بعد استعراض هدف السعي في سورة الذاريات, ونتائجه في الغاشية, ومعاييره في الكهف, تأتي سورة النحل لتبين مجالات العمل والسعي.
وهنا سيكون السعي هو تنفيذ أوامر الله الذي لا يتخذ المؤمن من دونه وكيلا, والذي لا يستهدف من سعيه إلا عبادته سبحانه وحده لا شريك له. ولذا فهو يترقّب أمر الله ليبدأ في التنفيذ, فيأتيه الأمر:
(أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1))
والأمر يأتي عن طريق الملائكة: إما بالوحي المنزل على رسل الله وأنبيائه, والذي جمع الله أحسنه في القرآن الكريم المُنزّل على رسول الله محمّد صلّى الله عليه وسلم, وإما أن يأتي بإيحاءات الله للإنسان عن طريق لمّة الملك, وعن طريق دور الملائكة المبين في سورة فاطر (سورة الملائكة), بخواطر تأتي للإنسان دون سابق علم بها, تتعلق بآيات الله الكونية, لاستثمارها في طاعة الله, وفي عمارة الأرض, لبناء ثمار الحضارة الإنسانية من مخترعات ومكتشفات وأجهزة وأساليب إدارية وبحثية وكل من ينتج عنه تطوير الأرض إلى أن تأخذ زخرفها وتزّيّن, ويظن أهلها أنهم قادرون عليها, وهو سقف البناء الحضاري الإنساني الذي ليس بعده تطوير أو زخرفة, ثم يأتي بعد ذلك أمر الله للأرض فيجعلها حصيدا كأن لم تغن بالأمس.
يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)
وهنا يبين الله مجالات العمل والسعي والنشاط الإنساني؛ فهو يتسع لكل ما في السماوات والأرض: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)) ولكل الجهود المخلصة للإنسان الذي يسير على هدى الله, ولا يخالف ذلك إلا إنسانا خصيما مبينا: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4))
ثم تتعدد مجالات العمل لتشمل كل ما يبني الإنسان به الحضارة وكل ما يحفظها من الانهيار:
- الثروة الحيوانية)وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا(:
أ. لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ: من الأصواف والأوبار والأشعار والجلود للملابس والأردية
ب. وَمَنَافِعُ : مثل الأظلاف والعظم ومنافع أخرى من الأمعاء وغيرها
ج. وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) اللحوم والألبان ومنتجاتها
د. وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) الفنون والمشاعر
ه. وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) وسائل النقل والانتقال وتيسيرها. - الثروة الزراعية) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً(:
أ. )لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ : المصادر المائية ومشروعات مياه الشرب والري
ب. وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) الشجر المثمر
ج. يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ : مثل الحبوب والخضروات.
د. وَالزَّيْتُونَ : أكله وصبغه ومنتجاته
ه. وَالنَّخِيلَ : التمور والبلح والسعف واللوف والخوص
و. وَالْأَعْنَابَ : الفواكه والعصائر والشراب.
ز. وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) باقي الثمرات - الطاقة والوقت:
)وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(12)) الراحة بالليل, والأعمال الليلية والأعمال النهارية, والطاقة الشمسية, وعلوم الفلك وعدد السنين والحساب. - الثروة المعدنية:
) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)) يزيد على ما سبق المعادن والأحجار ومصادر الطاقة من البترول وغيره - الثروة البحرية (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ):
أ. (.. لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا..): صيد الأسماك وصناعاتها
ب. (.. وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا..): اللؤلؤ والمرجان والأحجار الكريمة
ج. (..وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ.): صناعة السفن والأنشطة البحرية لنقل البضائع والانتقال
د. (.. وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) : الملح واليود والطاقة والسباحة والأنشطة البحرية
ه. وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) استثمار النعم فيما يرضي المنعم سبحانه. - البنية الأساسية:
أ. (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ..) ثبات الأرض بالجبال
ب. (..وَأَنْهَارًا ..) مصادر المياه والطاقة المائية
ج. (.. وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)) الطرق والمسارات والوسائل
د. (.. وَعَلَامَاتٍ ..) للاهتداء أثناء السير في الأرض
ه. وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) علوم الفلك والفضاء
أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) - الثروة الفكرية:
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) الخبء في عقول الناس ونتاج تفكيرهم ونشاطهم الذهني من الكتابة والصحافة والثقافة والأنشطة العلمية والأدبية..
