الإسلام دين الله وهدايته للعالمين. لا فرق فيه لعربي على أعجمي, ولا لقرشيّ على حبشيّ, ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى. ومنذ بدء نزول القرآن, وهو يوضح هذه الحقيقة, ويجمع أصحاب العقائد الموجودة كلها, فيدعوهم بدعوة واحدة إلى إله واحد.
وقد بين الله في سورة المّدّثّر ستة من أصحاب العقائد, فقال: (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة, وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا, ليستيقن الذين أوتوا الكتاب, ويزداد الذين آمنوا إيمانا, ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون, وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا) فعدّ الذين كفروا والكافرين, والذين آمنوا والمؤمنين, والذين في قلوبهم مرض, والذين أوتوا الكتاب. وهو بهذا يجمع الجميع في دعوة واحدة موجّهة إليهم جميعا.
ثم في سورة الأعلى, يبين لرسوله, ولمن تبعه من بعده, أن ما يأتيهم في القرآن , إنما هو تصديق لما جاء به أنبياء الله ورسله من قبل. وهو يشير إلى أهل الكتاب بالذات, حين يقول جل شأنه: (إن هذا لفي الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى) فإبراهيم عليه الصلاة والسلام هو أبو الأنبياء, وهو أبو المؤمنين, ورسالة موسى عليه السلام هي مبدأ الرسالة التي حوت عقيدة وشريعة إلى بني إسرائيل. ثم بين مافي الصحف الأولى في سورة النجم(أم لم ينبأ بما في صحف موسى* وإبراهيم الذي وفّى* …)
وهنا في سورة التين, يربط الله بين رسالاته الأخيرة, وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ(1)وَطُورِ سِينِينَ(2)وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ(3) فالتين والزيتون من أرض عيسي, وطور سينين من أرض موسى, والبلد الأمين, من أرض محمد صلّى الله عليه وعليهم أجمعين.
واستمرارا للحديث عن الإنسان, الذي بدأ في العلق, بذكر خلقه من علق, وفصّل في عبس, وفي الشمس مسئولياته عن التزكية والدس. ثم هنا يتحدث بسرعة عن قصة بدء خلق الإنسان , وردّه أسفل سافلين , لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ(4)ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ(5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ(6)
واستثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات يدل على أن المقياس والمعيار الذي يعتبره الله سبحانه لمحاسبة الإنسان, هو الإيمان والعمل الصالح. وعلى المؤمنين أن يعملوا الصالحات حتى يكون لهم أجر من الله مباشرة, دون الحاجة إلى سواه سبحانه. فالعامل في دعوة الله, لا ينتظر أجرا من أحد غير الله, الذي يعده هنا بالأجر الذي وعد به رسوله في سورة القلم. فأجر المؤمنين غير ممنون , مثل أجر نبيهم.
فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ(7)أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ(8)
وكان التكذيب بالدين قد تم تعريفه من قبل في سورة الماعون بأنه ذلك الذي لم يؤثر فيه الدين فيجعله يرحم الضعيف والمسكين, وهنا يذكر الله بأهداف الدين العليا, للحث على عمل الصالحات وعدم التوقف عند مستوى الذين آمنوا.
الخلاصة: أن الدعاة في هذه المرحلة يحاولون ضم كل أصحاب العقائد من أهل الكتاب في صف المؤمنين, وأن يجتمع الجميع على الإيمان والعمل الصالح, وانتظار الأجر غير الممنون من الله. ويشير إلى معنى التكذيب بالدين الذي تبين من سورة الماعون, بأنه البعد العملي في حسن الخلق والمعاملة التي لا يشوبها نفاق أو رياء, إنها معاملة ضعفاء المجتمع من اليتامى والمساكين, وليس الدين مظهرا وشكلا أجوف من الداخل, بل هو الجوهر والمظهر معا. والجوهر أهم.