وإذا فقد الإخلاص , فإن النتيجة هي أفراد يقولون لا إله إلا الله بأفواههم , ولا ترى أثرا لهذا القول في أعمالهم وتعاملاتهم وأخلاقهم , بل ترى مسلمين بالقول لا بالفعل , قالوا أسلمنا , ولمّل يدخل الإيمان في قلوبهم.
و بغير الإخلاص , تصل إلى أمة كثيرة في العدد , كثيرة في المال , كثيرة فيما تحتل من أرض , كثيرة في الكلام , ولكنهم غثاء كغثاء السيل . ينزع الله من قلوب عدوهم المهابة منهم , ويقذف في قلوبهم الوهن , حب الدنيا وكراهية الموت .
وبغير الإخلاص , فإن النتيجة هي التي نعيشها اليوم :
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(169)
ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
وكأن تسمية هذه السورة (الإخلاص) فيها معنى استكمال تحديد معنى الإخلاص , وهو الهدف والمنتهى والأمل من العقيدة.
إن المستهدف بالنسبة للفرد المسلم , أن يكون مؤمنا بعقيدة سليمة صحيحة , عليها برهان من عمل صالح في سبيل الله , ويكون خلقه القرآن , ثم هو يمثل لبنة في بناء مجتمع من الذين آمنوا وعملوا الصالحات , مستعد لمواجهة المجرمين الذين كفروا , فإن وصلنا إلى بناء هذا الفرد ,فقد وصلنا إلى اللبنة الأولى للمجتمع المسلم.
أحاول أن أرتّل هنا كل الآيات التي تشتمل على توجيهات مباشرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم , وإلى كل من اتبعه على منهاج الله , وكل من استشعر في نفسه مسئولية الدعوة إلى سبيل ربه , وتوصيل دعوة الله إلى الناس , وكل من يحب أن يكون فيمن وصفهم الله في قوله ” قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني , وسبحان الله وما أنا من المشركين” , وهم الذين لا هدف لهم في الحياة إلا أن تكون كلمة الله هي العليا , ويعلمون أن ذلك هو الطريق إلى رضا الله , ومنه إلى أعلى الجنة.
فإن كنت من هؤلاء الطائفة من الذين مع محمد صلي الله عليه وسلم , تدعو إلى الله بإذنه , وتقول ” قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له , وبذلك أمرت ,وأنا أول المسلمين” , وإذا أردت أن تبني الإخلاص في قلبك, فاقرأ أوائل ما أنزل الله من كتابه , واستنبط منه منهاج ربّ العالمين في بناء قواعد الإخلاص , وإعداد الداعية , وإليك هذا المنهاج ليعدّك الله به لمهمتك:
- اقرأ باسم ربك . ليكلمك الله بكلماته في كتابه , فتتعرف على ما يأمر الله وما ينهى , وعلى ما خلق , وما علّم , وكيفية هذا وذاك. فكيف ستعرف ما يريده الله منك دون أن تقرأ ما أنزله إليك. تقرأ في كتابه المنزّل , وفي كتابه الكونيّ , والقراءة باسم ربك هي الوسيلة التي ستتواصل بها مع منهاج الله . الإخلاص بإقامة الصلة مع الله والتلقي منه مباشرة .
- وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب: إدامة النظر في كون الله وخلقه وقدراته, والتسليم لله , والاطمئنان له , والخشوع والطاعة , والانقياد. ثم الاقتراب من الله سبحانه بالسجود في الصلاة , والطاعة في كل ما أمر , واجتناب كل ما نهى.
- كن على خُلُق عظيم , الإخلاص في الخلق ( وإنك لعلى خلق عظيم) وهو هدف الدعوة (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) , ورسولنا (كان خلقه القرآن).
- فَلَا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ: عدم طاعة المكذّبين , خاصة في دعوتهم إلى الحلول الوسط والمداهنة, والتطبيع والوصول إلى الحلول الوسط بين الإيمان والكفر.
- وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ: عدم طاعة المخالف سيئ الخلق , سيئ المعاملة مع الله ومع الناس.
- فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ: الصبر على ما يصيب الداعية من عنت الكافرين وأذاهم , وعدم ترك الدعوة يأسا منهم , انتظارا لحكم ربك , فهو يرعى ويدافع عن الذين آمنوا.
- قم الليل إلا قليلا. قيام الليل , أساس وضرورة ففيه الوقوف بين يدي الله في خلوة من الناس , وتناول كتابه بالترتيل والقراءة , لمعرفة ما أنزل الله , وما يأمر به , وما ينهى عنه , وما يوحي به من أسرار خلقه وكونه. الإخلاص بالوقوف بين يدي الله وترك الراحة والنوم .
- وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا: ذكر اسم ربك , الذي به يقرأ , وبه يستفتح , وبه يسبّح.(اقرأ باسم ربك. واذكر اسم ربك. باسم الله . سبح اسم ربك)
- فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا : اتخاذ الله وكيلا , وحقيقة التوكّل عليه في الأمور كلها
- وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا: تحذيرات متوالية لعدم طاعة المكذبين الكافرين المعادين , والصبر على ما يقولون , وهجرهم هجرا جميلا , وفي ذلك تركيز على ما يقول الله ويأمر , خطوة خطوة , حتى يكتمل بناء العقيدة. {وإن كان هذا مع من اختاره الله لحمل رسالته إلى الناس , فإنه من باب أولى , لا بد من الحذر تماما من تعريض من يبدأ أولى خطواته في طريق الإيمان , كالطفل في مراحله الأولى , وكالضالّ عند أول دعوته إلى الهدى ودين الحق , فإن مرحلة البناء الأولى لا بد أن تستكمل حتى لا يختلط فيها دعوات متعارضة , وبعد ذلك , فإن التعرض لدعوات مخالفة لا يؤثر فيمن استقرت العقيدة في قلبه}.
- وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ : الاستغفار الدائم , من الذنوب , أملا في أن ينقّي الله بالاستغفار عباده من كل ما يشوب أعمالهم من تقصير أو خطأ أو عمد أو جهل . كما يشعر المؤمن بالاستغفار أنه بين يدي الله , وهو لا يؤدّي حقه , حتى لا يدخل له الشيطان من باب الغرور الذي عصى به إبليس اللعين ربّه , فأخرجه من رحمته .
- فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ: قراءة ما تيسّر من القرآن بصفة دائمة , لا تنقطع مهما كانت الأسباب , من مرض , أو ضرب في الأرض ابتغاء فضل الله , أو حتى القتال في سبيل الله , فلابد من قراءة ما تيسّر منه , وعدم هجره , فهو حبل الله المتين , وهو كلام الله إلينا , وحديثه معنا , والصلة التي لا تنقطع بعد انقطاع الوحي وختام الرسالات وتوفّي الله للرسل أجمعين.
- فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا: الطاعات لله , الرابطة بين المؤمنين , إقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , والصدقات , ليس فقط من أجل الفقراء والمساكين والمستحقين , لكن أساسا لشخص المؤمن نفسه , ففي أداء هذه الطاعات , تصديق بالحسنى , وإخلاص لله , لا يتأتّى إلا بالبرهنة عليه , كما أنه بالنسبة للداعية , أسوة حسنة , حتى يتأسّى بها من يدعوهم إلى سبيل ربّه.
- قم فأنذر : كن على عزيمة , وواجه من ليس على طريق الحق بإنذاره
- وربك فكبّر . فلا ينازعنك فيه شيء , فكلما هممت بقول أو فعل , فليكن قولك : الله أكبر مصدقا لفعلك فلا يغالبنك غير الله على فعل ما لا يرضي الله , أو ترك ما يرضيه. الإخلاص في جعل الله أكبر.
- وثيابك فطهّر , فالمؤمن طاهر مظهرا ومخبرا , والناس يرون الظاهر أولا ثم يستمعون ويعاملون. ولا بد للمخلص لله أن يكون أسوة حسنة في الطهارة الظاهرة والباطنة.
