القرآن كتاب الله الخاتم , ومعجزة رسول الإسلام, صلّى الله عليه وسلم, وهو آخر ما نزل به الوحي. أودع الله فيه كل ما يريد أن يبلغه للناس , من قوانين الطبيعة , والعلاقات الإنسانية , و أهم آثارها في التاريخ , ومآلها في المستقبل . كما أودع فيه التشريعات والقوانين والوصايا ,التي لو تعامل بها البشر لن يضلوا أبدا.
وقد أمرنا الله أن نتلوه حق تلاوته, و أمرنا بترتيله , وبقراءته وبالاستماع إليه والإنصات, وبتدبُّره , وبالإيمان به , وبالعمل بموجبه , وبإبلاغه للناس , والائتمار بأمره و الانتهاء بنهيه , والوقوف على حدوده , ومعانيه.
وهناك من يتلو القرآن, أي يردد كلماته كلمة تلو كلمة , و آياته آية تلو آية. يقف على حروفه و لا يقف عند معانيه وحدوده.
لقد لبثت أتلو القرآن هكذا سنين عددا . ولكني وجدت أن ذلك غير كاف. فبدأت أرتِّل المعاني في الآيات المختلفة , محاولا تدبُّر القرآن , فوجدت قرآنا عجبا , والمتعة التي لا تعلوها متعة. حرمني القرآن النوم حتى يغلب الإرهاق عينيّ.
علمني تدبُّر القرآن كيف لا أضيع وقتا , وكيف أستغل كل لحظة ممكن استغلالها , جريا وراء كلمة , أو بحثا في معنى , أو محاولة لفهم آية , أو استخراج عبرة. علمني كيف يكون صمتي فكرا , وحديثي مع الناس ذكرا .
كيف تكون جلستي وزيارتي مناقشة فيما يحيرني وفيما توصلت إليه بالتدبُّر,
كيف يكون الحديث عن الأحوال الاجتماعية والسياسية والعلمية والعملية تطبيقا لما أدركت من معاني هذا الكتاب المبارك .
علمني كيف يكون مجلسي إلى أهلي وأولادي حول معان وردت, أو معان غائبة تبحث , أو حكمة ضالة يقتفى أثرها.
علمني كيف أقضي وقتي أثناء الانتقال من مكان إلى مكان في التفكير واستدعاء المعاني ومناقشتها مع الأقران.
علمني كيف أكون عن اللغو معرضا , وفي الهزل زاهدا , كيف أحس بقيمة الوقت, وقيمة العمر وقيمة الحياة , كيف يهون العمر إلا لحظة بين يدي كتاب الله , وكيف تهون الأرض إلا موضعا أجلس فيه مع القرآن.
جميل أن تتناول آيات الله بالعناية والتدبُّر والقراءة, وأنت توقن بأن الله أرسل لك أنت هذا الكتاب , وأنّه قد وصل إليك لتوِّه , وأن كل حرف فيه وكل كلمة , يعنيها الله كما هي تماما , وأنّ الله يحدِّثك أنت مباشرة , وأنت تحاول أن تفهم ما يقول سبحانه , وتتضرّع إليه أن ييسر القرآن لك للذكر , وأن يجعلك من المدَّكرين الذين يتلونه حق تلاوته , والذين يرتلونه ترتيلا , ويقرءونه , ويتدبّرون فينظرون فيما تؤول إليه معانيه . ثم بعد ذلك أن تعمل بما علمت , وأن تنقل هذا العلم والعمل إلى غيرك من الناس .
حين أقرأ كتاب الله , تستوقفني آية , ما فائدة هذه الآية؟ وماذا لو سألني الله سبحانه عنها يوم القيامة , فقال: أين أنت من ” أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا(24 محمد) ؟ فأقف بين الخوف من السؤال , والرجاء في الوصول إلى ما يفيد منها وبها, كما يغلبني الشغف بالتعرُّف على مدلولاتها , فأجرى وراء كل كلمة فيها في معاجم العربية , ووراء ما قاله المفسِّرون فيها , ثم أتساءل : هل انتهت المعاني عند ما قيل من قبل ؟ هل اقتصر الفهم على ناس بعينهم , ولم يعد لنا فرصة إلا تلاوة ما قالوا؟ هل سيقتصر السؤال عن تدبُّر القرآن على هؤلاء الذين سبقونا بالمحاولة؟
وماذا عما استجدّ من العلم والإدراك ووسائل المعرفة, ألا تضيف شيئا؟ ألا توحي بمعانٍ جديدة؟
وهل بعد أن أصل إلى الإيمان بالله الواحد , و بكتبه ورسله ,وهو ما ينبغي أن يصل إليه المسلم على يدي والديه في طفولته , هل هناك جديد؟ هل يحدث هذا معي في أي موضوع ؟ أم أنني أظل أبحث وأبحث و أبحث وراء الجديد ؟ و هل يشبع طالب العلم؟
إن تدبُّر القرآن طريق لا نهاية له , وبئر لا قاع له , و بحر بلا شطآن , ولا نفاد لأسماكه ولؤلؤه ومرجانه مهما أخرج منه الصيادون والغوَّاصون. وسماء ما لها من فطور مهما أرجع الناظرون البصر كرة وكرتين حتى ينقلب إليهم البصر خاسئا وهو حسير.
إن معايشة القرآن متعة , تغنى عن متاع الدنيا القليل , لا تنافسها أجهزة الإعلام و شبكات الاتصالات , ولا تضاهيها برامج التسلية والمرح , و لا تقف أمامها زينة الحياة الدنيا . إنها الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا.
إن القرآن شفاء لما في الصدور , وهدى ورحمة ,ونور العقول ,وراحة الألباب , وذهاب الهموم , وجلاء الأحزان , هو تجارة لن تبور.
• كيف أتدبر القرآن؟
• كيف أتعامل مع القرآن؟
• كيف أقتنص المعاني؟
• كيف أجرى وراء الحكمة؟
• ما هي وسيلتي في الفهم؟
• ما هي أدواتي للتدبر؟
• ما هي الخطوات التي أتبعها؟
• ما هي المحاذير؟
• كيف لا أضل الطريق إلى الحقيقة؟
• كيف أتجنب مواجهة محاذير السادة العلماء؟
• كيف أتأكد من عدم تعارض ما توصلت إليه من المعاني مع الأصول؟
• وماذا عما ورد في التفاسير؟
• و ما هو موقف الأخذ من أهل الكتاب؟
• وهل تحتاج كل الآيات إلى تدبر؟
• كيف تجد الوقت؟
نحاول في هذا الموقع (التنمية بالقرآن) أن نجيب على تلك الأسئلة بإذن الله وتوفيقه
اللهم لا تشغلنا إلاّّ بك . اللهم اجعلنا من أهل القرآن, أهل الله وخاصّته.. آمين.