سياسة

0 تعليق 1.1k مشاهدة

القيادة المخلصة تجمع الناس جميعا باختلاف معتقداتهم وطوائفهم, وتبني فيهم الزعامات والقيادات المخلصة, ثم توجههم إلى هدف واحد.
لقد بدأ القرآن أول ما بدأ, في بناء مجموعة عمل؛ جمعها ووضع قواعدها على الإخلاص, ثم جمع حولها الناس جميعا دون استثناء, ثم شرع في تأهيل القائد الأعلى وتدريبه على القيادة وزراعة صفات القيادة فيه, ثم ربّى الأمة الإسلامية وأهّلها لتكون خليفة لله في الأرض, تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله, ليقود بها العالمين بهداية الله, ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه.

وفيما يلي خلاصة مرحلة بناء الإخلاص بترتيب نزول القرأن (من سورة العلق: اقرأ إلى سورة الإخلاص), ثم خلاصة مرحلة المشاركة, التي جمع الله فيها الناس كافة حول هدف واحد( من سورة النجم إلى سورة القمر), ثم منظومة القيادة كاملة, تشمل إعداد القيادات العليا, ثم بناء الأمة القائدة, إلى بناء الذرية القائدة التي ستوكل لها القيادة في المستقبل,(من سورة ص إلى سورة مريم كهيعص)

تلخيص مرحلة بناء الإخلاص
بدأ تنزيل الذكر الحكيم ب اقرأ. فبدأت مرحلة بناء الإخلاص من سورة العلَق إلى سورة الإخلاص, وكانت أول سجدة بترتيب النزول هي سجدة سورة العلق التي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فقال (واسجد واقترب), فكانت هي سجدة الإمام.
وشرع القرآن في التعريف بصفات الله وأفعاله, فهو الذي خلق, وهو الأعلى, وهو الله أحد.

كما بدأ التعريف بأسس العقيدة, وحقيقة الدنيا وأنها إلى هلاك ودمار إذا الشمس كورت, حيث تنشأ بعدها الآخرة, وإذا الصحف نشرت, وحيث علمت نفس ما أحضرت.

ثم جمع الله الأفراد المستجيبين لدعوة الهداية في رابطة العصر, الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر, ومن لم ينضم إليه فهو في خسر.

ثم وضع الله سبحانه قواعد الإخلاص لهم, حيث يتحول بها المؤمن بإيمانه من اعتقاد وقر في الصدور, إلى أن يؤتي ماله يتزكّى, وما لأحد عنده من نعمة تجزى, إلاّ ابتغاء وجه ربه الأعلى, علامة على تصديقهم بالحسنى.

وعلم الذين آمنوا أن الذي يكذب بالدين, هو ذلك الذي يدعّ اليتيم, ولا يحض على طعام المسكين, وأن الذين يرتكنون إلى صلاتهم وهم عنها ساهون, فلا يجدون آثارها في تصرفاتهم, فهم الذين يراءون ويمنعون الماعون, فإن هؤلاء لهم ويل, لا تشفع لهم صلاة.

وتميز الذين آمنوا فلم يجاروا الذين كفروا في عبادتهم, ولكنهم أعلنوا تميّزهم فقالوا للكافرين: لكم دينكم ولي دين.

وعلموا أن الله قادر على أن يحميهم من قوى لاقبل لهم بها في القوة, مثلما فعل بأصحاب الفيل, ومن شر ماخلق, وما لا يرونه من شر غاسق إذا وقب , ومن شر النفاثات في العقد, ومن شر حاسد إذا حسد, واستعاذوا برب الناس, ملك الناس, إله الناس, من شر الوسواس الخناس, فصاروا يتوجهون إلى إله واحد, هو الله أحد, الله الصمد.