- والرجز فاهجر. فلا يكن مظهرك الطاهر دون مخبر طاهر , فاهجر سوء الخلق والسوء من القول والفعل. لابد أن يكون خلقك ومعاملاتك لايشوبها شائبة , ففاقد الشيء لا يعطيه , وينبغي أن تكون أسوة حسنة , ولا تأمر الناس بالبر وتنس نفسك.
- ولا تمنن تستكثر. فالدين المعاملة , ولا بد فيها أن يقبل الناس معاملاتك , دون منّ منك أو استكثار , فلا تطلب منهم أجرا أو تستكثر منهم شيئا.
- ولربك فاصبر. فالصبر نصف الإيمان.
- استفتح باسم الله الرحمن الرحيم ,في كل عمل تقوم به , وكل قول تقوله , وأنت موقن أن ما تعمله , وما تقوله هو فعلا باسم الله , فلا يدخله رياء , ولا يكون فيه ما يغضب الله . ولا تصل إلى الهف من أي طريق , وإنما لابد أن يكون من طريق الله , ولا يكفي أن يكون عملك صالحا وإنما لابد أن يكون باسم الله . الإخلاص في العمل
- قل دائما : الحمد لله رب العالمين .انسب الفضل لله , فلا يداخلك غرور واذكر أن ماتوفق إليه من صالح القول والعمل , إنما هو بما يوحي إليك ربك ويمن عليك به , ولا تكن متكبرا به.
- مجال دعوتك يشمل العالمين , ولا يتحكم فيه أحد ولا شيئ حيث أنك تعمل بأمر ربّ العالمين , فهو خالق كل شيء, ومالك كل شيء , وصاحب كل شيء, والقائم على كل شيء , والملازم لكل شيء , ومصلح كل شيء.
- قل : الرحمن الرحيم : فتحلّ بالرحمة , فالمطلوب أن تنزع الناس مما يعيشون فيه من تسيب , إلى التزام بأوامر الله , وهذا شيء عسير إلا على من يسره الله عليه , فارحم ضعف الناس , وارحم جهلهم , وارحم فقرهم .
- ربّك هو مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ : تذكّر دائما أنك محاسب يوم الدين على ما تفعل , وعلى ما ينعم الله به عليك , وعلى ما يكلفك الله به.
- قل : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ: اعبد الله لا تشرك به شيئا , واستعن به , واستشعر أنك جزء من أمّة , فارتبط بها في العبادة , وفي الاستعانة بالله.
- قل : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ : لله صراط مستقيم واحد , فاطلب منه أن يهديك إليه , واتبعه , ولا تتبع السبل فتفرق بك عن سبيله. وابحث في كتاب ربك , وما بيّنه رسوله صلّى الله عليه وسلم في سنّته , عن صراط الله المستقيم .صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ: اعلم مسبقا أن الناس قد خلقهم الله , فمنهم كافر ومنهم مؤمن , منهم من يلتزم الإيمان فينعم الله عليه بالهداية , ومنهم من يعرف الحق فيخالفه ويحاربه , فأولئك يغضب الله عليهم , ومنهم من يضل عن الطريق , فأولئك هم الضالّون. فتوقّع انقسام الناس أمام الدعوة إلى هذه الأقسام, واسأل الله أن تكون من الذين أنعم الله عليهم.
- لا تداهن المكذّبين , الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله بأموالهم وأنفسهم , الذين يكفرون بالله وملائكته وكتبه ورسله , ولا تؤاكلهم أو تشاربهم أو تصاحبهم , ولا تطعهم . وأعلمهم بذلك (تبت يدا أبي لهب وتب)
- تذكّر دائما أن كل ماحولك من ثوابت الدنيا وظواهر الكون , سوف تهدم وتزول وتسقط , وأن أعمالك تحصى عليك , وأن بعد الدنيا تكون الآخرة , وفيها الحساب , الذي يذهب بك إما إلى الجحيم ,وإما إلى الجنة.
