في سورة النجم , أشار الله إلى سعي الإنسان , وأنه ليس له إلا ما سعى.
وفي سورة عبس , بدأ القرآن في إلقاء الضوء على نشأة الإنسان وحياته وموته , وطعامه ,وأفضال الله عليه في كل ذلك , وأشار إشارة سريعة إلى طاعة الإنسان لربّه وقضاء أمره حين قال: كلا لما يقض ما أمره.
وهنا في الشمس يبدأ الله بالإشارة إلى النفس, والعمل المطلوب من الناس تجاهها, العمل المؤسس على عقيدة سليمة صحيحة , فيبين الله للإنسان أن الفجور والتقوى يلهمهما الله النفس , قد أفلح من زكاها , وقد خاب من دساها.
وهي دعوة لكل نفس لكي يزكيها صاحبها , أو لكل إنسان أن يحاول أن يزكّى نفسا , بأن يساعدها على النقاء والطهارة والتقوى والصلاح , والبعد عن الرذيلة.
أما من دسىّ النفوس , وساعدها على الرذيلة , وأبعدها عن الفضيلة , فقد خاب.
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا(1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا(2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا(3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا(4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا(5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا(6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10)
إن النفس تتقلب عليها أوقات الليل والنهار. وتطلع عليها الشمس وضحاها, وهو وقت بدء النفس عملها بالنهار. ثم يتلوها القمر نورا للهداية, ثم النهار وما فيه من أعمال , ثم الليل وما يخفي . كل ذلك محصور بين السماء التي بناها الله, والأرض التي طحاها سبحانه, له القدرة عليها ولا تخفى فيهما على الله خافية, فهو الذي سوّى النفس, فألهمها فجورها وتقواها. فمن قصد وآمن وأصلح وعمل بما أمره الله, فقد زكت نفسه, ومن ساعد نفسا على الإيمان والعمل الصالح, فقد أفلح . أما من كفر, وأساء ودسّى نفسه, أو ساعد نفسا على ذلك, فقد خاب.
وهذا ما حدث من ثمود قوم صالح , حيث كذبت بطغواها, وكذبوا رسول الله.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا(11) إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا(12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا(13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا(14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا(15)
والخلاصة أن الله يبدأ في إعداد النفس لتلقّي تعليمات الله, ويحذرها من الخطيئة. وذلك في إعلام للناس بحرية التصرف, ومسئولية النفس عنها. وذلك قبل أن يكلفها بتكاليف من العمل والطاعة. ويضرب مثلا من ثمود التي كذبت وعصت رسول الله الذي كان يحاول بهداية الله أن يزكيها, فكذبوه, واتبعت من دساها, فخابت وخاب أشقاها. ولا يخاف عقباها.
وفي هذه المرحلة , يبين الله للدعاة المجال الذي عليهم أن يعملوا فيه, وهو تزكية النفوس, ومساعدتها على الإخلاص لله, فيبدأ الداعية في تعريف الناس أن عليهم بموجب إيمانهم مسئوليات , وأعمالا يجب أداؤها, وأوامر عليهم أن ينفذوها ويطيعوها, وأنه في حالة مخالفة ذلك, فإن العاقبة السيئة تنتظرهم.