وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)
لقد جاء ذكر إسماعيل في القرآن حين بلغ السعي مع أبيه, حيث رأى من المنام أنه يذبحه, فقال له ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين
هل يكون هذا رد طفل بعقلية الطفل؟
لو رأى أب في المنام أنه يضرب ابنه, فحكى له المنام, هل يقول له كما قال إسماعيل, ويمكنه من ضربه, ناهينا عن ذبحه؟
إن هذا رد حكيم, أدرك أن أباه نبي كريم, وأن رؤيا الأنبياء حق, وهي أمر من الله لا حيلة له فيه, فقال يا أبت افعل ما تؤمر. وأدرك أن الموقف سيكون عصيبا على أبيه الذي رزقه الله بالولد على الكبر, فكيف يذبحه؟ فخفف عليه الموقف وقال: ستجدني إن شاء الله من الصابرين.
إن إسماعيل كان غلاما حليما, وكان حكيما في إدراكه وفي تعليقه وصبره. وظل يمثل الحكمة طوال عمره, وهو هنا في سورة مريم, يأتي بعد يحيي وعيسى وإبراهيم وموسى. ويمثل رجلا حكيما يضرب الله به المثل لهذه المرحلة من العمر, وله أهل يؤمرون بالصلاة والزكاة.
يصف الله إسماعيل هنا بأنه صادق الوعد, وهي صفة لازمة لورثة الكتاب, خاصة في هذه المرحلة من العمر, حيث يتعامل الإنسان بالوعود والعهود والمواثيق والمعاملات, يحتاج فيها إلى أهم صفة في المعاملات, صدق الوعد. فلكي يحقق ذلك لابد أن لا يكلف نفسه فوق ما يطيق, حتى يستطيع أن يصدق وعده. ولابد أن يكون مجتهدا في تنفيذ ما يعد به, ويقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه. قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من الأمور لما لا يطيق) كما يجعل إخلاف الوعد من آيات المنافق, ويأمر الله سبحانه (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) , (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) وجاءت صفة صدق الوعد في إسماعيل قبل رسالته,
كما يصفه بالحزم مع أهله في أمرهم بالصلاة والزكاة. وكم من الآباء يتراخون في أمر أهليهم بالصلاة والزكاة ولا يراقبون انضباطهم في أدائها, فيضيعونها بعد أن تربوا عليها. والصلاة هي الصلة مع الله, والزكاة هي الصلة مع الناس لوجه الله. وهي الطهارة والنقاء والنماء.
لقد قال الله عن يحيي أنه (زكاة), وقال عن عيسى: (وأوصاني بالصلاة والزكاة), وقال عن إسماعيل (وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة).
وبالتالي فإن الإنسان في هذه المرحلة وبهذه الخصائص, (وكان عند ربه مرضيا) يتأهب للدخول في المرحلة الأخيرة من العمر, يحتاج فيها أكثر ما يحتاج, إلى أن يكون عند ربه مرضيا, ولكي يكون كذلك, لابد أن يسير نفس المشوار الذي بدأ بالنية, وبصفات الصبي يحيي والغلام عيسى والفتى إبراهيم والشاب موسي, حتى يصل إلى الرجل الحكيم إسماعيل.
إسماعيل الحكيم
المقال السابق