- ثق في أن ما بين يديك من كتاب الله , قد أنزله الله ربّ العالمين , بالوحي على رسوله محمد صلّى الله عليه وسلم , الصادق الأمين . ولا ترتَب في إيمانك وعقيدتك.
- اعلم أن الاستقامة هي اختيارك ومشيئتك , وأنك لكي تكون مستقيما ,فلابد من أن تحسن علاقتك بالله , حتي يشاء الله لك الاستقامة والهدى , ويبعدك عن الضلال , فهو سبحانه يزيد الذين اهتدوا هدى , وما يضل إلا الفاسقين. الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض. الإخلاص في الاستقامة واتباع الذكر(لمن شاء منكم أن يستقيم)
- سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى: نزّه اسم ربك عن كل نقص وعجز , وأدم النظر فيه وفي خلقه وكونه وأمره.
- سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى: احرص على تذكر ما يقرئك الله , بالذكر الدائم , وبالعمل به , وبالدعوة إليه , وبالبعد عن المعاصي حتى لا تكون سببا في أن ينسيك الشيطان ما أقرأك الله .
- فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى : ما تعلمته , لابد أن تنقله إلى الناس , ولا تكتمه أو تقصره علىنفسك , وليكن ذلك لمن تنفعه الذكرى.
- اخش الله , وتذكّر البعث والحساب والجزاء (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى)
- واذكر اسم ربك وصلّ وتوجه إليه سبحانه بالدعاء .وفي تزكية النفس , بالذكر والصلاة (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى), فتزكّ وابعد عن الرذائل والمعاصي, واذكر اسم ربّك , وصلّ وادع الله.
- آثر الآخرة على الدنيا , فهي خير وأبقى.
- برهن على صدق عقيدتك بالبعث والحساب والجزاء , بأن تعطي من مالك وجهدك وعملك ووقتك لله , الإخلاص في التصديق بالحسنى(فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى) . ولاتفعل ذلك إلا ابتغاء وجه ربّك الأعلى.( وما لأحد عنده من نعمة تجزى. إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى . ولسوف يرضى)
- وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى: انتظر العطاء من الله , وارض بما قسمه لك.
- ابحث عن اليتامى والمساكين , وأكرمهم بالمال والمعاملة وحض على ذلك.
- الإخلاص في تأثير العقيدة على التعامل فلا تقف عند اعتقاد في القلب , ولا عند مظاهر دون برهان على الصدق والإخلاص (كلا بل لا تكرمون اليتيم. ولا تحاضون على طعام المسكين).
- احذر من أكل التراث أكلا لمّا. فعند وجود إرث لك فيه نصيب , حاذر من أكله دون وجه حق , وتحرّ الدقة والورع فيه. وهذا خطأ يقع فيه كثير من الناس, رغم أنهم يوزعون ميراث شخص قد مات ولا يتعظون. وتأكلون التراث أكلا لما.
- لا يكن حبك للمال حبا جمّا , فحب المال رأس كثير من الخطايا والذنوب والمعاصي.
- فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ . وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.
- تحمّل العسر , وانتظر من الله يسرين. فذلك من أفعال الله للناس في الدنيا , فتدرّب على مواجهة العسر بالصبر وانتظار اليسر والفرج.
- فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ . وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ , اقصد في مشيك , ولا تضيع وقتا , ووجه فراغك إلى ربك
- لا تصاحب إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات , وتواصوا جميعا بالحق وتواصوا بالصبر , ولا تكن سلبيا. وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) .
- استعد للدفاع عن نفسك ومالك أمام الإنسان الكنود الذي لا يؤمن ببعث ولا حساب ولاجزاء , وهو مصدر خطر عليك , واستعد لملاقاة أعداء الله من الذين كفروا , فهم يتربصون بك ليأخذوا مالك وثمرة عملك . وهذا الاستعداد هو الذي يجب أن تنشغل به في أعمالك , من العلم والعمل الصالح النافع , والبحث عن خبء الله في السموات والأرض , وفي عقول الناس وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا(1) .
