بسم الله الرحمن الرحيم
ألمص(1) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ(2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ(3)
ألمص مازالت تحت الفحص مع غيرها من الحروف المقطعة في فواتح السور.
إلا أن الملاحظ هنا أن حرف ص موجود في سورة ص وفي سورة الأعراف, والسورتان تتحدثان عن الخليفة والخلفاء, القادة , والأمم المستخلفة.
كما أن ألم متكررة في سور كثيرة سوف تكون موضع بحث إن شاء الله من هذه الوجهة
يشير الله في مطالع هذه السورة إلى أنه أنزل كتابا إلى رسوله, وأمره ألا يكون في صدره حرج منه, لينذر به من أعرض عنه ولم يأبه به, وهو ذكرى للمؤمنين, أي أنهم بعد أن يؤمنوا بالله وبرسوله وبكتابه, فإن الكتاب يكون ذكرى لهم, يجدون فيه ما يذكرهم بأوامر الله ونواهيه وتكليفاته, ويجدون فيه ما يذكرهم بقواعد الإيمان والتقوى والورع والعمل الصالح.
ثم يتوجه الله للمؤمنين فيأمرهم باتباع ما أنزل إليهم من ربهم, والاتباع يكون بالامتثال لما أمر والانتهاء عما نهى. ولا يكفي اتباع ما أنزل إلينا من ربنا, ,إنما يجب أيضا ألا نتبع من دونه أولياء.
ربما يبدو للوهلة الأولى أن هناك تكرارا في المعنى, فاتباع ما أنزل إلينا من ربنا ربما يستدل منه على عدم اتباع من دونه أولياء. ولكن المعنى هنا والصيغة تحاصر المؤمنين, فتأمرهم باتباع ما أنزل , وبعدم اتباع أولياء من دونه, فربما يكون المؤمنون متبعين لما أنزل إليهم من ربهم, ومتبعون من دونه أولياء, فيكون لديهم مصدران للاتباع, وهذا ما ينهانا الله عنه, فالاتباع يكون فقط لما أنزل إلينا من ربنا, وفي عدم اتباع من دونه أولياء, والمسألة تحتاج لممارسة تستغرق عمر الإنسان وعمر الأمم كلها, فهي ممارسات يومية ولحظية في كل مجال وفي كل زمان, وفي كل تطبيق, وهي لهذا تحتاج إلى تذكُّر دائم مستمر لا يغفل عنه المؤمنون في كل تصرفاتهم وتشريعاتهم وحياتهم وتشريعاتهم. اتباع , وعدم اتباع. أمران وليسا أمرا واحدا, والانتقاد هو لقلة التذكُّر( قليلا ما تذكرون).
وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ(4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ(5)
ويلخّص الله تاريخ الأمم السابقة التي لم تتبع ما أنزل إليها من ربها, فيحذّر الله سبحانه من مخالفة ذلك كما كان من الأمم السابقة, وكم من قرية أهلكها الله في التاريخ, فما كان دعواهم إذ جاءهم بأس الله إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين. إن سبب إهلاك الله لهم أنهم كانوا ظالمين, ينتقصون من حق الله عليهم بالطاعة له وحده لا شريك له, فيتبعون من دونه أولياء, ولم يتذكروا إلا إذ جاءهم بأس الله, حيث لم يعد ينفع الندم.
فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ(6)فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ(7)
والله سبحانه سيسأل الجميع عن هذا القصور وأسبابه, فيسأل الذين أرسل إليهم, ويسأل المرسلين, وهو سبحانه أعلم بهم جميعا فيقص عليهم بعلم, وما كان الله غائبا عنهم, ولكنه يشعرنا جميعا بالمسئولية أمامه عن اتباع ما أنزل , وعن عدم اتباع من دونه أولياء.
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(8)وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ(9)
ويوم السؤال والحساب, يكون الوزن هو الحق, الحق الذي أنزله الله للناس منذ أهبط أباهم, ووضع لهم مقاييس الهدى, وأعلمهم بنظام الحساب والثواب والعقاب.
والعبرة بثقل الموازين في الأعمال الصالحة, وليس مجرد الامتناع عن الشر, أو تأدية الواجبات الأساسية, وأما من خفت موازينه من الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآيات الله يظلمون.
