هذه مجموعة أخرى يتوجه إليها الداعية لجمع أنواع الناس على الإيمان والتوحيد. فبعد التوجّه إلى أهل الكتاب في سورة التين, يتوجه الداعية إلى المشركين الذين يعبدون مع الله إلها آخر, فيذكرهم بنعم ربّ البيت الذي يعتقدون ويؤمنون أنه الله, ثم يشركون به أصناما بغير حق, وليس لهم من فضل عليهم . ولكن ربّ البيت جلّ وعلا هو الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
إن الأجر غير الممنون الذي جعله الله لرسوله وللذين آمنوا وعملوا الصالحات, لا يرضى به المشركون الضالون من الناس الذين يحبون العاجلة, والذين لم يذوقوا بعد طعم التعامل مع الله وحده لا شريك له.
وهنا نرى الله سبحانه يوجّه الدعوة إلى المشركين الضالين , الذين يحتاجون إلى إيلاف , الذين يتأثرون بالمصالح , الذين يريدون أن يحصلوا على مقابل التزامهم بشيء محسوس قريب عاجل في الحياة الدنيا.
فذكر نعمة الله على قريش, هي المعنية في هذه المرحلة , بإيلافهم , وإطعامهم من جوع , وتأمينهم من خوف , فليعبدوا رب هذا البيت , ويذكرهم بالبيت الذي يقدسونه ويطوفون حوله , بأن الله ربه.
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ(1)إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ(2)فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ(3)الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ(4)
يتوجه الداعية إلى أقرب الناس إليه, إلى مجتمعه الذي ولد وعاش فيه , ويعرفه أفراده , قبل أن يتوجه إلى من هم أبعد.
وحين يتوجه إلى هذه الشريحة , فإنه يذكرهم بنعم ربهم عليهم , وبأنه بموجب هذه النعم يستحق منهم أن يعبدوه , فهو قد أمّنهم مما يخشى منه الناس: الجوع والخوف. وينبههم بأنه سبحانه هو الذي يهيئ لهم الظروف التي تساعدهم على الحياة , وليس لهم يد في تهيئتها. بل إن عناصرها خارجة عن إرادتهم. كما أن ما يدعون لله من شركاء, لا فضل لهم عليهم.
كما أن الله سبحانه لم يطلب بعد من الناس طاعات أخرى غير أنهم يعبدوه وهي كلمة مختصرة دون تفاصيل. وهو بذلك يبدأ في إخراجهم من عبادة غيره إلى عبادته وحده لا شريك له, قبل أن يذكر لهم تفاصيل أوامره ونواهيه.
الخلاصة: يستكمل الداعية توجهه لفصائل الناس وأنواعهم المختلفة, فيتوجه للمشركين ويذكرهم أن مايشركون به مع الله, لا نعمة لهم ولا فضل. وإنما الفضل كله لله, فهو يوفر لهم الإطعام من جوع والأمن والإيناس من خوف والتي بموجبها يجب عليهم عبادة ربهم وحده لا شريك له, وفي ذلك تمهيد عام قبل فرض العبادات أو الحديث عنها تفصيلا. فالوصول إلى الإيمان أولا, ثم يتلوه العبادة والطاعة..