الله بهذا البلد الأمين – مكة المكرمة- في سورة التين, وذكر بعدها خلق الإنسان في أحسن تقويم, ثم رده أسفل سافلين, إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
وفي القيامة يقول الله: أيحسب الإنسان أن يترك سُدى, وهنا في البلد:
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ(1)وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ(2)وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ(3)لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ(4)أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ(5)يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا(6)أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ(7)
وهو استفهام استنكاري, ينكر الله على الإنسان أن يظن أن لن يقدر عليه أحد, أو أن لم يره أحد, وطالما يوجد من يقدر عليه, ومن يراه في كل أحواله وتصرفاته, إذن فلن تخفى منه خافية, وسوف لا يترك سُدى.
ومقابل ما أنعم الله على الإنسان من نعم يرى بها ويتكلم وهداه , فما علي الإنسان إلا أن يقتحم العقبة التي تمنعه من النجاة من النار, وذلك بحسن خلقه ومعاملته للضعفاء في المجتمع:
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ(8)وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ(9)وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ(10)فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ(11)وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ(12)فَكُّ رَقَبَةٍ(13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ(14)يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ(15)أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ(16)
وإنه لو فعل كل هذا, فإنه سيكون من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة,
ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ(17)أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ(18)
أما الذين كفروا فهم أصحاب المشأمة. فقد اتخذوا موقفا مضادا للدعوة, ومقابل موقف الذين آمنوا المساندين الحاملين للدعوة
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ(19)عَلَيْهِمْ نَارٌ مُوصَدَةٌ(20)
والخلاصة: أن الله سبحانه يرسم الطريق للمؤمنين لكي يصلوا إلى مستوى أصحاب الميمنة. وهذا الطريق لا يتأتّى إلا باقتحام العقبة, وذلك بأداء بعض الأعمال التي تبين أنهم يعملونها لوجه الله, فهي أعمال تؤدى لضعاف الناس من المأسورين أو العبيد والإماء أوالمعقودة رقابهم ولامهددة لسبب أو لآخر, أو اليتامى والمساكين. ولا يكتفى بالتمنيات والكلمات ولا بالصلاة والصيام. ولا حتى بمجرد الإيمان بالله والملائكة والرسل واليوم الآخر. فأصحاب الميمنة مستوى أعلى من كل هؤلاء.
وعلى ذلك, فإن أداء الأعمال المذكورة في الآيات لابد أن يكون ضمن برنامج التأهيل لهذا المستوى, وهو أعلى من مستوى الذين آمنوا حيث أنه يزيد عليهم بأنهم تواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة.