لما أسلم عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطّلب, رضي الله عنهما, وأعز الله بهما الإسلام, رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد كثروا وعزّوا, وأن المهاجرين إلى الحبشة قد نزلوا بلدا أصابوا به أمنا وقرارا, وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم, ورأوا أن الإسلام يفشو في القبائل, أجمعوا على أن يقتلوا النبي صلّى الله عليه وسلم, فبلغ ذلك أبا طالب عمه, فجمع بني هاشم وبني عبد المطلب, فأمرهم فأدخلوا رسول الله في شِعْبهم, ومنعوه ممن أرادوا قتله, فأجابوه لذلك حتى كفارهم, حمية للرحم والقرابة ولم يشذ عن ذلك إلا أبو لهب.
فلما علمت قريش ذلك أجمعوا أمرهم وائتمروا فيما بينهم على أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بني هاشم والمطّلب, أن لا ينكحوا إليهم, ولا يُنكحوهم, ولا يبيعوا منهم شيئا ولا يبتاعوا, لا يقبلوا منهم صلحا أبدا حتى يسلموا رسول الله إليهم ليقتلوه, وكتبوا ذلك في صحيفة علقوها في جوف الكعبة,. فكان المشركون لا يتركون طعاما يدخل مكة إلا بادروا فاشتروه, حتى بلغ منهم الجهد والتجأوا إلى أكل الأوراق والجلود, وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضورون جوعا, لا يصل إليهم شيء إلا سرا وكانوا لا يخرجون من الشعب إلا في الأشهر الحرم, وكان أهل مكة يزيدون عليهم في السلعة قيمتها حتى لا يستطيعوا شراءها. وأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثة.
وكان رسول الله والمسلمون يخرجون في أيام الموسم فيلقون الناس يدعونهم إلى الإسلام.
وفي المحرم من السنة العاشرة من النبوة, نقضت الصحيفة وفك الحصار.
وصلت حال الدعوة قبل سورة الشعراء إلى مرحلة اغتم فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم, على قلة عدد الداخلين في الإسلام, إلى الدرجة التي يقول الله له فيها: (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين),
وباخع نفسك بمعنى قاتلها غيظا أو غمّا .
فيطمئنه الله على أن اكتساب أعداد أكثر إلى صف المؤمنين يمكن أن يتم فورا, إن يشأ الله ينزّل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين, إلا أن الله سبحانه لا يريد خضوع أعناق, بل يريد خضوع قلوب, وخضوع عقول وألباب, حتى إذا مات رسول الله صلّى الله عليه وسلم, فإن الدعوة تنتشر بعد وفاته أكثر من انتشارها في حياته, حيث عمل القرآن في العقل والتفكير وتأثر القلوب به لا ينقطع عن الدنيا, بل يتزايد دائما, على عكس أية دعوة أو عقيدة أخرى, حيث تظل قوية طوال بقاء صاحبها والداعي لها, ثم تموت بموت صاحبها, تماما كما حدث للشيوعية, حيث انهارت مع انهيار الاتحاد السوفييتي.
أما عقيدة الإسلام, فإن الله سبحانه هو صاحبها, وهو متم نوره ولو كره الكافرون, هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
إن سليمان عليه السلام لما خرّ, تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين, حيث كان يدفعهم للعمل بالتسخير, وإنما أتباع محمد صلّى الله عليه وسلم يتبعونه إلى يوم القيامة, ويكثرون بعد وفاته أكثر منهم حال حياته. وهذا هو النموذج الذي أراده الله لرسالته الخاتمة, حيث لا نبي بعد محمد صلّى الله عليه وسلم , ولا حاجة لرسالة أو لكتاب من بعد رسالته وكتابه القرآن. وإنما دعوة للعقول وللقلوب.
وكما أن الله في سورة يس, يبين لرسوله أسلوبا جديدا لدعوة المقمحين الذين وصلوا إلى حد العناد والتوقف عن الاستجابة لرسول الله بأسلوبه الأول الذي استجاب له المجموعة الأولى من الصحابة والأتباع, فإن سورة الشعراء مرحلة جديدة تبين أن الناس سوف يدخلون في دين الله أفواجا, على عكس ما قد يقلق بسببه الرسول فلعله باخع نفسه ألا يكونوا مؤمنين.
إن دعوة الله تسري في قلوب الناس حتى وإن لم يعلنوا عنها, وإن أبدوا تعنّتا وصدا لفترات طويلة, (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا, جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء, ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين)
فالصبر المطلوب للوصول إلى نصر الله والفتح, وإلى أن نرى الناس يدخلون في دين الله أفواجا, هو صبر جميل طويل بلا يأس ولا قنوط, مع إيمان ويقين بأن الله بالغ أمره, ولكنه قد جعل لكل شيء قدرا.
