أفهم إدارة الأعمال، على أنها استثمارالناس؛ لأداء الأعمال الصالحة. أو أنها تنفيذ الأعمال الصالحة ، بواسطة الناس.
والأعمال الصالحة هى كل ماينفع الناس. وهى التى ينبغى أن تشغل الناس ، فهى إدارة الأشغال .
إذن فالناس هم العنصر الرئيس فى الإدارة ..هم العملاء ، وهم الشركاء ، وهم العاملون ، وهم الموردون .
والأعمال الصالحة هى الهدف الرئيس للإدارة .
ولكى يمكن استثمار الناس، ولكى يمكن تنفيذ ما ينفعهم من الأعمال الصالحة؛ فلابد من معرفتهم جيدا : طبائعهم، صفاتهم، تصرفاتهم، ميزاتهم وعيوبهم، نقائصهم وفضائلهم، ما يشجعهم وما يحبطهم، اختلافهم واتفاقهم.
والقرآن هدى للناس، لم يقتصر على إرشادهم فقط، بل امتد إلى إدارتهم لأداء صالح الأعمال ، والتطبيق العملى للمبادئ التي يدعو اليها. كما قدم نموذجا فريدا فى التاريخ ، حول الناس من الهمجية والجهل والتخلف ؛ إلى النظام والمعرفة والتقدم، ومن ضياع الطاقات فى نزاعات قبلية؛ إلى استثمار الطاقات فى التطوير لصالح كل الناس.
لذا فإن دراسة كتاب الله ، من وجهة نظر استثمارالناس لأداء الأعمال الصالحة ، لابد وأنها ستؤدى إلى تمحيص القواعد الإدارية التى تطبق، واكتشاف قواعد إدارية أخرى يمكن تطبيقها ، مهما تغيرت أنشطة الناس، و تطورت الأدوات والوسائل، حيث الانسان هو الانسان.. على مر التاريخ.
خصائص الإنسان
( أ ن س) الهمزة والنون والسين أصل واحد ، يدل على ظهور الشئ ؛ وكل شئ خالف طريقة التوحش (ابن فارس ج1 – 145).
فالإنسان بذلك كائن اجتماعى يعيش ويتعامل فى جماعات، مخالفا طريقة التوحش.
إذن لابد من تنظيم هذه الجماعات بإدارة صحيحة لتتمكن من التعايش والتعامل .
وسبب وجود الإنسان فى الحياة، هو المنافسة على أحسن الأعمال (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) .
وهكذا أترجم الحياة إلى:
جماعة من بنى الإنسان (الناس)، يؤدى كل منهم عملا ، تحت إدارة، ويميز الأحسن عملا .
وهذا هو عين إدارة الأعمال.
وللإنسان خصائص ، غالبا ما تذكر كلما تكرر ذكر الإنسان ، مما يدل على صفة عامة فى غالبية الناس ، وهذه الخصائص فيها الميزات وفيها العيوب ، الايجابيات والسلبيات ، وعند دراستها يمكن رسم سياسة ادارة الناس ، باعتبارها العنصر الرئيسى فى ادارة الأعمال . على أنه لابد من ذكر أن هذه خصائص عامة الناس، ويستثنى من سلبياتها قليل منهم.
ونلخص هذه الخصائص فيما ذكر الله فى كتابه كما يلى :
التكليف
(وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ).
(بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)) .
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)) .
الإنسان هو المخلوق المكلف الذى حمل الأمانة التى أبت أن تحملها السماوات والأرض والجبال ، وأشفقن منها. والمسئول الناجح هو الذى يتعرف على إمكانيات مرءوسيه فيصدر التكليفات المناسبة لهم ، ولايكلفهم فوق الطاقة : وهذا توجيه الله (لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ) وهو سبحانه جل شأنه (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ).
الظلم :
(وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا.. ) .
(إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) ).
الإنسان ظلوم: مبالغ فى الظلم : فى مقداره ؛ أو فى تكراره .
وأصل الظلم وضع الشئ فى غير موضعه ، وهو انتقاص الحق ، ومخالفة مايعرف من العدل والحق. فالإنسان – عموم الإنسان – يعرف الحق ولايتبعه وهو يعلم . اذا هو غير جاهل به بصفة عامة.
ولكى لاتؤثر هذه الصفة على العمل ، فانك لابد أن تقوم بالآتى :
- قم بتوصيف العمل .
- قم بالتدريب والبيان حتى تنفي الجهالة.