تلخيص مرحلة المشاركة
ثم جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم, جميع طوائف الناس في مجلس واحد, فأسجدتهم الحجج العقلية إلى الله, فور أن تلا عليهم الرسول سورة النجم, حتى الكافرين منهم, بعد أن أشهدهم بأنه ما ضل صاحبهم وما غوى, وما ينطق عن الهوى. ورد على فاسد معتقداتهم في الآلهة الباطلة, اللات والعزى, ومناة الثالثة الأخرى, والادعاء بأن لهم الذكر ولله الأنثى, وفاسد معتقداتهم في الملائكة, واتباعهم للظن وما تهوى الأنفس, ولقد جاءهم من ربهم الهدى, وفي النهاية أمرهم جميعا(أفمن هذا الحديث تعجبون؟ وتضحكون ولا تبكون؟ وأنتم سامدون؟ فاسجدوا لله واعبدوا) فسجدوا جميعا, مؤمنهم وكافرهم, وكأنهم وفد يمثّل كل طوائف الناس وعقائدهم, يأخذون نصيبهم من السجود لله ربّ العالمين وهم داخرون.

وتم تركيز جهود الدعوة في سورة عبس مع من جاء يسعى وهو يخشى, وأُمر صلّى الله عليه وسلم بأن يتجنّب مناقشة ومجالسة من استغنى من الذين كفروا, مع تبليغهم بإنذارات الله لهم, وتوبيخهم على إجرامهم, مع بيان حقائق العقيدة والبعث والحساب وقدرات الله لمن عجب ولم يصدق بآيات ربه.

وفي سورة القدر, فتح الله معسكر ليلة القدر للمؤمنين لكي يذوقوا متعة قيام الليل بين يدي الله, فيدخل بعض منهم في طائفة من الذين مع رسول الله, فينشغلون بأمور الدعوة ويعملون فيها, ولا يكتفون بالإيمان والعمل الصالح فقط, ولكن يدعون الناس لدين الله, بما يتلقونه ويفقهونه من القرآن الذي يقومون به الليل.

وفي سورة الشمس, حفّز الله النفوس على الهداية, وحذّر من أنّ ترك الفاسقين دون هداية, يكون سببا في عقاب الله. لهذا فتزكية النفس مسئولية الجميع, فأقسم رب العالمين على أنه قد أفلح زكاها, وقد خاب من دساها..

وفي البروج, أنذر سبحانه الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا بأن لهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق.
كما تم تبليغ الجميع بأن دعوة الإسلام عامة, يدخل فيها كل الناس على اختلاف طوائفهم وعقائدهم, وأنها تخص الجميع, وتم توجيه الدعوة للإيمان إلى كل طائفة, مع اختلاف الأسلوب الذي تخاطب به كل طائفة. فكان كل نبي يبعث لقومه خاصة, وبعث رسولنا صلى الله عليه وسلم للناس عامة. تشمل دعوته الذين كفروا, والكافرين والمشركين والضالين والذين في قلوبهم مرض,
والذين أوتوا الكتاب, والمؤمنين, والذين آمنوا, وأعلن أن الإسلام دين للعالمين, دين مفتوح لكل الطوائف دون تمييز.

ففي سورة التين, أقسم الله بالتين والزيتون وطور سينين, وهذا البلد الأمين, في تآخ للأرض التي بدأت منها دعوة عيسى , ودعوة موسى, ودعوة محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام. وفي إشارة إلى أن الدعوة للناس كافة؛ وغير مقصورة على قوم بعينهم, كما كان الحال في الدعوات السابقة.

كما وجه الدعوة لمشركي قريش فليعبدوا رب هذا البيت, الذي بين أنه هو الذي رتب لهم رحلة الشتاء والصيف لإيلافهم, وهو الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.

وفي القارعة , وضع الله موازين للعمل, تقيس حسب الثقل, فحث سبحانه من زكيت نفسه حتى يجتهد في العمل الصالح لتثقل موازينه فهو في عيشة راضية, وأنذر من خفت موازينه بنار حامية, في استثمار للعقيدة التي يبنيها الله في القلوب, لكي تتحول إلى عمل صالح ثقيل في الميزان ينفع الناس, ولكي يقصر من يبغي الشر عن شرّه.

ثم أقسم الله بالنفس اللوامة, وبين حقائق القيامة بعد دمار الدنيا, حيث يقوم الناس بعد الموت, وما ينقذهم في هذا الموقف هو لوم أنفسهم لهم في الدنيا على تفريط, أو على تقصير. حيث ينبأ الإنسان يومئذ بما قدّم وأخّر. حيث تستقر أحوال الناس على أمر من أمرين: وجوه يومئذ ناضرة , إلى ربها ناظرة, ووجوه يومئذ عليها غبرة, ترهقها قترة, أولئك هم الكفرة الفجرة. والنفس اللوامة لها معايير للحق تقيس نفسها عليها, وتلوم على التقصير وعلى التفريط

ولكي يخرج الله الدنيا من قلوب عباده المؤمنين, أنذر كل هُمزة لُمزة, الذي جمع مالا وعدّده, يحسب أن ماله أخلده, أنذره لينبذنّ في الحطمة, نار الله الموقدة.