وهذه المرحلة من منهاج ترتيب النزول هي مرحلة التثبيت للدعاة ودعمهم بالأمل أن دعوة الله سارية بالغ بها الله أمره ومشيئته, رغم ما قد يبدو عكس ذلك بسبب عدم إسراع الناس إلى الإيمان في مراحلها الأولى.
ورغم أن الناس في بدايات دعوة الحق على مر العصور وعلى طول رسالات الله, يبدءون بالصد والكفر والعناد, وما كان أكثرهم في البدايات مؤمنين, إلا أن الله العزيز القادر على الغلبة والوصول إلى مراده بعزته, والعزيز القادر على إهلاك الظالمين والكافرين, فهو أيضا رحيم يمهل الناس حتى تستكمل عقولهم إدراك نعمة الله وهداية الله وإدراك فساد اتباع الشيطان والشهوات والنفس الأمارة بالسوء, ورحيم برسله وأنبيائه والدعاة إلى سبيله, يطمئنهم أنه سبحانه بالغ أمره بهم, ومتم نوره ولو كره المشركون. وكل هذا يحتاج من الناس إلى وقت طويل.
في سورة فاطر السابقة في النزول لسورة الشعراء, يقول الله في آخر آية منها: (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمّى, فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا)
طسم: بعد استعراض السورة سنحاول بإذن الله أن نتحسس هذه الحروف…
آيات الكتاب المبين: الصعوبات أمام الدعوة (ط)
وهو سبحانه يترجم ذلك بآيات الكتاب المبين في سورة الشعراء, التي يبين الله بها كيف يؤخر الناس وكيف يمهلهم, رغم أنهم في البدايات ما كان أكثرهم مؤمنين, على درجات مختلفة من الصعوبة التي تواجه الدعوة في كل حالة, وعلى درجات مختلفة من البعد عن طريق الإيمان في كل دعوة.
• ويبدأ الله في أول آية من آيات الكتاب المبين:
إن الله أنبت في الأرض التي كانت مملوءة بالكفر بكل مظاهره, ومملوءة بعبادة الأصنام ووأد البنات والتقاتل على أتفه الأسباب, والطغيان والظلم, حتى إن أهلها ما كان أكثرهم مؤمنين, أنبت سبحانه في هذه الأرض من الناس من كل زوج كريم, أنبت من السابقين ثلة من الأولين, وهو ينبت من هذا الصنف قليلا من الآخرين. كما أنه سبحانه أنبت في هذه الأرض من زوج آخر كريم من أصحاب اليمين, ثلة من الأولين وثلة من الآخرين.
فبعد مرور زمن غير طويل على بدء الدعوة ونزول القرآن (اقرأ باسم ربك الذي خلق) أنبتت الأرض من كل زوج كريم , فبين الله نوعين كريمين من أزواج ثلاثة من الناس في سورة الواقعة السابقة مباشرة لسورة الشعراء في ترتيب النزول: (وكنتم أزواجا ثلاثة, فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة* وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة* والسابقون السابقون) فهو هنا يشهد الناس أجمعين على هذه النتيجة التي ربما بدت مستحيلة في أوائل الدعوة (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ(7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ(8)وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(9))
وفي ذلك دليل على أن ربك هو العزيز الرحيم.
• ثم تبدأ الآية الثانية من آيات الكتاب المبين,
كيف أنبت الله في الأرض التي حكمها فرعون وفي ظروف حكمه وصده وكفره وطغيانه, كيف أنبت الله فيها من المؤمنين؟ وهي أكثر الآيات صعوبات في مواجهة دعوة الله الحق على يد موسى عليه السلام, تتمثل درجات صعوبتها في هذه الآية من آيات الكتاب المبين:
- فلم يكن أمام الدعاة إلى الله من رسله وأنبيائه أطغى من فرعون: (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنْ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(10)قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ(11)
- ولم يكن من رسل الله أخوف من موسى عليه السلام, فهو يخاف أن يكذّبه قومه : (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ(12)
- ولم يكن من رسل الله وأنبيائه من يخاف أن يضيق صدره ولا ينطلق لسانه إلا موسى: (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ(13)
- ولم يكن في رسل الله وأنبيائه من له ذنب على من يدعوهم, إلا موسى عليه السلام, حيث قتل منهم رجلا خطأ: (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ(14)
ومع ذلك يحثه الله ويأمره بالتنفيذ: قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ(15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ(16)أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ(17)
لقد بدأ موسى عليه السلام دعوته ببني إسرائيل أقاربه ورحمه المنتسبين بالدم والرحم إلى نبي الله يعقوب إسرائيل عليه السلام, وكان يريد أن يأخذهم وحدهم معه لدعوتهم وتربيتهم.
