بعد مرحلة طويلة من الحصار والمقاطعة المدنية والاقتصادية, التي فرضها مشركو قريش على رسول الله صلّى الله عليه وسلم, أخرجه الله سبحانه من ضيق شعب بني هاشم المحاصر, فأسرى به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله, ليريه من آياته, إنه هو السميع البصير.
كان الإسراء بداية الفرج والفتح والنصر, أعقبه الهجرة من مكة إلى المدينة, وتأسيس دولة الإسلام, وتحقيق الانتشار بدعوة الله ودينه إلى كل الدنيا.
كان الإسراء بمثابة الانفراجة الكبرى لرسول الله, وبمثابة التسرية عنه بعد سنين صعبة مرت به وبدعوة الإسلام كلها, حيث واجه كل أنواع الصعوبات النفسية والجماعية:
فأمام صعوبة الشعور بالشدة وشبح الشقاء, باتهام الكافرين له بالسحر والجنون والشعر والكهانة, والسخرية منه صلّى الله عليه وسلم, – بأبي هو وأمّي- وإلقاء القاذورات عليه, حتى بلغ إجرامهم التآمر على قتله صلّى الله عليه وسلم, أمام كل هذه الصعوبات, هوّن الله عليه هذه الصعوبات في سورة طه: (طه* ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) فأخذه من (طا), أكثر الحروف شدة, إلى (ها) أخفها وأيسرها.
وواجه الله أعداء الدعوة من المشركين الضالين المكذبين, في سورة الواقعة المنذرة بمصائر أصحاب الشمال بوقوع الواقعة, (ليس لوقعتها كاذبة , خافضة رافعة). وأنذرهم الله فيها بأنهم (لآكلون من شجر من زقّوم * فمالئون منه البطون * فشاربون عليه من الحميم * فشاربون شرب الهيم*) بعد أن حاصروا المسلمين في شعب بني عبد المطلب وبني هاشم ودفعوهم إلى أكل أوراق الشجر وبقايا الجلود. كما ثبت الله سبحانه السابقين المقربين, وأصحاب اليمين بأن بشرهم بالجنة ونعيمها.
وواجه صعوبة القلق النفسي ألّا يكونوا مؤمنين, بعد منع رسول الله من الاتصال بالعالم بحصاره في الشِّعب, ومنع الوفود عنه لتحجيم دعوة الإسلام, بعد هجرة الحبشة وبعد إسلام عمر والحمزة رضي الله عنهما, فنفاه الله عنه في سورة الشعراء: (طسم * تلك آيات الكتاب المبين* لعلّك باخع نفسك ألّا يكونوا مؤمنين) فأخذه من (طا) أكثر الحروف شدة, إلى (سين) أكثرها سهولة وسلاسة ويسرا, ثم إلى (ميم) الضمّ والرحمة والمودة. فأعطاه الله مفاتيح الثبات والمقاومة والعمل في تلك الظروف.
ثم أعطى الله للأمة أفرادا وجماعات مفاتيح الدعوة إلى سبيل الله وتقديم كل ما يستطيع كل فرد فيها لخدمة دينه وعقيدته ونصرة الله ورسوله, باستخدام آيات القرآن وكتاب مبين, ودلالاته في آيات الله الكونية والعلم الذي يوصّل إلى الإسلام, يشترك في ذلك كل من وهبه الله أي قدر من العلم والثقافة ومعرفة أي قدر من آيات الله الكونية في أي مجال وخبرة, باستخدامها في الدعوة إلى الله, يشترك في ذلك أي فرد في الأمة أطلعه الله على آياته الكونية في الزراعة, في الطب, في الهندسة, في الجيولوجيا, في الكيمياء, في المحاسبة وعلوم الحاسب الآلي, في كل مجال, ويتضح ذلك في سورة النمل: (طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين* هدى وبشرى للمؤمنين). فتشترك النملة بصلاحها في إنقاذ أمتها بالنصيحة المخلصة, ويشترك الهدهد بما وهبه الله من آياته في رؤية الخبء والسياحة في بلاد الله بعيون وقلوب المؤمنين, ويشترك عفريت من الجن بعرض تقديم القدرات والآيات التي أودعها الله فيه من القوة والأمانة والسرعة, ويشترك الذي عنده علم من الكتاب في الدعوة إلى الله بما وهبه الله من آياته في الإتيان بعرش ملكة سبأ قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه, ويشترك الإنس والجن كل بناء منهم وغوّاص في تشييد صرح ممرد من قوارير, ليبهروا ملكة سبأ بما وهبهم الله من آياته في العلم والهندسة والتشييد والمواد, فتعترف بظلمها نفسها, وتشهد أنها أسلمت مع سليمان لله رب العالمين.
ثم طمأن الله رسوله والأمة كلها, أنه بعد الثبات والثقة وأداء كل فرد وإمام وقائد لدوره, فإن الله سبحانه وحده لا شريك له, هو الذي يهيء أسباب النصر لموسى بعد تجريده من كل الإمكانات, من حضن أمه, ومن تحريم المراضع عليه, ومن أمنه الشخصي بأن أصبح في المدينة خائفا يترقب, وخرج منها خائفا يترقب, ومن سمعته في المدينة, بإشاعة خبر قتله للمصري, وإشاعة أنه إن يريد إلا أن يكون جبارا في الأرض وما يريد أن يكون من المصلحين, حتى يأتمر الملأ به ليقتلوه, ومن تركه لبلده, وأهله ومصدر عمله ورزقه, حتى تولّى إلى الظل بلا مأوى ولا أهل ولا سمعة ولا عمل ولا مال, (فقال رب إني لما أنزلت إلىّ من خير فقير*) ثم وهبه الله كل شيء من أجر وأمن وشهادة بسمعة أنه القوي الأمين, والأهل والسكن والكفالة والرزق والعمل, ثم يحرمه الله من انطلاقة اللسان التي هي أساس لعمل الدعاة إلى الله, ولكنه يرسله إلى أعتى الطغاة المفسدين, الذي يدّعي الألوهية, وينصره عليه, كما أن الله سبحانه يهيء أسباب إهلاك الفجّار الباغين على قومهم حتى وإن ملكوا من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة, فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين, وبالتالي فإن وعد الله حق, وبالتالي فلا ييأس مؤمن من قدرة الله على نصرته مهما كان به من ضعف, ومهما كان بعدوه من قوة أو مال أو جاه أوسلطان.
الإسراء انتقال من الصمود إلى الصعود
كان الإسراء خروجا من مرحلة التهديدات الخارجية للدعوة ولأمة الإسلام, وتحديات أعدائها, والصمود والثبات أمام كل ذلك, إلى مرحلة الصعود بالأمة ورسولها إلى أعلى, في الأرض وفي السماء وفي المكانة, إلى إمامة الناس وإمامة الأمم, وامتلاك مفتاح العلوّ في الأرض بالحق, وذلك باستلام المسجد الأقصى, مصباح بيان حال الأمة, وبالصلاة بالأنبياء والمرسلين إماما, وبلوغ مراتب عليا لم يبلغها من الناس أحد.
وفي هذه الحالة من العلوّ, يبين الله أسباب صعود الأمّة, وكيفية الاستمرار على القمّة, والمحافظة على العلوّ والمكانة والنصر والإمامة للناس وللأمم وللسبق في مضمار الحياة. وبالتالي يبين سبحانه أسباب هبوط الأمة إن هي تركت أسباب الصعود.
يتلخص الصعود والثبات في ألا تتخذ الأمة من دون الله وكيلا, أي توكله سبحانه, وتفوض الأمر إليه في كل شئونها,
ويتلخص الهبوط والانهيار في فسوق المترفين, وذنوب العباد, وفي أن يترك الناس الفرصة لإبليس –عليه لعنة الله- أن يحتنكهم, فيقودهم بلجامه في أحناكهم إلى حيث يشاء, بتركهم وكالة الله إلى اتباع الشيطان, حيث يستفززهم بصوته ويجلب عليهم بخيله ورجِله, ويشاركهم في الأموال والأولاد ويعدهم, وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.
