أرسل الله نوحا عليه السلام إلى قومه لينذرهم من قبل أن يأتيهم عذاب أليم, فبين لهم نوح أن يعبدوا الله ويتقوه ويطيعوا نوحا, ووعدهم أمام ذلك أن يغفر الله لهم من ذنوبهم, ويؤخرهم إلى أجل مسمّى. (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)
ولكنهم لم يستجيبوا له رغم جهوده عليه السلام وطول مكثه فيهم, بل زادهم فرارا, وإصرارا واستكبارا. (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6)
استعمل نوح مع قومه الوسائل السمعية (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ..) والبصرية (وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ …) والعقلية(وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) والجلسات العلنية (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) والسرية والخاصة (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9))
ووعدهم (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) أن يأتيهم منافع في الدنيا:
- يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)
- وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ …
- وَبَنِينَ ..
- وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ ..
- وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)
وفي النهاية فإن قوم نوح كانوا من أسوأ الأقوام استجابة لنبيهم, وفي موضع آخر قال الله عنهم (وما آمن معه إلا قليل) رغم أنه (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) وامتد فشلهم في الاستجابة إلى أولادهم من بعدهم, حيث كان الجد يوصي أحفاده بمقاطعة ومعاداة نبي الله, حتى قال نوح عليه السلام فيهم: (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)
وبالتالي فإن المدخل الذي يعتمد على الوعود العاجلة في الحياة الدنيا لا يفلح حافزا للعمل الصالح والإيمان, أي لا يفلح مع السعي الذي يريده الله (فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)
وتكون سورة نوح إعلانا بذلك. والله أعلم.