تصنيف سعي الإنسان أمام عطاءات الله:
نزل الكتاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليبين للناس وهدى ورحمة: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)) فجعل مصادر العلم والبحث سبعة: الوحي, سؤال أهل الذكر, البينات, الزبر (الكتب الأساسية) والذكر, وبيان رسول الله, والتفكُّر.
ثم قال: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)) فاختلفت مشاربهم كل حسب عقيدته وجهده:
● فالذكر الحكيم كالماء, ينال منه كل الناس باختلاف عقائدهم ومنه تعلم الناس القواعد الأساسية للحضارة, من القيادة والتشريع والقضاء والبحث العلمي: (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)
● وجاء بيان الرسول في سنته كاللبن, لينال منه الشاربون فقط, المؤمنون به المتدارسون لسنته: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)
● ثم تنتج عقول الناس من ثمرات عطاءات الله, ولكن نتاجها يكون إما مضرّا كالسكَر, وإما نافعا كالرزق الحسن: (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)
● وأما السلوك المطلوب والمحمود من الناس فهو طاعة أوامر الله والسير بمقتضاها, فينتج خيرا لكل الناس, ويستطيع ذلك قوم يتفكرون: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)
- صلاحيات التصرف بحرّية:
فالعبد الذي ليست له صلاحيات الإنفاق, يظل غير قادر على التصرف: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) - صلاحيات القيادة:
فالذي لا يقدر على شيء, لا يستوي مع من يأمر بالعدل: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) - التعليم:
باستخدام الوسائل السمعية والبصرية والعقلية والقلبية (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) - الإسكان والتعمير:
(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا..) - صناعة الخيام والأستار:
(وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ..) - صناعة الأثاث والمتاع:
(وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) - صناعة الملابس:
(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83) - أخلاقيات العمل:
أ. ضبط السلوك والمعاملات المالية والأخلاقية: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
ب. الوفاء بالعهود: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)
ج. سوء استخدام الأيِْمان في المعاملات: (وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)
د. عدم التلاعب في العهود والعقود: (وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95)
ه. العين القريرة بما عند الله: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ
و. الصبر: (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96)
ز. وهنا يلخص الجزاء على العمل الصالح المتساوي بين الذكر والأنثى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
ح. الكفر بأنعم الله, بحجبها أو سوء استغلالها: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)
ط. مراعاة الحلال والحرام: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)
ي. العفو والمغفرة والرحمة لمن عمل السوء بجهالة: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)
ك. عدم الشرك بالله, بل شكر النعمة والسير على صراط الله المستقيم: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)
ل. عدم الاحتيال على القوانين أو الالتفاف حولها: (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) - أنشطة الدعوة إلى سبيل الله:
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) - الدفاع والأمن والقضاء والالتزام وعدم التجاوز:
(وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) - تقوى الله ومراقبته, والإحسان في العمل:
(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)
وهكذا وسّع الله سبحانه مجالات العمل في بناء الحضارات بعد أن استقرت قواعد الحضارة والأسس التي تقوم عليها.
وعمل بدون أسس, لابد أن ينتهي إلى فساد ودمار وخراب ولو بعد حين, في الذمم, في الأخلاق, في المظالم للناس أو للشعوب, في الكيل بمكيالين, في سوء استغلال النعم والتقدم في تدمير البشرية والحريات, في استعمار الشعوب واستنزاف ثرواتها, في سوء المعاملات, في إفساد الأرض بعد إصلاحها.