زهرة القرآن:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «اقْرَأُوا الْقُرْآنَ. فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ. اقْرَأُوا الزَّهْرَاوَيْنِ : الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ . فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ. أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ. أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ. تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَأُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ. فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ. وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ. وَلاَ يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».
والزهرة هي نتاج النبات, بعد إنبات بذرته وامتداد جذوره ورفع ساقه وفروعه في السماء, ثم لكي ينتفع الناس به, تخرج زهرته حاملة حبوب اللقاح فإذا تلاقحت تحولت الزهرة إلى ثمرة, لينتفع الناس بها.
والغياية السحابة المنفردة, وهي ظل الشمس بالغداة والعشي. والبطلة السحرة.
كذلك هي سورة البقرة, فقد أنزلها الله بعد القرآن المكي الذي هو النبات الأول في الأصل والجذر والساق والفروع, فكانت هي الزهرة التي تتلاقح مع تقوى المتقين, وإخلاص المخلصين, وعمل العاملين, فتثمر هدى ورحمة للناس, تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
.. وكأن سورة البقرة هي الحكومة التنفيذية, تحمل أسس العمل العام النافع, والنظام والتشريع للحضارة الإنسانية, وينتج عنها استمرار للحياة, والحفاظ عليها.
ومن هذه الرؤية تظهر المحاور الرئيسة في السورة.
… ومن كل رؤية ومن كل زاوية فالقرآن جميل حكيم لا تنقضي عجائبه, وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق, وإنه يعلو ولا يُعلى عليه. اللهم علمنا القرآن, وارزقنا تدبّره, ونوّر قلوبنا وعيوننا وجوارحنا وألسنتنا وبيوتنا وأهلينا ومجتمعاتنا وحكامنا وحكوماتنا به… آمين.
…………..
لبث صلّى الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشر عاما بعد بدء نزول القرآن, وهو يدعو الناس..
.. وقد مثّل القرآن المكّي في ست وثمانين سورة, مرحلة بناء قواعد الحضارة الإنسانية, والأساس السياسي لأية حكومة تسوس الناس وترعى مصالحهم. وقد استعرضت في رؤية للقرآن المكي تلك القواعد والأسس, فكانت خلاصتها هي مراحل: بناء الإخلاص , ثم المشاركة بين كل طوائف المجتمع على اختلاف عقائدهم, ثم القيادة بكل مستوياتها, ثم إدارة الأزمات, ثم بناء الحكمة, ثم أسس فصل الخطاب والنظام القضائي, ثم مناهج العمل والنشاط الإنساني والاقتصادي, ثم منهاج الدعوة العالمية لإخراج الناس عامة من الظلمات إلى النور, وترقية المؤمنين, وزلزلة الكافرين.
بداية العصر المدنيّ:
وبعد أن علمه الله أصول بناء الحضارة في القرآن المكيّ؛ هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.
بدأ القرآن المدني بسورة البقرة, وانتهى بها, حيث ظلت تتنزل طوال العهد المدني, بدءا من وصول رسول الله إلى المدينة, وإلى أن نزلت آخر آية في كتاب الله (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) وتنزلت خلالها كل السور المدنية بالتشريعات في كل ميادين الحياة.
ويمثل القرآن المدني في ثمان وعشرين سورة, إضافة رئيسة للمنهج القرآني في بناء الحضارة الإنسانية, فهو الحكومة التنفيذية القائمة على التطبيق العملي للقواعد والأسس المبنية في مكة. وهو ………