تحديات إقامة الحضارة ودولتها:
إن الإنسان هو العنصر الرئيس في إنجاح أي مشروع حضاري, أو في إفشاله. وبالتالي, فإن الاهتمام بإعداد الإنسان وثقته في المنهاج الذي يشارك في تنفيذه يعتبر أساس كل نجاح.
وإن كان الإيمان بالله, وعدم الارتياب في الكتاب, وتقوى الله, هو الأساس لتمكين أمر الله في الدولة, فإن الذي يخالف ذلك فيرتاب في الكتاب, يكون معوقا أو معرقلا, يمنع الوصول إلى الهدف؛ وبالتالي فإن الذين كفروا والمنافقين يمثلون تحديا يواجهه المشروع الحضاري, المبني على هدى الله النازل في كتابه, وعلى تقوى الناس لربهم في سلوكهم ومعاملاتهم. فالذين كفروا اتخذوا موقفا مضادا صريحا لكتاب الله وهديه, فهم غير مقتنعين به, أو قل غير مؤمنين به, والمنافقون مثلهم إلا أنهم يبدون خلاف ما يبطنون, فلو أننا اخترنا أحدا من أي من الفئتين ليتولى مسئوليات رئيسة في الدولة, فإنهم لن يلتزموا بما جاء في الكتاب, ويعني هذا أنهم سيأتون بما يختلف معه.
ومن عقيدة المتقين المؤمنين بالله أن ما جاء به ذلك الكتاب هو الحق, لا ريب فيه, إذن فما يخالفه هو الباطل والضلال (فذلكم الله ربكم الحق, فماذا بعد الحق إلا الضلال؟) (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)؛ وبالتالي فإن المتقين يعتبرون الذين كفروا غير مأمونين على سياساتهم وحكمهم, وحتى لو كانوا ناسا ذوي خبرات في الحكم وإدارة الدولة, إلا أن الأساس الذي يبنون عليه سياساتهم لا يلتزم بصراط الله المستقيم. ومن المتوقع أنهم لن يمانعوا اللجوء إلى أية سياسات تخالف ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه.
وقد سبق في سورة ص أن وضع الله قاعدة ليلتزم بها مجتمع المتقين في التمكين لمسئوليهم (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض؟ أم نجعل المتقين كالفجار؟)
والخلاصة أنه على المتقين أن يختاروا مسئوليهم من غير الذين كفروا, ومن غير المنافقين. ولكي يتعرف المتقون على خصائص تلك الفرق, فإن الله يبين خصائصهم وكيفية التعامل معها, وأسلوب دعوتهم للمشاركة في الالتزام بدستور الدولة, وأسس إقامة الحضارة. وبيان ذلك كالتالي:
- الذين كفروا
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)
قبل نزول القرآن, كان الكفر منتشرا ربما بسبب الجهل, ولكن بعد استعراض أدلة وجود الله, وقدراته وأسمائه وصفاته, أزيل الجهل بالله, والجهل بالغيب, والجهل باليوم الآخر, والجهل بأن الله يدبر الأمر, وأنه له الحكم وإليه ترجعون, والجهل بأن العمل إنما يكون صالحا بإخلاص لله رب العالمين. بعد إزالة كل تلك الأسباب للجهل, فإن العقل الطبيعي الذي يحتاج إلى إثباتات, يصل إلى القناعة المنطقية بالله.
إن القارئ للقرآن المكّي النازل قبل سورة البقرة, لابد أن يصل بعقله إلى التصديق بأمر الآخرة, بل واليقين بها, غير أن بعض الناس لا يكذّبون, ولكنهم يجحدون {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـاٰلِمِينَ بَآيَـاٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ} , بل إن بعضهم يتيقن منها, ومنهم فرعون وملؤه هؤلاء يتخذون موقفا معاندا جاحدا غير موضوعي (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعُلُوّا) وكما يقص سبحانه عن الوليد بن المغيرة بعد أن قال في القرآن وفي رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما لم يستطعه كثير من الناس حتى المسلمون منهم, فيفكر في مخرج لنفسه ليقنع الناس بعكس ما اقتنع هو به, فيقول الله عنه في سورة المدّثّر (إنه فكر وقدّر, فقتل كيف قدّر, ثم قتل كيف قدّر, ثم نظر, ثم عبس وبسر, ثم أدبر واستكبر, فقال إن هذا إلا سحر يؤثر, إن هذا إلا قول البشر)
هؤلاء الذين كفروا, لا فائدة من دعوتهم فقد ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم, وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم, ولا جدوى من بذل أية جهود في سبيل دعوتهم للاشتراك في بناء الحضارة بهداية الله.
