يحتاج المسئول.. الى سلطان لكى يطاع ، فتنفذ تعليماته وقراراته وأحكامه .
.. والسلطان .. من القهر ، ومن الحجة والبرهان ، وبهما يقهر العقل .
والسلطان له الطاعة فى كل الأحوال . ” ان الله يزع بالسلطان ، ما لا يزع بالقرآن .
ونظرا لتنوع طبائع الناس ، فانهم يحتاجون الى سلاطين متنوعة :
.. فما الذى يدفع المرءوسين الى اتباع تعليمات رؤسائهم ؟ .
سلطان العقل :
أن الله سبحانه يبدأ مع الانسان بسلطان العقل ، الذى يمثل العقال ، أو الزمام ، أو عجلة القيادة والفرامل التى تتحكم فى تصرفات الانسان توجيها ومنعا ، فتعقله دون حاجة الى قوة خارجية أو مراقبة لصيقة .
لذا نجد تشريعات الله وأوامره ، تصحب بحيثيات وأسباب تقنع العقل وتقيم الحجة عليه ، بدءا من أمره سبحانه ملائكته بالسجود لآدم ، حيث سبقه بتعليم آدم الأسماء كلها وتحدى الملائكة بها لاقناعها – وهو الغنى – بفضل آدم عليها فى الخلافة .
وفى مسألة العقيدة والتوحيد : ( لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا )
و ( وما كان معه من اله ، اذا لذهب كل اله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ) .
وفى تأكيد مصدر القرآن 🙁 .. ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )
وفى العبادات : ( كتب عليكم الصيام ، كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )
وفى الأخلاق : ( ولايغتب بعضكم بعضا ، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) .
وفى الدين : ( ولاتسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا الى أجله ، ذلكم أقسط عند الله ، وأقوم للشهادة ، وأدنى ألا ترتابوا ) وفى هذا احترام للعقل ، دون قهر له .
ويفلح هذا الأسلوب ـ أكثر مايفلح ـ مع الانسان الذى يقوده عقله السليم ، ويتحمس لما يقتنع به
سلطان الثواب :
من طبائع الانسان حب الخير ( وانه لحب الخير لشديد ) لذا فان الحوافز الايجابية تؤثر فى كثير من الناس ، وتشجعهم على اتباع الأوامر وتنفيذ التعليمات .
ونجد أسلوب التحفيز الايجابى مصاحبا أيضا لأوامر الله :
( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) و..
( مثل الجنة التى وعد المتقون ؛ فيها أنهار من ماء غير آسن ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من عسل مصفى ، ولهم فيها من كل الثمرات ، ومغفرة من ربهم ) .
( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ) .
وهذا الأسلوب يصلح أكثر مايصلح مع الانسان المادى ، الذى تغريه الماديات أكثر من الحماس لما يقتنع به عقله ، وأكثر من العاطفة ، ومع الانسان الذى لايميل الى الشر بطبيعته .
وهذا السلطان يكاد يؤثر فى كل الناس ، فيكون لحب الخير عندهم أولوية أولى ، الا انه فى القلة النادرة منهم لا يكون بنفس الأولوية .
فكم هى نسبة الناس الذين كانوا سيطيعون الله راغبين ؛ ان لم تكن هناك جنة ينتظرونها جزاء على طاعتهم ؟ ـ وهو سبحانه يستحق الطاعة من غير طمع فى جنة ولا خوف من نار.
بل ان غالبية من يعصون الله ، يكون عصيانهم بسبب استعجالهم بالخير ، ويستدرجهم الشيطان من هذا المدخل ؛ فيوحى اليهم بالخير ، ولكن فى الحقيقة ( الشيطان يعدكم الفقر ) . هكذا فعل بآدم : ( قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) . وفى بنى آدم : ( وقال الشيطان لما قضى الأمر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم ) ، فهو قد وعد بالخير فاتبعوه ، فأخلفهم .
