والآن مع سورة يوسف, كمثال عملي على كيفية صناعة الله لحكيم من الناس, وإصلاح المجتمع به, في خطة إصلاح تبدأ من حالة ابتدائية يكون عليها أكثر الناس (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) ويقودها إنسان مخلص لا يبتغي أجرا من أحد إلا الله ومعه منهاج ذكر شامل للعالمين (وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين) وينتهي المنهاج بإنقاذ الكثيرين من الناس من حالتهم التي كانوا عليها ابتداء, إلى أن يكونوا هم الأكثرية, فلا يتبقى إلا فئة من المجرمين لا يرد بأس الله عنهم, يحدث هذا في وقت يستيئس الرسل فيه ويظنون أنهم قد كذبوا (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا فنُجّي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين)
وسورة يوسف هي السورة الرابعة من منهاج بناء الحكمة, وهي الثالثة من سلسلة السور المبدوءة بالحروف الفواتح (ألر). سبقتها سورة الإسراء, مدخل منهاج بناء الحكمة وخلاصتها في جملتين (ألا تتخذوا من دوني وكيلا), وإلا فإن الشيطان يتحكم في الإنسان (لأحتنكن ذريته إلا قليلا) على تفاصيل تناولها البحث, ثم سورة يونس, قواعد بناء الحكمة وخلاصتها (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام, ثم استوى على العرش يدبر الأمر) فتدبير الأمر لله وحده (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا, أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وتلخيص دور الداعية (قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه, ومن ضل فإنما يضل عليها, وما أنا عليكم بوكيل)
ولا يصل الناس إلى الحكمة, ولا تقبل منهم تحت القهر. ثم في سورة هود, يتحدد بناء الحكمة في خلاصة (ألا تعبدوا إلا الله) وبينت السورة صورا من عبادة غير الله ربما دون أن يشعر الإنسان, ولهذا فإن الاستقامة على طاعة الله لابد أن تكون كما أمر الله (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك إنه بما تعملون خبير, ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون, وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل, إن الحسنات يذهبن السيئات, ذلك ذكرى للذاكرين)
وتتحول المنظومة في سورة يوسف, إلى التطبيق العملي والممارسة الفعلية في أرض الواقع, متمثلة في يوسف عليه السلام, ودوره في إصلاح الفساد ومقاومته, في كل صوره, فساد العجز والكسل, والفساد الأخلاقي, وفساد الأنظمة الحاكمة, وإصلاح الاقتصاد, والأنظمة الإدارية, وعدالة التوزيع. والسورة فيها العلم والحكمة مجتمعان.
وتنقسم سورة يوسف إلى ثلاثة محاور:
المحور الأول: بناء سلطان الحكمة:
لقد بدأت القصة بإخوة متآمرين كذابين كسولين حقودين, سيئي الأخلاق مع أبيهم, يدعون إلى قتل يوسف, أو طرحه أرضا, ثم يجعلونه في غيابت الجبّ, ويدّعون كذبا لأبيهم أن الذئب أكله. ثم ينقذ الله نبيه يوسف عليه السلام ويمكّن له في الأرض بعد ضياع وشتات, ليستقر به الحال في مصر ليعلمه الله من تأويل الأحاديث, (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21))
واستمر يوسف في الاستعداد لتكليف الله له, فآتاه الله حكما وعلما وكذلك يجزي المحسنين.
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ) فأبى وتذكّر ربّه الله الذي أحسن مثواه,
وابتلي بنظام حاكم فاسد, ينفذ ما بدا له دون اعتبار لعدالة ولا لحقيقة, ويتستر على الفساد. وفي محاولة لقهره على السوء والفحشاء, يزجّ به بريئا في السجن, حيث يرى فسادا في العقيدة بعبادة أرباب متفرقين وبترك عبادة الله الواحد القهار, فلا ينشغل عن قضيته في الدفاع عن دين الله وحقه سبحانه في أن يعبد ويطاع ولا يكون الحكم إلا له جلّ وعلا ولشريعته (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40))
ويؤول يوسف رؤيا الملك في شكل خطة عمل طويلة المدى, تبدأ بالزراعة والحصاد, وتنتهي بالصناعة التي تحول الثمار إلى عصير(عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون).
ثم لا يخرج يوسف عليه السلام من السجن إلا بعزة نفس بعد إثبات براءته وشرفه وعدالته ومروءته, وحسن سمعته, فيتحرك في نظر الملك, من مجرد عالم بتفسير الرؤى, إلى شخص مخلص تقي نقي عفيف, ويخرج يوسف من تلك الابتلاءات قويا رفع الله له ذكره في الأرض, (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)) فاختار يوسف أن يختص بما له فيه خبرة ولم ينكرها حتى ينتفع بها مجتمعه (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وهكذا يضرب المثل في أن يعبد الله مخلصا له الدين, فلا يكون يئوسا كفورا بنزع نعم الله منه ونزعه منها, ولا ينهار أمام المغريات ولا ينهزم أمام التهديدات (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)
ثم أوصاه الله في هذا الموقع العالي من الدولة بأن يظل يذكر الآخرة وأجرها ويظل مستمسكا بإيمانه وتقواه (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)). وهي الوصية التي إن التزم بها رجالات الدولة والمؤسسات لتغير الحال.
