إن المطلع على أحوال المسلمين في العالم الآن , يمسي منها حيرانا تثور تساؤلاته:
● لماذا العداء للمسلمين بالذات ؟
● وهل هذا الصراع حتمي أم يمكن تجنبه ؟
● ومن سينتصر في نهاية المعركة ؟
● وما ضمانات ذلك ؟
● وما المطلوب من المسلمين حتى ينتصروا ؟ .
● ثم بماذا سنرد على من يكذب ومن يتشكك ويتعجل ؟ .
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يصف القرآن فيقول : فيه خبر ما قبلكم , ونبأ ما بعدكم , وحجة ما بينكم , فالقرآن الكريم يفسر كل ذلك , ويجيب على كل التساؤلات , وكأنه يتنزل به الروح الآمين على قلوب المؤمنين الآن , حيا نابضا بالحقائق والحجج التي لا يمارى فيها إلا على أعمى القلب والبصيرة , و يكذب بها إلا من على قلوبهم أقفالها , ولا ينصرف عنها إلا الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم .
يقول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز بعد سورة الحج :
(إن الله يدافع عن الذين آمنوا , إن الله لا يحب كل خوان كفور)
.. فهو يعلن سبحانه دفاعه عن المؤمنين لأنه لا يحب الخوان المنافق ولا الكافر الكفور .
” أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا , وإن الله على نصرهم لقدير “
أذن الله للمؤمنين الذين يعتدي عليهم ويقاتلون , أن يردوا الاعتداء والظلم , وطمأنهم مؤكدا قدرته على نصرهم , وهم الذين أجبروا على ترك ديارهم وأوطانهم بغير حق إلا لأنهم يقولوا ربنا الله , وهذا ما رأيناه في البوسنة حيث لم يعلن عن أى سبب للعدوان عليهم إلا لأنهم مسلمون , فلم يعلن حتى أعداؤهم أن السبب تفرقة بين أبيض وأسود وأوروبي وأسيوي , أو لجرائم ارتكبوها , وحتى لم يسموهم تسمية أخرى غير أنهم ” المسلمون ” لم يقولوا الوثنيون أو اليوغوسلاف من أصل ألباني أو تركي , ولم تصدر ضدهم أحكام .
… وفى فلسطين
ثم يؤكد الله حتمية هذا الصراع – الذي هو بين الحق والباطل وبين العدل والظلم , لأنه لو ترك الظالم دون مقاومة فانه سيستمر في ظلمه واعتداءاته على كل حق لغيره , حتى دور العبادة والمعتكفون فيها فلم يسلموا من الاعتداء , كما أنه لو رد المظلوم على الظالم دون عون من الله ونصر , فان المظلوم الأضعف المنتهكة حرماته , المسلوبة أمواله وأوطانه وثرواته , لن يستطيع أن ينتصر على الظالم المستحوذ على حقوق المظلومين المتقوى بأموالهم , الواصل إلى مراكز القوى بأسلحته , من كذب وسرقة وقتل واغتصاب ورشوة ونفاق وتجارة حرام وغلظة قلوب وهى الأسلحة المحرم استخدامها على المؤمنين أصحاب الحق ولكن التاريخ يثبت أن دول الظلم لم تستمر , وأن الخير لم يوأد ولم يستأصل من الأرض , بل على العكس انتشر وعم ولو بعد حين
” الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق , إلا أن يقولوا ربنا الله , ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض , لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا …”.
ثم وضع الله اشتراطات تدخله بالدفاع وتحقيق النصر , حتى يكون المؤمنون أهلا لنصر الله , فلو نصرهم وهم على خلاف ما أمرهم , فلن يكون لهذا النصر معنى , فعدوهم أيضا على خلاف ما أمر الله ” ولينصرن الله من ينصره , إن الله لقوى عزيز , الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ” إن المطلوب من المؤمنين أربعة أمور حتى يكونوا أهلا لنصر الله ويتمتعوا بقوته , ويحتموا بعزته : عندما يمكنهم الله في الأرض في أي شئ في الأرض بدءا من النفس التى بين الجنبين , ومرورا بالأسرة والعمل , وانتهاء بدولة ذات سيادة وسطوة ويمكن بأساليب شتى … بالإعلام , بالعلم , بكلمة الحق القوية , بالثروة … عندئذ يؤسسون الصلة بينهم وبين الله بإقامة الصلاة , الصلة بينهم اقتصاديا واجتماعيا بالتكافل بين فقرائهم وأغنيائهم بإيتاء الزكاة وألا يتركوا معروفا إلا ويأمرون به , ولامنكرا إلا وينهون عنه , يفعلون ذلك ويتركون النتائج لله مطمئنين بأنه ” ولله عاقبة الأمور ” .