كذلك كان رسول الله حين حاصره المشركون في شعب بني هاشم والمطلب, قال له الله في أواخر سورة الشعراء, على سبيل الدعوة المرحلية : وأنذر عشيرتك الأقربين.
- والطاغية هو الذي ربى الداعية فله عليه فضل, ينتظر معه أن يجامله فلا يخالفه: قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ(18)
- وهو أيضا يعرف فعلته ويدينه بها حتى يذله بها ويمنعه من الاستمرار في الدعوة, ولم يواجه أي من رسل الله وأنبيائه هذا الموقف: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ(19)
وهنا لا يستسلم الداعية لابتزاز وتهديد الطاغية, وإنما يبين له أن هذه ليست نعمة يمنها عليه فقد استعبد قومه بني إسرائيل, وليس هذا فضلا يداينه به (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ(20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُرْسَلِينَ(21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ(22) - ثم يبدأ الحوار على صيغة الاستفهام ورغم ما يقدم الداعية من الردود المقنعة والعقلية والودية, يجد صدا واتهاما بالجنون: (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ(23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ(24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ(25)
- قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الْأَوَّلِينَ(26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ(27)
- قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ(28) قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهًَا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ(29) يهدد الطاغية أن يكون الداعية من المسجونين
- ثم رغم ما يقدمه الداعية من الآيات المبينات التي تقهر النظر والعقل, يستمر صدّ الطاغية: (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ(30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ(31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ(32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ(33)
- قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ(34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ(35) قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ(36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ(37)
- ثم يجمع الطاغية أهل الاختصاص ويرفع درجات التحدّي, ويعرض الأجر والقرب عليهم: (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ(38)وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ(39)لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ(40) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ(41)قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ(42)قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ(43)فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ(44)
وهذا نصر آخر على الطاغية وشهوده حتى يعترفوا بالحق: (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ(45)فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ(46)قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(47)رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ(48)
- فيستمر التحدي وإغلاق العقل والمنطق, بل والتهديد الذي لم يعهده أحد في تاريخ الطغيان, ولا حتى في ما يفعله اليهود في المجاهدين الفلسطينيين: (قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(49)
وهذا نصر أخر باعتراف أهل الاختصاص وشهود الطاغية, كان ينبغي أن يعترف به فيؤمن بالله, أو يكف أذاه عنهم ويتركه يذهب ببني إسرائيل: (قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ(50)إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ(51)
- ولكن الطاغية يستمر في العداوة ويتصاعد الموقف صعوبة, تهدد المؤمنين: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ(52)فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ(53)إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ(54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ(55)وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ(56)
ولكن الله يدبّر من عنده ما لا يستطيعه بشر, (فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(57)وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ(58)كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ(59)
- ويتصاعد الموقف إلى قمة الصعوبة والاستحالة العقلية, ويقف الجميع عند نقطة النهاية التي يتحتم أن يدرك فيها الطاغية مراده فيدمّر المؤمنين والداعية معا: (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ(60)فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61)
غير أن الداعية المؤمن الذي لا يدخل قلبه مثقال ذرة من يأس طالما كان مع الله واثقا من نصره, رغم كل المحالات: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ(62)
وهنا يأتي فرج الله ومخرجه الذي يجعله للمتقين: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ(63)وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ(64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ(65)ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ(66)
ولا أجد ولا يوجد تعقيب أبلغ من تعقيب الله.
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ(67)وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(68)
هي آية لإكثار المؤمنين في جو ومناخ وظروف مستحيلة عقلا أن يخرج منها مؤمنون, وإن ربك لهو العزيز الذي هزم كل تلك الظروف والصعوبات والطغاة, الرحيم الذي أنقذ مسيرة الإيمان والداعية والمؤمنين معه.
