قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيه: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ إِلَّا قَدْ أَخْطَأَ أَوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ لَيْسَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا, (أو كما قال) والصبيّ لا يهم بخطيئة, وقد كان يحيى عليه السلام حصورا لا يأتي النساء, عن عفّة وامتناع. وظلّ بخاصية الصبيّ والتي سماها الله (الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء), واستغرق فيها حتى بعد أن كبر, وإلى أن توفاه الله. كيف كان ذلك؟
إن الله وصف يحيي عليه السلام بالصفات التالية, وهي الصفات التي لابد أن تزرع في الطفل في هذه المرحلة لكي يؤهل لميراث كتاب الله ورسالته:
أن يكون رضيّا: (واجعله رب رضيا):
إن كلمة رضيّ تعني أن يكون راضيا, وأن يرضى عنه من حوله, وأن يرضى عن الله, وأن يرضى الله عنه. وبدون الرضى لا يملأ عين ابن آدم إلا التراب, يصل الطفل إلى هذه الحالة بالاستعانة بالله وبالدعاء. وبأن ينظر في شأن الدنيا إلى من دونه, وأن ينظر في شأن الآخرة لمن فوقه فيحمد الله على ما به من نعمة. وفيما علمنا رسول الله من الدعاء, ما يجعل الإنسان رضيّا..
ويجب ألا نكتفي بأن يحفظ أبناؤنا دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيرددونه ترديد الببغاوات بغير فهم صباح ومساء كل يوم, وفي كل حال, , ولكن علينا أن نشرحه لهم ليستشعروا معانيه, فيصلوا بذلك إلى أن يجعلهم الله بفضله رضيين, ومثال ذلك:
● حين يصبح الطفل سليما معافى في بدنه, لابد أن يذكر أن الله قد أمات في الليلة البارحة بعضا من خلقه, ومنّ عليه هو بالحياة بعد ما توفّاه بالليل في نومه, وأن غيره قد أصبح مريضا سقيما, وهو قد عافاه الله وأتم عليه نعمة الصحة, فيحمد الله على ذلك (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور).
● إن في الناس من أصبح كافرا, وساءت فطرته, فساء عمله, فحين يصبح الصبيّ كل صباح على الإيمان والفطرة, فعليه أن يحمد الله على هذه النعمة, التي لا تفضلها نعمة, ويتضاءل أمامها أي نقص في مال أو صحة طالما لم يكن في الدين والفطرة, فيقول: (أصبحنا على فطرة الإسلام, وكلمة الإخلاص, وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملّة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) .
● حين يرى الصبيّ آثار نعمة الله عليه أو على أحد من خلق الله, فإنه يحمد الله على نعمته كلها, وبذلك لا يكون هناك حسد أو حقد, ولكن رضى وشكر وتسبيح وحمد وذكر. ولهذا يعلمنا رسول الله أن تقر أعيننا بذلك فنقول في الصباح: (اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك, فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر) ومثلها في المساء.