سلطان العقاب :
ويصلح مع أولئك الذين يميلون الى المخالفة والكسل ، ولايتحركون ايجابيا الا بعد الخوف والشعور بالخطر .
وهؤلاء يجب متابعة الترهيب والتخويف عليهم ، وربما اصابتهم ببعض ذنوبهم ؛ لعلهم يرجعون . ويقول الله فيهم :
( والذين كفروا لهم عذاب جهنم ، لايقضى عليهم فيموتوا ، ولايخفف عنهم من عذابها ) و..
( ان شجرة الزقوم . طعام الأثيم . كالمهل يغلى فى البطون . كغلى الحميم ) و..
( خذوه فغلوه . ثم الجحيم صلوه . ثم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه . انه كان لايؤمن بالله العظيم . ولايحض على طعام المسكين . فليس له اليوم هاهنا حميم . ولاطعام الا من غسلين . لايأكله الا الخاطئون ) .. ويقول :
( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ) .
وهو أيضا سلطان يمنع جل الناس عن الخطيئة ، فالمغريات كثيرة ، ربما أخفها التكاسل وقلة العزم . ناهيك عما هو أسوأ من ذلك .
سلطان الحب :
وهو يناسب الشخصية العاطفية ، التى يأسرها الحب ، وتسيطر عليها المشاعر
وفى الواقع ، فان كلا منا تكمن فيه المشاعر ، ولكن بدرجات متفاوتة .
وهذه الشخصية تكتفى بأن تعرف مايحب محبوبها ومالايحب ، فتفعل وتترك طبقا لذلك ، ويوجه اليها الله أوامره بشكل مختلف ، فهو يقول :
( والله يحب المتقين ) ..
( ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) ..
( والله لايحب الفساد ) ..
( والله لايحب الظالمين ) ..
( ولايرضى لعباده الكفر ، وان تشكروا يرضه لكم ) ..
( والذين آمنوا أشد حبا لله ) .
فحين يهددهم الله ، يهددهم بحب غيرهم:( يا أيها الذين آمنوا : من يرتد منكم عن دينه .. ) .. وتتوقع أمام هذه الجريمة العظمى بالارتداد عن الدين بعد الايمان ، أن تكون عقوبتها نار جهنم ، وغضب الله ، وبئس المصير .
..ولكن الله ، مع هؤلاء الذين تؤثر فيهم العاطفة ، يهددهم بما هو أشد وأعنف من كل ذلك فيقول:( .. من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم .. ) فيشعل الغيرة فى قلوبهم ، حيث يعنى بطريق غير مباشر أن الله لن يحب من يرتد منهم عن دينه .
.. ثم يأخذهم الى أن يبادلوا الله الحب (..ويحبونه ..) .
ويأخذهم بالحب ، الى حسن معاملة المؤمنين ( .. أذلة على المؤمنين ..) .
ثم بالشدة على الكافرين ( .. أعزة على الكافرين ..) .
ثم الى الجهاد فى سبيل الله ( .. يجاهدون فى سبيل الله .. ) .
والقوة والمواجهة للناس اللائمين ( .. ولايخافون لومة لائم .. ) .
ثم يبين أن حبه ، ونواتج حبه هو فضله ( .. ذلك فضل الله ..) .
ثم يجعلك تتعلق بالأمل : ( .. يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) .
ومفهوم ضمنا ، أن مشيئة الله ـ وهو سبحانه أعلم بمشيئته ـ أن يؤتى فضله لمن يحبه ولا يرتد عن دينه .
وفى الادارة ، لابد من مراعاة هذه السلاطين جميعا ، فالناس فيهم كل هذه الطبائع ، بل انها قد تكون مجتمعة فى كل انسان ، وانما يظهر كل طبع منها فى مناسبته وظروفه وبدرجات متفاوتة. ( ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها ) .
اذن ، فلابد من بناء الأسلوب الادارى فى متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات والقرارات على الآتى:
1) الاقناع العقلى :
اذكر الحيثيات مع القرارات والأوامر – قدر المستطاع .