ويأتي قصص القرآن ليبين الله به كيف أن أمة بني إسرائيل حين اتخذت من دون الله وكيلا بعد أن آتى الله موسى الكتاب, وجعله هدى لبني إسرائيل, فأفسدوا في الأرض وعلوا فيها علوا كبيرا بغير الحق, فبعث الله عليهم عبادا له أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار, وتحكموا في بلادهم ومصائرهم. ثم رد الله لبني إسرائيل الكرّة عليهم, وأمدهم بأموال وبنين وجعلهم أكثر نفيرا. وأنذرهم بأنهم إن عادوا إلى الإفساد, عاد الله بالعقوبة, في الدنيا, وجعل جهنم للكافرين حصيرا.
إن الانتصار على النفس وعلى ضعفها, والانتصار على مكايد الشياطين وهمزاتها, هو الطريق للحفاظ على المكانة والقمة والعلو بالحق.
ووسيلة هذا الانتصار هي هداية هذا القرآن, الذي يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا, وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتد الله لهم عذابا أليما.
إن قضاء الله لبني إسرائيل في الكتاب, يضع الله به سننا للأمة التي أورثها كتابه واستخلفها في الأرض. وإن كان الحديث هنا هن بني إسرائيل, فإنه موجه إلى أمة محمد عليه الصلاة والسلام , فهي المستخلفة على كتاب الله ووارثة مسئولية خاتم المرسلين. فإن تتخذ الله وكيلا, يشرّع لها ويهديها للتي هي أقوم, ويقودها إلى خيري الدنيا والآخرة, وإن تتخذ من دونه وكيلا يكلها إلى الشيطان الذي يحتنكها فيقودها من حنكها حيث يتحكم فيها تماما فيوجهها حيث يشاء.
وفي ذلك بيانات تفصيلية تأتي في سورة الإسراء.
بسم الله الرحمن الرحيم
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)
المسجد الأقصى بيان حالة الأمة الإسلامية, تقوى فتحرره, وتضعف فتحتله قوى الظلم والكفر.
إن أول سرايا الفتح خارج جزيرة العرب, خرجت إلى المسجد الأقصى. واستلام عمر للمدينة المقدسة كان إعلانا ببلوغ دولة الإسلام قوتها ورشدها وتفوقها على أمم الأرض.
الحروب الصليبية انتهت باحتلال القدس, ثم حررها صلاح الدين
التتار استولوا على القدس في نهاية اجتياحهم لدولة الإسلام, وحررها السلطان قطز والجيش المصري
الاستعمار الغربي زرع دولة إسرائيل ومازال يدعمها لتحتل قلب الدولة الإسلامية, في أضعف حال مرت بها. وعلامة عودتنا إلى قوتنا ستكون بتحرير القدس واستعادة المسجد الأقصى من أسره.
وسورة الإسراء تتحدث عن أسباب صعود وهبوط الأمم.
يقول الشيخ محمد الغزالي جزاه الله خيرا عن الأمة “إن العجز الإداري والخلقي في سلطة بلد ما, ينتهي بزوال هذه السلطة, وقدوم آخرين من الخارج ليتولوا هم الحكم, ويعاقبوا العابثين.
إن الدولة التي تختل أمورها تحتل أرضها, وتفقد استقلالها وحريتها.
إن الفساد والاستعلاء لا يتصوران في حكم يقوم على الوحي وينتسب إلى السماء. ولذلك تكون عقوبة أهله شديدة, استعمار أجنبي يقوم على الإذلال والاضطهاد, حتى إذا استقام المعوج وعاد إلى أدبه, واصطلح مع ربه, عادت إليه مكانته وكرامته(ثم رددنا..) ويكون ذلك بداية اختبار جديد.”
حين فسد المسلمون في الدولة الإسلامية, عاقبهم الله باحتلال أرضهم وتمكين العدو من بيضتهم
وحين فسد الحكام في بعض البلاد وفسد الحكم, بعث الله من يحتل بلادهم ويتحكم في شعوبهم, بشكل الاحتلال التقليدي مثلما هو في العراق أو بشكل احتلال سياسي وإداري بالتحكم في مقدرات الأمور والقوانين والإجراءات والمناهج كما هو حادث في بعض البلاد الأخرى.
التفاصيل الواردة في قصة موسى عليه السلام تبين موضوع السورة,
لا تتخذوا من دون الله وكيلا
لا شك أن كل أمة تتمنى أن تصعد وتعلو بين الأمم.
والصعود والعلوّ يشمل كل المجالات, التي تبدأ بصعود وعلوّ الأفراد في الأمة في مجالات العلوم والآداب والأخلاق والمعاملات, والمال والأعمال, وحفظ الحقوق وأداء الواجبات, والدفاع عن الحق والعدل والمساواة, والرقي في العلاقات الداخلية فيها, والخارجية بينها وبين الأمم الأخرى.
وإن السبيل للوصول إلى كل ذلك لا يأتي مصادفة لأمة من الأمم, ولكن الله الذي خلق الخلق, بين في كتابه كيفية الوصول إلى العلو والصعود.
في سورة الإسراء شرح واف لسبيل الصعود والعلو, ولسبل الهبوط والانهيار.
إن الخطوات التي يجب اتخاذها في أمة من الأمم للصعود بها, والعلوّ بالحق, تتمثل في أن توكل الله في كل أمرها, حيث أنه سبحانه بين في كتابه تلك الخطوات في كلمة واحدة, (لا تتخذوا من دوني وكيلا)
إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم. وهو السبيل للعلو والصعود.
إن ملخص السبيل لصعود الأمم في كل المجالات, الإنسانية برقيّ الإنسان, ورقي العلوم والآداب, والتمسك بالحق والعدل والمساواة,
إن الله آتى موسى الكتاب وجعله هدى لبني إسرائيل ألا يتخذوا من دون الله وكيلا, أي كفيلا لهم ووليا ونصيرا يوكل إليه الأمر, يرجع إليه في الأمور كلها.
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) آل عمران
وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)الأحزاب
إن تكرار كلمة وكيل في سورة الإسراء أكثر تكرار في سورة واحدة من القرآن الكريم
هل يتخذ كثير من المسلمين من دون الله وكيلا؟
هل يرضون بالله كفيلا لهم دون غيره, أم أن الكثيرين يظنون أن لهم كفيل آخر غير الله, فيرضون بمعونات مشروطة أو يخافون ممن هم من دون الله, الذي قال: وإياي فارهبون
هل يكتفي المسلمون بالله وليا ونصيرا؟
هل يوكلون إلى الله الأمر كله؟
هل يرجعون إلى الله في الأمور كلها؟
إن الأمة التي استخلفها الله ينبغي ألا تتخذ من دونه وكيلا, والأمة المسلمة تسلم سياستها وشريعتها إلى الله, وتخضع له, وتسير على قرآنه الذي يهدي للتي هي أقوم.
فسق المترفين, وذنوب العباد سبب لتدمير وإهلاك القرى والقرون
وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا(16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا(17)
إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده, والعقبة للمتقين.
إن مكّن الله لبعض من عباده في الأرض, فإنما هو يكلفه بخلافته في الائتمار بأمره والانتهاء بنهيه, أن يوكل الله في كل أمره, أي يترك لأوامر الله وشرع الله المجال للتصرف, وألّا يمكن لغيرها. فإن هو فعل, بارك الله له في البلاد وفي الحكم وفي جهود الناس وأعمالهم, (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه), وإن لم يفعل, ولكنه فسق فيها, فإن الله يهزمه ويدمّر ما بين يديه تدميرا (والذي خبث لا يخرج إلا نكدا, كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون*)
أما إن اتخذ من دون الله وكيلا, فوكل الأمر إليهم, وجعل مع الله إلها آخر فإنه يكون بذلك قد ألغى التوكيل الذي وكل به الله في التصرف في أمره, فأوكله إلى غيره.
فيكون فسق الأمراء, وذنوب المأمورين سببا في تدمير القرى, وإهلاك القرون.
يأتي الهلاك والأهلاك بصور متعددة, بأهلاك الناس بالزلازل والبراكين, وبأهلاك الاقتصاد, وبأهلاك الصحة بالأمراض والأوبئة, وبأهلاك القوة بالضعف, وبأهلاك السيطرة على الأمن, وبأهلاك الأمان , وبأهلاك الغذاء.