وكذلك بنى الله سلطان الحكمة في الأرض متمثلا في عبد من عباده الصالحين يؤهله الله بالإخلاص والعلم والحكمة, وبالصبر والتقوى, ثم بالعزة والعفة والسيرة الزكية والسمعة الطيبة, حتى مكّّن الله ليوسف في الأرض. وهنا ينتهي المحور الأول الذي يمثله حرف الألف.
المحور الثاني: تجربة الإصلاح بالعلم والحكمة:
وبه تبدأ مرحلة الإصلاح من موقع المسئولية الكبرى في البلاد,
ويضرب يوسف عليه السلام المثل في الحكمة والإصلاح بكل صوره, فيضع نظام الباب المفتوح بين المسئول الكبير والجمهور, (وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)) فدخلوا عليه دون انتظار, ويفهم ذلك من الفاء الدالة على الفورية, فعرفهم بعد أن دخلوا عليه, وليس قبل ذلك, كما أنهم لم يدخلوا عليه بسبب سابق معرفتهم به, ولكنهم دخلوا وهم له منكرون. مما يدل على إرسائه عليه السلام قواعد العمل بين الوزراء المسئولين وبين الناس حتى الآتين منهم من خارج البلاد, فكل صاحب حق له أن يصل إلى المسئول, الذي يقوم على خدمته فيوفي له الكيل ويكون خير المنزلين.
ويضع ما علمه الله من تأويل الأحاديث في خدمة الحضارة الإنسانية كلها حين بدأ في تنفيذ ما أوّله من رؤيا الملك على شكل خطة اقتصادية طويلة المدى لمدة خمس عشرة سنة, ترشّد تصرفات الناس وسلوكياتهم الاقتصادية والعملية, تشمل كيفية التصرف في السنين التي يفتح الله فيها للناس من رحمته, فيوصي فيها بالعمل دأبا رغم سهولة الحياة ويسرها. وبعد الحصول على الرزق فإن على الإنسان ألا يأخذ منه إلا بالقدر الذي يكفي لطعامه وشرابه وضرورياته, دون إسراف ولا تبذير, رغم الوفرة والكثرة في الرزق, فيعودهم على الادخار..
.. حتى إذا ما أمسك الله سبحانه, ما لا مرسل له من بعده, فإن الإنسان الذي تصرف برشد وحكمة أيام الوفرة, سيجد ما قدم وادخر, فينفق منه أثناء السنين الشداد, ولا يحتاج إلى أن يقترض أو أن يذل نفسه لبشر.
أما الإنسان الذي كسل وقت الوفرة, فإنه سيجد نفسه مضطرا للعمل حتى يحصل على حاجاته الضرورية, ولكنه في هذا الوقت لن تكون لديه خبرات للعمل بسبب كسله وتقصيره السابق, إلا إنه سيبدأ في اكتساب الخبرة واكتساب المعيشة, ولكنه يأتي ببضاعة مزجاة بسبب قلة خبرته.
وأما الإنسان الذي أسرف وبذّر في وقت الوفرة, فإنه لن يجد مدخرات ينفق منها ويتقوت منها في السنين الشداد, فيدرك سوء تصرفه, ويتعلم الاقتصاد والترشيد والادخار, ويترك الإسراف, ويتحسّر على ما فرط, وتكسبه الأزمة حكمة التصرف والرشد.
يخرج الإنسان من زمن الكساد أكثر تدريبا وتأهيلا, ويخرج أكثر رشدا وحكمة في التصرف في نواتج عمله وفوائض رزقه.
والعام التالي لزمن الكساد, فيه يغاث الناس, أي ينقذون من الهلاك, وذلك من أفعال الله وحده لا شريك له. وفيه يعصرون, وهذا من أفعال الناس بتوفيق الله. لقد تعلموا الاستفادة من الفائض, وعصره لإعداده للاستعمال الطويل المدى, وتعبئته في عبوات, وحفظه لينفع في وقت الشدة, وعمل عاملون في العصر والتعبئة والحفظ, وحُلّت أزمة البطالة, فارتفعت قيمة الإنسان وعمله في زمن الكساد, فيخرجون من الأزمة الاقتصادية متمرسين على تحويل نشاطهم من (تزرعون) و (حصدتم) إلى (يعصرون).
فكما أن فترات الرواج والخير تثمر مكاسب مادية وتطوُّر في الأحوال الاجتماعية والاقتصادية, فإن فترات الركود بخطة يوسف التي علمها الله له, تتحول إلى مكاسب لقدرات الناس, واستثمار لطاقاتهم, وارتفاع لمستوياتهم الفنية والإدارية, وترشيد لسلوكياتهم الاستهلاكية.