اطلب سماع وجهات النظر ، وأجب على الاستفسارات .
تأكد من فهم الحيثيات والقرارات .
2) الثواب :
الراتب هو أول ثواب على الالتزام بالحد الأدنى من الانضباط والأداء .
الحافز المادى ثواب على حسن الأداء ، والوصول الى المعاملات المطلوبة .وتنفيذ الأوامر اليومية ، وحسن الانضباط فى المواعيد ، وحسن التعاون .
ومن الراتب والحافز ، مع تقرير بالتحسين فى المستوى الفنى والادارى تحدد المكافآة السنوية .
وأما الآداء غير العادى المؤدى الى توفير فى التكلفة أو الوقت أو تحسين للجودة أو ماشابه ، فانه تحدد له مكافآة اجادة . فالجنة أجر المتقين ، أما المحسنون فلهم زيادة ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) .
سرعة أداء الثواب مهمة جدا فى تحقيق هدفه ، أما تأخير أدائه ففيه ضياع لمعنى التحفيز ، ( والله سريع الحساب ) . وفيما روى من الحديث الشريف ( أعط الأجير حقه قبل أن يجف عرقه ).
وفى خصلات رمضان التى أعطتها الأمة ( يغفر لهم فى آخر ليلة منه )
وحين سئل الرسول صلى الله عليه وسلم : أهى ليلة القدر ؟ قال : لا ، انما يوفى العامل أجره حين ينقضى عمله ) .
ويضاعف الثواب لمن كان قدوة لغيره ؛ حيث فى نجاحهم نجاح للمرءوسين وللمؤسسة ككل . فنساء النبى بصفتهن فى موقع المسئولية ، وعن طريقهن عرفت النساء فقههن ، وروى الحديث ، فانهن يؤتون أجرهن مرتين ـ رضوان الله عليهن ـ ويعتاد لهن رزق كريم ؛ فيما قال الله : ( ومن يقنت منكن لله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما ) .
3) العقاب :
تعلن لائحة الجزاءات بشكل واضح للجميع.
ويتم التأكد من فهمها واستيعابها لكل العاملين .
ج) تطبق اللائحة على الجميع .
ء) تطبق ضعف العقوبات على من كانوا قدوة ، حيث المفترض فيهم الالتزام أكثر من المرءوسين ، كما أن التقصير الصادر من الرئيس يؤثر على مرءوسيه أيضا .
وقد فرض الله ضعف العذاب على ذنب محتمل لنساء النبى ، كما أن لهن ضعف الأجر على العمل الصالح : ( يانساء النبى من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا .) .
هـ ) سرعة انزال العقاب تحقق الهدف منه ، وأما تأخيره فانه يقلل من شأنه وأثره .
و) لايطبق العقاب بأثر رجعى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) .
( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) .
4)الحب :
لابد من غرس الانتماء فى قلوب العاملين ، انتماء للمؤسسة ، ولادارتها، وللعمل ، وللمنتج ، وللوطن ، وللعقيدة ، وللانسانية كلها .
وقد ربى الله الناس على الانتماء بعضهم لبعض ، والمؤمنين على الانتماء الى ربهم ورسولهم وعقيدتهم واخوتهم :
(يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى) الخالق واحد ، والأصل واحد .
(وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) انتماء لشعب ، وانتماء لقبيلة ، وتعارف بينهم ( ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) انتماء للعقيدة والتقوى .
وفى سبيل تحقيق الانتماء لابد من المعاملة الطيبة ، والوقوف بجانب العاملين فى الشدائد والظروف الصعبة ، ومساندتهم ماديا عند الحاجة ، واسداء النصح الشخصى والدينى والاجتماعى لهم ، وضرب المثل فى حسن التصرف وحسن الخلق ، واشعارهم بالمساواة والعدل ، وعدم التكبر عليهم أو ازدرائهم ، والاهتمام بآرائهم ، وتقدير ظروفهم ، وتشجيع المستحق منهم ، واعانتهم على البر والتقوى .
