تربية الأولاد

0 تعليق 351 مشاهدة

في مطالع سورة فاطر السابقة في النزول لسورة مريم, قال الله سبحانه: (مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(2) فاطر
وتبدأ سورة مريم بقول الله سبحانه: (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)مريم
ويقص الله فيها حالات مستحيلة بمقاييس العقل, يفتح الله فيها من رحمته فلا ممسك لها..

وتبدأ سورة مريم بالإشارة إلى تطبيقات ذلك, (ذكر رحمة ربّك عبده زكريا), حيث يعتريه القلق على كتاب الله الذي ورثه من آل يعقوب, ثم حين وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا, ووجد أن امرأته العاقر يستحيل حسب علمه أن تنجب له ولدا, وقد بلغ هو من الكبر عتيا, فنظر إلى الموالي من ورائه, فلم يجد من يعتمد عليه في مسئولية ميراث الكتاب, فيطلب من الله أن يهب له من لدنه وليا, يرثه ويرث من آل يعقوب

لقد استجاب الله لزكريا, في هذه الحالة المستحيلة بمقاييس البشر, مصداقا لقوله تعالى في سورة فاطر: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها, وما يمسك فلا مرسل له من بعده), فوهب الله له يحيي وآتاه الحكم صبيا.

وأما مريم, فيرسل الله لها روحه رسولا ليهب لها غلاما زكيا رغم أنها لم يمسسها بشر, رغم غلبة الخوف والخجل عليها وتمنيها لو ماتت قبل ولادته وكانت نسيا منسيا, فيفتح الله من رحمته فلا ممسك لها, فتلد عيسى عليه السلام, ويجعل تحتها سريا, ويجعل لها رزقا من هز جذع النخلة تساقط عليها رطبا جنيا, ولو هز جذع النخلة عصبة من الرجال أولي القوة ما تساقط عليهم رطبا جنيا, فيجعل الله عيسى آية للناس ورحمة منه وكان أمرا مقضيا, ويؤتيه الكتاب وهو في المهد ويجعله نبيا, ويجعله مباركا أينما كان فيمتد ببركته باتساع ونماء وتنتشر دعوة الله على يديه, وأوصاه الله بالصلاة والزكاة ما دام حيّا, والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.

وفي قصة إبراهيم مع أبيه مثال على ما يمسك الله وما يفتح من رحمته..
إن أول من ينبغي أن يستجيب لدعوة الحق هم أهل الأنبياء والرسل. وبمقاييس العقل, يكون طريق دعوة الحق لأهل الأنبياء والرسل طريقا سهلا ممهدا, ولكن المسألة ليست مضمونة إلا بأمر الله ومشيئته.
كما أنه بمقاييس العقل, يصعب أن يخرج ابن صالح مصلح من ظهر رجل كافر صانع للأصنام..

وفي كل الأحوال, فإن الداعية ينبغي أن يبدأ بنفسه ثم بمن يعول كما نصحنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وإبراهيم عليه السلام, يتوجه بالدعوة إلى أبيه الذي رباه بإلحاح وبمنطق عقلي وبيان, ولكن الله يمسك فلا مرسل له من بعده, فيصرّ أبو إبراهيم على الكفر, ويهدده بالرجم, فيعتزله إبراهيم ويدعو ربه, فيفتح الله من رحمته ما لا ممسك لها, فيهب له إسحاق ويعقوب ويهب لهم من رحمته ويجعل لهم لسان صدق عليا.

وموسى يخطط فرعون لقتله طفلا رضيعا, فيأتيه موسى إلى عقر داره وحيدا إلا من رحمة الله, ينجيه الله من اليمّ, ومن فرعون وجنوده, ومن بطش الملأ الذين يأتمرون به ليقتلوه, ويجعله رسولا نبيا ويقربه الله نجيّا, ويهب له من رحمته أخاه هارون نبيا, وينجيهما ومن آمن معهما الذين قالوا أمام البحر ومن ورائهم فرعون وجنوده: قال أصحاب موسى إنّا لمدرَكون, قال كلّا إن معي ربي سيهدين, فيفلق الله له البحر بضربة عصا, وينجيه ويغرق فرعون وجنوده بنفس اليمّ. وكلها أمور يفتح الله فيها من رحمته فلا ممسك لها, أو يمسك فلا مرسل له من بعده.

وإسماعيل, الذي وهبه الله لإبراهيم على الكبر, ويريه في المنام أنه يذبحه, ويوافق إسماعيل على الأمر ويهونه على أبيه, فلما أسلما وتله للجبين, يفتح الله من رحمته, فتقف يد إبراهيم عن الذبح, وينجّى الله إسماعيل ويفديه بذبح عظيم. ويرث إسماعيل الكتاب فيأمر أهله بالصلاة والزكاة, لاستمرارية الدعوة ومسئولية ميراث الكتاب.

ثم يختم الله القصص في السورة بذكر إدريس الذي رفعه الله مكانا عليّا.

وفي كل هذه القصص, يورث الله الكتاب لخلفاء من أهل الأنبياء, فيرثه يحيى صبيا, ويرثه عيسى رضيعا في المهد, ويرثه إسحاق ويعقوب بعد إبراهيم, ويرثه هارون من موسى أخيه, ويرثه إسماعيل من أبيه إبراهيم,

أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حمل الله مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدى الله واجتبى,

ثم يمسك الله بعد فيخلف الله من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا.

ثم يفتح الله من رحمته ما لا ممسك لها, فيتوب ويؤمن ويعمل صالحا بعض من هؤلاء الخلف, فتستمر دعوة الله ويورث الله الكتاب خلفاء من ذرية هؤلاء النبيين والرسل, فيورثهم الله الجنة.

ويرث هؤلاء جميعا رسول الله محمد صلّى الله عليه وعلى رسله وأنبيائه وسلم, فيكون خاتم النبيين, ثم لا يرثه أحد من رجالنا حيث (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) ولكن ترثه أمة من الذين اصطفى الله من عباده كما قال في سورة فاطر مجملا. وينال ميراث الكتاب أمة تمتد إلى يوم الدين, فيظلم نفسه منها من يظلم, ويقتصد منها من يقتصد, ويسبق بالخيرات منها بإذن الله من يسبق, ذلك هو الفضل الكبير.

ويدّعي بعض أتباع الأنبياء أن الله اتخذ ولدا, فينكر الله عليهم ذلك, (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَدًا(88)لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا(89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا(90)أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَدًا(91)وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَانِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا(92)إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا(93) مريم.

وقد جمعت السورة الصفات التي ينبغي أن تغرس في الأولاد لكي نؤهلهم لميراث الكتاب.

Sub Categories

نريد أن نكون من الذين قال الله فيهم: (ولقد يسرنا القرآن للذكر, فهل من مُدَّكِر!) نحيا بالقرآن, فنتعلم كيف نتدبّره, ونعمل به ونعلمه, كمنهاج حياة, فهو إمامنا نحو بناء الحضارة الإنسانية

روابط المقالات

اشترك

اشترك فى نشرتنا الاخبارية لتتابع جديد المقالات والاخبار

Develop By Quran – Copyright 2012 / 2022 – All Right Reserved

arArabic