مراحل بناء الذرّية

0 تعليق 351 مشاهدة

إن نموذج القوة المسيطرة على السياسة الدولية اليوم متمثلا في الولايات المتحدة الأمريكية, هو نموذج مرفوض من جميع أمم الأرض. فهو ينصر الظالم, ويخذل المظلوم, بل يظلمه, ويناصر الباطل ويعادي الحق, ويجعل المعروف منكرا والمنكر معروفا, يكيل بعدة مكاييل, ولا يقيم عدلا ولا يحترم ميثاقا.

فما هو النموذج المثالي للسيطرة على السياسة الدولية؟
ولنتصور أن قوة مماثلة للولايات المتحدة الأمريكية اليوم تفرض الحق والعدل والسلام بالقوة, تأخذ على يد الظالم, وتنصر المظلوم, تناصر المبادئ والأخلاق, وتأخذ الحق من المغتصب فترده إلى أصحابه.. وأول من تقيم عليه القوانين والعدالة هو نفسها قبل الآخرين.
أي أنها تتمتع بالقوة القاهرة المسيطرة, وفي نفس الوقت, تتمتع بالحكمة المانعة من الظلم والمقيمة للعدل.
إن قوة مثل هذه القوة, وسلطانا مماثلا لهذا السلطان لجدير بأن يتبع.

فكيف يمكن إنشاء مثل هذا السلطان في الأرض؟
 إن هذا السلطان يحتاج أولا إلى قائد له موهبة القيادة.
 ثم لا يمكن للقائد أن يقود دون أمة أو شعب ملتزم قوي معه قائم على فكره متعاون متفاهم معه, وهذه ليست موهبة لشعب كامل, وإنما هي مسألة تُنشأ وتُبنى وتزرع في الشعب أو الأمة.

ثم بعد ذلك أ ينقص شيء؟
 إن إعداد الأجيال الجديدة لميراث هذه القوة وهذا السلطان, والاستمرار على نفس المنهاج القوي الناصر للحق والحكمة والعدالة والمساواة والخير, إن هذا الإعداد يصبح لازمة أساسية وعنصرا رئيسيا لاستمرار السيطرة والقوة والحكمة.

لو تصورنا أننا نريد أن نعد أنفسنا لقيادة العالم, بالقوة التي يدين لها العرب وتدفع لها العجم الجزية, فإن تخطيطنا يجب أن يشمل:
• المنهاج المقيم للحق والعدل والمساواة والمبادئ والأخلاق والقيم العليا. وليس سوى القرآن والسنة منهاجا لذلك.
• القائد الأعلى الموهوب المتحمّس لعقيدته, بصفات القيادة التي تُنمّى وتُصقل. وليس لدى المسلمين أسوة حسنة خير من محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلم, ثم من تأسّى به وسار على منهاجه في الدين والدنيا والحكم والتربية وفي كل شيء.
• ثم إعداد الأمة التي تقود العالم تحت قيادة قائدها, الأمة المستخلفة الملتزمة بمنهاج القائد. ولا تتخذ أمة منهاج كتاب الله والسنة, وقيادة رسول الله, سوى أمة الإسلام. أو أن الأمة القوية المسيطرة يهديها الله إلى الإسلام والإيمان والحق والعدل, وربما يكون ذلك أقرب على غرار دعاء رسول الله (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين)
• ثم بعد ذلك يجب أن نعدّ الأجيال الجديدة لنقل المسئولية إليها, فتسير على نفس المنهاج

في سورة فاطر, يقول الله سبحانه:
إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور* ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله, إنه غفور شكور*
: (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ(31)
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا:
فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ
وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ
وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ(32) فاطر.
جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير*
وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور*
الذي أحلّنا دار المُقامة من فضله لا يمسُّنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب*

إن الله قد أورث الكتاب بعد رسول الله صلّي الله عليه وسلم, إلى الذين اصطفى من عباده, وهم أمة الإسلام, فمنهم ظالم لنفسه لم يأخذ حظه من الميراث, ولم يتحمّل مسئوليته تجاهه, ومنهم مقتصد, أخذ نصيبه ولم يتجاوزه, وعاش به مقتصدا لم يصل به إلى غيره, ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله, أخذ نصيبه, وحمل مسئوليته, وصانه واستثمره ونمّاه, هؤلاء نالهم الفضل الكبير. وحين دخلوا الجنة, ارتاحوا حيث أذهب الله عنهم الحزَن الذي عاشوا فيه حاملين همّ احتمال عدم دخولهم الجنّة, فأحدهم يقول: لو علمت أن لي قدما في الجنّة وقدما خارجها ما أمنت مكر الله, ولكن الله الغفور غفر لهم تقصيرهم في حقه, وشكر لهم أعمالهم في سبيله, فأدخلهم الجنّة

ثم إنهم وجدوا في الجنة أهم ما كانوا يفتقدونه في الدنيا, وهو الراحة من النّصَب ومن اللغوب, فالدنيا كانت دار نصب ولغوب.
هؤلاء ورثة الكتاب, عليهم مسئولية نصرته وأقامته حاكما للدنيا, كما أراد الله له. والله متمّ نوره ولو كره الكافرون, هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
هؤلاء وضع الله لهم منهاجا يؤهلهم به, خليفة قائدا أعلى, وأمة مستخلفة, ونظاما لإعداد الأجيال الجديدة منهم لميراث الكتاب, وبذلك تكتمل منظومة الخلافة التي تقود الدنيا.

