإنفاق, ثم جاءت آيات الصيام, ثم تستكمل آيات الحج أركان الإسلام الخمسة, وإقامتها جميعا مسئولية عامة في المجتمع, وتيسيرها مسئولية الحكومة التنفيذية, فهي لا تمنع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه, وتقيم الصلاة, وتشرف على جمع الزكاة أو تجمعها لإنفاقها في وجهها, وتحدد مواقيت رمضان, ومواقيت الحج, وتيسره بين جموع الحجيج التي تحتاج إلى من ينظم حركتها, ولا يدخل ذلك في مسئوليات الأفراد, وإنما هي مسئوليات عامة تتحملها الحكومات التنفيذية.
كما أن الحج والعمرة, يعطيان البعد العالمي لمسئوليات المسلمين عن الناس, كما يعطيان للمسلمين البعد العالمي لأمتهم الواحدة, وقبلتهم الواحدة, وعبوديتهم لإله واحد.
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)
المتولّي:
والمسئول العام إن لم يصل إلى التقوى, فإنك تسمع من بعضهم قبل أن يتولوا مناصبهم قولا جميلا يعجبك, ثم ترى منه عجبا.. فإذا تولى سعى للإفساد وإهلاك الحرث والنسل, ولا يعبأ بنصيحة من يقول له اتق الله …
هذان مثالان لمسئولين عموميين: الأول يحسن القول حتى إذا تولى أفسد وأهلك ولم يقبل نصيحة, يقول الله سبحانه:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206))
والآخر يعرض نفسه للبيع لله ابتغاء مرضاته, فيكون رأفة الله بعباده.. (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207))
الدخول في السلم:
ويدعو الله الناس للدخول في السلم كافة, أي ادخـلوا فـي الصلـح والمسالمة وترك الـحرب وإعطاء الـجزية. أو ادخـلوا فـي الإسلام كافة. وهي مهمة كل المسئولين العموميين,على كل المستويات, لتحقيق مناخ سلم ومسالمة يعيش فيه الناس آمنين, وإلا فالشيطان يثير العداوات والقلاقل فيضيع على الناس أمنهم وحياتهم واستقرارهم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)
عدم تبديل نعمة الله من بعد ما جاءته:
كما يدعو إلى الثبات بعد أن ينعم الله عليهم بآيات بينة, فلا يفعلون كما فعل بنو إسرائيل. (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)
الاستقرار النفسي أمام مغريات الحياة:
قد لا يتفوق الذين آمنوا والمتقون على الكافرين في متاع الحياة الدنيا وزينتها, فهدفهم يجب أن يكون دائما هو الحساب والموقف بين يدي الله يوم القيامة, فلا يعبأون بسخرية الذين كفروا, ولا بزينة بين أيديهم, فالله يرزق من يشاء بغير حساب. (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)
اختلاف الناس:
وينبئنا الله بحتمية اختلاف الناس, وحتمية هدايته للذين آمنوا بردهم إلى الكتاب الذي أنزله بالحق, فيتعامل المسئول العام مع الناس على هذا الأساس, ويعترف باختلافهم.
(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
البأساء والضراء وانتظار نصر الله:
وأنذر الله بالبلاء والزلزلة والبأساء والضراء قبل أن يأتي نصر الله, فتظهر قدرات كل منهم وصدق إيمانه, وهو نفسه ما حدث مع الذين من قبلنا.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)
رعاية أصحاب الحقوق الأوْلى:
(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)
فريضة القتال:
وفي سبيل الحفاظ على كل المكاسب السابقة, فقد يتعرض المسلمون إلى القتال بصفتهم مسئولين عن الحق, فيثبتهم الله ويصرح لهم بالقتال حتى لو فرض عليهم في المسجد الحرام وفي الأشهر الحرم, ومن باب أولى في أي وقت دون ذلك. ووعد المؤمنين المهاجرين المجاهدين برحمته سبحانه.
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)
● الأحوال الشخصية:
قد يعتقد البعض أن كل إنسان حر في تصرفاته الشخصية, إلا أن هناك من تلك التصرفات ما يؤثر في المجتمع, ويمثل اعتداء على حريته, وترويعا لأمنه. هنا لابد من تدخل الحكومات التنفيذية في تنظيم الأحوال الشخصية.
كما أن تشريعات الله في الأحوال الشخصية, تعين الحكومات على إيجاد مجتمع هادئ عادل مستقر, لا ينشغل بقنابل زمنية موقوتة في البيوت..
ولهذا فإن برامج الحكومات التنفيذية ينبغي أن تشمل الأخلاقيات والسلوكيات والتعامل بين الناس, والاهتمام بأحوالهم الشخصية, يؤثر في ذلك الإعلام والثقافة والتعليم وعلماء الدين والعاملين في الدعوة, قبل القضاء والشرطة.