ثم في سورة المرسلات, وجّه الله للمكذّبين المجرمين إنذارات وإهانات على معاندتهم ومحاربتهم للدعوة, ليحطّم استكبارهم, وأثبت لهم من استعراض مظاهر الطبيعة التي خلقها الله, إن مايوعدون لواقع, يوم الفصل.

ثم في سورة ق, رد الله على تعجّب الكافرين من عقيدة البعث, بأن استعرض لهم البعث الذي يرونه كل يوم فيما نزّل الله من السماء ماء فأنبت به جنات وحب الحصيد, والنخل باسقات لها طلع نضيد, رزقا للعباد, وأحيا به بلدة ميتا, كذلك الخروج. وأنذر من اتباع القرين لقرينه وهو سيتبرأ منه يوم الحساب, في نفس الوقت الذي أزلفت الجنة فيه للمتقين غير بعيد.

وإشعارا للإنسان بمراقبة الله له, أقسم الله بهذا البلد, الذي أشار له في سورة التين, ووالد وما ولد, أنه قد خلق الإنسان في كبد. وحث الإنسان على الأعمال الصالحة التي يقتحم بها عقبة الحساب يوم القيامة, بفك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة , يتيما ذا مقربة, أو مسكينا ذا متربة, كمقدمة لكي يكون من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة, أولئك أصحاب الميمنة.
ثم يعمّق الله إحساس كل نفس بأن عليها حافظ, فأقسم بالسماء والطارق, النجم الثاقب, الذي كان يمكن أن يثقب غلاف الأرض فيُهلك الله به من يُهلك, ولكنه جعل على كل نفس حافظ, وأنه سبحانه على رجع الإنسان لقادر , يوم تبلى السرائر, ومهّل الكافرين رويدا.

ثم بعد أن أمهلهم , راجعهم وذكرهم بالزمن وبالساعة واقترابها في سورة القمر, فقال: اقتربت الساعة وانشق القمر, وذكرهم بالأنباء التي جاءهم منها ما فيه مزدجر, وبما حدث لقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون, وبأن كفار اليوم ليسوا خيرا من كفار الأمس, وليس لهم براءة في الزبر, وأن جمعهم سيهزم ويولون الدبر, والمتقون في جنات ونهر, في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

وفي هذه المرحلة التي نحن بصددها, والتي تشمل سورة ص وسورة الأعراف, يتم تأهيل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجه واستن بسنته من بعده إلى يوم القيامة, لخلافة الله في الأرض, ولتتحرك رسالته من دعوة إلى الإيمان, إلى قيادة الناس وحكمهم, لمنع الفوضى وبناء الأمة التي لا يكفي لبنائها وجود مخلصين فيها, ولكن لابد من أن يتولى المخلصون القيادة, وأن يُمكّن لهم, دون المفسدين في الأرض, كما بدأ تأهيل أمة الإسلام والإيمان, على حمل مسئولية خلافة الله في أرضه, حيث تنتقل مسئولية الخلافة من بني إسرائيل إلى بني إسماعيل. ويتم بذلك تكليف الأمة الإسلامية بالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر, وبالدعوة إلى الخير, وبتبليغ الناس بمنهج الله.

هي إذن مرحلة تكليف الأمة وإمامها بخلافة الله في الأرض.

والآن إلى منظومة القيادة…

Sub Categories

نريد أن نكون من الذين قال الله فيهم: (ولقد يسرنا القرآن للذكر, فهل من مُدَّكِر!) نحيا بالقرآن, فنتعلم كيف نتدبّره, ونعمل به ونعلمه, كمنهاج حياة, فهو إمامنا نحو بناء الحضارة الإنسانية

روابط المقالات

اشترك

اشترك فى نشرتنا الاخبارية لتتابع جديد المقالات والاخبار

Develop By Quran – Copyright 2012 / 2022 – All Right Reserved

arArabic