حتى الآن, ومنذ بدأ الله توجيهاته ونداءاته لبني آدم وطبعهم وصبغهم على الفطرة وأودع فيهم أسسها من إنزاله لباسا يواري سوءاتهم وريشا, وتحذيرهم من فتنة الشيطان, وإرشاده لكيفية العودة إلى الفطرة لو أصاب الشيطان إيمان بني آدم,
ثم فصّل الله سبحانه الحرام والحلال في الزينة والطيبات من الرزق, وذلك لقوم يعلمون. والعلم يزيل الله به الجهل والعمى.
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(32)
ثم عهد ببني آدم إلى رسل منهم يأتونهم يقصون عليهم آيات الله وأمر بالتقوى والإصلاح,
ثم جاء الله بكتاب فصّله على علم, فأصبح العلم هدى ورحمة لقوم يؤمنون. والإيمان يزيل الله به الكفر والضلال.
وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(52)
فما هي الخطوة التالية بعد العلم والإيمان والهداية والرحمة؟ فماذا بعد العلم والإيمان؟
إن الخطوة التالية طبقا للآيات, هي الشكر لله بالعمل الصالح المبني على العلم وعلى العمل بموجب الإيمان.
إن الله أشار إلى العمل في طاعته, وإلى أنه سبب لميراث أصحاب الجنة للجنة, حيث قال, (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
كما أشار إلى حسرة أصحاب النار وتمنيهم أن يردوا إلى الدنيا ليغيروا أعمالهم الباطلة فيها فيقولون (أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ).
إن الله يأمر بالعمل الصالح, الذي يصلح الله به أمور العباد والبلاد, ولا يرضى عن كسل وخمول وقعود عن العمل…
كما لا يرضى عن العمل غير الصالح, الذي يوجّه لغير وجه الله ولغير ما يرضي الله, ويكون وبالا على الناس وعلى الدنيا.
أما اللهو واللعب والغرور والعمل الفاسد, فإن كل ذلك لا يرضي الله سبحانه.
إن الله يبين إعداده العام للسموات والأرض, وتسخيره الشمس والقمر والنجوم بأمره, ثم يبين أنه يصرّف الرياح والسحاب والماء ويخرج به من كل الثمرات, كذلك يفصّل الله الآيات لقوم يشكرون.
إن الشكر هو الخطوة التالية في سلسة الهداية, بعد العلم والإيمان والهدى والتقوى.
والشكر يكون بتلقّي نعمة الله باهتمام, واستثمارها في رضى الله وطاعته.
والشكر هو ما يطلبه الله من بني آدم في الأرض التي مكن لهم فيها وجعل لهم فيها معايش, وانتقد تقصيرهم في السعي وطغيانهم في توجيه نتاج عملهم لما يرضي الله.
والشكر هو مستهدف من الشيطان أن يفسده على بني آدم, فلا تجد أكثرهم شاكرين.
ولكي يخرج نبات بلد بإذن ربه, ولكي لا يخرج نكدا, فإن البلد لا بد أن يكون بلدا طيبا, وألا يكون بلدا خبُث. والبلد هو أهل البلد, ويطيبون أو يخبثون حسب التزامهم بطاعة الله والعمل الصالح, وهذا هو الشكر.
والشكر سبب لأن يصرّف الله آياته بالخير لقوم يشكرون, فالذين يرى الله منهم وفيهم خيرا, فإن الله يرسل لهم خيراته في الرياح والسحاب والماء والنبات, وفي كل مظاهر الحياة, فتقع النعمة في يد من يهتم بها ويستثمرها, لا في يد من يكسل عن تناولها واستثمارها.
إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(54)
إن لله الخلق والأمر, وكما قال في سورة الأعلى: الذي خلق فسوّى* والذي قدّر فهدى* فهو أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. يخلق, ويهدي بأمره ليسير عباده على الصراط المستقيم. وبالتالي تحدث البركة منه سبحانه, والبركة الاتساع والنماء.
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55)
وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ(56)
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(57)
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ(58)
حين يأمرنا الله أن نتبع ما أنزل إلينا من ربنا, وألا نتبع من دونه أولياء, فإنه يضرب لنا المثل على خلق من خلقه سبحانه, وقد اتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم, فساروا على الصراط المستقيم, وكانوا نفعا للدنيا, وهي السماوات والأرض, والليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره سبحانه. خلقها وسيرها وسخرها بأمره, فكانت نعمة ونفعا
كذلك الإنسان, لو اتبع ما أنزل إليه من ربه
إن الله هو خالق كل شيء, وهو أيضا الذي يأمر كل شيء, فلا يأخذن أحد من قدرات الله أنه الخالق فقط, وإنما له الخلق والأمر سبحانه وتعالى, وعلينا أن نتبع ما أنزل إلينا من ربنا, وألا نتبع من دونه أولياء, وأن نتذكر هذه القاعدة ما حيينا, نسأل الله العون والمساعدة والتوفيق على ذلك إنه سميع مجيب
وهذا هو الشكر, وهو المطلوب بعد العلم والإيمان.. والله سبحانه يصرف الآيات لقوم يشكرون