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا(18)
إن الذي يسعى إلى العاجلة, إلى امتلاك الدنيا, دون النظر إلى حق الله فيها, وإلى رضى الله عن عمله, فإنه ربما يعجل الله له فيها ما يشاء لمن يريد, ولكنه ليس له في الآخرة إلا جهنم يصلاها مذموما من الله ورسوله, ومن المؤمنين, ويصلى جهنم مدحورا مبعدا ومطرودا من رحمة الله في الآخرة.
وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا(19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاء وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا(20) انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا(21)
برنامج الخروج من حالة هبوط الأمة إلى رفعتها:
إن كانت سبب هبوط الأمم, يتلخص في الفساد والفسق, فإن أسباب صعودها تتلخص في الاهتداء للتي هي أقوم
والمال والبنون مع حسن الخلق وحسن المعاملة سبب الصعود
ومنهاج الصعود هو القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم
وتوحيد الله : لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا
وبناء الجبهة الداخلية: بدءا من عدم عبادة أحد إلا الله, والإحسان بالوالدين, وإيتاء ذي القربى حقه والمسكين وابن السبيل, وعدم التبذير,
إن لذلك سبلا جعلها الله في القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم. وهي مرتبة في خطوات متسلسلة, لا يجب أن تسبق أو تتأخر خطوة منها عن مكانها. وتتمثل هذه الخطوات في الآتي:
توحيد الله طاعته وعبادته
الإحسان بالوالدين
الإنفاق
عدم قتل الأولاد خشية إملاق
لا تقربوا الزنا
عدم قتل النفس
عدم أكل مال اليتيم
الوفاء بالعهد
الوفاء بالكيل والميزان
لا تقف ما ليس لك به علم
لا تمش في الأرض مرحا
توحيد الله: لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا(22) ولا تجعل أي لا تظن في اعتقادك ولا في نفسك ولا في قناعتك, أن هناك إلها بحق إلا الله, ولا تنصب في فكرك وعقلك أن أحدا غير الله يستحق أن يطاع, ولا أحد إلا الله يملك الأمر ويدبّره, بل اعتقد أن الله سبحانه هو وحده خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل, وهو وحده يحكم لا معقب لحكمه, إن الحكم إلا لله, وأنه هو الأول والآخر والظاهر والباطن. فإن أنت جعلت مع الله إلها آخر, سوف تقعد مذموما من الله, مخذولا من أي إله آخر حيث لا ينفعك ولا ينصرك, فلا تتحرك من مكانك حركة نافعة لنفسك ولا للناس حيث لن ترشَّد حركتك إن أنت جعلت مع الله إلها آخر.
إفراد العبادة لله وحده: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) بعد توحيد الله ونفي كل إله باطل غيره, يتبع ذلك إفراد الله بالعبادة وحده, العبادة كما بينها رسوله عليه الصلاة والسلام, حيث يقول الله: (وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إياه) ولم يقل وقضى ربك ألا تعبد إلا إياه) كما لم يقل: (وقضى ربكم ألا تعبدوا إلا إياه) وفي ذلك حديث للناس أجمعين, ورسول الله منهم , ولكنه إشارة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام, حيث هو المبين للناس ما نزّل إليهم, وهو المبين لمراد الله من عباده في العبادات والطاعات. فتضم هذه الصيغة سنة رسول الله إلى كتاب الله وتضم طاعة رسول الله إلى طاعة الله فتصير طاعة واحدة لله, كما بين وسائلها وأساليبها ومناسكها رسول الله عليه الصلاة والسلام.
طاعة الله من واضعي القوانين: أعضاء المجالس النيابية والمشتركون في سن القوانين
طاعة الله من منفذي القوانين: عصيان القانون المستمد من كتاب الله وسنة رسوله وشريعة الله, هو عصيان لله.
طاعة أولياء الأمور لله: بالعمل بما يرضيه والبعد عما نهى, وعدم التمكين لغير شريعته
طاعة ولي الأمر في غير معصية الله: الزوجة لزوجها, الأبناء لآبائهم, المرءوس لرئيسه, المأموم للإمام,
طاعة الله من واضعي مناهج التعليم: لا طاعة إلا لله, ومراجعة المناهج على شريعة الله ومقاصدها في تربية الجيل
إذن نحن نحتاج لكي ننهض وتنهض أمتنا, أن نراجع عباداتنا, وطاعاتنا, وقوانيننا, نراجع كل ذلك على طاعة الله, وليست الطاعة في الصلاة والصيام فقط, وليست العبادة مقصورة على معناها الفقهي, ولكنها الطاعة في كل شيء, في السر والعلن, وفي القوة والضعف, وفي الرخاء والبلاء.
نحتاج إلى أن نتفق ونتعاهد على ألا نعبد إلا الله, ولا نشرك به شيئا, ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله.
رابطة الأسرة على الإحسان: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا, إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا(23)وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24)رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا(25))
إن بناء الأمم بعد انهيارها يبدأ ببناء أخلاقها واستعادة ما فقد منها. بدءا من الأهم فالمهم, فأمة فقدت احترام أبنائها لآبائهم, وفقدت الإحسان في الخلية الأولى منها, وفقدت احترام الصغير للكبير, وعطف القوي على الضعيف, فإنها هابطة الخلق, ولابد أن تهبط في كل مجال, ولا ينفعها علم ولامال ولا سياسة, بل يتحول كل ذلك إلى مزيد من الدمار والهبوط,(وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا)
إن بداية تدريب الإنسان على التعامل المحترم المهذب المؤدب, والتعامل بالإحسان مع كل الناس, تبدأ من تعامله مع الوالدين, إحسانا بهم. ففيه ممارسة لحسن الخلق والتعامل, لو افتقدها الإنسان فإنه لن يتعامل مع أي إنسان بالإحسان أبدا, ولو لم تغرس في الخلق والتربية في البيت, فإنها لا يمكن أن تغرس بعد ذلك, ولا يتعامل عندئذ الإنسان مع الناس إلا بسوء الخلق والفسوق والعصيان.
إن لم شمل الأسرة بالإحسان بالوالدين خاصة حين يبلغان عندك الكبر, فيتعامل معهما الأبناء بأعلى مستوى من الاحترام, حتى بالإشارة والزفرة واللفظ (فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما, وقل لهما قولا كريما)
والرحمة في المعاملة (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) والدعاء لهما بالرحمة, مقابل ما بذلاه في التربية لصغارهما.
والنصيحة للوالدين أيضا أن يربيا أبناءهما صغارا فيستحقون الدعاء لهما بالرحمة
والدورة مستمرة يربي الآباء أبناءهم, فيحسنون إليهم, ويراعونهم كبارا, ويطلبون لهم الرحمة كما ربوهم صغارا. فيكون المجتمع كله مبنيا على الإحسان والرحمة وحسن العلاقات وحسن المعاملات.
- حرمة المال وضبط التصرفات المالية:
المال والبنون زينة الحياة الدنيا. بالعلم والمال يبني الناس ملكهم, لم يبن ملك على جهل وإملاق.
إن المال عنصر رئيسي جعله الله لتسيير الحياة, وللاستمتاع بآلاء الله ونعمه. وهو مال الله, وزعه على عباده, لكي يبتليهم فيما آتاهم, وأمرهم بأن يؤتوا ذوي القربى, والمساكين وابن السبيل حقهم فيه, وقال وآتوهم من مال الله الذي آتاكم. وقال: وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه.
لابد أن ننظر إلى المال على أنه مال الله, ونحن مستخلفون فيه, وإن لم نتخذ من دونه وكيلا, فإننا لابد أن نتصرف فيه بما يحب الله ويرضي, ففي نفس الوقت الذي جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أفضل الإنفاق إنفاق الرجل على أهله, فإنه نبهنا إلى فريضة الزكاة, وإلى الإنفاق بعد الزكاة في الصدقات, وآية البر في سورة البقرة تنص على أن الزكاة بجانبها صدقات, (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ)
وأول إنفاق المال هو حقه, الزكاة وحقوق ذي القربى والمسكين وابن السبيل وفي سورة التوبة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)
أتى رجل من بني تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “
تخرج الزكاة من مالك إن كان فإنها طهرة تطهرك
وتصل أقرباءك
وتعرف حق السائل والجار والمسكين”
فقال يا رسول الله أقلل لي ؟
قال: فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا
فقال حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله وإلى رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها ولك أجرها. وإثمها على من بدلها “
يؤدي هذا إلى تماسك المجتمع ونشأة الرحمة والتكافل بين طبقاته, والمشاعر الطيبة بين الغني والفقير, حيث يشعر الفقير أن له حقا في مال الغني, فيدعو له بالبركة إن هو أعطاه منه, ويحمد الله ويشكره على نعمته له أو لغيره, (اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك , فلك الحمد ولك الشكر)
يساعد على ذلك عدم التبذير حتى تجد فرصة للإنفاق في سبيل الله
قال ابن كثير: ” إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ” أي أشباههم في ذلك .