- قم بعمل إجراءات للمراجعة والمتابعة .
- أنشئ نظاما للمساءلة .
- ضع قواعد الثواب والعقاب .
وهذا ماحدث مع هبوط الانسان من الجنة التى كان فيها آدم وحواء ثم أزلهما الشيطان عن الشجرة المحرمة ، فأخرجهما مما كانا فيه .
ومع تقرير الله لبنى آدم أن يهبطوا منها جميعا ، قال : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) ).
فيأتيهم من الله هدى ، للعمل بموجبه ، فمن تبعه فقد أمن من الخوف والحزن ، ومن حجبه وكذب به ، فإنه يخلد فى النار.
الجهل:
(إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).
الانسان جهول : وعند تكليفك لمرءوسيك ، لابد أن تكون تكليفاتك واضحة لهم، حيث من عيوب الانسان أنه جهول ، ولكنه قادر على التعلم ، والجهل أحد سببين للاخفاق فى حمل الأمانة وهما (الظلم والجهل ) .
وقد تكون لمرءوسيك تحفظات على التكليف ، ربما يكون فيه شئ غير واضح لهم ، أو أنهم لايرون فى أنفسهم قدرة على التنفيذ ، أو أنهم يحتاجون لمساعدة ما ، لذا فعود مرءوسيك على أن يبرزوا هذه النقاط عند التكليف ، وألا ينتظروا حتى إذا ما جاء وقت سؤالك لهم عن تنفيذ التكليف ، قدموا أعذارا وحججا وأسبابا لعدم التنفيذ .
حين كلف الله موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون بسبب طغيانه ؛ طلب موسى من الله عدة أشياء لمساعدته على أداء هذا التكليف، وتحفظ على بعض الأمور ، فأعطاه الله ما سأل ، وأزال أسباب تحفظه ، (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35))
فأجابه الله (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36))
وتحفظ من الأمور التالية (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) ، فأزال الله أسباب تحفظه (قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15)) ) .
الضعف:
(يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) ) .
الإنسان ضعيف : ومن أسباب ذلك قلة الخبرة ؛ وقلة العلم ؛ لهذا فهو يحتاج إلى تدريب قبل بدء مهمته، لكى لايفاجأ فى الممارسة بأداء العمل لأول مرة أمام أطراف أخرى . هكذا فعل الله بموسى (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) ) .
ثم قال (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) )
وتعود ، وعود مرءوسيك على ألا تدخل فى موضوع بدون علم كاف به ، ودراسة بحثية يستغل فيها السمع بالسؤال وأخذ آراء الآخرين ، والبصر والعقل والتفكير حتى تقضى على حالة الضعف (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) ) .
وعلى المسئول الناجح أن يطبق هذا على نفسه ؛ كما يطبقه على مرءوسيه . فالكثير من المشكلات مع العملاء ومع العاملين ، تنشأ بسبب عدم وضوح التكليف من البداية بين الطرفين .
والكثير من مشكلات التنفيذ ، تنشأ بسبب عدم الدراسة الكافية للامكانيات المتاحة ، وعدم وضع التحفظات اللازمة قبل البدء .
وبذلك يقضى نهائيا على عيب الجهل والضعف الانسانى ولايؤثر سلبا على العمل حيث توفر :
- وضوح فى الأوامر والتكليفات .
- مناسبتها للمكلفين .
- سماع التحفظات والرد عليها .
- توفير أى مساعدات لازمة .
- التدريب وازالة الجهل والضعف.
- العلم والدراسة
حب الخير:
(إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) ) ،
(لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) ) .
الإنسان لحب الخير شديد ، ولايسأم من دعاء الخير .
والخير عكس الشر ، ويشمل كل مايميل إليه الإنسان ، ومن معانيه أيضا المال ففى كتاب الله: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) .. ) لذا فالجزاء بالمال من أفضل مايحب الانسان ويميل اليه ، ولذا فانه يستعمل فى الادارة كحافز على الاجادة ومكافآة على الاتقان وجزاء على الاحسان .
إلا انك تتوقع بناء على ذلك أن العاملين ؛ بل والشركاء ؛ لايسأمون من طلب الخير مهما حصلوا عليه ، وهذا ربما يجعلك تحجز جزءا من الأرباح حين ترتفع ، لتنفقه فى سنوات عجاف قد تصادفك .. .. ولايصادفك قبول الأرباح القليلة ، وحتى لايعتادوا على الأرباح العالية ، فان حققت أرباحا أقل ؛ انزعج الجميع ، وكأنك تحقق خسائر !!!