وهذه أمثلة من الأحوال الشخصية التي اهتم بها القرآن..
الخمر والميسر:
فشرب الخمر تصرف شخصي, لكن إثمها على الناس أكبر من نفعها لهم, وهي تهلك أموال الناس وصحتهم مما يقلل من فرص إنفاقها في النفع العام والخاص, فلا يجدون عفوا أو فضلا من أموالهم ولا من صحتهم لكي ينفقوا منه, كما أنها تؤثر على تفكيرهم الذي يتميز به الإنسان العاقل الواعي عن المجنون أو الذاهب العقل بالخمر, هنا يبدأ وضع نقطة نظام تبين بموضوعية أثر الخمر على الناس. كذلك الأمر في الميسر, فهو أيضا يذهب المال, والوقت والعقل (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
اليتامى:
واليتامى يفقدون عائلهم, ويمثلون حالة ضعف في المجتمع, بل وحالة قلق وحزَن لدى الكبار الذين يخشون لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم, وحين يصدر الله أحكاما وموعظة خاصة باليتامى, فإن المجتمع يبيت مطمئنا, ويصبح مصلحا خيّرا. (فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)
النكاح:
إن استقرار الأسرة من استقرار المجتمع, وأم مؤمنة وأب مؤمن يعني أسرة مؤمنة, وأبناء مؤمنين, لهذا تصدر أوامر الله ونواهيه لمنع اهتزاز اللبنة الأولى في المجتمع وتوفير الجو الصحي للنشء: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)
الأيْمان:
والإصلاح بين الناس أساس لاستقرار المجتمع, لا يمنعن عنه أيمان تورط في القسم بها أحد, فيتنازل الله عن حقه فيها ويمنع من جعل القسم به حائلا دون البر والتقوى والإصلاح بين الناس:
(وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)
الطلاق:
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)
واستمرارا للحفاظ على استقرار اللبنة الأولى في المجتمع, فإن الله ينزّل تشريعاته لإتاحة الطلاق لمن لا يجد بدا منه, في نفس الوقت يحافظ على حقوق المطلقات والأبناء وآبائهم, حتى أولئك الذين في الأرحام. (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)
ويحافظ التشريع على حقوق المطلقات وعدم الإضرار بهنّ (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)
حقوق المولود:
وحفاظا على مستقبل الأمة, وعلى عدم تعريض الأطفال للخطر فإن الله لا يغفلهم في تشريعه: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)
حقوق الأرامل:
كما تتيح شريعة الله للأرملة حقها في الحياة (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)
حتى العلاقات العاطفية والخاصة جدا, ينظمها شرع الله بما في ذلك مجرد الذكر والقول وخلجات النفس: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)
حقوق المطلقات
وقد تصل الحياة الزوجية إلى حالة يكون الطلاق فيها خيرا من استمرار العلاقة, رغم أنه أبغض الحلال, عندئذ ينظم الكتاب حقوق المطلقات المادية والمعنوية, (حقا على المحسنين) (ولا تنسوا الفضل بينكم).. (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)
والحفاظ على حقوق الفئات الأوْلى بالرعاية هو امتداد للحفاظ على الصلوات في كل الأحوال حتى حال الخوف والحرب, فكلها من حقوق الله على الناس, التي ينظمها القائمون على النظام العام..
(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)
● القتال ضد الباطل:
لقد ذكر القتال في السورة في مواضع سابقة, إنه يأتي كإصابة تصيب بعضا ممن يتعرض للعمل العام, فيقتل في سبيل الله. ثم ذكر أنه كتب علينا وهو كره لنا, لنستعد له ونتوقعه ونتقبله, ثم شرع الله القتال للدفاع عن النفس (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم لا تعتدوا) وهنا يأتي في حالة القتال ضد الباطل, وعدم الخوف والرهبة منه, حتى في حالة الفئة القليلة, فهي تهزم الفئة الكثيرة بإذن الله.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)
والقتال آلية حتمية في الحياة, فالناس مختلفون لا محالة, وأول وسائل فض الاختلاف هو التفاهم الودي والمنطقي, وبعد استنفاد وسائل التفاهم كلها, يصل المختلفون إلى المواجهة العنيفة, التي تصل في حدها الأقصى إلى التقاتل, وأهل الحق لابد لهم من الاستعداد للقتال لينصر الله بهم الحق.