التبذير الإنفاق في غير حق, فلو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرا ولو أنفق مدا في غير حق كان مبذرا .
والتبذير النفقة في معصية الله تعالى وفي غير الحق
وقوله : ” إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ” أي في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته ولهذا قال ” وكان الشيطان لربه كفورا ” أي جحودا لأنه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته بل أقبل على معصيته ومخالفته .
وقال القرطبي: أي كما راعيت حق الوالدين فصل الرحم , ثم تصدق على المسكين وابن السبيل. والحق في هذه الآية ما يتعين من صلة الرحم , وسد الخلة , والمواساة عند الحاجة بالمال , والمعونة بكل وجه.
قارون: قارون حين نصحه قومه بحسن التصرف في ماله, قال إنما أوتيته على علم عندي, ليصدهم عن نصيحته, يعني أنه لما أوتي ماله على علم عنده, فله الحق في التصرف فيه على ما يشاء بغير حكمة, أو أن يكنزه كما يشاء, وقد أخطأ قارون في كل تصرفاته المالية, لأنه: بغى على قومه, فلم يؤتهم حقهم في ماله بالزكاة أو بالصدقات, أو بالاستثمار لصالح المجتمع ولصالحه في نفس الوقت , وإنما حجبه عن الدوران والفائدة. لا تتركوا أموالكم تأكلها الصدقة, كنز ماله, وعدّد أنواع الكنوز , كنز المال لمجرد الكنز يتعارض مع العقيدة, ومع نصرة دين الله, وكان فرحا بماله بطرا, واستكبارا, ولم يبتغ فيما آتاه الله الدار الآخرة
وحرف نفسه ونسي نصيبه من الدنيا, ولم يحسن كما أحسن الله إليه, وكان يبغي الفساد في الأرض, ولم يقبل النصيحة
وكان من المجرمين الذين لا يعطون الفرصة لأحد أن ينصحهم وينبههم إلى أخطائهم, ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون
وفي سورة التوبة, جاء ذكر أفعال كثير من الأحبار والرهبان وكنزهم لأموالهم عقب قول الله: يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
والعطف على ذي القربى والمسكين وابن السبيل, وهم المستحقون في المجتمع, الأولى فالأولى فتنشأ عاطفة ورحمة ومودّة في المجتمع بين القادرين وغير القادرين, مع عدم التبذير, والقول الميسور عند عدم الاستطاعة : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا(26)إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا(27)
الأدب وانتظار رحمة من ربك ترجوها, (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)
و الإنفاق في وجهه وعدم التقتير: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا(29)
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)
مظاهر التصرف في المال:
تصرفاتنا في مجتمعنا تصرفات فيها سرف وسفاهة وتبذير رغم أننا أكثر الناس حاجة إلى المال لنبني ملكنا ودولتنا التي عليها مسئوليات تتعداها إلى مسئولياتها عن العالمين.
إعلانات الصحف والتليفزيون للنفاق
حفلات الزفاف والاحتفالات, لماذا لا تكون في المساجد, وهي لها وظيفة في ذلك, وينفق جزء منها على فقراء الحي, ويشارك كل الناس فيها, ويفرح الجيران بها, ويعلمون بالمناسبة السعيدة, وينفق منها على عمارة المساجد, وتوفر الكثير من المال, كما أنها تعمر بريادة الناس لها, والجلوس في بيت الله, ومراعاة حرمته , فلا رقص ولا نقص, ولا مظاهر خارجة عن شريعة الله, ولا يحرم من طعامها الفقراء
الإسراف في الطعام والشراب: في الدول الغنية الطعام يقدم بحساب ولا زيادة في كمياته ونوعياته, في ولائمنا نبالغ في الأصناف وفي الكميات ونتبارى في الإسراف, ونحن أحوج ما نكون لترشيد كل ذلك لكي يكون لدينا ما ننفقه في سبيل الله
التحذير من أخوة الشياطين, للمبذرين
الإسراف في الكهرباء والمياه, يكاد لا يخلو بيت من نقطة ماء بدون فائدة, ومن إنارة بدون لزوم, ومن ملابس ومظاهر ترف بدون عقل ولا حكمة
العطور ومواد التجميل, إن التعطر شيء مطلوب , ولكن ما يمكن تأديته بجنيه فلماذا نؤديه بعشرة وبمائة؟
التدخين إسراف في الصحة والمال وصحة الآخرين
الإسراف في الوقت وفي الجهد
في الصناعة نظريات الإنتاج بغير فاقد , وتقليل الفاقد في الإنتاج تأتي من اليابان وأمريكا وأوربا, وهي نابعة منا
إتقان العمل وأداؤه صحيحا من أول مرة يقلل من الإسراف
تداوله بدقة وبعناية
الصيانة
النظافة
الإصلاح
التحسين المستمر
عدم قتل الأطفال خشية إملاق:
بعد أن قرر الله سبحانه أنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر, نهى عن قتل الأولاد خشية إملاق, فلا علاقة بين الفقر والنسل.
إن الثقة في أن الله يرزق الطفل ويرزق الوالدين, تبعد الإنسان عن قتل للأولاد خشية إملاق: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا(31)
إن بعضا من أهل الجاهلية كانوا يقتلون البنات خشية الفقر والإملاق.
وربما يفعل ذلك بعض الناس الآن في شكل إسقاط حمل بعد خلقه وتكوينه, وهو أمر محرم شرعا ومجرم قانونا, إلا لأسباب حددها الشرع والقانون ليس منها خشية إملاق.
إن سلامة العقيدة تؤدي إلى سلامة المجتمع واستقامة المعاملات فيه, وسلامة النتائج. واعتقادنا في أن (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم) يجعلنا نفكر لحل مشكلاتنا بما يتفق ويتوافق مع عقيدتنا.
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. وفي السماء رزقكم وما توعدون.
إن الأطفال هم مستقبل الأمة, ويجب النظر إليهم والتعامل معهم على هذا الأساس. ولو أن أعدادهم الحالية كبيرة, فعلى الآباء والقادة إعداد بقية عناصر القوة لكي تكون الأمة في المستقبل أقوى منها في الحاضر, فكثرة قوية خير من قلة قوية, وهذه خير من كثرة ضعيفة, والأسوأ على الإطلاق هي قلة ضعيفة. فإن وهبنا الله كثرة في العدد, وكنا ضعفاء, فالحل هو أن نتقوّى لكي نفوز بالفضيلتين, الكثرة والقوة, ولا ينبغي أن نعمل على تقليل العدد, فنحظى بالرذيلتين, القلة والضعف.
لذا فقد نهى الله عن قتل أولادنا خشية إملاق, وأكد سبحانه على أنه يرزقهم ويرزق آباءهم, فلا خوف من نقص الرزق, ولا قلق على مستقبل اقتصادي, فقد تكفل الله سبحانه بذلك. وبالتالي فإن قتلهم كان خطئا كبيرا.
والنهي هنا للجماعة المسلمة كلها, وللأمة كلها, فلا ينبغي أن ترسم وتخطط سياسات قتل الأولاد قبل ولادتهم, ولا بعد ولادتهم, بحجة الفقر, أو خشية الفقر, ففي قتلهم عنصر من عناصر هزيمة الأمة ودمارها.
وإن كان أي مشروع اقتصادي أو حربي أو غير ذلك من النشاط الإنساني, يعتمد على المدير والمال والمجهود أو اليد العاملة, والمواد والمكان, فإننا بوجود عدد كبير من الأولاد والسكان عموما, فإننا نكون قد حزنا عنصرا من عناصر المشروع الاقتصادي, يمكن بالتدريب أن نحصل على المدير الجدير, والذي يخطط للحصول على المال اللازم للمشروع ويشجعه بالأرباح ودراسات الجدوى, وبوجود المدير والمال واليد العاملة أو المجهود, فإن الأرض والمواد تكون غاية في السهولة. ويكون قتل الأولاد خشية إملاق خطئا كبيرا.