وهذا ماحدث لى شخصيا؛ حيث كنت أوفق بتحقيق أرباح عالية فى بعض السنوات ، فأسارع بتوزيعها جميعا ، فلما قلت الأرباح فى بعض السنوات ؛ لم تشفع لى سابق أرباحى عند أحد ، بل كانت حجة على !!.
ويجب على الإدارة ، أن تعرف الخير للعاملين وللشركاء ، بأنه لايقتصر فقط على المال ، فالمال أرباح ، ولكن الخير هو المكاسب؛ التى تتضمن الأرباح والمال ولكنها لاتقف عنده ،
● فالاستمرار من أهم المكاسب ،
● والسمعة مكسب ، وله قيمته المادية والمعنوية ..
● والاستقرار مكسب ..
● والمحافظة على العاملين وقلة تسربهم من الشركة مكسب ..
● وقدرة الشركة على التكيف فى الأسواق مكسب …
● ودقة وانضباط النظام الادارى مكسب ..
● وتفاهم العاملين ..
● وعدم تشاكس الشركاء..
● والحصول على شهادات الجودة للادارة و للمنتجات ..
● وحسن الانتشار فى الأسواق ..
● وتمسك العملاء بالشركة..
● وثقة المؤسسات المالية فيها .. ..
كل هذه مكاسب، و كل هذه من تعريفات الخير ، التى يجب على الإدارة بيانها وإيضاحها للعاملين وللشركاء، وإلقاء وتسليط الأضواء عليها ، حتى يحبها الإنسان العامل والإنسان الشريك الذى هو لحب الخير شديد ، والذى لايسأم من دعاء الخير.
الرغبة فى التحرر من القيود :
(بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) ) ،
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) ).
لايحب الانسان قيودا، وهو يعشق الحرية المطلقة. إلا أنه يستحيل أن يحصل كل إنسان على حرية مطلقة دون أن يؤثر ويتأثر بحريات الآخرين ، بل وتقيده إمكانياته الذاتية والشخصية والبدنية والعملية والمادية ، والإدارة هى التى تنظم له كل ذلك فى مجال الأعمال ، فهى تتعرف على إمكانياته ، وتكلفه مايستطيع ويطيق، وتعطيه من درجات الحرية مايتوافق مع حريات الآخرين ، ومايحقق آداء الأعمال على الوجه الأكمل ولكن يظل الإنسان محبا للانطلاق ، سدى أى أن يترك هملا ، دون تكليف ولا مساءلة ولا جزاء . وهذا يدل من ناحية ، على أن الانسان يحب أن يترك سدى ، ومن ناحية أخرى يدل على أن الله ينكر عليه حسبانه هذا ، وأنه لن يتركه سدى ، لافى الدنيا ولافى الآخرة .
ولهذه الصفة فى الانسان ، فإن على الإدارة أن تراعى فى العاملين الآتى :
- أن تتعرف على كافة الإمكانيات والخبرات لكل عامل ، وعلى كافة العيوب والطبائع له ، خاصة تلك التى تؤثر على العمل ، وذلك بالاطلاع على شهاداته ، وباجراء اختبارات قبل التعيين ، وخلال فترة كافية من الممارسة الأولى .
- أن تقوم بتوصيف الوظيفة والأعمال التى يجب أن يقوم بها العامل طبقا لحاجة العمل ولما وصل اليه من الخطوة (1) السابقة ( لاتكلف نفس الا وسعها ) .
- أن تقوم بمراجعة الآداء ، ومراقبة النتائج للتأكد من صحة الاختيار والتكليف ، ومن استمرارية حسن الآداء .
- أن تحاسب على التقصير والخطأ ، وعلى الاجادة والاحسان ،
وبهذا لاتترك الانسان سدى
الشكر:
(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ) .
والشكر اعتراف بالنعمة ؛ وعمل يرضى المنعم : يقول الله : (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) ) . وهو ضد الكفر الذى هو حجب للنعمة ونكران لها .
ومن مرءوسيك من ستجده شاكرا ممتنا لكل خير تفعله من أجله ؛ بدءا من الوظيفة نفسها ، إلى التدريب عليها ، إلى كل زيادة فى درجاته وميزاته . ومثل هذا عليك بالاعتناء به والاحتفاظ به ، فان أى خير ستزرعه فيه ، سيعود عليك بخير منه ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) .