● بعد أن يقضي حاجته بدورة المياه, يذكر لله ثلاث نعم فيشكره عليها, راضيا عن ربه, الذي أذاقه لذة الطعام, وأبقى فيه قوته فلم يصبه بإسهال ينزل معه فائدة الطعام, ودفع عنه أذاه فلم يصب بالإمساك والتسمم واحتباس البول, فيقول كما علمنا رسول الله: (الحمد لله الذي أذاقني لذته, وأبقى فيّ قوته, ودفع عنّي أذاه.. غفرانك)
● عندما يلبس ثوبا جديدا, يذكر أن الله قد اختصه بهذه النعمة, وربما حُرم غيره منها, فيقول: (الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة)
● حين يركب وسيلة مواصلات, فإنه يتذكر أن غيره من الأطفال لا يستطيع ذلك, وإنما يسير على قدميه, وأنه هو نفسه لم يكن ليحصل على هذه النعمة بدون أن يسخّرها الله له, ثم هو سيتركها ليعود إلى ربّه فيقول: (سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين* وإنا إلى ربنا لمنقلبون)
● حين ينظر في المرآة, يذكر أن الله قد منّ عليه بالخلقة الجميلة, خلقه الله فسواه فعدله, في أي صورة ما شاء ركّبه, وجعل له عينين, ولسانا وشفتين, وربما حُرم غيره منها, فيحمد الله ويرضى عنه فيقول: (اللهم أنت حسّنت خلْقي, فحسّن خُلُقي وحرم وجهي على النار)
● حين يرى أهل البلاء, الذين أصابهم الله بمصيبة, يحمد الله على أنه عافاه من مثلها, فيقول: (الحمد لله الذي عافاني ممّا ابتلاهم به, وفضّلني على كثير ممن خلق تفضيلا)
● حتى حين يصيبه الله بما يكره, فلا يغاضب ولا يقول ما يغضب ربّه, بل يحمد الله ويرضى بما قسمه له, فيذكر أنه سبحانه قد منّ عليه بأن كانت هذه الإصابة في دنياه وليست في دينه, وأن الله قد دفع عنه أكبر منها, وأنه يلطف به فيها ويكون معه, وأنه رزقه الصبر عليها, وأنه يأجره على صبره خيرا في الدنيا والآخرة.
وبهذا ومثله يرى الصّبي بل يرى كل مؤمن نعم الله ويحمده عليها ويعمل في شكره, ويكون بذلك رضيّا.
أن يأخذ الأمور بقوّة و جدية (خذ الكتاب بقوة):
تربية الأبناء في مرحلة الصّبى على الجدية في تناول أمورهم كلها, وأن يكونوا جادين في اتباعهم لكتاب الله في كل آية يعوها منه وأن يحولوا تلقيهم للكتاب من مجرّد الحفظ والتلاوة بغير فهم, إلى إدراك وتنفيذ واتباع ونصرة لدين الله. كذلك يجب أن يكون حالهم في كل ما يتلقّونه من علم أو تكليفات. وفي هذا الصدد, فإن الآباء عليهم أن يدرّبوا أبناءهم على الآتي:
● أن يكلفوهم بتحمّل بعض المسئوليات تجاه أنفسهم, فيعتمدون على أنفسهم في الطعام والشراب, والملبس والنظافة.
● أن يكلفوهم ببعض المسئوليات تجاه الأسرة, فيتعاونون مع الأم في ترتيب البيت وتدبير بعض احتياجات الأسرة من خارج البيت, والتعاون في السفر والمناسبات وفي الشدائد.
● أن يتم تدريبهم على التصرفات المالية السليمة, من إنفاق بغير إسراف ولا تقتير (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك, ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا)
● أن يشارك الأبناء في مناقشة بعض ما يهم الأسرة من الأمور, ويسمع لرأيهم, ويشجعون على المشاركة بإيجابية.
● أن يطّلعوا على أحوال المسلمين من حولهم في كل مكان ويهتموا بأمرهم (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)
● أن يساعدوا المحتاج ويغيثوا الملهوف, ويعينوا الضعيف, ويميطوا الأذى عن الطريق, فهو صدقة.
● أن يشجّعوهم على اتخاذ قرارات مؤثرة في حياتهم, مالم يكن فيها خطر عليهم, وأن يتحمّلوا مسئوليتها بحسن تقدير.
● أن يتدرب الأطفال في هذه السن على السباحة والرماية وركوب الخيل, وكلها يمكن التدريب عليها.
الحكمة في القول والفعل: (وآتيناه الحكم صبيا):
لقد ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم المثل في نصيحته لغلام من المسلمين: يا غلام إني أعلمك كلمات:
احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك,
إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, فلا يذل ولا يخضع إلا لله
تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة,
واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك, وما أصابك لم يكن ليخطئك
واعلم أن النصر مع الصبر, وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا,
واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك, رفعت الأقلام وجفت الصحف. (الترمذي وغيره)
الحكمة التي آتاها الله لقمان, توجه بها أول ما توجّه إلى ابنه وهو يعظه. هذه الحكمة تبدأ بعدم الشرك بالله (يابني لا تشرك بالله, إن الشرك لظلم عظيم)
ثم تعريف الصبيّ على أسماء الله الحسنى, وصفاته العليا, مع شرح المعاني, فقد عرّف لقمان ابنه على قدرات الله (يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله, إن الله لطيف خبير)
وهذه الصفات في الآية تمثل قوة الشخصية في مواجهة الحياة بقوّة, وتلقّي الحكمة في الصبى.