بعد وعد الله المؤمنين بالنصر ودفعهم للسير في سبيل تحقيقه وتوضيح المطلوب منهم لينصرهم الله , قد يكذب بذلك الوعد قوم , ويتشكك ويتعجل قوم , فيرد الله على هؤلاء وهؤلاء
” وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود , وقوم إبراهيم وقوم لوط , وأصحاب مدين , وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم , فكيف كان نكير ” .
إن مجرد ذكر الأمم والأقوام التى خالفت وكذبت وعد الله فأهلكهم , يكفى للاعتبار وللتصديق وعد الله , ولكن الله يبين سنته بأنه يملى للظالم _ أى يمهله – حتى إذا أخذه لم يفلته , ومن منا لا يحب أن يمهله الله , الذي لا يؤاخذ الناس بما كسبوا وبمجرد حدوث الظلم منهم , ما ترك على ظهر الأرض من دابة , فهو يملى للكافرين ثن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر , فكيف إنكار الله عليهم فعلهم ؟
وقد ينسى البعض أو ينكر ما حدث لأقوام مرت عليهم آلاف السنين فهم يحتاجون لشهود عيان تذكرهم دائما بما حدث , يحفظها الله من الزوال والهدم رغم زوال وهدم غيرها من الشهود ,
” فكآي من قرية أهلكناها وهى ظالمة , فهي خاوية على عروشها , وبئر معطلة , وقصر مشيد “
فكم من قرية أو أمة أهلكها الله وهى ظالمة , ولكنه ترك أثارها بعضها مهدم , وبعضها مشيد وآبارا لا فيها ماء فتستمر في أداء دورها كبئر , ولم تردمها عوامل التعرية فتختفي , فتنسى قصة قريتها بالاستعمال في الحالة الأولى , أو بالاختفاء في الثانية , ولكنها تظل بئرا معطلة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
وقد يحتج البعض بعدم رؤيته لهذه الآثار , أو لعدم التفاته لقصتها التاريخية والعبرة منها , فيستحثهم الله على السير والنظر والاعتبار , وعدم الاكتفاء بالتقاط الصور والنظر بالعين
” أفلم يسروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها , فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى في الصدور “
ردود مفحمة مقنعة تنفى كل شبهة تكذيب أو تشكيك في أن الله سيهزم الظالمين , وينصر المؤمنين وأنه فعل ويفعل ذلك دائما على مر التاريخ والأيام .
ثم قد يستعجل البعض انتقام الله , ونصره , والمستعجل إما متشكك أو يفتح على نفسه باب تشكك , إما غير مقدر الأمور بمقدارها فيرد عليه الله تبارك وتعالى مؤكدا أولا أن التأخير في تنفيذ وعد الله ليس خلفا للوعد , ولكنه حسن تقدير للأمور , وسنة من سنن الله التي نحب نحن أن تنطبق علينا , ولا نحب أن يأخذنا بأول ذنب أو خطيئة :
” ويستعجلونك بالعذاب – ولن يخلف الله وعده – وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون “
إن يوما عند الله كألف سنة مما نعد .
