لكى تختار موظفيك ؛ خاصة للمراكز الإدارية العالية ، فإنك لابد أن تجري عليهم اختبارات تتأكد بها من ولائهم لك، ومن مناسبة صفاتهم للمسئوليات التى ستكلفهم بها.
وحتى لو أسفرت هذه الاختبارات عن عدد قليل من التابعين المخلصين المناسبين ، فسيكون هذا أفضل من عدد كبير من غير المخلصين أو غير المناسبين .
نرى ذلك فى قصة طالوت الملك ، الذى وكلت إليه مهمة مقاتلة الملك الظالم جالوت ، فكان عليه أن يختار جنوده لهذه المهمة : (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ[1] ) ، اختبار قدرة على تحمل العطش ، وعلى الطاعة والانتماء ( .. فليس منّي ـ .. فإنه منّي ) ، وعدم تعريضهم لاختبار لايطيقونه فأعطاهم فرصة استثنائية لاشباع عطشهم ولكن بالقليل (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) ولم يجتز الاختبار إلا قليل منهم ، وهم الذين آمنوا معه .
(فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) دبت روح اليأس فيهم رغم ايمانهم ولكنهم احتاجوا الى التثبيت : قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)) .
.. يحتاج الجمهور ـ حتى المؤمنون منه ـ إلى مثل هؤلاء الذين يضيفون بُعد الآخرة إلى رؤيتهم، ويمدهم اعتقادهم بأنهم ملاقو الله ، باطمئنان القلوب فوق الايمان ، وبالثبات وعدم الريبة . ومن خلال ثقافتهم التاريخية ورؤيتهم الايمانية العاقلة المحللة لأحداث التاريخ ، يخرجون بهذه النتيجة (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) أى انها حدثت مرارا فى التاريخ ، ولكن تحليلهم الايماني العاقل ينسب هذه الانتصارات إلى إذن الله ، وليس لمهارة قيادة أو حسن أداء.
والإذن هو الخطوات التنفيذية والأسباب التى تتخذ لتنفيذ الأمر ، مثل إذن الصرف : يستدعي خطوات معينة تتخذ للصرف ، وإذن الإجازة : تقديم طلب من طالب الإجازة ، ثم توقيع رئيسه المباشر بأن حاجة العمل تسمح ، ثم توقيع شئون العاملين بأن رصيد الإجازات يسمح ، ثم توقيع المدير الإداري بالموافقة على الإجازات . وبذلك يصدر الإذن .
ولله المثل الأعلى : وإذن الله بالنصر يكون بالخطوات التالية :
- الاستعداد (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ..)
- التأثير المعنوى (تُرْهِبُونَ بِهِ ..)
- تحديد العدو (..عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ..)
- تسليم أمر ما لا نعلم لله, ونحن على يقين بأنه معنا وبأننا مهما فعلنا فلن ندرك كل الأبعاد فلا علم لنا إلا ما علّمنا الله (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ..)
- الاستعداد المالي (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)[2]).
- الصبر (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا) .
- الثبات ( .. وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا.. ) .
- الدعاء بالنصر ( .. وَانْصُرْنَا..).
- استعداء الله عليهم (..عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)[3].. )
وهكذا كانت نتيجة الاختبارات والفرز ، أن صمد الذين آمنوا معه ، وثبتهم الذين يظنون أنهم ملاقو الله ، وكان كل هؤلاء هم القلة التى حققت الهدف..( .. فهزموهم باذن الله .. ) .
والله جل وعلا يضع المؤمنين ، الذين سيتولون أمر الدعوة الى الله ، والدفاع عنها بالنفس والمال ، يضعهم فى ابتلاءات وفتن ، فيقول: (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)[4]) .
ويقول (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)[5])
ويتوصل بعض خبراء الإدارة حديثا إلى المعادلة الإدارية التى تعبر عن كيفية الآداء ، لاعلى كم العاملين فتقول ـ على عكس قوانين الحساب:
( 2/1× 2 = 3 )
أى أن نصف عدد العاملين ، بضعف الأجور ؛ ينتج عنه ثلاثة أمثال الانتاج .
وهكذا تكون كفاءة العاملين, وهكذا تكون كفاءة الإدارة التي تحسن اختيارهم واختبارهم
[1] البقرة
[2] الأنفال
[3] البقرة
[4] العنكبوت
[5] محمد