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ(10)
إن الله مكن لعباده في الأرض, فسخر لهم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه, نعما لا تحصى. وهدى الناس لكيفية الاستفادة بنعمه والتعامل معها. وجعل للناس فيها معايش. فإذا ما تعرّف إنسان على نعمة من نعم الله, وأوحى الله إليه بكيفية التعامل معها والاستفادة بها, فإن عليه أن يبدأ في عمل صالح لاستثمار هذه النعمة. و يبدأ في الاحتياج إلى ناس آخرين لتنفيذ هذا الاستثمار. فهذا الذي يستخرج الخامات من الأرض, أو يصنعها, وهذا الذي يصنع الأدوات والآلات والمعدات المستخدمة في الاستخراج والصناعة. وهذا الذي يقود السيارة التي تنقل فيها الخامات. وذلك الذي يحرسها. والذي يخزنها, والذي يحملها, ثم الذي يقوم بتصنيعها أو استثمارها, ومن يبيع ومن يشتري, ومن يستعمل ومن يصلحها ويقوم بصيانتها, وحتى عندما تفسد تماما, فإن هناك من يبحث عن المنتجات الفاسدة ليشتريها (خردة) ويبيعها لمن يعيد تدويرها مرة أخرى. ناهيك عمّن يصنع عبواتها وتغليفها, إلى آخره. كل هذه معيش جعلها الله لنا في الأرض.
وبعد كل ذلك, فإن المطلوب من الإنسان أن يعمل في نعمة الله شكرا, مجتهدا بما يرضي الله, فيستفيد ويفيد, ولكن كثيرا من الناس لا يشكرون, أي لا يؤدون حق النعمة ولا يستثمرونها, أو يعملون فيها بغير ما يرضي الله, فهم قليلا ما يشكرون.
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ(11)
هل يجوز أن تكون هذه إشارة إلى أن الله خلق البشر, ثم صورهم في أي صورة ما شاء. وأتى حين من الدهر على الإنسان لم يكن شيئا مذكورا, ثم بعد ذلك اصطفى الله آدم من البشر, وجعله في الأرض خليفة, وقال للملائكة ومن حضر من الجن, اسجدوا لآدم, سجود طاعة واستسلام, ليعاونوه على مهمته في خلافة الله في الأرض؟
إن المراحل الثلاثة التي ذكرها الله في الآية, ويفصل بينها حرف العطف (ثمّ) الذي يفيد التوالي مع التراخي في الزمن, هذه المراحل, يجوز أن تفيد أن الله خلقنا كبشر, كنوع من أنواع خلقه, ثم صورنا في الصورة التي عليها الإنسان اليوم, الصورة الجسدية, والصورة العقلية التي تستطيع التصرف والفهم والحكم على الأمور, ثم في المرحلة الثالثة جعل آدم في الأرض خليفة.
امتنع إبليس عن السجود إذ أمره الله. الله أعلم..
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ(12)
سأله الله – وهو أعلم- قال ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك؟ فاستكبر إبليس قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين, ولم يعتذر لله عن معصيته لأمره, الذي لم يكن يشير إلى خيرية المادة التي خلق منها الإنسان, فوق تلك التي خلق منها إبليس, وإنما هو أمر إلهى واجب التنفيذ. ولا يحتاج المؤمن بالله وبحكمته وبقضائه, لا يحتاج إلى تبريرات أو مقارنات لكي يطيع أوامر الله ويرضى بقضائه. وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم.
كانت هذه هي أول معصية لله في ملكه, وبداية عداوة إبليس للإنسان.
والمعصية لازمة من لوازم الاختيار, وإنما قد تأتي من الضعف, أو من الخطأ, أو من النسيان, أو من قلة العزم, كل ذلك, لو أعقبته توبة, فإن قبول الله مرجوّ إن شاء الله.
أما أن تكون المعصية مصحوبة باستكبار وعناد وإصرار عليها, فإن صاحبها لا يعترف بخطئه أو ظلمه, بل إنه يتهم صاحب الأمر بأن رأيه غير صائب ورؤيته غير سليمة, تعالى الله علوا كبيرا.
وفي هذه الحالة من الإصرار والعناد والاستكبار, فإن الآمر صاحب الحق في الطاعة, لابد أن يطرد المستكبر من رحمته ورعايته.
يشير الله سبحانه إلى أنه حين يأمر بأمر, فإن عباده عليهم أن يطيعوه وأن يقولوا سمعنا وأطعنا, مهما كان الأمر يبدو للناس مستغربا, فالله يعلم وأنتم لا تعلمون. وأن من يعصي يكون متبعا لإبليس في معصيته وتجرُّئه على الله سبحانه, فيحدث له ما تحكي الآيات التالية
قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ(13)
إن من يعصي الله عامدا متعمدا, ويكابر ويتكبر, فإن الله يهبطه من رحمته. بل يخرج من استقرار نفسه في التمتع بنعم الله بنفس هادئة مطمئنة, ويكون من الصاغرين, مقابل تكبّره.
وهَبَطَ القوْمُ يَهْبِطُون إِذا كانوا فـي سَفال ونقصوا. فالهبوط هبوط المستوى والنقص.
والهُبُوط: نقِـيضُ الصُّعُود
قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(14)قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ(15)
طلب إبليس فرصة قبل أن يهلكه الله في النار, لا ليتوب ويستغفر الله, ولكن ليجر معه أكبر قدر ممكن من البشر في النار.
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17)
وهذه معصية أخرى. فبعد التكبر وعصيان أمر الله, هو الآن يتربص لبني آدم ويقعد لهم صراط الله المستقيم ليضلهم عنه ويجعلهم يحيدون عنه, فإن هم فعلوا, فإنه يأتيهم من كل مكان حولهم, يغويهم ويضلهم ويعدهم ويمنيهم وما يعدهم إلا غرورا.
وهذا ما نراه من حولنا. فإن فرط إنسان في دينه وعصى أمرا من أوامر ربّه بسبق إصرار وترصّد, فإنه لن يكتفي بذلك. وإنما سيطرق أبوابا أخرى للمعصية خلاف الباب الذي بدأ به. وهكذا إلى أن ينتهي به الحال إلى معاصي كثيرة ومتنوعة, تنتهي به إلى خزي في الحياة الدنيا , ويوم القيامة يردّون إلى أشد العذاب, وما الله بغافل عما يعملون.
والحوادث كثيرة من حولنا, فقلما تجد مرتكبا إثما بمعصية لله, مثل الرشوة مثلا, إلا وتراه وقد استمر أكثر من مرة, ثم هو يسرق, ويتعاطى المخدرات, والخمر, وربما يرتكب الفواحش ما ظهر منها وما بطن, ويكذب, ويشهد الزور, وهكذا, جرائم مركّبة. فقد تخلّى عن رباطه بالله, وعن اتباعه ما أنزل إليه من ربه, وحاد عن الصراط المستقيم.
تماما مثل الذي يسير على طريق مستقيم, له حدود عن اليمين وعن الشمال. لو أنه حاد بدرجة بسيطة جدا عن محور الطريق, فإنه سوف يخرج منه لا محالة إلى أن يدخل في طرق غير ممهدة, ويصطدم بأشياء ويسهل جدا أن يرتكب حوادث كثيرة.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
غوى إبليس بأن فسد عمله, وأظلم أمره, وخالف الرشد حين قرر أن يخالف أمر الله, فأغواه الله كنتيجة لغوايته, بأن أظلمه وأفسد حاله التي كان فيها من رحمة الله, جزاء وفاقا
والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء, ولكنه سبحانه ما يضل إلاّ الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض.
إن هذه الآيات تحدد أسلوب إبليس عليه لعنة الله, في إغواء بني آدم, حقدا وغلاّ.
إنه أولا يريد أن يضلهم عن الصراط المستقيم الذي هو السبيل إلى الجنة. والذي علمنا الله في الفاتحة أن نسأل الله الاهتداء له. وهو صراط الله في دينه الإسلام.
ثم بعد أن يضل إبليس الإنسان عن صراط الله المستقيم, فهو يأتي لمن ضلوا, من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم, أي أنه يحيط بالإنسان من كل النواحي الأربعة, إلا أنه لا يأتيه من جهة الفوق ولا من جهة التحت. فإذا سجد الإنسان, وإذا رفع يديه بالدعاء, فإن الشيطان لا يأتيه من هاتين الجهتين.
والجهات الأربعة, تحيط ببني آدم في كل اهتماماتهم في الدنيا, فيأتيه إبليس مزينا ومغويا وواعدا الغنى الذي هو الفقر حقيقةً.
ونتيجة لمحاولات الشيطان إغواء بني آدم, فإن أكثر الناس لا يكونون من الشاكرين, هنا تتحقق خطة الشيطان, وهنا يصدّق عليهم إبليس ظنه. ولا تجد أكثرهم شاكرين.