وساعة عنده سبحانه كخمسمائة شهر مما نعد آي واحد وأربعون سنة وثلث ,
.. ودقيقة عنده جل شأنه كمائتين وخمسين يوما أى ثمانية أشهر وعشرة أيام مما نعد
فما حدث في البوسنة لا يتجاوز الدقيقتين بكثير عند ربنا ( وهذا على سبيل التقريب بأن اليوم أربع وعشرون ساعة والساعة ستون دقيقة )
ودولة إسرائيل لم يتجاوز الساعة بكثير , ودولة الاتحاد السوفيتي الكافرة التى هدمها الله وحده , عاشت مائة دقيقة
ثم يضرب الله المثل بأن هذه هي سنته في تقدير وتوقيت قدره :
” وكآي من قرية أمليت لها – وهى ظالمة – ثم أخذتها , وإلى المصير “
ردود كافية على من يستعجل بالعذاب , ومن يستبطئ نصر الله القريب ,
ثم يفسر الله حركة التاريخ منذ بدء الخليقة إلى يوم القيامة ويصنف الناس عند تلقيهم لهدى الله , ثم بعد فرزهم باختباراته ليميز الخبيث فيهم من الطيب :
” قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين : فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم , والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم ” .
بدون اختبار , يختلط الناس فلا تكاد تتعرف على أصنافهم من الخبيث ومن الطيب , من النذل ومن الشهم , من المنافق ومن الصادق .
لا تظهر أخلاق الناس وصفاتهم إلا بالاختبار , لا بالشكل ولا باللون ولا بظاهر القول , فينزل هدى الله بأنبيائه ورسله ,
.. فيؤمن بعضهم بمجرد عرضه عليهم , أولئك هم المؤمنون الذين هداهم الله إلى صراط مستقيم , من أمثال أبى بكر وعلى بن أبى طالب وخديجة بنت خويلد رضوان الله عليهم ,
.. ويعترض بعضهم : إما
● لكفر متأصل فيهم أو
● لنفاق في قلوبهم , أو
● لمصالح لديهم من سلطة ومال وجاه وطبائع ,
وهم جميعا يخشون أن تهتز وتتأثر بالهدى الجديد الذي يضع قواعد لحركة الحياة تختلف عما ألفوه واعتاد وه ,
وهناك فئة ثالثة لا تحكم إلا بالعقل والإقناع والاقتناع وترفض أن تأخذ شيئا بغير اقتناع , وهى قد تعادى الهدى لجهل به , فالمرء عدو ما يجهل , أو لكثرة معاشرة الباطل حتى لتظن أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان , أو لانبهارها بمظاهره وعلو صوته وقوته المبنية على الظلم والافتراء , ومن أمثال هؤلاء عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضوان الله عليهما .
أمثلة من العصر
وهنا يكون ابتلاء الله وفتنته حتى يظهر كل فريق على حقيقته , وتظهر كل حقيقة بدون التباس ليهلك من هلك عن بينة , ويحيى من حي عن بينة .
والمسئول عن التلبيس هو إبليس , ولكن الله تبارك وتعالى لا يتركه دون أن يوضح للناس الحقائق لكي لا يكون للناس على الله حجة بالتباس الأمر عليهم :
“وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته , فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته , والله عليم حكيم “
يقول الرسل : حرية الفرد: يحرركم الله من عبادة العباد والأشياء إلى عبادة الله الواحد ,
فيدعو الشيطان إلى حرية مطلقة لا قيود عليها فمن تبعه في دعواه قد يحتج بأن الحرية الطلقة أنفع , فيأتي الاختبار لينسخ الله ما يلقى الشيطان ,
يقول الرسل : بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
ويقول الشيطان : الأخلاق عندى
وعند التطبيق تراه يقصد الأخلاق الظاهرة طالما لن يراك أحد , فإذا اختليت بعيدا عن القانون والناس فافعل ماشئت , وإن كنت فى روما فافعل كما يفعل أهل روما
يقول الرسل ” حرية الشعوب فى تقرير مصيرها
فيقول إبليس : وأنا مع حريتها ,
.. وعند التطبيق يتبين أنه مع حرية الأقوياء على حساب الضعفاء ,
يقول الرسل : الدين المعاملة
فيقول الشيطان : عندى المعاملة الراقية
وعند التطبيق تراه يقصد المعاملة طالما كانت المصلحة “الشغل شغل .. وجلسات الشراب والخمر شيء آخر.”
