لم تقف الحضارة الإنسانية التي بناها القرآن الكريم عند حد التعامل مع الإنسان, وإنما شملت كل مخلوقات الله في الأرض, بل وشملت العلاقة بين الإنسان والملائكة, والإنسان والشيطان, والإنسان والجن..
لقد أرشد الله الإنسان ليتعلم من أمم من دواب الأرض وطيور السماء , فقال سبحانه: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم}, وأرسل إليه منها ما يعلمه به, فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليري ابن آدم كيف يواري سوأة أخيه, وعلّمت نملة متحضّرة صالحة نبيا وملكا عظيما من أنبياء الله, كيف يكون إيجابيا, وهي تؤدي دورها لتنقذ قومها من خطر يهددها, فتبسم ضاحكا من قولها, كما علمه أن ينصت إلى هدهد ضعيف يعلمه بما لم يحط به,
وقد يصل العلم وحده بالناس إلى أن يتخذوا من ثمرات النخيل والأعناب سكرا ورزقا حسنا, فلا ضمان لتصرفاتهم بعد العلم, ولكن النحلة التي تطيع وحي ربها, تتخذ من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون, ثم تأخذ من نعم الله فتأكل من كل الثمرات, ثم تسلك سبل ربها ذللا, فيكون نتاجها شفاء للناس الذين حثهم الله على التفكّر (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)
الطبيعة
علم الله الإنسان أن يشعر بكل الكون حوله, وأن يعلم دور كل مخلوق فيه, وأن يتعلم حدوده مع كل من هذه المخلوقات, وكيف يستفيد منها لبناء الحضارة الإنسانية القائمة على العقل الراجح, والعقيدة السوية, والفكر الواعي, والعمل الدءوب الصالح, والسلوك الحميد, فهو يعلمه سبحانه أن الرعد يسبح بحمده, والجبال تسبح مع داوود, وأن السماء لا تبكي على المخالفين المفسدين الكافرين بالله وبنعمته, والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه, والذي خبث لا يخرج إلا نكدا. فيربط بين سلوك الإنسان, وبين خروج النبات.
التعامل مع الآخر:
الجنّ
ويعلمه أن الجنّ تحترمه فتقدّم الإنس عليها في الحديث احتراما لمبعث رسالة الله على نبي من الإنس, وأن العلاقة بين الطرفين ينبغي أن تكون على طاعة الله وفي الحدود التي حددها,
الملائكة
كما علمه كيف يتعامل مع الملائكة الذين يجعلهم الله رسلا بينه وبين عباده, فيوحون إليهم بما يعمرون به كون الله, بدءا من الوحي جبريل عليه السلام يرسله الله إلى أنبيائه ورسله برسالاته, إلى أن ينّزل الله الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده, إلى الملائكة التي تتنزل على الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا, فتطمئنهم (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) ), إلى استمرار نزولها في ليلة القدر, حيث تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر, إلى نزولها بإيعاد بالخير وتصديق بالحق في لمّة للقلب .
دوابّ في السماوات والأرض
بل لقد أشار القرآن إلى حضارات محتملة في الكون لنستعد للتواصل معها, حيث قال الله سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29))
الشيطان
وكان لابد مع بناء الحضارة, أن يبين الله للإنسان أسباب هدمها وانهيارها, والسبب الرئيسي هو أن يتخذ الإنسان من دون الله وكيلا, وأن يسمح للشيطان أن يصدّق عليه ظنّه (ولقد صدّق عليهم إبليس ظنّه فاتبعوه) , وأن يترك الشيطان يحتنكه, فيقوده بعيدا عن صراط الله المستقيم, وإلى أن يحق عليه القول فيدمّره الله تدميرا ( قال أرأيتك هذا الذي كرمت عليّ لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكنّ ذريته إلا قليلا)