والصفة التي انتقدها الله في الناس أنهم قليلا ما يشكرون, أي أن الله يهبهم النعم, ويمنحهم العطايا, ويؤتيهم من فضله, فلا تجد أكثرهم شاكرين لله. فهم لا يعملون في هذه النعم والعطايا والفضل, لا يعملون فيها برضى الله, وإنما بما خدعهم الشيطان به, أو لا يعملون كما ينبغي لهم أن يعملوا, لكسل وتقصير وعجز وسوء إدارة, وبالتالي لا تجد أكثرهم شاكرين. وتكون خطة إبليس أن يبعد الناس عن الشكر. أي أنهم يأخذون نعمة الله, ولا يعملون فيها برضى الله. لا يستثمرونها في الطاعة.
قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ(18)
أخرجه الله من رحمته, وأصابه بلعنته, وتوعّده هو ومن تبعه منهم ليملأنّ جهنم منهم أجمعين, حيث اتبعوا من دون الله أولياء. ويكون التابع والمتبوع في النار. وصار الذنب هنا جماعيا, بين القائد والمقود, بين المتبوع والتابع. لهذا فإن العقاب يعم الجميع, ولا يحتج التابع بإضلال المتبوع له, وإنما كل إنسان مسئول عن تصرفه وعمله. والبلوى تعم الجميع.
والملاحظ أنه في سورة ص, والحديث عن القيادة والقادة, فإن النص هو: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ(85) فيه إشارة لمتبوع(منك) ولتابع(وممن تبعك منهم أجمعين), أما في سورة الأعراف, فالمسئولية جماعية عن الأمة والقائد فقال الله(لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ).
والإنذار والوعيد هنا هو لمن ترك الصراط المستقيم, واتبع من دون الله أولياء, وإبليس هو أسوأ من يُتّبع.
واتباع الصراط المستقيم يحكم العمل فيكون عملا صالحا.
وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ(19)
وهذا هو ملخص مسألة طاعة الله. إن الله يأمر بني آدم بأمر بسيط يسير, وينهاهم عن أمر بسيط هين, ويجعل لهم متسعا فيما أمر قبل أن ينهاهم, حتى ييسر عليهم الطاعة. ويحذرهم من معصيته فيكونون من الظالمين.
ييسر الله الكسب الحلال, قبل أن يحرم الكسب الحرام.
إن كل إنسان قد كفل الله له رزقه, إلى الحد الذي لا يجوع فيه ولا يعرى, ولا يظمأ فيه ولا يضحى. فيترك الإنسان هذه الكفالة, ويلجأ إلى ما حرم الله ويظن أن فيه المتسع والغنى والسعادة والهناء. ويغويه إبليس بأن ما نهاه الله عنه, فيعده الفقر ويأمره بالفحشاء.
ويبين الله كيف يمكن للإنسان أن يستمتع بالغريزة الجنسية في الحلال, فيوسع له في الحلال حتى ليكون هو القاعدة والأساس, ولا يكون التحريم إلا في الاستثناء, فكل النساء حلال نكاحها بما أحل الله, إلا حالات خاصة مثل المحرمات من القرابة والنسب والرضاع, ومن المحصنات, ثم قال سبحانه: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ). فيزين إبليس للإنسان إحدى المحرمات وكأنه لا توجد غيرها في الكون, فيقع في المعصية.
وهذا هو خلاصة ما يقع فيه الإنسان من المعصية, نسأل الله السلامة من اقتراف ما يغضبه, ونسأله سبحانه المغفرة, ونتوب إليه من كل ما اقترفنا مما علمنا ومما لا نعلم, مما يسخطه سبحانه, ونسأله العفو عما تركنا من عمل مما يرضيه جل شأنه بسهو أو بقصد.
ويبين الله أسلوب إبليس عليه لعنة الله, في إغواء بني آدم, حتى نأخذ حذرنا,,,
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ(20)وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ(21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ…
وأصبح إبليس شيطانا بأفعاله التي بدأها بالوسوسة لآدم وزوجه.
إذن فالشيطان يوسوس وليس له سلطان الدفع بالقوة, وإنما الإغواء والإغراء والإغفاء, والقسم كذبا وبهتانا.
إن استعمال كلمة السوأة في هذا الموضع قد تكون له علاقة بالفرج والعورة, ومنه أخذ الفقهاء أحكام ستر العورة التي جعلها الله فطرة لبني آدم.