يقول الرسل : حقوق الإنسان
ويقول الشيطان : حقوق الإنسان
وعند التطبيق يتبين أنه يقصد حقوق الإنسان القوى أو غير المسلم أو الأبيض ,
يقول الرسل شورى
فيقول إبليس موجودة في نظامي بغير حاجة إلى رسل وهدى الله ,
يقول الرسل : استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا ,
فيقول الشيطان لكم كل المتاع الذي ترغبون .
يقول الرسل : الحق والعدل والمساواة
فيقول الشيطان : عندى الحق وعندى العدل والمساواة
وعند التطبيق يراه يعنى : ماعدا مايخص اليهود
فكيف ينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته ؟
بالابتلاء والفتن يتضح كل فريق بما لا يدع مجالا للشك , وبدون التباس تظهر حقيقة كل فئة
” ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم , وان الظالمين لفى شقاق بعيد , وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم , وان الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم “
في نفس الفترة القريبة من التاريخ , وقبل أن ينسى الناس وتتعاقب الأحداث , يخالف العراق إجماعا دوليا ويعتدى على الكويت , فيقف النظام العالمي الجديد موقف الحق والعدل والدفاع عن حقوق الشعوب وعن دولة عضو في الأمم المتحدة وعن قرارات صدرت بإجماع دولى , ويستعمل أقصى أنواع العقوبات والاعتداء والحصار والردع , ثم في نفس الفترة تخالف إسرائيل إجماعا دوليا وتعتدي على جنوب لبنان وتبعد المئات من الفلسطينيين المسلمين عن أرضهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله , وتصدر قرارات إدانة من الأمم المتحدة لا تمتنع الولايات المتحدة عن التصويت عليها ولا تستخدم حق الفيتو , بل توافق مع الموافقين ,
ثم تخالف إسرائيل كل هذا , فلا رادع ولا عقوبات ولا منع مكافأة المعتدى ولا ما سمعناه من مواجهة النظام العالمى الجديد للاعتداء من أجل الحق ,
إنه دفاع عن الحق عندما يصادف مصلحة الطغاة ,
فتتضح الصورة للمخدوعين الظانين بأن راية للحق يحملها أهل الباطل دائما , فيقول الذين يكتشفون الحقيقة بعد الابتلاء , والذين لا هوى لهم ولا مرض في قلوبهم ولا قسوة , يقولون (نرجو أن تكيل الولايات المتحدة الأمريكية بمكيال واحد) .
ثم تصدر قرارات من المجتمع الدولى , واجبة الاحترام والدفاع عنها , تدين العدوان على دولة عضو بالأمم المتحدة عدوان بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله فيستمر المعتدى في اعتدائه , ويسمح له بل يسلم له السلاح والذخيرة , وتحظر على المعتدى عليه , فلا نرى ردعا ولا دفاعا عن حق المظلوم كما حدث للكويت , ولكن فليترك شعب البوسنة المسلم حتى يتم القضاء عليه نهائيا حتى لا تطول الحرب , فتتضح الصورة للمخدوعين بالنظام العالمى الجديد والقوة التى تدعى أنها الأقوى في العالم وأن القوة لله جميعا , له الخلق والأمر وهو غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
ثم في نفس الفترة التاريخية , وقبل أن ينسى الناس الربط بين الأحداث , تثير أجهزة الإعلام موضوع المجاعات في الصومال وتركز على المناطق الموبوءة بالجفاف والجدب , فيتخذ النظام العالمى الجديد قرارات للمحافظة على حقوق الإنسان في الحياة الطعام والشراب ويحتل الصومال فنرى جنود الأمم المتحدة يقتلون المئات الذين جاءوا للحفاظ على حياتهم , ويجرون بالدبابات شخصين أحدهما ميت والآخر على وشك , ويقال لنا حقوق الإنسان …
إذن المسألة ليست كما يقولون ولكنه تلبيس إبليس وإلقاؤه في أمنيات الرسل والأنبياء والهدى الذي جاءوا به .
بعد الابتلاء يظهر الكافرون والمنافقون بوضوح وجلاء ,
ويميز الله الذين أوتوا العلم , الذين وصلوا إلى قناعة عقلية تبعها إيمان وإخبات لله وهديه , والمؤمنون الذين هداهم الله إلى صراط مستقيم.