ثم يضع الخطط الإصلاحية بمكر حسن يستهدف به إصلاح الناس, فلا يستغل سلطته في طلب شيء إضافي لنفسه والتهديد بعدم إعطاء الناس حقوقهم إن لم يستجيبوا لطلبه, وإلا لكان قد قال لهم (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم) وسكت, ولكنه قال (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60)) أي ودّ بودّ, وطلب لنفسه مقابل خدمة يقوم بها بنفسه, ولكن هناك من المنزلين من يمكنه أن يخدمهم, كما أنه يوفي الكيل ولا يستوفيه لإخوته, بزيادة عن حقهم.
وغيّر يوسف عليه السلام نظام التعامل التجاري من سلع مقابل نقد (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ) إلى المقايضة: كيل ببضاعة, ووضع قواعد عادلة لتوزيع السلع بنسبة لكل فرد حاضر حتى لا يترك الفرصة للسوق السوداء في الأزمات: (وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ)
وحين أعلن المؤذن بجائزة لمن جاء بصواع الملك, (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) سارع يوسف عليه السلام بإعلان زعامته لتلك الجائزة (.. وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72))حتى لا تتحمل خزانة الدولة قيمة جائزة على شيء خاص دبّره يوسف لإخوته.
كما أرسى قواعد العدالة بأن رفض أن يأخذ أحد إخوته مكان أخيه الذي وجهت له التهمة, (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)) كما إنه لم يتهمه بسرقة فلم يقل (أن نأخذ إلا السارق), وكان قد طمأنه من قبل حتى لا يفزعه بالتهمة , وذلك حين قال له (إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون)
وحين أبدل يوسف المعاملات التجارية بأن جعل الكيل مقابل بضاعة, بدلا من الكيل مقابل مال نقدي, فإنه دفع الناس للإنتاج واستثمار طاقاتهم المعطّلة في زمن الكساد والركود, (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)) وقد جاءوا ببضاعة مزجاة, بسبب أنهم كانوا في شبابهم يرتعون ويلعبون غدا, أي في الصباح التالي, ولا يهتمون بعمل ولا باكتساب خبرات, وحين ضغط عليهم بالأزمة اضطروا للعمل ولكنه عمل بدون خبرات فنتج عنه بضاعة مزجاة, ومسهم الضرّ حيث لم يكونوا قد ادخروا في زمن الرواج.
ويضرب يوسف المثل في العفو عند المقدرة, فحين أعلمهم بشخصيته, (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)
ثم يضرب المثل للقيادات العليا والرؤساء والوزراء, فيتوجه في نهاية القصة إلى ربه (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)) فيجعل الهدف الأسمى للمسئول هو أن يتوفاه الله مسلما, وأن يلحقه بالصالحين, مهما آتاه الله من الملك, وعلمه من تأويل الأحاديث.
وكان هذا هو نهاية المحور الثاني, الذي يمثله حرف (لام) من ألر.
المحور الثالث: منهاج الحكمة في إصلاح الناس:
يلخص الله منهاج الإصلاح والترشيد في الآيات التسعة في خواتيم سورة يوسف..
يبدأ المنهاج من الإقرار بالأمر الواقع قبل الإصلاح: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) وهي حالة ابتدائية نعترف بها, ولا نستسلم لها, ولكننا نتناولها بالإصلاح والتصحيح, في منهاج عملي بالحكمة التي يعلمنا إياها الله العليم الحكيم.
ثم يبدأ الإصلاح بشخص واحد مسئول يعمل للصالح العام مخلصا لله ابتغاء أجر غير ممنون, أي غير منقوص, وغير مقطوع, ولا يقدر على منحه إلا الله سبحانه (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ), ويكون هدفه العالمين, ويشمل ذلك كل طوائف الناس في كل مكان وكل زمان, كما يشمل المخلوقات الأخرى المشتركة مع الناس في الحياة على هذه الأرض, من حيوان ونبات وماء وهواء, ويكون المنهاج شرفا وحفظا للعالمين (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)
كما يستعمل في منهاج الإصلاح ما حدث أو يحدث في السماوات والأرض ليكون موعظة للناس وعبرة, لمن ينتبه منهم (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) فيخرجهم من الحالة الابتدائية من أن أكثرهم ليسوا بمؤمنين, إلى حالة أرقى وأعلى بأن يؤمن أكثرهم ولكن يشوب الشرك إيمانهم (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)
ثم تأتي آيات الله الكونية والتذكير بالساعة لتشارك في توصيل الناس للحكمة والصلاح (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107)
ويكون المنهاج مأخوذا من القرآن (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) ومن سنّة وسبيل النبيّ صلّى الله عليه وسلم (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ), ومعه فريق العمل (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) فيصل إلى نقاوة الإيمان وبعده عن كل شائبة من شرك تشوبه (وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)
وربما يكون التحسّن غير محسوس في الزمن القصير, حتى إن دعاة الإصلاح قد يصلون إلى الاستيئاس, فيأتيهم نصر الله (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)
وإلى أن تنتهي السورة: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111))
وصدق الله العظيم