وما عليك إلا أن تبلغهم رسالات الله وإنذاره بالآخرة وبالبطش الشديد, وبآياته الكونية التي تدل على أهوال يوم القيامة طبقا لما قاله الله: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) ولكن لا تضيع وقتك في مناقشتهم في شريعة الله, وأوامر الله ونواهيه.
وقد هدى الله رسوله لذلك منذ بدايات بعثته صلّى الله عليه وسلم, حين قال (عبس وتولّى* أن جاءه الأعمى* وما يدريك لعله يزّكّى* أو يذكر فتنفعه الذكرى* أما من استغنى* فأنت له تصدّى* وما عليك ألا يزّكى* وأما من جاءك يسعى* وهو يخشى* فأنت عنه تلهّى* كلا إنها تذكرة* فمن شاء ذكره* في صحف مكرّمة* مرفوعة مطهرة* بأيدي سفرة* كرام بررة) - المنافقون:
إن فريقا من الناس أسوأ من الذين كفروا؛ هم المنافقون, يخادعون, ويظهرون ما لا يبطنون, ويبطنون ما لا يظهرون. وهذه أخطر صفاتهم: - الخداع والكذب: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)) فيتعامل معهم المجتمع المؤمن على أنهم منه, يؤاكلونهم ويشاربونهم, ويعاشرونهم, ويناسبونهم, ويشاركونهم, على أساس ما يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم؛ إلا أن الله يبين علاماتهم ويفضح خباياهم..
- الإفساد في الأرض من حيث يظنون أنهم يصلحون(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12))
- احتقار الناس ومعتقداتهم (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13))
- التعامل بوجهين والتحالف مع شياطينهم (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)
- وإن كان الله قد زادهم مرضا, ووصفهم بأنهم هم المفسدون, وهم السفهاء, والله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون, فإن ذلك بسبب تفضيلهم الضلالة على الهدى (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16))
- لقد علم هؤلاء المنافقون الحق الذي أنزله الله, وقالوا آمنا بالله وباليوم الآخر, ثم إذا هم يبطنون غير ما أظهروا, فذهب الله بنورهم (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)
- )أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)). إن المنافقين حين يستمعون إلى كلام الله, فإنهم لا يرون ما فيه من خير كما لا يرى الجاهل ما في الصيّب من ماء يحيي الله به الأرض بعد موتها. والصيّب يصاحبه ظلمات ورعد وبرق, فيرى العاقل أن بها خير ودلالة على خير, وإنما يسأل الله خيرها ويستعيذ به من شرها, كما كان يفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم (اللهم حوالينا ولا علينا). أما المنافقون فإنهم مثل الجاهلين, لا يرون في الصيّب إلا الظلمات والرعد والبرق, كما لا يرون من هدي الله النازل في كتابه, إلا التهديد والوعيد, ثم هم يظنون أنهم إن جعلوا أصابعهم في آذانهم فإنهم يحمون أنفسهم من صواعق الصيّب, كما يصمّون آذانهم عن تهديد الله ووعيده المصاحب لهديه النازل, ظنا منهم أنهم إن لم يسمعوا فقد أنقذوا أنفسهم من العذاب, ولكن الله محيط بالكافرين.