يجب أن نتلمّس المفاتيح لخزائن الخيرات التي بثها الله هنا وهناك, والسماء لا تمطر القاعدين ذهبا ولا فضّة.
إن على المجتمع أن يفكر في كيفية استغلال طاقاته المعطلة والاستفادة من التعداد, باعتباره حقيقة واقعة, وتحويل العدد الكبير من الناس إلى طاقات إنتاجية, كعنصر من عناصر الاقتصاد.
إن البرامج التي تكفي وتتسع لحل مشكلة مليون مولود جديد, يمكن أن تمتد فتتسع وتكفي لمليون ومائة ألف.
ولنتصور مجتمعنا وبلادنا وقد تحولت أعداد الناس فيها إلى العمل, فأصبح كل إنسان قادر على العمل فيها, يعمل وينتج ما يكفيه ويزيد, فأضاف قيمة للمجتمع في العمل, في الخدمات , في الثقافة, في التعليم, في التصدير في الاستثمار, وأن الظروف الاستثمارية والقانونية ساعدته على ذلك وأعانته… إنه لو حدث هذا لما اشتكينا من عدد زائد ولا من تعداد كبير, بل على العكس.
إن المجتمع يعاني من الكسولين العاطلين, ولا يعاني من العاملين المجتهدين المتعلمين المدربين, الذين تتهافت عليهم الدول الأخرى.
وإن كان الخلق من أفعال الله الخالصة, وكانت الأسباب إليه فيما جعل الله للناس من الفطرة بالزواج, فإن التخطيط لتقليل العدد ليس هو الحل الوحيد للأزمة الاقتصادية, وإن كان قد يبدو حلا في الأجل القصير, فإنه في المدى الطويل يكون دمارا. ولكي نرى نتائجه المستقبلية, فإن علينا أن ننظر إلى تجارب غيرنا
إن حركة تحديد النسل التي بدأ الدعوة لها الاقتصادي الانجليزي مالثوس عام 1798, وبدأ تنفيذها في عام 1877 في الدول الصناعية الكبرى في أوربا وأمريكا, نتج عنها أن تلك الشعوب يتضاءل عددها, وتزداد نسبة كبار السن فيها على نسبة الأطفال والشباب, كما تنتشر فيها الفواحش والأوبئة, والعنوسة بين النساء, وبالتالي تنقرض تلك الشعوب, وتسمح للوافدين من دول أخرى أن تستوطن فيها لتؤدي الأعمال والوظائف اللازمة للحياة.
إن الثلاثين عاما القادمة ستشهد انخفاضا عنيفا في تعداد السكان في تلك الدول, ربما يصل إلى ربع التعداد, وبالتالي فهي تفقد عنصرا أساسيا من عناصر ومقومات الشعوب, وهو السكان.
وإن كان هناك من يخطط لتخفيض عدد الناس, فإن علينا وعلى عقلاء الأمة أن يخططوا لتحويل هذا العدد إلى الإنتاج والخدمات وإلى عنصر من عناصر القوة والغلبة, وأن يتجهوا إلى إزالة جهل الناس وضعف الناس وفقر الناس. إلى عمارة لكل الأرض وزراعة لكل الصحراء, وصناعة لكل الخامات
يقول الله سبحانه: ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش, قليلا ما تشكرون.
إننا نلاحظ أنه كلما ازداد تعداد سكان الأرض, كلما جعل الله معايش جديدة, في اكتشاف ثروات طبيعية جديدة, واستزراع للصحراء, واختراع لمخترعات جديدة, وخدمات تعين الناس في حياتهم, وتقلل من معاناتهم, فتتسع أنشطتهم, وتتنوع.
إن أكثر شعوب الأرض عددا الآن يسعى لأن يكون أقوى الشعوب, بالحركة والنشاط والإدارة السليمة والاقتصاد في التكلفة والبعد عن الإسراف والتبذير, فتصل إلينا سلع عبر البحار بأقل من تكلفتها عندنا, حتى الخراف والماشية تباع عندنا في عيد الأضحى بأقل من نصف ثمن المثيل المحلي لها, إذن المسألة لا تقتصر على النظر إلى العدد على أنه مصدر فقر وضعف, بحيث يعمل الناس على قتل أولادهم خشية إملاق.
إننا نعيش في بلادنا على مساحة لا تتجاوز 4 بالمائة من البلاد, والخروج إلى أرض الله الواسعة بالزراعة والصناعة والسياحة والنشاط الإنساني, يضيف إلى قوتنا, أما المكوث بجوار الوادي والركون وتعطيل الطاقات فإنه سبب رئيسي في الأزمات الاقتصادية.
إن الله سبحانه خلق الأرض في يومين, وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين. فمن يسأل الله نعمته ويشكره عليها بالعمل الصالح فيها واستثمارها وعدم إهدارها بالكسل أو بالتبذير والإسراف, فإن الله يفتح له من خزائن رحمته ويبارك له في نعمته, ويكفيه الفقر والضعف.
وكما أن الله ينهانا عن التقتير في النفقة, وعن التبذير فيها, فإن علينا ألا نقتر في جهودنا بالكسل, ولا نبذر فيها بضياع الجهد في غير منفعة.
إن علينا أن ننظر إلى أولادنا على أنهم مشاريع اقتصادية, ننفق عليها خمسة عشر أوعشرين عاما ونعدها بالعقيدة السليمة, وبالتربية والتعليم والتدريب, ثم تكون بعد ذلك إضافة للاقتصاد لهم وللأسرة, وللبلاد وللأمة وللعالم.
أما إن اكتفينا بخلفتهم, دون إعداد لهم فإنهم يكونون عالة على الأسرة والبلاد والأمة والعالم.
وثلاثة أطفال نحسن تربيتهم وإعدادهم خير من طفل واحد.
والكثرة القوية خير من الكثرة الضعيفة, وخير من القلة القوية.
وليت الدنيا تمتلئ بأمثال الأطباء العظماء والعلماء والباحثين والمخترعين والمكتشفين المخلصين, ولا تمتلئ بالجهلاء والعاطلين والفاسدين والمفسدين والكسولين.
وإن كان العلماء قد أباحوا اتخاذ أسباب تأجيل الحمل لأسباب, فأنه ليس من هذه الأسباب خشية الإملاق
حماية العرض والنفس ومال اليتيم والعهد والكيل والميزان
حماية العرض وتنقية المجتمع من الفواحش: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا(32)
إن تفشّي الفاحشة في أمة, تجعل المرض يتفشّى فيها فيصابون بأوجاع لم تكن تصيبهم من قبل. كما تصيب الأسر بالخزي والعار, وتصيب الأنساب بالفوضى, فكيف تصعد أمة يتفشى فيها الزنى والفاحشة وسوء السبيل.
لذا فقد نهى الله ليس فقط عن الزنى, بل عن قربه.
إن الزنى يحدث كنتيجة لمجموعة من الأخطاء بدءا من وسوسة الشيطان للإنسان بالاهتمام بالجنس والإغواء, واستخدام مفاتن المرأة بكشف العورات, وسوءات التصرفات, وشغل التفكيربه بالنظرة, فالمراودة, فالحديث والخضوع بالقول, فالطمع في ارتكابه, فالنية, فالعزم, ثم بدء الخروج من مرحلة التفكير إلى التنفيذ, وهو أيضا مراحل الإعداد والتجهيز والترتيب, بالخلوة مع غير المحارم, إلى أن تقع الفاحشة والعياذ بالله.
وتساهم أجهزة الأعلام والأفلام العربية والأجنبية في تيسيره وجعله معروفا في المجتمع, والمفروض أنه منكر, وفي الوقت الذي يستنكر فيه الاغتصاب على أنه اعتداء على المرأة, فإنه لا يستنكر في الزنى برغبة الطرفين, حتى في بعض القوانين, لو اعترف الزاني أنه أعطى للتي زنا بها مالا تكون صفته في القضية شاهدا, وصفتها محترفة للبغاء والزنى.
لهذا فقد نهى الله عن قرب الزنى.
أَخْبَرَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ وَهُوَ ابْنُ عِمَارَةَ عَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ. وقال : (وكل عين زانية). وهذه مرتبة من الزنا لا تبلغ إقامة الحدّ.
يوسف وامرأة العزيز: (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه) والمراودة هي طلب الشيء بالحيلة, ثم تجهيز الظروف (وغلقت الأبواب), ثم التصريح بالقول (وقالت هيت لك), فماذا يكون موقف المؤمن المخلص لله:
(قال معاذ الله) الاستعاذة بالله أولا, مع القول بصوت مرتفع حتى يسمع الطرف الآخر لعله يتذكر أو يخشى.
(إنه ربّي أحسن مثواي) ذكر نعم الله عليك فلا تخنه بالمعصية, ويوسف هنا يذكر ربّه الله سبحانه, ولا يقصد الذي الرجل الذي اشتراه ورباه, وإلا فالمعنى أنه يخلص للرجل الذي رباه بسبب أنه أحسن مثواه, ولو لم يحسن مثواه لخانه, وهذا مستحيل ولا يصح في حق المؤمنين, فإخلاصهم لله وحده ومنه ينبع إخلاصهم للناس حتى ولو لم يحسنوا مثواهم.
(إنه لا يفلح الظالمون) ذكر العاقبة والخاتمة للفعل والظلم.
(ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه, كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) والهم مرحلة ابتدائية في العقل الباطن لو لم يصرفه الإنسان عنه, يظل يتطور في عقله إلى رغبة, ثم إلى نية, ثم إلى عزم, ثم يخرج من عقله إلى التنفيذ.
ورؤية برهان ربك ليست مقصورة على يوسف لكونه نبيا, ولكن الله يبرر أنه أراه برهانه ليصرف عنه السوء والفحشاء, لأنه من عباده المخلصين, وكل من كان من عباد الله المخلصين, يجد الله تجاهه, (احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك)
إن الأحوال التي توصل إلى الزنا كثيرة, يشترك فيها الرجل والمرأة وأجهزة الإعلام والمجتمع كله
وأمثل قرب الزنا المنهي عنه تتمثل في:
استعمال مفاتن المرأة للترويج للسلع والخدمات, وسفور النساء , وعدم غض البصر (قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم, ذلك أزكى لهم, إن الله خبير بما يصنعون) (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن, ويحفظن فروجهن, ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها, وليضربن بخمرهن على جيوبهن, ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن, أو آبائهن أو آباء بعولتهن, أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن, أو أخوانهن أو بني أخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء, لا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن, وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون), والخلوة غير الشرعية, في غير وجود محرم, والخلوة حتى بين المحارم, الإخوة والأخوات, في مراحل العمر الخطيرة والمراهقة بدون رقيب (وفرقوا بينهم في المضاجع), والمواقع الجنسية المحرضة على الفسق والفجور, وهي حملات موجهة إلى أمة الإسلام, لتغيير هويتها وجرها إلى الفاحشة وساء سبيلا, وتبادل الألفاظ والشتائم القذرة والعبارات الموحية, والأفلام والمناظر الإباحية في الأغاني المصورة
والله سبحانه لم يضيق على الناس دون أن يجعل لهم متسعا من شريعته, فهو سبحانه قد أحل الزواج وحث عليه للشباب: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج, فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) أي وقاية
وحث الشرع على تخفيف المهور والتيسير (يسروا ولا تعسروا)
لقد تزوج موسى عليه السلام مقابل عمله ثماني سنين مع كفالة طعامه وشرابه وسكنه
يسروا على أبنائكم واعرضوا عليهم الزواج في السن المبكرة مع التحذير من الزنا, فوجود الحل البديل الحلال على صعوبته أفضل من الوقوع في الحرام.
المبالغة في المهور وفي حفلات الزواج وتوابعها وفي مفروشات البيوت وفي المساكن وتشطيبها ومساحاتها ومواقعها يؤدي إلى القرب من الزنا
المفاهيم : الخاطب لا يحق له ما لا يحق له قبل الخطوبة, إلا أن ينظر إليها وتنظر إليه ويتفاهما فيما بينهما في غير خلوة.
تبسيط الخلوة يؤدي إلى قرب الزنا
إن لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل
ومن أخطأ في حياته وسار في طريق الفواحش, فعليه أن يقلع عن ذلك, وأن يستغفر الله ويتوب إليه من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة,
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا(110)النساء
يا معشر المسلمين اتقوا الزنا فإن فيه ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الأخرة: فأما التي هي في الدنيا, فذهاب بهاء الوجه, وقصر العمر ودوام الفقر, وأما التي هي في الآخرة فسخط الله تبارك وتعالى, وسوء الحساب والعذاب بالنار.
أحمد: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا حَرِيزٌ حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا مَهْ مَهْ فَقَالَ ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ فَجَلَسَ قَالَ أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ غُلَامًا شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ
أسلوب رسول الله, برقة وبعقل وبوضع الإنسان في موضع الطرف الآخر الذي سيرتكب الزنا في حقه, ثم الدعاء له
حديث البخاري منام النبي عليه الصلاة والسلام / رجال ونساء عراة فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم, فإذا أتاهم اللهب ضوضوا- أي صاحوا من شدة حرّه.
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين: وما تفعله بعض الأفلام أن يشهد الناس سعادتهما بالزنى
من عقوبات وعذاب الزاني في الدنيا أنه يسيطر عليه الشك طوال عمره في نسائه, في امرأته وابنته وأخته وأمه, وقد يحيل حياتهم دمارا
الشافعي :
عفّوا تعفّ نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنا دين فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
من يزن يُزن به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيبا فافهم
حرمة النفس: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا(33)
تحريم والتحذير من قتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق, وفي حالة حدوث ذلك, فعلى وليّ القتيل ألا يسرف في استعمال حقه والسلطان الذي جعله الله له, فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا.
حرمة مال اليتيم: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ..
احترام حقوق الضعفاء خوفا من الله, فاليتيم ليست له الدراية ولا الخبرة بماله, وربما يسهل خداعه بإدخاله في أعمال وعلاقات يستفيد منها الآخرون ويضار بها ماله, فينهى الله عن ذلك, إلا بالتي هي أحسن, حتى يبلغ أشده, عندئذ يمكن التعامل معه على قدم المساواة بعد أن بلغ المرحلة التي يمكنه فيها الحكم على من يخدعه ومن يخلص له.
الوفاء بالعهد: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا(34)
اشتهر بعض غير المسلمين بالوفاء بالعهد, كما اشتهر بعض المسلمين بخلف العهد, على عكس ما يأمرهم به دينهم.
وفي المعاملات الإنسانية سواء كانت تجارية أو اجتماعية أو سياسية, فإن الوفاء بالعهد له قيمة عالية للغاية, فحين يشتهر إنسان بالوفاء بالعهد, يثق الناس به, ويعطونه بلا حدود, يعطونه مسئوليات وأموالا وأعمالا. إنهم واثقون بأنه حين يقول سأفعل, فإنه بالضرورة سيفعل, وإن أعطى موعدا التزم به تماما. هذه صفة من الصفات العليا للإنسان. ترتفع قيمته بها بين الناس.
وفي سورة الإسراء التي يُعلّم الله الأمة المستخلفة أسباب صعودها, فإن صفة الوفاء بالعهد من أسس اشتهار الأمة بين الأمم أنها أمة يفي أهلها بالعهد.
إننا نقول في ثقافتنا الاجتماعية حين نتعاهد على موعد, مواعيد انجليزية, لندلل على أنها مواعيد منضبطة, ونقول جودة ألمانية أو دقة يابانية
كما يقول الأجانب عنا أننا نستعمل كلمة إن شاء الله ونحن على نية أننا لن ننفّذ. وأننا لا نفي بجودة منتج ولا بموعد تعاهدنا عليه, نتفق على ساعة للقاء فنتأخر عنها ونتخيّر من قوائم الأعذار ما نحب: المواصلات, الزحام, الأعطال.
رغم أن وصية ديننا الوفاء بالعهد, والصفة الأولى لجدنا إسماعيل عليه السلام, والتي امتدحه الله بها (إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا)
ويقول سبحانه (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) ويقول (وبعهد الله أوفوا)
ووصية رسولنا صلّى الله عليه وسلم ( ويل للتاجر من لا والله, وبلى والله, وويل للصانع من غد وبعد غد)
وتحذيره عليه الصلاة والسلام: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا, ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدّث كذب, وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر وإذا ائتمن خان) أو وإذا وعد أخلف.
