توالت النذر على الضالين وعلى الذين كفروا. وكل مرحلة من مراحل الإقناع والبراهين, يحضهم الله على الانضمام إلى حزب الله, والابتعاد عن حزب الشيطان.
ففي المزمل: وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا
وفي النجم, وبعد موجة الأدلة والبراهين يقول الله للضالين والكافرين:
أَزِفَتْ الْآزِفَةُ(57)لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ(58)النجم
ثم في المرسلات, وبعد تعدد البراهين والتهديدات لهز البقية الباقية من الكفر والعناد فيهم , يقول لهم الله: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ(50) المرسلات
وفي الطارق, وبعد استعراض قدرات الله في الخلق وفي الرجع, يقول الله فيهم:
فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا(17)الطارق
وبعد كل هذا الإمهال, يتوجه القرآن إلى الضالين والكافرين والمكذبين, بسورة القمر, والقمر نور, ويستحثهم على سرعة ترك حالة الكفر, والتوجه فورا إلى الإيمان, حيث أن الوقت يمر , ويستخدم اسم الساعة ليشعر السامعون بالوقت, فقد اقتربت الساعة وانشق القمر, فيقول سبحانه:
اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ(1)وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ(2)وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ(3)وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ(4)حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ(5)
إن الأنباء التي جاءتهم بما فيه مزدجر, هي كل ما جاء في السور السابقة من العلق إلى الطارق, وفيها مزدجر كاف لهم
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ(6)خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ(7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ(8)
في القارعة يكون الناس كالفراش المبثوث حين قيام الساعة. وهنا يوم القيامة والبعث فإن الكافرين يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر.
ويبين الله تفاصيل عما حدث لمن كذبوا الرسل. فهؤلاء قوم نوح, وتلك عاد , وثمود, وقوم لوط, وفرعون وقومه. وفي ذلك إنذار ومزدجر لمن يكذب رسوله صلى الله عليه وسلم. وكانت أقوالهم وأفعالهم مثلما كانت أقوال وأفعال المكذبين للرسل من قبله.
فقوم نوح, قالوا عن نبيهم مجنون , كما قال كفار قريش, وكما يقول كفار كل زمان عن الدعاة إلى الله. وعلى الدعاة حينئذ أن يتوجهوا إلى الله بالدعاء حين يغلبهم الذين كفروا, فيتدخل الله حينما يشاء وكيفما يشاء, لنصرة من كان كُفِر, ولقد ترك الله هذه آية لكي يتذكر الناس خاصة أولئك الذين يحاربون الدعاة إلى الله, فهكذا كان عذاب الله ونذره, وفي القرآن تذكرة لمن يتذكر.
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ(9)فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ(10)فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ(11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ(12)وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ(13)تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ(14)
وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ(15)فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ(16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ(17)
وتلك عاد كذبت نبيهم هودا فاستعمل الله عليهم ريحا صرصرا, وفي ذلك ذكرى لمن يتذكر.
كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ(18)إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ(19)تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ(20)فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ(21)وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ(22)
وأما ثمود فقد استكثروا أن يرسل الله بشرا رسولا منهم, وكذلك فعل كفار مكة, وكفار كل زمان وهم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله, ولا يقبلون أن تكون الرسالة في غيرهم, والهداية ممن هو أقل منهم أموالا وأولادا حسبما يقيسون كل شيء
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ(23)فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ(24)أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ(25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنْ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ(26)إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ(27)وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ(28)فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ(29)فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ(30)إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ(31)وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ(32)
وقوم لوط زادوا عن التكذيب بأن ارتكبوا المعاصي التي ما سبقهم بها من أحد من العالمين
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ(33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ(34)نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ(35)وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ(36)وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ(37)وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ(38)فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ(39)وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ(40)
أما آل فرعون فقد جاءهم النذر, فكذبوا بكل ما جاءهم
وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ(41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ(42)
وبعد استعراض ما حدث للمكذبين, يتوجه القرآن إلى الكافرين ليقارن بين الكفار, وبين كفار التاريخ, ليفرق هذا التحالف الشرير الذي فيه الضالون يتبعون الذين كفروا فيقول:
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ(43)أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ(44)سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ(45)بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ(46)
وربما لا يحدث للكفار الآن ما حدث للكفار في الأمم السابقة, بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمرّ مما حدث لأولئك الذين كذبوا نوحا وهودا وصالح ولوطا وموسى, وإن التجمع والكثرة في الباطل وعلى الكفرلا تغني من الله شيئا
ويبين الله للضالين مآل المجرمين الذين هاجم الله كفرهم وعنادهم,
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ(47)يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ(48)
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ(49)وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ(50)
وفيه أيضا حض على سرعة اتخاذ القرار لترك الكفر والانضمام إلى زمرة المؤمنين.
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ(51)وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ(52)وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ(53)إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ(54)فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ(55)
اللهم اجعلنا منهم يارب