• الآية الثالثة من آيات الكتاب المبين:
كيف أنبت الله من كل زوج كريم من الناس, في الأرض التي دعا فيها إبراهيم عليه السلام؟ وكيف كانت درجات الصعوبة التي واجهها في سبيل ذلك؟ إن درجات الصعوبة هنا أقل مما واجهه موسى عليه السلام:
- إن الداعية في هذه الحالة يواجه أباه الذي كان صانعا للأصنام, وهو أقل صعوبة من فرعون, ويواجه مشركين تمكن الشرك منهم: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ(69)إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ(70)قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ(71)
فيحتاج إبراهيم إلى إن ينبه القوم من غفلتهم, ويحيلهم إلى عقولهم: (قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ(72)أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ(73) - فيواجه صعوبة تمكن العادة والعقيدة الفاسدة في القوم الذين ورثوها عن آبائهم (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ(74)
فيستمر في مواجهة المواريث البالية والعقول الخربة بالشرك والكفر, ويستمر في شرح البديل من العقيدة السليمة وبيان بعض ما يفعله الله للناس في حياتهم المعتادة: (قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ(75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ(76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ(77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ(78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ(79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ(80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ(81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ(82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ(83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ(84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ(85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنْ الضَّالِّينَ(86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ(87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)
فيؤمن مع إبراهيم من يؤمن: (وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ(90)
ويكفر من يكفر: (وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ(91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ(92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ(93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ(94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ(95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ(96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ(99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ(100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ(101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(102)
وقد واجه إبراهيم من الصعوبات في سبيل توصيل دعوة الله للناس الكثير, فقد ألقاه قومه في النار قال الله يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم, وأرادوا به كيدا فجعلهم الله الأسفلين.
وتلك آية أخرى من آيات الكتاب المبين, نتج عنها إنقاذ إبراهيم من كيد القوم, ودخول بعض الناس إلى الإيمان وما كان أكثرهم مؤمنين من قبل, وإن ربك لهو العزيز الرحيم
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ(103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(104)
• الآية الرابعة من آيات الكتاب المبين:
إن نوحا عليه السلام رغم أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما, وواجه منهم صدا وإصرارا واستكبارا, وكانوا هم أظلم وأطغى, إلا أنه لم يتعرض للتهديد بتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف, ولا بالصلب, أو العذاب, كما أنه لم يواجه خطر العدو من خلفه والبحر من أمامه, كما أنه لم يلقه قومه في النار, ولهذا فإن الصعوبات التي واجهها رغم طول مدتها لا تصل إلى الصعوبات التي واجهها موسى, ولا تلك التي واجهها إبراهيم, عليهم جميعا وعلى رسولنا الصلاة والسلام.
- وأول صعوبة واجهته هي تكذيب قومه: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ(105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ(106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ(109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(110)
- ثم الصعوبة التالية, من استكبار قومه على من آمن معه: (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ(111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ(113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ(114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ(115)
- ثم هددوه بأن يكون من المرجومين: (قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمَرْجُومِينَ(116)
فتوجه عليه السلام إلى ربه بالشكوى: (قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ(117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِي مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(118)
فاستجاب له ربه الرحيم: فَأَنجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ(119)
وأهلك الظالمين الكافرين من قومه بأنه هو العزيز سبحانه: (ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ(120)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ(121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(122)
• الآية الخامسة من آيات الكتاب المبين:
إن هودا عليه السلام واجه تكذيب قومه وعبثهم وفساد عقيدتهم حتى فيما يبنون, وما يتخذون من مصانع لعلهم يخلدون, ومن بطشهم جبارين, ولكنهم أيضا لم يهددوه, وذلك أخف صعوبة ممن قبله من الحالات المذكورة أعلاه:
- كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ(123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ(124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ(127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ(128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ(129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ(130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ(132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ(133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(135)
- ثم واجه صعوبة استكبارهم واستهتارهم بموعظته, وبما ينذرهم به من عذاب الله: (قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ(136) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ(137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ(138)
فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ(139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(140)
• الآية السادسة من آيات الكتاب المبين:
لقد كان اعتداء ثمود على ناقة الله وليس على صالح نفسه, وأيضا كذبوه, واتهموه بأنه من المسحّرين, وبعدم الصدق.
- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ(141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ(142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(143)فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ(145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ(146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ(148) وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ(149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ(151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ(152)
- قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ(153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ(154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ(155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ(156)
- فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ(157)
فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ(158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(159)
• الآية السابعة من آيات الكتاب المبين
وأما قوم لوط, فقد اعتدوا على محارم الله, وكانوا قوما مسرفين, وطالبوا بإخراج لوط وآله من قريتهم
- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ(160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ(161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ(164)
- أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ(165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ(166)
- قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَالُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمُخْرَجِينَ(167)
قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنْ الْقَالِينَ(168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ(169)
فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ(170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ(171)
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ(172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ(173)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ(174)وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(175)
• الآية الثامنة من آيات الكتاب المبين
وواجه شعيب أصحاب الأيكة
- التكذيب: (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ(176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ(177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ(180)
- وإخسارهم الكيل والميزان وبخسهم الناس أشياءهم والإفساد في الأرض: (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُخْسِرِينَ(181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ(182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ(183)
- فدعاهم إلى التقوى: (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ(184)
- فاتهموه وتحدوه: (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ(185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ(186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنْ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ(187)
فتوجه إلى ربه الذي عاقبهم: (قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ(188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(189)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ(190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(191)
التيسير (سين)
• دعوة محمد يسرها الله وذلل صعوباتها:
إن الله سبحانه يزيل القلق من قلب رسوله صلى الله عليه وسلم, الذي كان وكأنه مهلك نفسه ألا يكون قومه مؤمنين, فبعد أن استعرض مسيرة الأنبياء والرسل من قبله, ورتبها حسب درجات الصعوبة التي واجهت كل منهم, ومعها درجات الاستجابة من قومهم, رغم أنهم ما كان أكثرهم مؤمنين في بدايات الدعوة, ولم يرتبها حسب التاريخ, حيث أن الموضوع هنا في سورة الشعراء هو موضوع قلق النبي على ألا يكونوا مؤمنين, وطمأنة الله له وشحنه بالأمل ليستكمل مسيرة الدعوة, ونحن جميعا من أمة محمد ورثة الكتاب نستكملها من بعده صلى الله عليه وسلم, لا نيأس من روح الله, ونطمئن على أن الله بالغ أمره, وأنه سبحانه يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون, وأنه هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون,
لهذا فإن الله سبحانه يختم السورة بآيات الكتاب المبين التي يبين بها أن طريق دعوة الإسلام رغم كل الصعوبات التي تعترضه, هو أيسر في الوصول إلى مراد الله ممن قبله من الرسل والأنبياء, فيكون صلى الله عليه وسلم أكثرهم تبعا وأمة يوم القيامة, يبين الله ذلك فيقول سبحانه معددا اليسر الذي جعله في دعوة الحق ورسالة الإسلام ومسيرة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده:
- وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ(192)
- نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ(193)
- عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ(194)
- بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ(195)
- وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ(196)
- أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ(197)
- وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ(198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ(199)
- كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ(200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ(201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ(203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ(204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ(205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ(206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ(207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ(208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ(209)
- وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ(210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ(211) إِنَّهُمْ عَنْ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ(212)
العمل المطلوب (ميم)
وهذا هو العمل المطلوب منا حتى يكثر المؤمنون وينشر الله دينه وينصره بنا:
- فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ(213)
- وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ(214)
- وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(215)
- فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ(216)
- وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ(217)
- الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ(218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(220)
إن الله يبين الفارق بين كتابه المبين, وبين غيره من الأقاويل ومصادر الأنباء والأخبار. - (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ(221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ(222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ(223)
فهناك الشياطين كمصدر للأنباء, ولكنهم مصدر كذب يصل إلى كل أفاك أثيم, فلا المصدر موثوق به, ولا المتلقّي موثوق به.
إن الشياطين لا تتنزل إلا على كل أفاك مختلق للأكاذيب, أثيم كثير ارتكاب الآثام والفسق, فهؤلاء تتنزل عليهم الشياطين الذين يلقون السمع في السماء فيلتقطون كلمة أو أمرا حقا, يزيدون عليه مائة كذبة, فيلقونها إلى أوليائهم من الأفاكين الأثيمين, وأكثرهم كاذبون الإفك والإثم: افتراء واختلاق الأكاذيب, الفاسق المرتكب للآثام: - وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ(224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ(225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ(226)
وهناك الشعراء الذين يأتون بالأنباء والأخبار في شعرهم, ولكنك ترى الشعراء بصفة عامة, وربما بعض العاملين في نقل الأخبار عموما المسموعة والمقروءة والمروية, تراهم في كل واد يهيمون, يأكلون على كل مائدة, ويروجون لكل من يدفع لهم, ويبيعون دينهم بدنياهم, وترى أنهم يقولون ما لا يفعلون, ومن يتبعهم هم الغاوون, فلا المصدر ولا المتلقي مصدر ثقة.
- إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ(227)
لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا, هؤلاء مصدر موثوق به, وناقل موثوق به, فهم آمنوا, وعملوا الصالحات, وذكروا الله كثيرا, فمن أين يأتيهم الفساد حتى يختلقوا خبرا, أو ينقلوا إفكا؟ كما أنهم انتصروا من بعد ما ظلموا. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
صدق الله العظيم, والحمد لله رب العالمين
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك, سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك
لك الحمد على كل حرف أنرته لي, أو لأحد من خلقك
ولك الحمد على كل كلمة أبصرتني بها أو أحدا من خلقك
ولك الحمد على كل معنى وخاطر جعلت الملائكة رسلا به إلىّ أو لأحد من خلقك
سبحانك لك الحمد ولك الشكر
والحمد لله رب العالمين