وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنْ الْخَلْقِ غَافِلِينَ(17)وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ(18)فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(19)وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ(20)وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ(22)المؤمنون
يعلن الله تعالى عن وجود مخازن من نعمه معدّة للاستثمار, ويدعو المستثمرين لاستغلالها , و الانتفاع بها في الدنيا , والأجر عليها في الآخرة.
فهو سبحانه قد أُنزل من السماء ماء بقدر فأسكنه في الأرض , وكان يمكن أن يذهب به في قاع الأرض بالتسرب إلى أعماق لا يمكن للإنسان الوصول إليها , أو يسيّره أنهارا تحت الأرض فلا يتجمع في منطقة واحدة , ولا يمكن مع ماء متفرّق أن يستفيد منه الإنسان , كماء في كأس , ثم يسكب على الأرض , كما كان يمكن أن يبخره الله بخارا وسحابا في السماء, فلا يمكن التحكم فيه, ولكنه جلّ شأنه , أسكنه في الأرض , وهو على ذهاب به لقادر.
إذن الأرض بها ماء ساكن متجمّع في أماكن تجمع .
إن الله يأخذ الماء إلى مرحلة تالية , فأنشأ لنا به جنات من نخيل وأعناب , لنا فيها فواكه كثيرة , ومنها تأكلون .
ومما أنشأ الله بالماء , شجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدُّهن وصبغ للآكلين. إن الله حدد المكان في طور سيناء , وبين فوائد الشجرة التي تنبت بالدهن , وصبغ للآكلين , ليس لكم فقط , ونأخذ منها إشارة إلى أن إنتاج هذه الشجرة سوف يصدّر لأنحاء العالم , حيث الجنات من نخيل وأعناب قال : لكم , وفي الفواكه قال : لكم , وقال : ومنها تأكلون , أما في شجرة طور سيناء , قال : تنبت بالدهن وصبغ للآكلين , ولم يقل لكم , والآكلون في كل مكان في الأرض , إذن فإنتاج الشجرة للآكلين.
ومن آثار الماء الذي أسكنه الله في الأرض , ينشأ الرعي , ويخلق الله لنا الأنعام , ويسقينا مما في بطونها , ويجعل لنا فيها منافع كثيرة , ومنها تأكلون أيضا. وعليها وعلى الفلك تحملون.
أتصور أننا نأخذ هذه الآيات , ونفعّلها , فنأخذ الصور التي ترسلها الأقمار الصناعية , فتقوم بتحليلها لنتحسس أماكن الماء الذي أسكنه الله في الأرض , وندرس أعماق سكنه , ونقدّر كمياته المتجددة , ثم ندرس التربة في هذه الأماكن , ومدى إمكانية الزراعة فيها , ثم ندرس إقامة مشاريع زراعية عليها , تكون الجنات من الشجر أساسها , لأن المتوقع أن الماء الذي أسكنه الله في الأرض جزء كبير منه تحت الصحراء, كما أنه في الأماكن الزراعية في الأنهار والآبار التي تستخدم بالفعل في الري والزراعة , وفي الصحراء , من الأفضل زراعة الشجر الذي يقاوم العوامل الجوية فيها , ويثبت التربة , فتصلح بعد ذلك لزراعة محاصيل أخرى ربما من الحبوب والخضروات وغيرها.
وعلى الزراعة يقوم الرعي الذي يحتاج إلى الماء , وهو ساكن في الأرض , وإلى الأرض وهو متوفرة بكثرة ( في مصر يعيش الناس على حوالي 4% فقط من المساحة الكلية لأرض مصر, والباقي صحراء وجبال وشواطئ البحار) وتحتاج الأنعام إلى الشجر والزرع والحب .
ومن الرعي تنشأ الألبان وصناعاتها , واللحم , ومنافع كثيرة , ونركبها كوسائل مواصلات في الصحراء , كما أن الفلك وسائل مواصلات في البحار.
هذه مشاريع استثمارية على أرض الصحراء , معروضة للسادة المستثمرين المسلمين منذ أربعة عشر قرنا من الزمان , يقرأون عنها في سورة “المؤمنون” كلما تلوا الكتاب وختموه بغير فهم , أو بغير عزم.