مراحل فساد الذرّية

0 تعليق 348 مشاهدة

بعد سجدة سورة مريم, التي يستسلم فيها الأولاد لربهم, ويخروا سجّدا وبُكيّا إذا تُتلى عليهم آيات الرحمان, بين الله سبحانه مراحل الهدم التي يمكن أن يقع فيها الخلف بعد الهداية, ويبين سبحانه كيفية إنقاذ الخلف من شرور كل مرحلة منها.
بعد تربية الذريّة الوارثة لكتاب الله, بمنهاج القرآن يكون بين أيدينا جيل جديد مؤهّل لهذه المهمّة قادر على حملها.
ولكن الشيطان المتربص ببني آدم, لا يكف عن محاولات الإغواء والعداوة فيقع بعض الناس في حبائله. لقد قال لنا الله سبحانه: (إن الشيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدوّا), وقال إبليس عليه لعنة الله: (فبعزّتك لأٌغوينهم أجمعين* إلا عبادك منهم المخلَصين)
وقال سبحانه محذرا بني آدم (يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنّة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما) إنه ينزع لباس التقوى الذي جعله الله لبني آدم ليقيهم شرور الشيطان, فكيف تتوقع أن يأتي الشيطان لابنك؟ ما هي الأبواب التي يبدأ إبليس بالدخول منها؟
فما هي الخطوات التي يمكن أن يتدرّج فيها ورثة الكتاب من الأبناء بعيدا عن منهاج الله الذي تربوا عليه؟
1. إن أول خطوة للخلف هي إضاعة الصلاة, يتلوها اتباع الشهوات التي تنهى الصلاة عنها, (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات)
2. ثم تتلوها خطوة التشكك في الآخرة والبعث, فينسى الإنسان نشأته ونهايته, ولا يربطه بالله موقف الحساب يوم القيامة, (ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيّا)
3. ثم إن أضاع الصلاة واتبع الشهوات, وتشكك في البعث, فإنه يكون في الضلالة (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدّا)
4. ثم يصل إلى الظن بأنه يمكنه أن يستغني عن الله وآياته بماله وولده, فيكفر بآيات الله (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا)
5. ثم إن صار في الهواء طليقا بعيدا عن حبل الله المتين, فإنه تتلقاه آلهة الضلال, فيتخذ من دون الله آلهة, من هواه ورغباته, ومن المال وعبادته, والشهوات, والسلطة والشهرة, فيطيع كل هؤلاء في معصية الله (واتخذوا من دونه آلهة ليكونوا لهم عزّا)
6. ثم يصل إلى قاع الضلال والكفر والفسوق, بأن ينسب إلى الله الولد, ويفتري على الله الكذب, فيتعدّى بذلك على الذات الإلهية (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا) تعالى الله عما يقولون علوّا كبيرا.
هذه المراحل الست مفصلة في النصف الثاني من سورة مريم, وبنفس الترتيب, بعد سجدة الذريّة مباشرة.
ولنستعرضها, ولننظر هدْي الله في معالجتها والوقاية منها..
1. أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات
إن الإنسان يمكن أن يفتح على نفسه بابا للشيطان ليدخل منه, وأول باب هو إضاعة الصلاة.
1. فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, فإن أضاع الخلف الصلاة, كانوا لإضاعة غيرها من الواجبات أكثر, وإنهم يتبعون الشهوات, فيلقون خسارا في الدنيا والآخرة.
فكيف تضيع الصلاة:
1. الجهل
إن البيت المسلم تقام فيه الصلاة, والطفل المسلم يلقّن كيفية الصلاة في بيته وفي مدرسته, وأول ما يضيّع صلاته يكون في الجهل:
الجهل بفرضيتها: إن الصلاة هي ركن الإسلام الثاني بعد الشهادة, بني الإسلام على خمس, ولابد أن يتعلم كل طفل مسلم أن الصلاة فريضة الله الأولى, وأنها العهد الذي عليه المسلم مع ربه, وأن المسلم الذي شهد ألا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله, ليس له أن يختار أيصلّى أو لا يصلّى, فلا اختيار في ذلك. لقد أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع سنين, وأن نضربهم على تركها لعشر سنين, ضربا غير مبرح ولا مسبب لعاهة, حتى يعتادوا عليها, ويعلموا أنه لا خير في دين لا صلاة فيه, وعلى الوالدين أن يضربوا المثل والأسوة الحسنة لأبنائهم في إقامة الصلاة وعدم الاستهانة بها, وعدم تركها تحت أي ظروف, وأن الصلاة ملازمة للمسلم في كل أحواله من صحة ومرض, وحضر وسفر, وفراغ وشغل, وسلم وحرب لا عذر لمسلم في تركها. فيأخذ الأب ابنه للمسجد في الصلوات الخمس, وتأخذ الأم بناتها إلى المسجد (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) كما قال صلّى الله عليه وسلم. ويقيم ربّ الأسرة صلاة الجماعة في بيته, يجمع أهله وضيوفه عليها, إن لم يذهب إلى المسجد, ويحيي فيهم صلاة الفجر, والحرص عليها, وترك المضاجع من أجلها (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون, فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)