الحنان:
والحنان كلمة فريدة في القرآن, لم تأت إلا في وصف يحيي بن زكريا عليهما السلام, يقول الله تعالى: (وحنانا من لدنا) (هو الرأفة مع الرَّحْمَةُ، ورِقَّةُ القَلْبِ) وربما تقتضي الرحمة وحدها أن تقسو أحيانا على من ترحم, ولكن الحنان لا يعرف القسوة, وهذه الصفة يجب أن تزرع في الصبيّ في هذه السن المبكرة, ولهذا فهي خصوصية لمرحلة الصّبيّ, فكيف تزرع فيه الحنان؟
ولقد شاهدنا وسمعنا عن تصرفات رئيس مخلوع في الشرق الأوسط, كان يهوى القتل بيده, ولا تأخذه في الناس رأفة ولا رحمة. ومحال أن يكون هذا قد تربّى على الحنان في قلبه بل ربما لم يكن في قلبه مثقال ذرة منه.
والحنان أول ما يزرع, فإنه يكون مع الأم والأب, فيربّي الصبيّ على الرقة مع والديه, والاحترام والتوقير, وخفض الصوت عندهما, وترضيتهما.
ثم الحنان مع إخوته, فلا يترك ليعامل إخوته بقسوة وغلظة, بل يكون عطوفا عليهم وحنانا. ويرد الإساءة بكظم الغيظ والعفو والإحسان.
والحنان مع الحيوان, فيتعلم حديث رسول الله (دخلت امرأة النار في هرة حبستها, فلا هي أطعمتها وسقتها, ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) وإن امرأة بغيّا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر, قد أدلع لسانه من العطش, فنزعت موقها (خفّها) فغُفر لها به.
والحنان مع النبات: فيربّى على ألا يقطع شجرة أو زهرة بغير منفعة, ولا ثمرة قبل نضوجها, ولا يطأ زرعا يقتله, بل يرويه ويعامله معاملة الكائن الحي, ويشعر بنفسه وحاجته للطعام والشراب والضوء, وأنه جزء من دورة الحياة التي فطرها الله
والحنان مع الأشياء: فيتعامل مع لعبته برفق, يحافظ عليها, ويجمعها بعد اللعب, ويتعاون مع إخوته وأصدقائه فيها.
ويوقّر الكبير: فلا يتحدث بشكل غير لائق معه, بل يقدمه ويوقره
ويرحم الصغير: ألا يطغى بقوته أو بماله على من دونه في القوة أو السن أو المال
وزكاة:
أن تزرع فيه الزكاة, أي الطهارة والنماء:
يربّى الطفل عليها بحيث ينشأ طاهرا نقيا زكيا في نفسه وفي معاملاته. يراعي نظافة جسمه وثيابه ومكانه. كما يراعي طهارة أخلاقه وطباعه (وثيابك فطهّْر * والرجز فاهجر) بحيث يكون هو نفسه زكاة, أي طهارة ونقاء ونظافة وأدبا وحسن خلق وسهولة طبع.
لا تتركي طفلك في نجاسة ولا في بلل أو قذارة فتعوديه عليها, ولكنه بفطرته سينفر منها بمجرد حدوثها, فإن لم تلحقيه بتطهير ونظافة, فسوف يعتاد عليها ولن يكون في نفسه زكاة.
لا تقبلي من طفلك الاعتياد على الكذب أو سوء الخلق, ولكن من الوهلة الأولى, ومن أول بادرة للكذب أو تلوث الكلمة واللفظ, انكري عليه المنكر, وربيه على النقاء والطهارة في القول والفعل والبدن والثياب والمظهر.
