إن من المعلوم بيقين:
• أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
• وأن كل آياته مثبتة في مواضعها من السور كما قرأها رسول الله صلّي الله عليه وسلم على الناس في الصلاة وفي غير الصلاة , وكما نتلوها في المصحف الذي بين أيدينا.
• وأنّ أبا بكر رضي الله عنه, قد جمع كتاب الله في مكان واحد, وكان قد تم تدوينه متفرقا على مواد الكتابة المتنوعة حال نزول القرآن, وراجعه وطابقه على ما في صدور الحفظة من الصحابة, فصار لديه ولدينا تسجيل كامل مجمّع لكتاب الله .
• وأن بعض الصحابة قبل مصحف عثمان , قد جمع كل منهم مصحفا خاصا به- والمصحف هو الجامع للصحف- وبترتيب لسوره بشكل اختلف من صحابيّ إلى آخر. وكان مصحف عليّ بن أبي طالب مرتبا حسب ترتيب النزول (1)
• ولحكمة يعلمها الله , وبإيحاء من رسول الله بما كان يتلو في الصلاة ويوصي بتلاوته في مجموعات متوالية في كثيرمن سور كتاب الله بترتيب خاص, قام أمير المؤمنين عثمان بن عفان مع الصحابة رضوان الله عليهم جميعا, بترتيب كل سور كتاب الله في مصحف إمام واحد موحّد , على الترتيب الذي بين أيدينا واجتمعت عليه الأمة, وتجتمع إلى يوم القيامة بإذن الله, دون تبديل أو تغيير..
• ومن المعلوم أيضا بيقين أن ترتيب السور بالمصحف ليس هو ترتيب نزولها, فالفاتحة ليست أول ما نزل من القرآن, وسورة الناس ليست آخر ما نزل منه, ولكن شاء الله أن يرتب المصحف بالترتيب الذي بين أيدينا.
• وترتيب نزول سورة من كتاب الله, يقصد به بدء نزول فاتحتها, أو أولها , ثم يزيد الله فيها ماشاء.
• أما ترتيب الآيات في السورة الواحدة فهو وحي الله لرسوله. فكانت كلما نزلت آية أو آيات, يأمر الرسول الكريم بوضعها في سورة كذا في موضع كذا, فتوضع كما أمر. ويقرأها صلى الله عليه وسلم في الصلاة, ويتبعه في ذلك كل من آمن بالله ورسوله وكتابه إلى يوم القيامة بلا خلاف.
• وتناولت كتب التفسير كتاب الله حسب ترتيب المصحف, من الفاتحة إلى سورة الناس.
• أما ترتيب نزول الآيات, فإن القليل من الآيات قد وردت في مناسبات نزوله بعض الروايات, كما أن بعضا من الآيات يفهم ترتيب نزوله بعد أحداث معينة, مثل الغزوات والمعاهدات والهجرة والفتح, وقد أفاد من ذلك علماء الفقه بالذات في استنباط الأحكام الفقهية, وفهمها حسب مناسبات نزولها وترتيبها.
• ولا يوجد ترتيب معروف لنزول كل آيات كتاب الله حصرا.
• وعلى أقوال للعلماء , فإن ترتيب نزول السور, هو المذكور في بعض المصاحف-خاصة المطبوع منها في المصحف الأميري, أو مصحف فؤاد, بمراجعة واعتماد الأزهر الشريف – والمكتوب على رأس السور وعناوينها (سورة كذا, نزلت بعد سورة كذا), وهو مطابق للترتيب الموجود على الأقراص المرنة للحاسب الآلي المنتجة في مصر, وهو نفسه تقريبا الذي يفهم مما أورده السيوطي في كتابه “الإتقان في علوم القرآن” . هذا الترتيب هو أرجح الأقوال في الترتيب, ولهذا فسوف اعتبره مرجعا لترتيب بدء نزول السور.
وهنا تبرز تساؤلات!!!
… باعتبار أن الله قد نزّل الذكر وتكفّل بحفظه , فقد سألت نفسي مجموعة من الأسئلة, محاولا استلهام حكمة الله التي يؤتيها من يشاء:
• لماذا لم تُسجَّل آيات كتاب الله بترتيب نزولها؟
• وما الحكمة في وضع كل مجموعة من الآيات في سورة واحدة ,قد ينزل جزء منها في يوم , وينزل جزء آخر بعده بسنوات؟
• ولماذا لم تفرد سور مخصوصة للآيات التي نزلت متأخرة, بل جمعت في سور حسب ترتيب رسول الله لها, ومراجعة جبريل عليه السلام في رمضان من كل عام؟
• وما الحكمة في أن يصل إلينا ترتيب نزول سور القرآن , بينما لم يصل ولا يوجد مرجع لترتيب نزول كل الآيات على سبيل الحصر؟
.. وتسليما بحكمة الله في كل ذلك, فإنني أصيغه كما يلي:
• لم ينزل الله آيات كتابه جملة واحدة,
• ولكنه أنزلها على فترات.
• ثم جمعها رسول الله بوحي من الله, في سور بالشكل الذي بين أيدينا, وبشكل يختلف عن الترتيب التاريخي لنزولها.
• وترتيب نزول فواتح السور يختلف عن ترتيب السور في المصحف .
• وهو يختلف عن ترتيب نزول الآيات عموما.
• وأعلم الله الناس بترتيب نزول السور.
• ولم يعلمهم بترتيب نزول الآيات حصرا, إلا بعضها المرتبط بالفقه والأحكام.
أستنتج من ذلك:
• أن الآيات التي أعلمنا الله بترتيب نزولها, أفادت في الدراسات الفقهية, وغيرها.
• وأن الآيات التي لم يعلمنا الله بترتيب نزولها, لا ضرورة لمعرفة ترتيبها, فإن فهمها وتدبُّرها لا يتأثر بمعرفتنا بترتيب نزولها, بل ربما نقول إنه قد يضرّ بالفهم إن علمناه, حيث أراد الله ألاّ نعلمه.
• بينما يمكن أن يؤثر في الفهم والتدبُّر, تناولنا لترتيب نزول السور, الذي قضى الله أن يصلنا ونعلمه ويسجله العلماء من الحديث النبوي وأقوال الصحابة.
وبصفة عامة, فإن دراسة القرآن بترتيب نزول سوره, هي نظرة من زاوية أخرى, وكل القرآن جميل من أية زاوية نظرنا إليه.
- (في كتابه (الأصلان في علوم القرآن), يقول الأستاذ الدكتور محمد عبد المنعم القيعي, أستاذ ورئيس قسم التفسير وعلوم القرآن- كلية أصول الدين, جامعة الأزهر- سابقا (نسأل الله له الرحمة) وفي صفحة 115: “وأما ترتيب السور فباجتهاد موفق من الصحابة. وكان بعضهم كعلي بن أبي طالب يرتب السور مراعيا تاريخ النزول إلى أن رتبها عثمان بذلك الترتيب, ومن العلماء من جعل ترتيب السور توقيفيا, والمختار أن بعضها توقيفي, والبعض الآخر اجتهادي للروايات المتعارضة.)