إن من الشروط الأساسية التي تشترطها الشركات الكبري الصناعية والتجارية في العالم, هي التوريد في الوقت المتفق عليه تماما, (Just in time) وليس قبل الوقت وليس بعد الوقت,
ومن الوفاء بالعهد أن تحترم شروطه ومواعيده ومواصفاته, (المسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما)
وفي سورة الإسراء يقول الله سبحانه: ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب, وكل شيء فصلناه تفصيلا) وفيه احترام للوقت والحساب, والتفاصيل.
واحترام العهد والالتزام بالوقت وتنفيذ الاتفاقات من الأمور الأساسية في عقيدة المسلم وخلقه, والله سبحانه يجعلها من أساسيات صعود الأمم. وأمة لا تحترم عهودها هي أمة متخلفة هابطة, لا يحترم أحد تعاملاتها ولا تعاملات أبنائها.
وخطيئة أحدنا تؤثر في الأمة كلها, فتعطي صورة غير ملتزمة لها كلها. فتؤثر على كل تعاملات أبنائها, وتحرمهم من فرصة الاستفادة من صفة الوفاء بالعهد التي يمكن أن تتحول إلى تعاقدات وتسهيلات في التجارة والصناعة والمعاملات, ومن الثقة المتبادلة.
إن نقض العهد فسوق, وخسران
وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27) البقرة
أما الذين يشترون بالعهد والأيمان ثمنا قليلا, فإنهم في أسوأ وضع يوم القيامة:
بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) آل عمران
وقد ذم الله أمما سابقة أهلكها بسبب عدم احترامهم للعهد وفسوقهم عنه
وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) الأعراف
ونقض العهد من صفات الذين كفروا:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) الأنفال
والذي يعاهد الله على شيء فينقض عهده, يعقبه نفاقا في قلبه
وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) التوبة
ونقض العهد يوجب اللعنة, وهو من الكبائر
وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) الرعد
التي نقضت غزلها:
وقد يوسوس لك الشيطان أن تنقض عهدك لكي تكسب أكثر مع اتفاق آخر أفضل, وهذا من وسوسة الشيطان الذي يعدكم الفقر, ويأمركم بالفحشاء, ومما يبلونا الله به ليختبر وفاءنا بالعهد. ويضرب لنا مثلا على من ينقض عهده ظنا منه أنه يمكنه أن يحصل على شروط أفضل, بالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا, وهي امرأة من قريش, كانت تبدأ نهارها بغزل الصوف, فإذا أكملت الغزل نظرت فيه وظنت أنها يمكن أن تعدّل فيه لتصل إلى ما هو أفضل, فتنقض غزلها أنكاثا, من بعد أن أصبح قويا, حتى يصبح الخيط مهلهلا بسبب كثرة الغزل ثم النقض, فلا هي أخذت الغزل الأول , ولا كان الغزل الأخير قويا, ففقدت كل شيء, جهدها وخيطها وغزلها.
وقد يحدث هذا في الخطبة, من يخطب امرأة ثم يرى غيرها فيظن أنها أفضل, فيظل يخطب ويفسخ خطبته حتى لا يحصل على شيء , وربما يعرف بالتردد ونقض العهود.
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) النحل
ونقض العهد قد ينتج عن النسيان أو عن قلة العزم:
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) طه
والوفاء بالعهد يتبعه أن يوفي الله بعهده للمؤمنين بالنصرة في الدنيا, والجنة في الآخرة
وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) البقرة
وهو من البر ومن الصدق والتقوى
وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا (آية البر في البقرة)
ومن صفات أولي الألباب:
أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) الرعد
ومن صفات المؤمنين:(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) المؤمنون
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) الأحزاب
و حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قَالَ مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ قَالَ فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُوا إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ انْصَرِفَا نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ
ومن الوفاء بالعهد ما يكون في الزواج حيث يتعاهد الزوج مع زوجته أو وليها على أن يتزوجها على سنة الله ورسوله, وفي هذه السنة حسن المعاشرة وحسن المعاملة وحسن الخلق, أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسوت, وألا تقبح وجها, وعدم الالتزام بذلك يكون فيه نقض للعهد وللميثاق الغليظ الذي به أحل الله زوجتك لك. وكذلك فعليها الالتزام أيضا بسنة الله ورسوله, في حفظ زوجها في نفسها وماله.
إننا نريد أن ينشهر عنا كأمة محمد صلّى الله عليه وسلم, أننا أمة تفي بالعهود, فلا تنقض عهدا, ولا تخالف اتفاقا وميثاقا, وتلتزم بالكلمة, ولا تخادع أحدا في معاملاتها, أمة تحقق شروط التعاقد, وتتحمل مسئولياتها ولا تحاول أن تتنصل من اتفاق ولا من شرط, وأننا نلتزم بمواعيدنا, إن هذا مما يجازي الله عنه في الدنيا قبل الآخرة, ويرفع من قيمة تجارتنا وصناعتنا ومعاملاتنا وأنفسنا. أن نقول ما نفعل وأن نفعل ما نقول, كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون
الشباب يوطنون أنفسهم على الوفاء بالعهود والالتزام بالكلمة, وحفظ المواعيد, وعدم نسيانها , وعلى قوة العزم في تنفيذ الاتفاقات,
إن هذه الصفة فقط يمكن أن ترفع من شأن الأمة, وتعطيها ميزات كبيرة في المعاملات
أصدقت أم كنت من الكاذبين, إن الذي يكذب مرة هو من الكاذبين, وعليه أن يثبت عكس ذلك بممارسات كثيرة صادقة حتى يحترمه الناس ويثقوا فيه.
ضبط الكيل والميزان: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(35)
ويتبع الوفاء بالعهد, الوفاء بالكيل والميزان, ويشمل تحقيق المواصفات التي تم الاتفاق عليها, والشروط التي يحددها العملاء , فيحقق ذلك سمعة وقيمة عليا للمسلمين في المعاملات الدولية بكل جوانبها, وهو مما يكون دعوة في حد ذاته لدينهم, ولعقيدتهم وشريعتهم, فيشتهر عن المسلمين الصدق والأمانة والوفاء والدقة والاستقامة, ذلك خير وأحسن تأويلا.
حديث: (لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ليس به إلا مخافة الله, إلا أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من ذلك)
مسئولية العلم والحواس: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا(36)
تقف: تتبع أو تطلب.
في سبيل هداية الأمة لتصعد بين الأمم ولتكون خير أمة أخرجت للناس, أحكم الله ميثاق الأخلاق في كل أبعاده, فبدأ بحسن الخلق مع الله بتوحيده, ومع الوالدين بالإحسان, ومع ذوي القربى والمسكين وابن السبيل بفرض حق للمحتاجين منهم, ومع التصرفات المالية بالنهي عن التبذير, وحافظ على مستقبل الأمة بالنهي عن قتل الأولاد, ومع الأعراض بالنهي عن قرب الزنا, والنهي عن قتل النفس إلا بالحق, ومع اليتيم بالنهي عن أكل ماله, وحسن الخلق في المعاملات والعقود بالأمر بالوفاء بالعهد, وفي الاقتصاد بالوفاء بالكيل والميزان.
ثم بعد إرساء قواعد الأخلاق, ينبه الله إلى أهمية العلم, فيقول: ولا تقف ماليس لك به علم, إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا.
والعلم حدوث أثر في الشيء يميزه, فكلما مرّ على الإنسان لحظة في حياته, لابد أن يكسب فيها علما نافعا, ولا ينشغل عن ذلك بلهو ولعب.
والله سبحانه ميّز الإنسان عن سائر خلقه, وجعله خليفة, بما أودع فيه من إمكانيات للعلم والتطوير للدنيا, وتعميرها
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
إن الله جعل نعمه مسئولية على الإنسان, فلماذا يتدخل الإنسان في موضوع دون أن يتعلم أصوله أولا, فيخطئ و يفسد, و يخسر بسبب جهله, إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا.