لقد كانت سورة ص برنامجا لإعداد الخليفة القائد, كما جاء في مدارسة السورة من قبل,
وكانت سورة الأعراف (ألف لام ميم صاد), برنامج إعداد الأمة المستخلفة, ودراسة الأمم السابقة التي استخلفها الله على دينه, وبيان آفاتها وميزاتها وإصلاحها ومصائرها, ذلك في سورة الأعراف.

وأما سورة مريم, (كاف ها يا عين صاد) فإن فيها إعداد الأجيال الجديدة للخلافة, أي استمرارية الخلافة في الأبناء, خلافة الله في الأرض, الخلافة التي تقيم شرع الله وتنشر دين الله, حتى إذا جاء نصر الله والفتح, ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا, فإننا نسبح بحمد ربنا ونستغفره, إنه كان توابا.

ومن الملاحظ أن حرف الصاد مشترك بين كل هذه السور التي يعدّ الله بها خلفاءه في الأرض, والنظام الذي يريدنا أن نطبقه لنقود أنفسنا, ثم لنقود العرب والعجم بإذن الله, وبآيات الله, وبشريعة الله, التي نطبقها على أنفسنا قبل أن نطبقها على غيرنا.

ويثبّت ذلك ما أظنه من أن حرف ص يدل على الخلافة والقيادة, فهو حرف استعلاء في العربية, ومن صفاته الإصمات ثم فيه الهمس والرخاوة التي يحتاج إليها القائد في قيادته وإدارته للناس على اختلاف أحوالهم.

والسور الثلاثة فيها سجدة, حيث أن القائد إن لم يسجد لله, (أي يطيعه ويخضع له), فإنه يطغى ويحكم بالهوى ويستجيب للنفاق والمجاملات, حيث كانت أول صفة والصفة اللازمة لكل خليفة قائد في سورة ص هي إنه أواب, أي كثير الرجوع إلى الله والأوبة إليه, في الأزمنة المختلفة, وفي الأمور المختلفة.

وسورة مريم, تتحدث عن يحيى الذي آتاه الله الحكم صبيا, وعيسى الذي بشّر الله به مريم من قبل أن تحمله, وآتاه الكتاب وجعله نبيا, وإسحاق ويعقوب اللذان وهبهما الله لإبراهيم, وهارون الذي وهبه الله لموسى أخا نبيا, وإسماعيل الذي كان يأمر أهله بالصلاة والزكاة, كما أن فيها إدريس ولم ترد تفاصيل عنه إلا أنه كان صديقا نبيا, ورفعه الله مكانا عليّا, وربما كانت فيه أيضا صفات الوراثة حيث عم الله كل هؤلاء النبيين بأنهم من ذرية آدم, وأنهم يخرون سجدا وبكيا إذا تتلى عليهم آيات الرحمان.

كما تتحدث السورة عن الخلف الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات, وإصلاحهم بالتوبة والإيمان والعمل الصالح.
وتتحدث عن الذي كفر بآيات الله وقال لأوتين مالا وولدا, ليحارب به دين الله وآياته,
كما تتحدث عن أن الله سبحانه ما ينبغي له أن يتخذ ولدا, حيث أنه أقام النظام الذي به يمكّن لدينه من خلال خليفته في الأرض, الإنسان بصفة عامة, وأئمة الإنسانية من رسل الله وأنبيائه, ثم خلفاؤهم من الذين آمنوا وعملوا الصالحات, وبالتالي فإن الله لا يحتاج إلى الولد لإقامة دينه والاستمرارية حيث أنه سبحانه هو الأول والآخر والظاهر والباطن, ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك.
وإلى تفاصيل ترتيبات إعداد القادة من الأجيال الجديدة…

Sub Categories

نريد أن نكون من الذين قال الله فيهم: (ولقد يسرنا القرآن للذكر, فهل من مُدَّكِر!) نحيا بالقرآن, فنتعلم كيف نتدبّره, ونعمل به ونعلمه, كمنهاج حياة, فهو إمامنا نحو بناء الحضارة الإنسانية

روابط المقالات

اشترك

اشترك فى نشرتنا الاخبارية لتتابع جديد المقالات والاخبار

Develop By Quran – Copyright 2012 / 2022 – All Right Reserved

arArabic