منظومة فصل الخطاب

0 تعليق 369 مشاهدة

هذه هي المرحلة السادسة من مراحل بناء الحضارة الإنسانية…
سبقتها مرحلة بناء الإخلاص, ثم المشاركة, ثم مرحلة بناء القيادة, ثم مواجهة الصعاب والتمكين, ثم مرحلة بناء الحكمة, وهي أساس التشريع..

ونحن الآن أمام أمة مشدود ملكها بمنظومة القيادة المدرّبة على المواجهة, ومعها منهاج الحكمة, وتحتاج إلى الفصل في المسائل, والتحكيم بين الناس, وإلزامهم بالنظام والمنهاج, ومنع المتعدّي منهم والمتجاوز عن إفساد ما يتم بناؤه, بأن يقدّم للمحاكمة, أو أن يفصل له في الأمر ولا يترك معلّقا دون حسم.

هذه المرحلة هي مرحلة فصل الخطاب, وأعلاها – دون أن يحددها- السلطة القضائية. وتشمل السور بترتيب مناسبات النزول, وبترتيب المصحف, (الزمر, حم غافر, حم فصّلت, حم, عسق الشورى, حم الزخرف, حم الدخان, حم الجاثية, حم الأحقاف) وتتميز فواتحها بحرفي حا ميم.

وفصل الخطاب معنى أوسع من القضاء والعدل. فكثير من الخلافات بين الناس لا يذهبون بها إلى المحكمة والقاضي, وإنما تحتاج إلى فصل في النزاع يمكن أن يؤديه بعض العقلاء وأهل الثقة. وأمثلة ذلك تبدأ من الخلافات بين الأطفال التي تفصل فيها الأم أو الأب, والخلافات العائلية التي يتدخل فيها المصلحون والحكام من الأهل والأصدقاء حتى تنتهي, والخلافات بين الجيران, والشركاء, وخلافات في الشوارع, وهكذا, وجل ذلك لا يحتاج إلى القاضي والمحكمة ولكنه يحتاج إلى فصل الخطاب, ثم تأتي المحكمة كحل أخير بالتقاضي.

وفصل الخطاب يعتمد أساسا على الحسم. فلو أتى الخصمان للقاضي أو للحكم, فإنهما يكونان قد وصلا إلى نهاية محاولات التفاهم والحل, وهما يتوقعان من القاضي الحسم في المسألة بإخلاص لله. فإن لم يفصل القاضي, فمن سيفصل؟ وماذا يفعل المتخاصمان أو المختلفان؟

وفي السور الثمانية تسلسل لفصل الخطاب:

يبدأ بالزمر حيث تدعو السورة الإنسان إلى أن يؤمن بالحَكَم الذي سيقف أمامه للفصل.
ثم في غافر يضع الله قواعد المرافعة, ويضرب المثل بمرافعة مثالية لمؤمن آل فرعون
ثم في فصّلت يضع قواعد الشهادة والأدلة والقرائن, وفيها أكثر تكرير لكلمة شاهد ومرادفاتها في سورة واحدة من القرآن
ثم في الشورى, يبين الله شكل منصّة الحكم بين الادعاء بعزّته وحكمته, وبين الدفاع بطلب المغفرة والرحمة, وبين الحكَم القاضي بعلوّه وعظمته.
ثم في الزخرف يبين أن الحق يعلو ولا يعلى عليه, ويدحض الاعتبارات التي يمكن أن يأخذها الناس بغير الحق حين يحكمون.
وفي الدخان يعالج من يكفرون بالله حكما
وفي الجاثية يعالج من يبطلون أحكام الله وآياته من بعد ما جاءتهم
وفي الأحقاف يعالج من يدعون من دون الله شركاء في الحكم, أي يريدون أن يأخذوا شريعتهم من الله, ومن غير الله..
والسور ذوات حم , من سورة غافر إلى سورة الأحقاف, كلها تتحدث عن فصل الخطاب, الذي يحتاج إليه الناس عند الاختلاف.

والاختلاف يكون إما بالادعاء واللجوء إلى التحكيم, أو بالقتال عند قمة الاختلاف الذي لا يفصل الخطاب فيه إلى القتال. عندئذ لو التزم المسلمون بمنهاج الله في مجموعة آل (حم) فإنهم لن يجادلوا بالباطل, ولن يصل خلافهم مع أعدائهم ومع الناس أجمعين إلا لنصرة الحق الذي جاء به رسول الله من ربه. والأسلوب الذي يجب أن يتبعه الناس عند الاختلاف مبين في مجموعة فصل الخطاب.

فالاتفاق على التحكيم واختيار الحكم مسبقا وقبل حدوث اختلاف, في سورة الزمر, ونظام وآداب ومنهاج الادعاء والمجادلة مبين في سورة غافر, ونظام القرائن والشهود والأدلة مبين في سورة فصّلت, ثم منهاج منصّة الحكم في التمكين للمتخاصمين لعرض وجهات نظرهم, وتمكين الدفاع من إبراز نقاط لصالح موكليه, وقرار الحكم بالشورى بين الادعاء بالحق بعد بيان الأدلة, وبين بحث مصلحة كل طرف, ثم الاعتبارات الباطلة التي لا وجه للحق فيها عند اتخاذ قرار الحكم, مبينة في سورة الزخرف, والرد على منكري نظام فصل الخطاب في سورة الدخان, وبيان خطورة المبطلين الذين تكون لديهم المناهج والقوانين ثم هم يعطلونها ويبطلونها, مبين في سورة الجاثية, والرد على من يؤمن بالله, لكنه يشرك معه أحدا في فصل الخطاب مبين في سورة الأحقاف.
وروي عنه صلّى الله عليه وسلم (آل حم ديباج القرآن)

وفي مسند الدارمي قال : حدثنا جعفر بن عون عن مسعر عن سعد بن إبراهيم قال : كن الحواميم يسمين العرائس . وروي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” الحواميم ديباج القرآن ”

وهكذا يكون القاضي بوشاحه بين الناس
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لكل شيء ثمرة وإن ثمرة القرآن ذوات حم هن روضات حسان مخصبات متجاورات فمن أحب أن يرتع في رياض الجنة فليقرأ الحواميم ) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مثل الحواميم في القرآن كمثل الحبرات في الثياب )

وكذلك يكون القاضي, في وشاحه وهيئته وهيبته

قال عكرمة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ” حم ” اسم من أسماء الله تعالى وهي مفاتيح خزائن ربك )
قال ابن عباس : ” حم ” اسم الله الأعظم

روى أنس أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : ما ” حم ” فإنا لا نعرفها في لساننا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بدء أسماء وفواتح سور )

وقد قال أبو القاسم الطبراني ثنا علي بن عبد العزيز ثنا عارم أبو النعمان ثنا معتمر بن سليمان قال سمعت أبي يحدث عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من أعان باطلا ليدحض به حقا فقد برئت منه ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ”

وإلى تفصيلات منظومة فصل الخطاب…

Sub Categories

نريد أن نكون من الذين قال الله فيهم: (ولقد يسرنا القرآن للذكر, فهل من مُدَّكِر!) نحيا بالقرآن, فنتعلم كيف نتدبّره, ونعمل به ونعلمه, كمنهاج حياة, فهو إمامنا نحو بناء الحضارة الإنسانية

روابط المقالات

اشترك

اشترك فى نشرتنا الاخبارية لتتابع جديد المقالات والاخبار

Develop By Quran – Copyright 2012 / 2022 – All Right Reserved

arArabic