حين يبدأ الدعاة في التحرّك بدين الله والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة, فإن هذا لن يعجب ولن يُرضي الذين كفروا, ولن يسكتوا عليه. بل سيفعلون كل ما يستطيعون لإيقاف مسيرة الدعوة.
وسورة البروج تمثل خطوة مواجهة المجرمين الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات الذين يدافع الله عنهم, ضد من فتنوهم بالأذى والعذاب, بعد أن زكاهم الله بالإيمان. وهي تذكير بما فعل الله بأصحاب الأخدود, وبفرعون وثمود. يتولّى الله سبحانه توجيه الترهيب والتهديد والوعيد للمجرمين المكذّبين المعادين للدعوة والمحاربين للمؤمنين بها. وينبئهم بما حدث لقوم أمثالهم.
وفي نفس الوقت يترك المجال لمن يتوب ويرجع عن أفعاله , باستثنائه( ثم لم يتوبوا)
واستكمل الله الحديث عن القرآن المجيد , في لوح محفوظ
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ(1)وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ(2)وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ(3)قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ(4)النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ(5)إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ(6)وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ(7)وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(8)الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ(10)إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ(11)إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ(13)وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ(14)ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ(15)فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ(16)هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ(17)فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ(18)بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ(19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ(20)بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ(21)فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ(22)
وكان حديث الجنود قد سبق ذكره فيما سبق من التنزيل بترتيب النزول, فذكر الله فرعون في سورة الفجر وثمود في سور الفجر وسورة النجم. اشتملت سورة الشمس على تفصيلات أكثر. وبالتالي فالقرآن هنا يشير إلي حديث الجنود إشارة موحية بما حدث لهم, رغم ما كان لهم من قوة وعلم. ولكن حين كفروا وهم في تكذيب, وجدوا الله من ورائهم محيط, وكل ذلك من القصص في لوح محفوظ يستخرج الله لنا منه العبرة حتى لا نكرر نفس الأخطاء التي وقع فيها من سبقونا, ونفس الخطايا التي ارتكبوها.
والقرآن المجيد لن يُمسّ بسوء, فالله جعله في لوح محفوظ, فلا تصل إليه أيدي الذين كفروا.
والخلاصة: أن الله في هذه المرحلة من بداية الدعوة وتكوين الرعيل الأول من المؤمنين, ومن الذين آمنوا, الذين سيحملون الدعوة عاملين بها, إلى الناس, في هذه المرحلة, يجنّب الله الدعاة مواجهة الذين كفروا والمكذّبين الذين يوجّه لهم رسائل مباشرة واضحة وتهديدات صريحة في تحذيرات من المساس بالذين آمنوا والمؤمنين, ويعطيهم الطريق للعودة والتوبة , وهو يثبت الذين آمنوا ويطمئنهم أنه معهم أينما كانوا, وهو يحفظ قرآنه الكريم في لوح محفوظ.