ولنتصور أن فريقين التزم أحدهما بالحق, وتجاوز الآخر بالباطل, وبدأ خلاف بينهم, فإن أهل الحق يريدون الالتزام في مواجهتهم بميثاق الحق دون تجاوز, وأهل الباطل لا حدود لهم ولا التزام بميثاق ولا بوسائل, فهم يستخدمون كل الوسائل المشروعة والمحرمة للانتصار على أهل الحق, فهل لأهل الحق أن يتجاوزوا في مواجهتهم إلى الوسائل غير المشروعة؟ وهل لو لم يلجأوا إليها سيكون لهم الغلبة؟ إن الغلبة ستكون لأهل الباطل لكثرة وسائلهم وعدم شرعيتها, إلا أن يتدخل الله سبحانه وتعالى بقوته إلى جانب الحق, وإلا لما رأينا حقا ولا أمنا ولا عدلا في الدنيا. وحقا يقول الله: (.. وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)
وفي سورة الحج يبين الله حتمية تدخله, ويشهد بها أحوال الناس في التاريخ وفي كل الأرض, فيقول: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا) حيث لن يكتفي أهل الباطل في حربهم واستيلائهم على هزيمة أهل الباطل والاستيلاء على أرضهم وديارهم وممتلكاتهم, بل سيتجاوزون إلى الآمنين ودور العبادة لكل العقائد, فيهدمون عليهم دور العبادة نفسها, وهذا لم يحدث في التاريخ, فدور العبادة مازالت قائمة سالمة.
القتال حسما للاختلاف
والاقتتال بين الناس حتمي, حين لا يمكن التفاهم في نقاط الاختلاف, لذا فينبغي الاستعداد له.. (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)
● المعاملات المالية:
الإنفاق
وللمال وظيفة اجتماعية, فينبغي أن يتداوله الناس ولا يكنزونه. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)
والمال أعز على الناس ربما من أنفسهم وأبنائهم, ولكي ينزعه الله من قلوب الناس ويجعلهم ينفقونه في الوجه الذي يأمرهم به الله, فإنه يقيم سلطانه في قلوبهم أولا, فيعلمهم أنه سبحانه له ما في السماوات وما في الأرض, ثم يضرب لهم الأمثال على إحيائه الموتى من الأرض والناس والخلق كله, ثم بناء عليه يأمرهم بالإنفاق في سبيله, ويطمئنهم أنه يخلف عليهم ما ينفقونه.
ولإقامة سلطان الله في قلوب الناس أمام هذه القضية, قضية الإنفاق في سبيل الله, يأتي الله بآية الكرسي سيدة آي القرآن
(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)
يقول فيها القرطبي: {هذه آية الكرسيّ سيدة آي القرآن وأعظم آية….. روى عن محمد ابن الحنفية أنه قال: لما نزلت آية الكرسي خرّ كل صنم في الدنيا، وكذلك خرّ كل ملِك في الدنيا وسقطت التيجان عن رؤوسهم، وهربت الشياطين يضرب بعضهم على بعض إلى أن أتوا إبليس فأخبروه بذلك فأمرهم أن يبحثوا عن ذلك، فجاءوا إلى المدينة فبلغهم أن آية الكرسي قد نزلت}.
فالمسئول الأعلى عن الكون هو الله لا إله إلا هو, له المثل الأعلى.
ونرى رؤساء الدول, يعهدون بمسئولياتهم إلى من ينوب عنهم إن همّوا بالدخول تحت تأثير المخدّر في العمليات الجراحية, فسوف تأخذهم سنة ونوم, فمن يدير مسئولياتهم حينئذ؟
والمثل الأعلى في المسئولية جلّ شأنه, لا تأخذه سنة ولا نوم.
والمسئول الأعلى يجب أن تمتد سلطته إلى كل ما تحت مسئوليته, والمثل الأعلى ربّ العالمين له ما في السماوات وما في الأرض.
والمسئول الأعلى لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه, ولكن ربما يشفع أحد عند نوابه أو وزرائه أو أهله وأصدقائه المقربين, فنجد كل من له أدنى صلة بالمسئولين الكبار في أي نظام سياسي, لهم شفاعة حتى بدون إذن, ومن هنا يأتي الفساد والمحسوبية والوساطات بغير حق, ولكن الله الذي له المثل الأعلى, من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه.
والمسئول الأعلى في أي نظام سياسي يحاول أن يكون له من أجهزة الاستخبارات المتعددة من ينقل له المعلومات عن شعبه ومرءوسيه, وتتعدد أجهزتهم, ولكن الله الذي له المثل الأعلى, يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم, ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء.
والمسئول الأعلى في أي نظام سياسي, يحاول أن يمتد سلطانه على كل حدود ملكه ودولته, والله الذي له المثل الأعلى وسع كرسيه السماوات والأرض.
والمسئول الأعلى في أي نظام سياسي, لا يستطيع حفظ كل تلك المسئوليات التي في حدود ملكه, ولكن الله الذي له المثل الأعلى لا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم.
والذي يؤمن بالله سبحانه وبأنه المالك لكل شيء, يكون مؤهلا لطاعته حتى في إنفاق أعز ما يملك من زينة الحياة الدنيا, فتأتيه آيات الإنفاق, ثم آيات الربا, ثم آيات الدين, لينظم الله بها في سورة البقرة المعاملات المالية بين الناس, ويضع بها النظام الذي لو طبقته الحكومات التنفيذية في الدول, ما بقي فيها فقير ولا محتاج, ولا يمنّ منفق على منفَق عليه.
حرية العقيدة:
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)
النصيحة لله:
ولا تعني حرية العقيدة أن يقف المسلم موقفا سلبيا من الكافر, فعليه طرح قضية الإيمان عليه, مهما كان مقام الكافر, ولو كان ملكا, فالكافرون عن جهل في أعناق المؤمنين ليبينوا لهم ما أنزل الله, ويعرفوهم على ربهم, ويتم العرض بكل المنطق وكل الشجاعة والأدب.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
الأمل في الإصلاح:
والمسئول العام لا ييأس أمام بلد تبدو ميتة, خاوية على عروشها, فالله يحيي الموتى:
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
الأمل في الإحياء:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
التصرفات المالية:
التصرفات المالية بين الناس هي بين الإنفاق في سبيل الله على من يحتاج إلى المال في ضروريات حياته, كالطعام والشراب, فإما أن يحصل عليه عن طريق الصدقة, أو عن طريق الربا المحرّم, أو عن طريق الدين أو القرض الحسن, فينظم الله تلك المعاملات, فيحث على الإنفاق في سبيل الله, يحرم الربا, وينظم الدَيْن.
الإنفاق في سبيل الله:
وبناء على العقيدة بأن الله يحيي ويميت وبيده كل شيء, فإن المسلم المؤمن ينفق ماله في سبيل الله, دون خوف أو حزن, ودون منّ ولا أذى, وإنما ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم, ويتصرف فيه بحكمة, وينفق من طيبات ما كسب, دون خوف من فقر, ينفق بالليل والنهار سرا وعلانية.
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)
الربا:
وأحل الله البيع وحرم الربا, ويمحقه ويربي الصدقات, ويؤذن آكله ومؤكله وشاهديه بحرب من الله ورسوله, ويأمر بالرفق بالمدين.
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)
ويحذّّر الله: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)) وهذه آخر آية نزلت من القرآن الكريم.
الدْين:
وينظم الله الدين بأطول آية في كتاب الله, تشمل كل أحكام الدين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)
الخاتمة:
وتلخيصا لسورة البقرة, ولوضع المسئولين العموميين عن الناس أمام مسئولياتهم, يختم الله السورة ببيان قدراته جلّ وعلا, في ملك ما في السماوات وما في الأرض, والمحاسبة على ما نبدي وما نخفي: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)
ويؤكد سبحانه على احتواء الإسلام لكل رسالات الله, والإيمان بكل كتبه ورسله, لا نفرق بين أحد من رسله, وعلى السمع والطاعة وطلب المغفرة وذكر المصير إلى الله.. ((آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)
كما يؤكد الله العلي العظيم على أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها, وأرى ذلك يبين أنه إن كلف الله أحدا بمسئولية, فإنها تكون في وسعه, فإن لم يؤدها, فمن تهاونه وتقصيره, ويعفو الله عن الخطأ والنسيان, ويعلمنا أن نسأله أن يحملنا ما لنا به طاقة, ويعيننا عليها ويعفو عما نقصر فيه ويغفر ويرحم.. (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
آمين ……. أمين……. أمين
هكذا قرأت سورة البقرة, وهكذا فهمتها, وما كان من خير فمن توفيق الله وفضله وعلمه, ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء, وإن كان من خطإ فمن نفسي أو من الشيطان, أعوذ بالله من شرور نفسي وشرور الشيطان, وأسأله العفو والمغفرة عن كل خطإ بقصد وعمد, أو بسهو أو خطأ.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم
[1] صحيح مسلم
[2] زهر الزاء والهاء والراء أصلٌ يدلُّ على حُسنٍ وضِياء وصفاء.
[3] راجع موضوع (القرآن المكي) في دراسة منفصلة
[4] أخرجه الترمذي عن أبي هريرة وصححه.
[5] النحل
[6] الأنعام
[7] النمل
[8] الأنبياء
[9] الإسراء
[10] إبراهيم
[11] طه
[12] يونس
[13] الزمر
[14] الأعراف