- (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)) ثم إنهم ينتهزون أية فرصة استفادة من هدي الله لمصالحهم في الدنيا, فيلتزمونه ما وجدوا فيه مصالح عاجلة لهم, كما في المواريث مثلا, كما بين الله في سورة النور (وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين) حتى إذا أنزل الله في هديه ما يظنون أنه يخالف مصالحهم العاجلة, فإنهم يتركون هدي الله, كما يفعل الذي يحاول أن يستغل إضاءة البرق في المشي, فإذا ذهب البرق وأظلمت الدنيا عليهم قاموا وتركوا ما في البرق من فوائد ومطر يحيي به الله الأرض بعد موتها.
وهذه صفة المنافقين, يعلنون إيمانهم وتمسكهم به كلما كان في ذلك مصالحهم في تجارة أو ميراث أو نكاح أو معاملات, أو حماية من الخوف, كما يتنصلون من الإيمان كلما لم يجدوا مصلحة لهم فيه. - عامة الناس
وفي المجتمع الإنساني في أي مكان وفي أي زمان, لابد من وجود ناس لم يتخذوا موقفا بعد من قضية الإيمان, فما هم بمؤمنين, وما هم من الذين كفروا, وليسوا بمنافقين. هؤلاء يتوجه لهم القرآن بالدعوة إلى عبادة ربهم لعلهم يتقون, ويعرفهم بربهم وآلائه ونعمته عليهم؛ فإن اتقوا فقد انضموا إلى مجتمع المتقين الذين يكون ذلك الكتاب هدى لهم. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)
فإن كانوا في ريب من الكتاب, فلا يتوجه لهم القرآن بأوامر ونواه, قبل أن يدعوهم لإزالة الريب أولا, ولو بمحاولة تقليد سورة واحدة من مثل ما أنزل الله (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)
حتى إذا عجزوا – وهم لابد عاجزون عن مواجهة هذا التحدي- فإنه يدعوهم لاتقاء النار(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)
فإن آمنوا وانضموا إلى طائفة العاملين الصالحات, فإنه يبشرهم بأفضل مما يتمنونه في الدنيا من جنات ورزق وأزواج وخلود(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)
.. وهكذا تغطي فواتح سورة البقرة كل أصناف الناس في المجتمع الإنساني وخصائصهم: المتقين, والذين كفروا, والمنافقين, ثم عامة الناس, وذلك طبقا لموقفهم من الدستور.
.. وهنا يضرب الله مثلا لاختلاف الطوائف المختلفة في تلقّى هدي الله. فحين يضرب الله مثلا ولو ببعوضة فما فوقها, فإن الذين آمنوا يعلمون أنه الحق من ربهم, وينشغلون بتحليله وفهمه وإدراكه, والإفادة منه. وأما الذين كفروا فإنهم يعترضون ولا يحاولون الفهم, فهم كافرون مبدئيا بكل ما أنزل الله. ومن هنا, فإن الذين كفروا والمنافقين لن ينقادوا بما ينزّل الله في كتابه, ولن يكون هدى لهم.
.. ومن هنا أيضا, فإن نفس المثل يضل الله به كثيرا ويهدي به كثيرا, على أساس تلقّي كل طائفة له. وما يضل به إلا الفاسقين. أي أنه ألبسهم لباسا يواري سوءاتهم, ففسقوا عنه, فنقضوا عهد الله, وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل, وأفسدوا في الأرض, فكان ضلالهم بما كسبت أيديهم, أولئك هم الخاسرون: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27))
إن الله يعالج الكفر باعتباره المعوق الأول لبناء الحضارة الإنسانية. فقد كان الله ولم يكن معه شيء, فهو الأول. والكافر لم يكن شيئا, ثم أحياه الله وأوجده, ثم هو يميته, ومثله كل إنسان, بل كل مخلوق, بل إن كل شيء هالك إلا وجه الله سبحانه وتعالى. يعترف بذلك كل عاقل. فكيف لعاقل أن يكفر؟! فإن صدّق بحالته قبل حياته, وصدق بحتمية موته, فإنه لابد لعقله أن يصدق بما يقوله خالقه من أنه يحيي بعد الموت, وإليه ترجعون. فإن صدق بذلك, فإنه يكون مؤمنا بالله, وبالبعث بعد الموت. (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28))