كفران النعمة ونكران الجميل:
(قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) ) ،
(إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) ) ، (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) ).
الإنسان كفور : فهو يحجب النعمة فلايعترف بها ولايقدرها حق قدرها وهذه صفة الانسان غير السوى ، ولكنها تتوفر فى عموم الناس . لذا فإن على الإدارة أن تتوقع ذلك على الأقل من بعض العاملين فلا تصدم لكونهم كفورين
ويمكن لعلاج هذه المشكلة ، أن تسجل بدقة ولفترات طويلة كل المميزات المادية والإدارية والتدريبية التى يحصل عليها العاملون وتعلمهم بها كل حين ؛ بطريق غير مباشر دائما ، وبطريق مباشر أحيانا ؛ حين تبرز صفة الكفران فيهم .
وقد سجل الله سبحانه نعمه ومننه على الإنسان فى كثير من آيات كتابه ، يذكره بها ويطلب منه عدم نسيانها أو عدم كفرانها (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) ) حيث بذكر الانسان لها تظل بعض مبررات طاعته واضحة ، ولايتكبر؛ فيظن أنه وصل إلى ما وصل إليه دون حاجة لأحد.
هذا دون أن يكون في ذلك منّة عليه, ولكي تحقق الهدف دون إشعار للإنسان أنك تمتن عليه, فاتبع سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين قال للأنصار حين أبدوا تحفظات على توزيع الغنائم: (ألم تكونوا ضالين فهداكم الله بي) فأشعرهم بالمنّة, ولكنه نسبها إلى الله سبحانه.
الهلع:
وهو أفحش وأشد الجزع الذى هو قلة الصبر على الخير والشر
(إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) ).
الانسان سريع الانفعال ، سريع الانهيار ، سريع التقلب أمام الشر والخير ، وهذه صفة عموم الناس أيضا ، الا من رحم الله .
لذا فليس من المصلحة التصريح لكل العاملين والعملاء بكل أحوال الشركة وبالتفصيل ، فربما تكون أحوالها فى وقت ما ليست على مايرام، فإن علم الجميع بدقائق الحالة ؛ فتوقع أن يجزع عدد كبير منهم – والجزع عدم الصبر – وقد يؤدى ذلك إلى شلل فى التفكير ، وقلق على المستقبل يعقبه بحث عن فرصة عمل أكثر استقرارا ، أو شركة أكثر أمانا ، وبالتالى تسرب العملاء وتسرب العاملين.
وعلى الجانب الآخر ، لو ظن الناس أنه لاتوجد مشكلات وإنما الأمور كلها رخاء وأمان وغناء ، فلن يتحمسوا لحل المشكلة.
والإدارة بين هذين الحدين ، تبين أن هناك مشكلة ، فى نفس الوقت الذى تضع تصورا لحلها وتطلب مشاركة العاملين فى حلها، ولاتصل إلى الشعور باليأس والجزع وأن الطريق مسدود.
(وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا) ، أى لايعطى منه ، شحا ، وخوفا من الفقر ، فالمال رغم ما يبدو من أنه يؤدى إلى الغنى ، فإنه فى الواقع يفتح أبواب فقر ؛ تجعل الإنسان يخشى منها على نفسه
فهب أن رجلا لا يملك الإ قوت يومه ؛ ثم رزق بعشرة آلاف جنيه . إنه سيفكر فى عشرة أشياء على الأقل ؛ كلها يمكن أن يُشترى بهذا المبلغ ، لكنه سيحصل فقط على شىء واحد منها ، ويظل يشعر بالحرمان من الأشياء التسعة الأخرى . ألم يفتح عليه المال أبواب فقر؟ إلا من رحم الله.
(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100) ) .
العجلة:
(وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) )
يسارع الانسان لكل مايخطر بباله ، دون النظر فى عاقبته من خير أو شر وربما لايشعر أنه شر
وتأخذ منها لنفسك كمسئول ، أنك تستكمل دراساتك لأى فكرة أو مشروع قبل أن تقدم عليه بالتنفيذ ، فالتروى خير من التسرع ، وتطلب ذلك من العاملين معك .
ولايعنى هذا التباطؤ فى التنفيذ ، ولكن الإمعان فى النظر ، وإن كان لابد من العجلة ، فلتجعلها فى استكمال الدراسة أولا.
