ربما أن الله سبحانه وتعالى, وهو أعلم بمراده, يكون قد أنزل هذه الحروف الفواتح ليعلمنا كيف يبنى اللفظ العربي, بدءا من الحرف, لا من اللفظ, وكيف يمكننا أن نصنع ألفاظا عربية جديدة تواكب العالم على اتساعه وتعدد مخرجاته ومنتجاته من كل شعوب العالم ولغاته, باعتبار أن الإسلام دين عالمي لا يحده جنس ولا لون ولا قومية ولا وطن محدود, وذلك بمجرد معرفة وظيفة الشيء, ثم التعبير عنه بوضع حرف ذي معنى, ثم نلصق فيه حرفا آخر يتحرك نحو المعنى والمدلول, ثم نلصق حرفا ثالثا وربما رابعا للتعبير عن مخترع جديد أو خدمة أو فعل جديد وهكذا.هذا مما يجعل اللغة العربية ميسرة لكل الناس, وبالتالي يكون القرآن يسيرا على الفهم, يستشعره الإنسان من حروفه.
● وربما يمكن تطوير جهاز على غرار جهاز الأشعة فوق الصوتية يوضع على الفم أثناء النطق بالحرف فيبين شكله, وذلك للمساعدة على نطق الحرف, والتعرف على كتابته, والتعرف على مدلوله من ارتفاع اللسان وانخفاضه وحركاته أثناء النطق, وعلى صفاته ومخرجه.
● وبالتالي فإن غير الناطقين بالعربية من الناس, سوف يستشعرونها حين يستمعون إليها تنطق أمامهم, كما يتعرفون على حروفها من شكل اللسان أثناء النطق,
● ويزداد القرآن بذلك يسرا على يسر لكل الناس, ويعم نفعه ولا يقتصر على الناطقين بالعربية, ولا تكون اللغة حائلا بين القارئ وبين القرآن, فيضطر إلى اللجوء للناطقين بالعربية ليقيد نفسه بجهودهم وبمفهومهم للقرآن, ولكن يستفيد الجميع استفادة قصوى لمن أراد وشاء له الله, كما قال سبحانه: ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر؟)
● وبالتالي فإن القرآن ولغته العربية يصبحان عالميين ويسرع ذلك من نشر دعوة الحق, وفهم الناس لكلام الله المنزّل على عبده ورسوله عليه الصلاة والسلام
● ويكون حساب الفيتنامي مثل حساب الكوري, مثل حساب السويدي, مثل حساب الانجليزي, مثل حساب العربي, فالجميع يفهمون حينئذ القرآن, ويستشعرون ألفاظه من حروفه, ويدركون معانيها, والتي هي معبر لمعاني الآيات ومقاصدها.
● كما يتيسر فهم اللفظ القرآني الذي أنزله الله, فلا نجد من يحاول تقريب المعنى للقارئ فيبعده, مثلما نجد لدى بعض المفسرين حين يقول الله (قل أمر ربي بالقسط) فيقول القسط هو العدل. ولكن حين يدرك مدلول القاف, والسين حين تعقبها, ثم الطاء حين يختم بها اللفظ, سيجده يختلف عن مدلول العين التي يتلوها دال ساكنة, ثم لام.
وقد أثيرت في عقلي أسئلة عن علاقة غير الناطقين بالعربية بالقرآن الكريم, الذي هو هدى للناس – كل الناس- وليس مقصورا على العرب.
... فهل يفهم غير العربي القرآن كما يفهمه العربيّ دون تفسير أو ترجمة أو شرح؟
… حين قال الله سبحانه: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)[1] أكان يقصد لعل العرب يعقلون؟ أم إنها عامة لكل الناس؟ أي لعل الإنجليز أيضا يعقلون, وكذلك الألمان والفرنسيون, والفيتناميون, والبرازيليون, وكل الناس على اختلاف ألسنتهم وألوانهم.
… وهل يمكن لغير العربي أن يتواصل مباشرة مع كلام ربّه ربّ العالمين دون ترجمان؟ أي أن يستطيع أن يفهم من الله مباشرة من سماع أو قراءة القرآن ذاته دون ترجمة؟
… وهل يكون سؤال الله لغير العربي عن القرآن يوم القيامة، كسؤاله سبحانه وتعالى للعربيّ الذي نزل القرآن بلغته؟
… أم أن الفيتنامي والبرازيلي والزيمبابوي والسويدي والمكسيكي حين يسألهم الله عن اتباع ما أنزل إليهم من ربهم، وعن الإنصات إلى القرآن لعلهم يرحمون، سوف يحتجّون عند الله بأنهم لم يفهموا مباشرة ما أنزله الله، ولكنهم انتظروا حتى يأتيهم من العرب من يشرح لهم، ويوضح ويبين معاني القرآن، فيقول الواحد منهم: إي ربّي لقد وُلد العربي لأبوين عربيين، وتعلم اللغة العربية، فكان يقرأ القرآن مباشرة دون واسطة، وكان غير العربي ينتظر إلى أن يأتيه من يتقن العربية ويتقن اللغة الأخرى – السويدية مثلا- فيبين للسويديين معاني القرآن، التي ستكون عندئذ مقيدة بمقدار فهم الواسطة للغتين وبمقدار ثقافته الخاصة. فهل يستوي هو ومن نزل القرآن بلغته؟ سواء كان في الاستفادة من القرآن في الدنيا والاهتداء به، أو في الحساب بمقتضاه أمام الله يوم القيامة.
إن الحروف الفواتح ييسّر الله بها القرآن للذكر, للناس, كل الناس, العرب وغير العرب, وبعد كشف أسرارها, سوف يتناول أي إنسان القرآن ويستطيع تلاوة رسم حروفه وكلماته, وفهم معانيه, وكتابته, والاستماع إليه..
… إن هذا ليس من تفكيري ولا من خيالي, ولكنه من القرآن.
إن أمر تيسير القرآن للذكر قد تكفّل الله به, لكي لا يكون للناس حُجّة, ولكي يستطيع كل إنسان أن يتواصل مع كلام ربّه, ولا ينتظر أن يترجمه له أحد, ثم يتساوى الجميع في المعرفة, التي تكون أساسا للحساب, يستوي في ذلك العربي مع الإنجليزي, والفرنسي والروسي والبرازيلي والكيني, والصيني, وكل الأجناس والألسنة المختلفة, تماما كما حدث مع الحاسب الآلي.