كما ينبغي أن يكون الطفل في نماء دائم في جسمه السليم, ينمو نموا طبيعيا في جسمه وفي قدراته العقلية, وهذا أيضا من مضمون كلمة (زكاة) فالعقل السليم في الجسم السليم.
وكان تقيا: أن تزرع فيه التقوى:
وهي الخشية من الله والرهبة منه, واتقاء معصيته وغضبه سبحانه بأن يحفظ الله : احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك.
في هذه المرحلة أوصى صلّى الله عليه وسلم بأن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع, وأن نضربهم عليها لعشر, وأن نفرّق بينهم في المضاجع, وكل هذا قبل البلوغ أي قبل مرحلة الغلام.
وهذه الصفات الثلاثة في الآية هي خصائص بناء الوجدان والشعور والنفس الطيبة, المليئة بالحنان والزكاة والتقوى.
وبرا بوالديه:
لابد للآباء أن يضربوا المثل فيما يتصرفونه مع والديهم, من التوقير والتبجيل والأدب والاحترام. (واخفض لهما جناح الذُّلّ من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا).
علم ابنك البرّ بوالديه. فلا يتجرأ على أحد منهما, ولا يصل بنا التبسّط معهم إلى مرحلة يُفقد معها الاحترام والتوقير, فكما قال صلّى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا, ويوقّر كبيرنا, ويعرف لعالِمِنا حقّه) وعلينا ألا نسمح لأولادنا بتجاوز حدود الأدب معنا, حتى وإن كانوا بعد صغارا, فالبر يُزرع منذ الميلاد, وإلا فلا ثمرة بعد البلوغ.
علميه أن يكون حسيسا من مجرد نظرة يرتدع, يخشي أن يغضب والديه, بإنكار المنكر أمامه. والتطبيقات كثيرة.
ولم يكن جبارا عصيا:
لا تترك الفرصة لابنك أن يكون جبارا في معاملاته, ولكن رءوفا رحيما كأسوته الحسنة رسول الله, لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم. وأن يكون طائعا غير عاص.
يمكنك التعرّف على صفات ابنك, هل هو جبّار؟ هل هو عصيّ؟
مكّن له في شيء , ولو بسيط, ثم انظر كيف سيكون تصرّفه, كأن تعطيه مثلا كل الحلوى, وتطلب منه أن يوزعها بمعرفته على إخوته أو أصدقائه, فلو أساء التوزيع, وأخذ لنفسه أفضلها أولا, ولم يؤثر إخوته على نفسه, فهذه بداية جبروت.
راقب تصرفاته حتى مع لعبته, هل يعاملها بقسوة وافتراء وشدة؟ فإن فعل فهذه بوادر جبّار.
إن الشخص الذي تراه يفتري على الناس, ويسيء استغلال سلطاته, كان جبارا في طفولته, والشخص الذي تراه يتغير طبعه ومعاملاته حين يتمكن من مال أو سلطة أو مركز, لم يُربّ على الحنان, وغالبا ما تمت معاملته بجبروت وقهر, فزرعت فيه.
وهذه الصفات في الآية تنمّ عن المعاملة الحسنة بعد بناء الشخصية القوية, وبعد بناء الوجدان, وأول ما يخرج به في معاملته يكون مع والديه بِرّا, ثم مع الناس بألا يكون جبارا, ولا عصيّا.
وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا:
حين يولد ابنك وأنت تنوي به أن يكون وارثا للكتاب, فإن الله يرعاه, وحين تعيذه بالله من الشيطان الرجيم, يكون سلام الله عليه يوم وُلِد,
حين تنذري ما في بطنك لله محررا, كما قالت امرأة عمران: (ربّ إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل منّي, إنك أنت السميع العليم) وتنوين به أن يكون وارثا لكتاب الله ومسئولية رسوله صلّى الله عليه وسلم, يكون سلام عليه يوم وُلِد.
وحين تنشئه على الصفات المذكورة تنضبط معاملاته مع الناس فيعيش في رحاب التقوى وطاعة الله, فيكون سلام الله عليه يوم يموت بعد حياة مليئة بالسلام, فسيذكره الناس بالخير ويترحّمون عليه.