ثم يتكرر هذا الابتلاء دورات تستمر إلى يوم القيامة أو حتى يهلك الله الكافرين
“ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم”
عندئذ يصدر حكم الله بعد أن صارت الابتلاءات حجة على الناس , ونتج عنها فرزهم إلى فريقين اثنين , أزيل الالتباس عن الذين أوتوا العلم فانضموا إلى المؤمنين في فريق , وأزيح الستار والتلبيس عن المنافقين فبدا كفرهم واضحا جليا , وانضموا إلى الكافرين في الفريق الثانى
“الملك يومئذ لله يحكم بينهم , فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ,
والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين “.
ولكن ما جزاء من قتل أو مات وهو على وعده لله وإيمانه به وهجرته إليه , وذلك من أطفال تناثرت أشلاؤهم , ونساء أبقرت بطونهن بعد اغتصابهن , وشيوخ هدمت بيوتهم وانتهكت شيخوختهم , وأثار قتلهم والاعتداء عليهم ثائرة المحقين , وأقضّ مضاجع النائمين , ونبه الغافيلن وحرك الساكنين
.. ونتج عما حدث لهم أن وصلت دعوة الحق لهم إلى أناس كانوا عنها بعيدين فعلموا أن الحق ليس مع الظلمة وأن العدل لا يأتى من المعتدين
إن الله تعالى يعتني بهؤلاء الضحايا , ويعطيهم ما يرضيهم من رزق وسكن
“والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا , وان الله لهو خير الرازقين , ليدخلنهم مدخلا يرضونه , وان الله لعليم حليم “
انه يرزقهم بعد قتلهم وموتهم , فهو خير الرازقين , ولا يدخلنهم درجة من درجات الجنة يستحقونها أو يختارها لهم , ولكنه يترك لهم الخيار أو يدخلهم ما يرضيهم , فهم عنده يشاهدون الجنات بعد أن سمعوا وصفها في الدنيا , ولكنهم يختارون ما يرضيهم وهو العليم بما يرضيهم .
والمقاتلون بسبب دينهم , المعتدى عليهم ممن هم أقوى منهم وممن يساعدهم الظالمون من كل مكان , يحتاجون إلى تثبيت من الله في معركتهم غير المتكافئة ماديا , وإلا فانهم سيظلون تحت وطأة الظلم بدون مقاومة , خوفا من قوة خصومهم , لهذا يقول الله لهم ” ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به , ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور ” يرد الاعتداء دون تجاوز ثم يفتري عليه بغيا وعدوانا , فيتكفل الله له بمساعدته ونصرته .
ثم يوضح الله أن سنته وفطرته تقتضي أن يقلب الأمور حتى يتبين حقيقة كل إنسان , فلا يدعى أحد صفة ليست فيه ولا قدرة لا يستطيعها
” ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير “
وتستمر ابتلاءات الله للناس حتى يتبين لهم أنه الحق وأن كل ما سواه باطل وأنه فوق كل شئ وأكبر من كل شئ , فلا يقول قائل أن أمريكا هى أكبر قوة في المعالم أو أنها تحكم العالم , أو أنه لامناص من طاعتها والسير في ركابها وتنفيذ ما يرضيها بهذه الدعوى , فالنتيجة التي يصل إليها كل صاحب عقل حر , غير متأثر مخدوع بدعاوى كاذبة , وغير مغلق بأقفال الكفر وغير باحث عن مصلحته حتى لو سلبت مصالح الآخرين , النتيجة يعلنها الله
” ذلك بأن الله هو الحق , وأن ما يدعون من دونه هو الباطل , وأن الله هو العلى الكبير “
فليس الحق منتظرا من أمريكا على مخالفتها لشرائع الله , وليست الحرية والدفاع عنها منتظرة من فرنسا بما تفهمه من معانيها التى تتعارض مع هدى الله , ولا حقوق الإنسان ستصونها دول تتخذ من القوة والمصالح الشخصية دينا ولو كان فيه ظلم للآخرين ولكن الحق الوحيد هو الله , وكل ما يدعون من دونه , ومن غير هديه هو الباطل , ليس هذا فقط , ولكنه الحق العلي فوق كل قوة ونظام عالمى جديد أو قديم .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أله وأصحابه أجمعين .