وكم من المشاريع والأفكار التى أدت العجلة فى البدء فيها إلى فشلها .
أن أغلب المسئولين يتعجلون فى الانفعالات وردود الأفعال غير المحسوبة عندما يرون أخطاء مرءوسيهم .
وعليك ألا تكون منفعلا ، ولكن كن متفاعلا.
الجدل:
(وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) ).
والجدل استحكام الشئ فى استرسال يكون فيه، وامتداد الخصومة ، ومراجعة الكلام .
الشورى شىء عظيم ، وسماع الآراء مفيد ، ومشاركة العاملين مطلوبة ، لكن كثرة الجدل لا تؤدى إلا إلى ضياع الوقت وعدم الوصول إلى أى نتيجة . فعند كثرة الجدل ، واحتدام المناقشة والخلاف ؛ يحاول كل طرف أن ينتصر لرأيه ، ولا يبدو منهزما أمام الأطراف الأخرى ، بصرف النظر عن موقعه من الحق . وهذه مرحلة تصل إليها حين لا تحزم الأمر, ولا تعزمه بسرعة .
وفى كثير من الأحيان ، يتطلب الموقف إنهاء المناقشات بعد سماع ما يكفى من الآراء ، واتخاذ القرار ، الذى ربما لايكون دائما صوابا ، إلا أن استمرار الجدل الذى هو من عموم خصائص الإنسان ؛ يؤدى إلى ما هو أسوأ من عدم دقة القرار .
يقول الله تعالى لرسوله الذى هو أسوتنا الحسنة ، صلى الله عليه وسلم (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) ) عزمت أنت ، فتوكل أنت على الله ، ولا تدخل أحدا معك فى قرار العزم.
فالمسئول بين اللين فى المعاملة ، والمشاورة فى الأمر ، العزم أولا ، فالتوكل ـ بعد العزم ـ على الله ، ثانيا . ولا مجال لأن تستعمل الشورى – بالجدل ـ فى ضياع الوقت والحق ، وعدم الوصول الى قرار .
فلا تدع الفرصة للانسان وجدله ؛ لاعاقة عزمك وتوكلك .
ليس للإنسان إلا ما سعى:
(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) ) .
إذا قال ذلك رب العالمين سبحانه ؛ الكريم الرزاق الذى وسع كل شىء رحمة وعلما ، فهى إذاً قاعدة : لاتعط بدون سعي ؛ لإنسان قادر على السعي ، وإلا فأنت بذلك تنشئ كسالى ومتواكلين . وتذكر دائما أنه فى أصعب وأدق الظروف ، أعطى الله بالسعي ، فمريم بعد أن وضعت عيسى عليه السلام ، يأمرها الله (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) ) .
وأيوب بعد طول صبر يسأل الله على استحياء (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) فيستجيب الله له بأن يصف له الخطوات التى يجب أن يتخذها بنفسه وبسعيه حتى ينال الشفاء ، فقال له (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) )) ، وكان سبحانه قادرا على أن يقول للشفاء كن فيكون ، ولكن القاعدة : ((وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39).
الطغيان:
حين يشعر بالاستغناء عن الآخرين: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) )
احذر من طغيان الإنسان ؛ حين يرى أنه استغنى . فلا يوجد إنسان يمكن أن يستغنى ويعيش وحده . ولكن بعض الناس يرى ذلك . وهو عندئذ يطغى.
فلا تشعر أحدا ممن يعملون تحت إدارتك أنك لايمكنك الاستغناء عنه والعمل بدونه ، لأنه حينئذ سيطغى.
كما لا تشعره بأنه لا فائدة ولا دور له مهما كان دوره يبدو بسيطا ـ والا ستفقد حماسه للعمل . فأنت غير مجبر على استمراره معك ، وابقاؤك عليه على رأس عمله انما هو بمحض ارادتك. فالأمر لله وحده لا شريك له (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) وإنما يستعملنا الله سبحانه على أمره, ومصداق ذلك أن رسالة الإسلام قد انتشرت بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم , أوسع وأكثر من انتشارها في حياته, ولله الأمر من قبل ومن بعد, وهو الغني المُغني.
وفى كتاب الله صفات ذكرت بطريق مباشر ، مثل ماسبق (على سبيل المثال لا الحصر ) ، كما ذكرت صفات أخرى بطريق غير مباشر .أترك القارىء يبحث عنها فيما يتدبر وما يتلو من كتاب ربه.