إنها ليست دعوة لترك العمل , ولكنها دعوة للتعليم والثقافة والدراسة قبل البدء في العمل, تدعو إلى الاستماع إلى ذوي الخبرة والرأي, وتدعو إلى النظر والمعاينة بالبصر , وتدعو إلى الفكر والتعمق في الشيء والدراسات العقلية, كل ذلك من قبل أن تبدأ العمل , واعتبار أن استخدام الحواس والنعم التي أنعم الله بها علينا مسئولية يسأل الله عنها عباده يوم القيامة.
ولنتصور الدنيا وماذا خلق الله فيها من أشياء بسبب ما علّم به خلقه.
الحمد لله فاطر السماوات والأرض, جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع, يزيد في الخلق ما يشاء, إن الله على كل شيء قدير
الله خالق كل شيء, فطر أشياء من العدم ومن غير مثل, ثم جعل أشياء منها بما أوحى به إلى النابهين من خلقه والمجتهدين, فخلق الله بهم سائر المخترعات والأشياء.
حتى إذا أخذت الأرض زخرفها
ميزة بني آدم كخلفاء لله في الأرض
تاريخ العلم في الدنيا: آدم علمه الله أسماء أبنائه الذين خلق الله بهم الأشياء, ثم علم البشرية بناء السفن بما أوحى به لنوح, واتخاذ المصانع, وبناء البيوت, والزراعة, ولكن بدون قواعد للعقيدة السليمة الصحيحة, يتحول العلم إلى خراب للناس وللدنيا, وإلى دمار للبشر وللزرع والضرع والأرض والجو.
كما أن الأخلاق وحدها لا تكفي بغير علم, كما أن العبادة لا تصلح بغير علم.
الجاثية
مثل ما بعثني الله عز وجل به من الهدى والعلم, كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا, فكانت منها بقعة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير, وكانت منها بقعة أمسكت الماء فنفع الله عز وجل بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا, وكانت منها طائفة قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. متفق عليه
ولا تقف ما ليس لك به علم, فيها أيضا النهي عن شهادة الزور, وعن القول بغير علم, وعن اتباع الظن
بعد انضباط المجتمع, يخشى عليه من الغرور: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا(37)
بعد إعداد الفرد والأمة بهذه الوصايا والحكم, فإن قيمة الإنسان تعلو ويشتهر بين الناس بحسن خلقه وحكمته في التصرف, وعمق تفكيره ودراساته,
كما أن الأمة لو سارت على هذه الوصايا, تميزت بين الأمم, فهي لا تتخذ من دون الله وكيلا, ويحسن أبناؤها بالوالدين, ويعطفون على ذوي القربى والمسكين وابن السبيل, ولا يبذرون تبذيرا, وتحسن أخلاقها فلا زنى ولا قتل ولا قتل للأولاد, ولا خوف من إملاق, ولا أكل لمال اليتيم, وتتّصف بالوفاء بالعهد وبالوفاء بالكيل والميزان بالقسطاس المستقيم, ثم هي أمة تتعلم كل يوم ولا تقفو ما ليس لها بها علم.
فما الذي يخشى عليها منه حينئذ؟
إنه الغرور والكبر والتعالي على الناس بما لدى الإنسان والأمة من صفات عالية, لهذا فإن الله يحذر في نهاية الوصايا والحكمة من أن يمشي الإنسان في الأرض مرحا غرورا بما عنده, حيث أنه بغروره ومرحه وتعاليه, لن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولا, فالذي علمه هذه الحكمة هو الله ربه الذي خلق الأرض التي يمشي فيها الإنسان مرحا, فلن يخرقها , كما أن الله هو الذي خلق الجبال, فلن يبلغ إنسان الجبال طولا, فمن خلق الله ما هو أقوى من الإنسان, وما هو أطول منه, فليمش متواضعا ممتنّأ لربه الذي هداه لهذه الحكمة وما كان ليهتدي لولا أن هداه الله.
ولا تمش في الأرض مرحا: والمرح هنا هو الغرور والبطر, الشعور بالزهو والخيلاء من النعم التي وهبها الله.
ومن الحكمة التي آتاها الله لقمان, أنه بعد أن وعظ ابنه بكل الخير والحكمة, قال له: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18))
إن غرور القوة وغرور النجاح هو أول خطوة للهبوط والانهيار, حيث يشعر الإنسان أنه أفضل من الناس ويتعالى عليهم, فينفرون منه ويصاب المجتمع بأمراض الحقد والحسد والكبر والغرور.
إن الغرور والكبر يشعر صاحبه بأنه خير من الناس, فلا يقبل نصيحة ولا يطيع أمرا ولا يدخل في منظومة جماعية فيها الرئيس والمرءوس, وفيها يوزع الله نعمه على خلقه, فلا يتميز إنسان بكل الميزات.
وحين يشعر المغتر المتكبر أن هناك من هو خير منه, فإنه لا يقبل ذلك, ويحسد ويحقد, ثم يتآمر على الإفساد والفساد.
لقد كان الكبر والغرور هو أول ذنب عصي الله به. قال إبليس : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62))
ولقد كان غرور القوة سببا في تحطيم عاد: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)
فلم يقبلوا نصيحة وكانوا لا يحبون الناصحين
ووصل الغرور بفرعون إلى أن ادعى الألوهية, وقال لقومه: ما علمت لكم من إله غيري)
وكان غرور قارون سببا في أن خسف الله به وبداره الأرض, وكان أيضا يرفض النصيحة
لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر
والمؤمن الذي يشعر أن ما أصبح به من نعمة أو بأحد من خلق الله, فهي من الله وحده لا شريك له, فيحمد الله عليها ويشكره, لا يمكن أن يدخل في قلبه كبر أو غرور, فلا يمشي في الأرض مرحا.
التكبر بالعلم, وبالمال وبالخلق وبالتدين, وبالجاه
(الكبرياء ردائي والعظمة إزاري من نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنم ولا أبالي) حديث قدسي رواه مسلم
لقد تحطمت ألمانيا بسبب غرور القوة,
وخسرت مصر حروبا بسبب الغرور, واحتلت العراق بسببه
ولو استمرت قوى الغرب وإسرائيل في استكبارها, فسوف يحطمها الله كما حطم عادا وفرعون وقارون
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا(38)
ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنْ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا(39)
هذا جانب عظيم من الحكمة أوحى الله به إلى رسولنا وإلينا في قرآنه, والالتزام به يؤدي إلى نقاء وقوة الجبهة الداخلية للأمة, كما يؤدي إلى صعودها بين الأمم بسمعتها وثقافتها وأدبها ووفائها وصدقها ودقة معاملاتها.
وليست هذه هي كل الحكمة حصرا, ولكنها مما أوحى إليك ربك من الحكمة, وعلينا قياسا عليها أن نلتمس الحكمة في كل شيء وفي كل تصرف, وفي كل زمان ومكان, كما أن علينا جدّت علينا معاملات ومخترعات أن نبحث عن الحكمة في استعمالها, والحكمة في تجنّب سوء استعمالها.
فحين عرف الناس السيارات فإن المسلمين عليهم أن يستنبطوا الحكمة في استخدامها وعدم استعمالها في الأذى والكبر والغرور, وحين يخترع التليفون المحمول فعلى المسلمين أن يكونوا أفضل الناس في استعماله دون إزعاج لأحد ولا شوشرة على اجتماع أو مسجد, وهكذا فباب الحكمة مفتوح لكل جديد, وعلمنا الله كيف نستنبطها في كل شيء ووقت وظروف.
وتختم قوائم الحكمة بالتوحيد والبعد عن الشرك, ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا, وهو الموقف في الآخرة بعد المواقف في الدنيا.
لأحتنكنّ
والتفاصيل الواردة في قصة إبليس في سورة الإسراء تفيد وعيد الشيطان وتربصه ببني آدم كي يقودهم تماما إلى معصية الله.
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)
لأحتنكن ذريته (لأسوقنهم حيث شئت وأقودنهم حيث أردت) من وضع اللجام في حنك الفرس لقيادته
المصائب الجماعية لا ينجي منها إلا الله:
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)
وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)
إن الأمم تواجه مصائب جماعية لا تصيب الذين ظلموا منهم خاصة
ولهذا فإن المواطن يجب أن يهتم بمعالجة أي قصور وفساد في مجتمعه ولا يقول: (وأنا مالي)