كما يكون عند لقاء ربه في سلام من الله, ومن شهادة الناس له بحسن الخلق والمعاملة, فسيكون سلاما عليه يوم يبعث حيا.
حين تزرع هذه الخصائص والأخلاق في الصبيّ, فإنه يكون قد اجتاز المرحلة الأولى من إعداده لميراث الكتاب وميراث مسئولية رسالة الله إلى الناس, ثم بعد ذلك تستمر المتابعة والإعداد في مراحل العمر الأخرى……
وتلخيصا, فإننا نقول:
إن مسئوليات الأمة كأمة وارثة لرسالات الله للناس, اصطفاها الله لهذه المهمة, وحمّلها لها بعد أن توفّى رسولها عليه الصلاة والسلام. وهذه المسئولية مستمرة إلى يوم القيامة, وممتدة إلى كل إنسان في كل مكان. ولكي يتحقق ذلك, فإن علينا أن ننقل هذه المسئولية من جيلنا إلى جيل أبنائنا وذرياتنا بشكل دائم ومستمر. وذلك بأن نهتم بأمور محددة بيّنها الله لنا في كتابه في مواضع كثيرة, ولكنه جمعها كمنهاج بترتيب ونظام محدد في سورة مريم. شمل مراحل عمر الإنسان المختلفة بدءا من مرحلة الصبىّ والصبيّة, إلى الغلام والغلامة, إلى الفتى والفتاة, والشاب والشابة, والرجل والمرأة , وانتهاء بالشيخ والعجوز.
تناولنا فيها بالتفصيل مرحلة الصبيّ والتي كان نقيبها يحيي بن زكريا عليه السلام.
وكانت أبرز صفاتها وخصائصها هي:
● أن يكون رضيا, أي راضيا , مرضيّا , يُرضي الله , ويرضى الله عنه , ويرضيه, ويرضى الناس,
● يأخذ الكتاب بقوة أي يتربى على
● حمل المسئولية بجدّية واهتمام وقوّة
● وتزرع فيه الحكمة والتصرفات الحكيمة المنضبطة,
● ثم يُبنَى وجدانه وشعوره على الحنان الذي لا يعرف القسوة,
● وعلى النقاء والطهارة والنماء بأن يكون في نفسه زكاة,
● وعلى التقوى وخشية الله,
● ثم يخرج بعد ذلك إلى المعاملة مع الناس
● فيكون برا بوالديه,
● ولا يكون جبارا عصيّا.
وبالتالي فإنه يكون سلام عليه يوم ولد, من نيّة أبويه أن يكون وارثا لرسالات الله, ويوم يموت بعد حياة مليئة بالرضى منه وعنه, وبالقوة والجدّية والحكمة, وبالحنان والزكاة والتقوى, ثم بالبر في المعاملات مع والديه ومع الناس ولم يكن جبارا عصيّا, ويوم يبعث حيّا حين يلقى الله للحساب فيراه مثالا وأسوة حسنة لعباده الصالحين المصلحين المخلِصين المخلَصين.
وبالتالي ينتج عن ذلك صبي أو صبية, أُحسن إعدادهما وتجهيزهما ليصلحا لمهمتهما الأساسية في ميراث الكتاب والمحافظة عليه والعمل به والدعوة إليه, والدفاع عنه ونصرته والجهاد لتكون كلمة الله هي العليا.
إن هذه المسئولية لن يوكلها الله إلى غير أمة الإسلام, فلن يكلف بها كافرا ولا مشركا ولا يهوديا ولا نصرانيا, ولا منافقا, فلنقم نحن بها شكرا لله على نعمته بأن هدانا للإيمان, وبأن رزقنا الأطفال, وإتماما لنعمة الله على الدنيا برسوله صلّى الله عليه وسلم رحمة للعالمين, ودفاعا عن ديننا وعقيدتنا وأنفسنا وحياتنا ومستقبلنا.
ثم ينتقل من مرحلة الصبيّ إلى مرحلة الغلام, ويمثلها عيسى بن مريم عليه السلام
يحيي بن زكريا, الصبيّ المثالي
المقال السابق