وان وصلت مع مرءوسيك الى أنهم يضعون رضاك عنهم قبل الثواب وغضبك عليهم قبل العقاب ، ، فانك بذلك تكون قد حققت سلطان الحب عليهم وتكون قد ربطهم بك بحبل متين ، وأخذت منهم ميثاقا غليظا .
وسلطان الحب هو أقوى السلاطين جميعا ، حين تجعله متمكنا من مرءوسيك ، فهو يسود حتى ولو لم يكن سلطان غيره .. ويدفع الناس الى التنفيذ حتى لو لم تقتنع العقول .. كما أنه لايحتاج الى سلطانى الثواب والعقاب ،
فثوابه الرضا..( لقد رضى الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة .. ) .
وعقابه استبدال حبيب آخر .. ( وان تتولوا يستبدل قوما غيركم . ثم لا يكونوا أمثالكم ) .
ويأتى التكليف بناء عليه .. ( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) ، ( وأحسنوا ان الله يحب المحسنين ) ، (فاعف عنهم واصفح ان الله يحب المحسنين ) .
كما يكفى للمنع والنهى ( والله لا يحب الفساد ) ،( ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين ) .( ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا ) .( ان الله لا يحب الخائنين ) .
ويسبق سلطان الحب كل السلاطين الأخرى ، فهو يحكم المحب برضى محبوبه دون انتظار لأوامره ، ولا للحيثيات العقلية للأوامر ، التى يحتاجها سلطان العقل ، ولا للحسابات المادية للمكاسب التى يطلبها سلطان الثواب ، ولا لادراك العواقب التى تلزم سلطان العقاب .
كما أنه أقل تكلفة من باقى السلاطين ، حيث تبذل عواطفك وتبدى اخلاصك وصدق مشاعرك ، أما بسلطان العقل ، فأنت تعمل عقلك فى التفكير ، أو تسدد فاتورة سلطان الثواب ، أو ترهق أعصابك مع سلطان العقاب .
وسلطان الحب يبعث على التحسين المستمر والتطوير ، فهو يجعل المرءوسين يبحثون عن الوسائل التى يرضون بها رئيسهم المحبوب ، وحتى لو لم يكلفهم بها . ولله المثل الأعلى ؛ فقد عجل اليه موسى عليه السلام ليرضى ( وعجلت اليك رب لترضى ) .
وسلطان الحب يمنع الحقد والحسد ، فكلما ازداد عدد المحكومين به ، رضى بعضهم عن بعض ، ولم يتباغضوا أو يتحاسدوا ، على عكس الثواب الذى قد يدفع الى التحاسد ، او العقاب الذى قد يبعث على الشماتة .
ويستوى فى التأثر بسلطان الحب كل الناس على اختلاف عقولهم ومداركهم ومستوياتهم الاجتماعية ، فهو يوحد بين الناس ويساوى بينهم ، ان هم أحبوا ، وبحثوا عن الأسباب التى ترضى محبوبهم
حتى لو اضطر بعض المرءوسين الى ترك مؤسستك ، والعمل فى جهات أخرى ، فانهم سوف يتمنون لك كل الخير ، ولايرضون الضرر لك ، فستظل قلوبهم معلقة بك ، وألسنتهم رافعة لك ذكرك
وان أحبك الناس فى الله ، فسيكون الله فى قلب دائرة اهتمامهم ، وتكون محبتهم لك فيه فى نفس الموقع ؛ وبالتالى فانهم لن يؤثروا على ذلك شيئا ، كما سيخلصون لك أمام أى مغريات فى الحياة .
أما ان كان حبا ليس لله ولا فى الله ؛ فلا تتوقع منه خيرا :
( قل ان كان آباؤكم وأبناؤكم واخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين ) .