الجهل بأحكامها: للصلاة أحكام لا اجتهاد فيها, قال صلى الله عليه وسلم: صلّوا كما رأيتموني أصلّي, ومسئولية الوالدين أن يزرعوا أحكام الصلاة في أبنائهم وهي ميسّرة نراها في كتب الفقه, ونراها في صلاة علمائنا, ونراها في المساجد, ومقدمات الصلاة أيضا من طهارة ووضوء, وعلى الآباء مسئولية تلقين أبنائهم أحكام الطهارة والوضوء, والبقاء على حالة الطهارة في الثوب والبدن والمكان, وأن ينفروا من النجاسات كما ينفرون من الأمراض والأوبئة, وعليهم أن يراجعوا مدى فهم أبنائهم لهذه الأحكام وألا يكتفوا بالتلقين, فيراجعوا ملابسهم وكيفية الاستحمام والغسل والوضوء, وأماكن قضاء الحاجة. وعند البلوغ, يجلس الأب إلى أبنائه, وتجلس الأم إلى بناتها ليلقناهم أحكام الطهارة والوضوء بعد المتغيرات التي تطرأ عليهم من البلوغ.
الجهل بأركانها: للصلاة شروط من الطهارة واستقبال القبلة وستر العورة, ولها أركان تتمثل في النية وتكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة والقيام والركوع والسجود والجلوس والتشهّد والتسليم, ولها سنن, وللصلاة مبطلات ومكروهات ومباحات. وهي أمور يتعلمها المسلم مرة في عمره بطريقة صحيحة, ثم يمارسها كل يوم خمس مرات على الأقل طوال حياته, ويعلّمها أولاده, وعلى الآباء مسئولية تلقين هذا العلم لأبنائهم وإزالة الجهل به,
الجهل بوقتها: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا, والمحافظة على الصلاة محافظة على وقتها, وأفضله أول الوقت, وإضاعة وقت الصلاة إضاعة للصلاة
2. الكفر: إن الكفر بحق الله على عباده بأن يعبدوه لا يشركون به شيئا: إن من إضاعة الصلاة أن يظن المسلم أن الله لكونه غنيا عن عباده لا تنفعه سبحانه طاعتهم له, ولا تضره معصيتهم له, أنهم بذلك يمكن أن يستغنوا هم عن الصلاة. فذلك كفر بحق الله على عباده بالطاعة بالشكل وفي الموعد والكيفية التي يأمر بها سبحانه وتعالى.
3. التكبّر: إن التكبر على الصلاة من إضاعتها, إن المؤذن حين ينادي : الله أكبر الله أكبر, فإنه يذكّر كل مسلم أن يترك ما في يديه ويتوجه إلى الله بالصلاة, معلنا أنه مؤمن بأن الله أكبر, لا ينشغل المؤمن إلا به سبحانه, ولا تشغله نعم الله عن المنعم سبحانه, وأنه يصلي حين يأمره الله بالصلاة, فإذا قضيت الصلاة, فإنه ينتشر في الأرض ويبتغي من فضل الله ويذكر الله كثيرا حين يأمره الله بذلك, فيكون من المفلحين.
4. إضاعة ثمار الصلاة: وإضاعة الصلاة, إضاعة لثمارها حتى لو أقامها
وقال الحسن البصري في (أضاعوا الصلاة): عطلوا المساجد ولزموا الضيعات
وقيل في كلمة أضاعوا الصلاة: لا يخافون الله في السماء, ولا يستحيون من الناس في الأرض
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” يكون خلف بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يعدو تراقيهم ويقرأ القرآن ثلاثة مؤمن ومنافق وفاجر ” وقال بشير قلت للوليد ما هؤلاء الثلاثة ؟ قال المؤمن مؤمن به والمنافق كافر به والفاجر يأكل به.
والمنافقون إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر.
ويعقب إضاعة الصلاة اتباع الشهوات, فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له.
وقد وصف الله وضع من أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فقال في إيجاز (فسوف يلقون غيّا)
والغي واد في جهنم أو بئر فيها بعيد القاع, وهو الخسران والعياذ بالله. وهو الشرّ وهو الخيبة.
إن الله سبحانه رحيم بهؤلاء الخلف, أبناء المؤمنين, فهو رغم إضاعتهم للصلاة واتباعهم للشهوات, لا يرهبهم بجهنم وسوء المصير, ولكنه يعبّر عما يمكن أن يحدث لهم بقوله (فسوف) وفيها إنذار بمستقبل سيء إن استمروا على ما هم عليه. ويعبر عن المصير بقوله (غيا) وهو الخسران والشرّ والخيبة, فإن كان هؤلاء الخلف يبحثون عن متعة فسوف يلقون غيا من خسران وخيبة, وإن كانوا يبحثون عن مال وشهوات فسوف يلقون غيا, ويتركهم مع كلمة (غيّا) بدون تعريف حتى يفكروا عما وراءها من الخسران والشرّ والخيبة والعياذ بالله.
وهذه الآفة من أضاعة الصلاة واتباع الشهوات, يعالجها الله بالترغيب فيما عنده للتائبين, وليس بالترهيب, فهم مازالوا على بداية طريق الفساد, فربما يكفيهم التوبة والإيمان والعمل الصالح ليرجعوا إلى السجدة لله:
(إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63) )
إن الله يعدهم بالجنّة, ويبين ما فيها مما يهتمون به, من الحماية من الظلم, وهي غيب مؤكد الحدوث (إنه كان وعده مأتيا), كما أن فيها الراحة من اللغو, والسلام, والرزق بكرة وعشيا, وهي ميراث لمن كان تقيا, والتقي لا يضيع الصلاة ولا يتبع الشهوات.
ثم إن الله سبحانه يعينهم بملائكته, التي تتنزّل بأمر ربّك, والطريق هو عبادة الله والاصطبار لعبادته, والاستمرار عليها والمحافظة على ثمار التربية التي ربّى الله بها عباده بكتابه وسيرة أنبيائه ورسله عليه صلوات الله وسلامه.
(وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)
ونأخذ من هذه الآيات ما نقرأه على أبنائنا من الجزاء الذي أعده الله لمن تاب وآمن وعمل صالحا. لندعوهم إلى عباده الله والاصطبار لعبادته.

2. وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66)
إن عقيدة الإيمان هي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, والقدر خيره وشره.
والإيمان بالآخرة هو أول ما يجب غرسه في قلوب أبنائنا. الإيمان بالموت والبعث والحساب بين يدي الله, والجزاء من ثواب الجنة, أو من العقاب بالنار.
فكيف يكون ذلك؟
إن من أول ما أنزل الله على رسوله في الكتاب, قول الله (إن إلى ربك الرجعى)
وفاتحة الكتاب التي لا تصح الصلاة إلا بقراءتها, نقرأ فيها (مالك يوم الدين)
ومن أوائل ما واجه به رسول الله صلّى الله عليه وسلم الناس, قول الله: (إذا الشمس كُوّرت, وإذا النجوم انكدرت), مع ذكر الجنة أزلفت والجحيم سعرت, علمت نفس ما أحضرت. ثم قوله سبحانه (بل تؤثرون الحياة الدنيا, والآخرة خير وأبقى)
وقوله لرسول الله: (كلا إذا دكت الأرض دكا دكا, وجاء ربك , والملك صفا صفا, وجيء يومئذ بجهنم, يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى) وقوله سبحانه (فأما من أعطى واتقى , وصدّق بالحسنى, فسنيسره لليسرى, وأما من بخل واستغنى, وكذب بالحسنى, فسنيسره للعسرى), وقوله سبحانه (وللآخرة خير لك من الأولى)
وظل القرآن النازل في مكة يبني عقيدة الآخرة قبل أية تكليفات من الله لعباده, حتى إذا بنيت عقيدة الآخرة, فإن وجدان المسلم يرتبط بها, وتظل نصب عينيه طوال عمره, بل وتكون هي المؤهل له لدخول الجنة في الآخرة, بعد أن ضبط حياته على أساسها: فأما من أوتي كتابه بيمينه, فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه, إني ظننت أني ملاق حسابيه.
إن ذكر الموت أمام الذرية يمكن أن يأتي بذكر الآباء والأجداد الذين توفاهم الله, فنعلمهم أن الأجل قصير مهما طال, وأن الله سبحانه يقول: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم, ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون)
وحين يموت عزيز لدى الأسرة, أو الجيران, نقوم بتوضيح عقيدة الموت والبعث والحساب والجزاء لأبنائنا.
بل وإن ماتت قطة أو كلب أو عصفور أو دجاجة, فإننا نستثمر تلك الفرص في شرح عقيدة الموت والبعث والحساب والجزاء.
إن الله سبحانه حين تحدث في سورة ( ص ) عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب, قال عنهم: (إنا أخلصناهم بخالصة, ذكرى الدار) إن ذكرى الدار يخلص الله بها عباده الصالحين المؤمنين فيصبحون مخلصين لله,
ربما يعتقد البعض أن ذكر الموت والبعث يدعو إلى الفأل السيء والتشاؤم, ولكن الله سبحانه يجعله ذكرا دائما للمؤمنين يضبط به حياتهم ومعاملاتهم, فمن كان ذكر الآخرة وذكرى الدار أمامه دائما, فإنه سوف يتقي الله, ويتقي يوما تشخص فيه الأبصار, ويقف فيه بين يدي الله للحساب. والميزان قائم بالقسط, الحسنات تثقله, والسيئات تنقصه.
إن مثل الرجلين الذي ضربه الله في سورة الكهف يبين أن صاحب الجنتين تشكك في عقيدة البعث, فقال( وما أظن الساعة قائمة, ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا), وذكره صاحبه ببدء خلقه من تراب ثم من نطفة.
وفي سورة مريم يعالج الله حالة التشكك في البعث بتذكير الإنسان(أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)
ثم يهدد الله هؤلاء المتشككين حتى يفيقوا من غفلتهم:
(فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)
ثم يبين الله الجانب الآخر, الناجين الذين اتقوا, فيقيهم الله من جهنّم وشرّها:
(ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)
وقد يقيس البعض بمقامات الدنيا, ولكن الله يبين أن هذا كله لا يساوي عنده شيئا, ولكن أهلك من هم أحسن أثاثا ورئيا:
(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)

3. مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ
قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75)
إن أضاع الإنسان الصلاة واتبع الشهوات, تدهورت حاله إلى التشكك في الأخرة والبعث
فإذا استمر في التدهور, وصل إلى الضلالة, هنا يجب أن ينذر بما يوعد به الضالون من العذاب في الدنيا أو الساعة وشر المكان وبيان ضعف المدافعين عنه إن وجدوا, وإن ظن أن هناك من يمكن أن يدفع عنه العذاب.
إن الله يمهل ويمدد لمن كان في الضلالة, فلا يتوقع أن يأخذه الله فور كونه في الضلالة, ولكن الله يملي له, إلى أن يأتيه وعد الله, إما العذاب في الدنيا, وإما الساعة يوم القيامة, فيعلم خطأه ومكانه وضعفه.
وعلى الجانب الآخر, وفي مقابل من كان في الضلالة, فإن الذين اهتدوا زادهم الله هدى, ويجدون أعمالهم الصالحة باقية عند ربك, وخير مردّا
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76)

4. أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)
فإن لم يرتدع الإنسان عن الضلالة, بل ترك نفسه يمد له الرحمان مدّا, فإنه يصل إلى المرحلة الرابعة من الانهيار, فيكفر بآيات الله, ويظن أنه قادر على الحصول على المال والولد, ويظن أنه يستطيع أن يستغني بها عن الله وآياته.
فيرد الله عليه ليدعوه إلى الطريق المستقيم. فيبدأ بسؤاله: (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)
ويهدده الله بما يستسهله ويظنه من الاستغناء بالمال والولد, حيث يأتي يوم القيامة مسئولا عمّا قاله, وارث ذنبه وقوله, ويكون فردا أمام الله, فلا مال ولا ولد ينفعه بين يدي الله سبحانه
(كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)

5. وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81)
فإن لم يرجع الإنسان في مسيرة الضلالة, ولم يرتدع حين يظن أن ماله وولده يغنياه, فإنه سيتمادى في غيّه, ويصل إلى الشرك بالله ذاته, فيتخذ من دون الله آلهة ويظن أنها تمنحه العزّ, فتتنازعه آلهة كثيرة, من الهوى والشهوة والمال والخوف والسلطة والجنس والرؤساء, وكل ما دون الله سبحانه, كل هذه آلهة تستعبده, وقد كان من قبل عبدا لله وحده, ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين, (من كان يريد العزّة فلله العزة جميعا)
فيفصل الله بين هؤلاء الشركاء بالباطل, فإن كان يظن اليوم أن تلك الآلهة تنفعه, فإنهم (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)
وهذه من أفعال الشياطين, التي تتربص بالكافرين تؤزّهم أزّا, ولكن بعد إمهال الله لهم…
(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)
وأيضا, وعلى الجانب الآخر, فإن الله يعطي لهذا الإنسان البديل الأفضل والآمن, لكي يعود إلى طريقه, فإن المتقين يحشرهم الرحمان إليه وفدا, ويسوق المجرمين إلى جهنم وردا: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)

6. وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88)
فإن تجاوز الإنسان كل الخطوط الحمراء, حتى بلغ أنه ينسب إلى الله الولد, فإنه بذلك يكون قد بلغ الحد, ففي ذلك افتراء على الله, لا على حد من حدوده, ولا بالشرك به, ولكن بنسبة الولد إليه سبحانه, وبالتعدّي على الذات الإلهية, تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
هنا تثور الدنيا كلها…
لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)
وعلى سنّة الله , فإنه يبين مصير الذين آمنوا وعملوا الصالحات, حتى يعيد التوازن لهؤلاء المفترين على الله الكذب.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)
وفي النهاية, فإن القرآن ميسّر, ونذير لقوم لدّ,
(فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)
لقد هلك الله أمثالهم في التاريخ … فأين ذهب فرعون وهامان وقارون؟ وأين ذهب قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين؟ وأين ذهب الذين عصوا الله وأطاعوا الشيطان, هل تحس منهم من أحد؟ أو تسمع لهم ركزا؟
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)
وفي الخلاصة, فإن هذه ست مراحل لبناء الذرية على مسئولية ميراث الكتاب, وزرع خصائصها, تبعتها ست مراحل للهدم, مع بيان معالجاتها

اسم الله الأعظم في تربية الأولاد
تكرر اسم الله الرحمان في سورة مريم ست عشرة مرة , كأكثر ما تكرر في سورة واحدة من سور القرآن الكريم, والسور التالية لها في التكرير هي سورة الزخرف سبع مرات, وسورة الفرقان خمس مرات, وعلى الجانب الآخر تكرر اسم الله الرحمان مرة واحدة في سورة البقرة كلها. ولم يرد في طوال السور مثل سورة آل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة ويونس وهود ويوسف.
وهذه ملاحظة جديرة بالاهتمام والبحث والفحص. وفي جميع الأحوال فإنني أعتقد والله أعلم أن اسم الله الرحمان مفتاح في تربية الأولاد كورثة للكتاب. وعلى من يربّي أولاده أن يدعو الله باسمه الرحمان وأن يستعين بالرحمان على تربية أولاده.
الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى
نسأل الله تعالى التوفيق, ومن العمل ما يرضيه

Sub Categories

نريد أن نكون من الذين قال الله فيهم: (ولقد يسرنا القرآن للذكر, فهل من مُدَّكِر!) نحيا بالقرآن, فنتعلم كيف نتدبّره, ونعمل به ونعلمه, كمنهاج حياة, فهو إمامنا نحو بناء الحضارة الإنسانية

روابط المقالات

اشترك

اشترك فى نشرتنا الاخبارية لتتابع جديد المقالات والاخبار

Develop By Quran – Copyright 2012 / 2022 – All Right Reserved

arArabic