إعداد الإمام

0 تعليق 386 مشاهدة

الإخلاص أساس البناء القوي السليم, وبدونه لا يكون البناء مضمونا, مهما علا وكبر وتزخرف. وما بني على باطل فهو باطل.
لذا فقد بدأ القرآن بناء الحضارة الإنسانية, ببناء الإمام المخلص, ومجموعة العمل المخلصة, والتي تتولى تحريك بقية الناس على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم, نحو المشاركة الإيجابية في البناء بممارسة الإخلاص قولا حقا وعملا, يقصد به الصلاح والإصلاح

ومنهاج بناء الإخلاص, تحتويه السور الأوائل التي أنزلها الله على رسوله صلّى الله عليه وسلم, من (اقرأ باسم ربك) إلى سورة الإخلاص (قل هو الله أحد) بالخطوات التالية:

إعداد الإمام
اقرأ: يبدأ القرآن بإرساء قواعد الحضارة الإنسانية على الأرض, بأن يجعل إماما للناس, ويكلفه بحمل هذه المسئولية, ويقيم جسر الحوار والاتصال الدائم بين الله وبينه (اقرآ باسم ربك الذي خلق), ويعرّفه بربّه الأكرم الذي علّم بالقلم, علّم الإنسان ما لم يعلم. والإمام يكون سابقا للناس وأمامهم, وهم ينضمّون إليه طائعين, بالقناعة لا بالقهر, أو يفارقونه إن أرادوا.
وفي السورة يبين الله أن الإنسان لابد أن يشعر بحاجته إلى الإصلاح حتى لا يطغى أو يشعر بالاستغناء فلا يهتم بما ينصح به. ويعطي الله للإمام تصورا عن أنواع الناس الذين سيلاقيهم في سبيله إلى تحفيزهم على الصلاح والإصلاح, مع أسلوب الإصلاح لكل حالة منها, فهذا الذي ينهى عبدا إذا صلّى, وذاك الذي كذب وتولّى, وذلك الذي لم ينته, والذي يصل إلى نهاية التحدّي فيدعو ناديه.

القلم: ويستمر المنهاج في إعداد الإمام شخصيا بإلقاء الثقة في نفسه, ونفي الجنون عنه, ويعده بأجر غير ممنون (ن والقلم), وهو الأجر غير المنقوص وغير المقطوع, ولا يقدر عليه إلا الله, وهو يعطى على الإخلاص فقط, وهو شرط رئيس لمن يكون إماما للناس ومبدأَ لبناء حضارتهم. وإعلان الهدف الأسمى للحضارة, (وإنك لعلى خلق عظيم) الخلق العظيم مع الله, ومع النفس, ومع الناس, ومع الأشياء, ومع الكون كله.

المزّمّل: ولابد للإمام أن تكون له حصة من الليل, وبالليل تحديدا, فيكلفه الله بالتفرّغ فيه (قم الليل إلا قليلا), يقوم لمدارسة القرآن ليعلم مراد الله منه (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)), فيعمل بالنهار على هدى ما رتّله ووعاه (إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7), يتفرّغ إليه تماما دون أن ينشغل عنه بأي شاغل(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)), ويتخذ الله وكيلا فلا يقضي بشيء إلا بأمره سبحانه (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)) يشاركه في ذلك فريق عمل (وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ)

المدّثّر: ثم لابد أن تتوافر صفات شخصية وخصائص في تصرفاته لكي تنجح مهمّته, تحددها سورة المدّثّر, وهي: العزيمة (قم) والمواجهة (فأنذر) ووضع الله فوق كل أولوياته (وربك فكبّر) وطهارة المظهر (وثيابك فطهّر) والمخبر(والرجز فاهجر), وحسن معاملة الناس وعدم المنّ عليهم وعدم استغلالهم (ولا تمنن تستكثر) ثم الصبر لربّه (ولربك فاصبر).

وفي سبيل اكتساب عناصر جديدة متحمسة للرسالة, يلاقي الإمام عناصر معادية مخالفة حتى للمنطق, فيعالج الله بالقرآن تلك الحالة التي يصل صاحبها إلى القناعة بصدق القرآن والرسول ويقول فيهما شهادات عظيمة, ولكنه (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)), وهو ارتداد عن مقاييس العقل ومعايير المنطق, فليس له إلا سقر.

ويلخص الله الناس من ناحية العقيدة إلى ستة أنواع في آية واحدة:
1. الذين كفروا (وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا),
2. الذين أوتوا الكتاب (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ),
3. الذين آمنوا (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا),
4. المؤمنون (وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ),
5. الذين في قلوبهم مرض (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ…), وهم المنافقون الذين يختفون بين طوائف المؤمنين
6. الكافرون (.. وَالْكَافِرُونَ) مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا
7. يضاف إلى هؤلاء المشركون الذين يدعون مع الله إلها آخر
8. وتتميز في الذين آمنوا (وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ)
9. ويؤمهم جميعا ويؤمنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم
وهذا تصنيف لكل طوائف الإنسان على أساس العقيدة, ويكون دور رسول الله ومن تبعه بإحسان إلى يوم القيامة, أن يقربوا كل الطوائف إلى نور الله ونور رسوله وهديه.

الفاتحة: ثم يتسلّم الإمام تلخيصا لرسالته بفاتحة الكتاب, فتكون أعماله كلها (باسم الله الرحمن الرحيم) وتكون رؤيته واضحة, فيستهدف حضارة متواصلة مع ربّ العالمين, وتستهدف التعامل مع العالمين, مع كل الناس وكل الكون, بنظرة شاملة للحياة, (الحمد لله رب العالمين* الرحمن الرحيم) وبتجرّد كامل لله وخوف من حسابه (مالك يوم الدين), وأن تكون حياته وتصرفاته بين العمل المخلص لله (إياك نعبد) وبين الاستعانة به (وإياك نستعين), وأن ينظر الإمام إلى الناس على أساس من اهتدائهم إلى الصراط المستقيم, (اهدنا الصراط المستقيم) وليس على أساس لونهم أو جنسهم أو لسانهم, فهم إما مهتدِ إلى الصراط المستقيم, علمه واتبعه (صراط الذين أنعمت عليهم) وبين من عرفه فخالفه(غير المغضوب عليهم) وبين من لم يعرفه فضلّ عنه (ولا الضالين)

وفيما يلي مزيد من التفاصيل في كل سورة على حدة من منهاج بناء الإخلاص: إعداد الإمام

Sub Categories

نريد أن نكون من الذين قال الله فيهم: (ولقد يسرنا القرآن للذكر, فهل من مُدَّكِر!) نحيا بالقرآن, فنتعلم كيف نتدبّره, ونعمل به ونعلمه, كمنهاج حياة, فهو إمامنا نحو بناء الحضارة الإنسانية

روابط المقالات

اشترك

اشترك فى نشرتنا الاخبارية لتتابع جديد المقالات والاخبار

Develop By Quran – Copyright 2012 / 2022 – All Right Reserved

arArabic