أما المعنى الآخر للسوأة وهي كل عمل وأمر شائن, وفاحشة, أو بمعنى الخلة القبيحة, فهو أعمّ, حيث أن ما فعله آدم وزوجه هو سوأة في العمل والتصرف, وبالتالي بدت لهما إمكانيات فعلهما السوء والمعصية بسبب حرية الاختيار التي منحها الله لهم. والتي نتجت من اتباعهما لوسوسة الشيطان وعدم اتباعهما ما أنزل إليهما من ربهما. وهو ما حذّر الله منه في صدر السورة.
وقد وهب الله لإبليس أيضا حرية الاختيار, فلم يسجد ولم يطع أمر ربه. ولكن آدم وزوجه لم يكونا قد اطلعا على هذه الخصلة من حريتهما في الاختيار, ومسئوليتهما عنه. وكانت قد ووريت عنهما, أي أخفيت, حيث لم تكن قد استخدمت بعد.
كان أول تكليف لآدم وزوجه من الله هو أمره بالأكل من الجنة حيث شاءا, والنهي عن القرب من شجرة واحدة محددة, وتحريمها عليهما. كان هذا هو أول اختبار للاختيار. والاختيار يحتمل الصواب والالتزام بأمر الله والانتهاء عما نهى. كما يحتمل الخطأ وعصيان الأمر وعدم الالتزام بالنهي.
وجد الشيطان الفرصة السانحة التي يدخل منها لآدم وزوجه. إنها فرصة الاختيار التي تميز بها آدم وبنوه, والتي تحمل في طياتها احتمال الخطأ وسوء الاختيار. ولم تكن قد اختبرت فيهما بعد.
وسوء الفعل أو القول, ومعصية الله عموما, هي أسوأ ما يسوء الإنسان, في الدنيا والآخرة, أمام الله أولا, ثم أمام الناس. ينتج عنها عمل فاسد, أو أمر شائن, أو فاحشة في القول أو في الفعل, أو خلات قبيحة.
إذن تكون سوءات الإنسان هي سوءات عمل وقول وهي تشمل ولا تقتصر على كشف عورته, التي هي حالة نادرة جدا قلما تحدث لإنسان أن يكشف عورته للناس بعد أن أودع الله فطرته في بني آدم. أما سوء القول والفعل فإنه يحدث دائما من الإنسان ويكاد يندر أو قُل يستحيل أن تمر حياة إنسان دون أن يسيء الاختيار ولو مرة في حياته, وأن يخطئ ولو مرة في حياته, وفي الحديث: كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما. إن سوءات الاختيار كثيرة, ولكنها كانت مستترة عن آدم وزوجه ولم تختبر قبل النهي عن الشجرة. فلما سمع الشيطان نهي الله لأدم وزوجه, دخل فورا بالوسوسة ليبدي لهما ما استتر عنهما من خطأ الاختيار. وظل يوسوس لهما بتحليل نهي الله لهما عن الشجرة, وقاسمهما غشا وخداعا وكذبا أنه لهما من الناصحين.
فدلاهما بغرور…
فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ(22)قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ(23)
بين الله في هذه الآيات مداخل الشيطان على بني آدم, والسبب الرئيسي لعصيان الإنسان, وهو عدم اتباع أمر الله, واتباع أمر غيره, وعدم الانتهاء عما نهى سبحانه. وأن مصدر ذلك هو حق الاختيار الذي منحه الله لبني آدم, ووهبهم معه الهدى الذي أنزله عليهم. فإن اتبعوا الهدى رشدوا, وإن اتبعوا من دونه أولياء ظلموا أنفسهم وضلوا.
فَنادَاهُ رَبُّهُ: يا آدَمُ، أمِنِّي تَفِرُّ؟ قالَ: لا، وَلَكِنِّي اسْتَحَيْتُكَ»
وقال قوم: لم يقصد بالسوأة العورة والمعنى انكشف لهما معايشهما وما يسوءهما وهذا القول ينبو عنه دلالة اللفظ ويخالف قول الجمهور
وقال مجاهد هو لباس التقوى {وسوءاتهما} هو ما يسوءهما من المعصية
قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ(25)
أهبطهم الله درجة أو درجات, وجعل بعضهم لبعض عدو, وهي مسألة متوقعة, حيث يختار بعضهم أن يتبع ما أنزل إليهم من ربهم, ويتبع البعض الآخر من دونه أولياء. فلابد من أن تقوم عداوة بين الفريقين, ولا بد من الاصطدام, حيث يعيش الجميع في عالم واحد ويتعاملون, وإن لم تحكمهم شريعة واحدة وقانون واحد, فإن العداوة ستنشأ حتما. يحيون ويموتون في الأرض ومنها يخرجون.