- الإخلاص بجعل الصلاة لربك . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ.
- لا يلهينك التكاثر في جمع الخير والانشغال به , فالمقابر تجمع الرفات والأعمال , ولا تجمع الخير والمال والمتاع , واعلم أنك ستسأل يوم القيامة عن النعيم. أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ(1)حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ(2)
- الإخلاص في مفهوم الدين (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1)فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(2)وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(3)فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4)الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ(5)الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ(6)وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ(7): حاذر من أن تدعّ اليتيم , أو تهمل الحض على طعام المسكين , حتى ولو لم يكن لديك ما تنفقه إليهم , في سبيل الله. وحاذر من أن يقتصر أداؤك للصلاة على مظهرها , دون مخبرها وثمارها من التقوى والنهي عن الفحشاء والمنكر, وحاذر من المراءاة ومنع الماعون عن مستحقيه , وبألا يقتصر الدين على مظاهره, فلا تكن من الذين هم عن صلاتهم ساهون, والمراءاة بهاولكن لتكن مخلصا فيها لله .
- قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ(1)لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(2)وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(3)وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ(4)وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(5)لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ(6) لا تقلّد الكافرين في ما يعتقدون وما يعتادون وأعلنهم بذلك. تميز بدينك الذي هداك الله إليه عن الكافرين ودينهم , ولا تبحث عن الحلول الوسط بين الإيمان والكفر.
- اعلم أن الله سبحانه هو القاهر فوق عباده , وأن له القوة والسلطان والغلبة , ولا تقل إن هناك قوة في الأرض ولا في الدنيا هي أعلى أو أقوى , وقل : الله أكبر , سبحان ربّي العظيم , سبحان ربّي الأعلى. وهو القادر على حماية دينه وبيته وعباده الصالحين , ضد أي عدو مهما بلغت قوته (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل)
- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1)مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2)وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ(3)وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ(4)وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(5). استعذ بالله من شرور لا تراها ولا تقدر على صدها إلا بمعونة الله فكلها شرور تحيط بنا ولا قدرة لنا على مواجهتها إلا باستعاذتنا بالله منها. وفي ذلك يقين بالله وبقدراته.
- ” قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5)مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6). فاستعذ بالله من شر الوسواس الخناس , والذي يحاول الدخول إلى الصدور بالوسوسة. واعلم أن ربك هو رب الناس , ومالكهم , وإلههم الذي له الطاعة والولاء . والوسواس الخناس , منعه الله من أن يمد سلطانه على عباد الله المخلصين, فاستعذ بالله منه.
- ثم على قمّة الإخلاص , (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4). وحّد الله , وإذا استعنت فاستعن بالله . وهذه هي ثمرة العقيدة , ورأس الإيمان , وثلث القرآن. وهنا تأتي سورة الإخلاص , لتقرر أنه لا إله إلا الله . الله أحد. الله الصمد , الذي يقصد في قضاء الحاجات , وحده لا شريك له
هنا نصل إلى تأسيس قواعد الإخلاص , وسلامة العقيدة , واستقرار الإيمان, وحقيقة الاطمئنان, والبعد عن الشك والريبة .
سبحانك اللهم وبحمدك , نشهد ألاّ إله إلا أنت , أنت ربنا وخالقنا وإلهنا. من اعتصم بحبلك فقد أغنيته وحررته ومنحته العزّة , وأبعدته عن الذل إلا لك , وعن الحاجة إلا إليك , لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
انتهي بذلك استعراض 22 سورة من كتاب الله , بترتيب النزول.
نتج عن منهاج الله في تلك السور , وجود فئة الذين آمنوا بالله وأخلصوا دينهم لله , وهم مستعدون لحمل لواء دين الله الحق , وتبليغه إلى الناس , وضرب الأسوة الحسنة في تطبيقه , حتى لا يكون نصوصا تقرأ دون تطبيق , أو نصوصا بلا روح.
وينقسم الناس بعد ذلك إلى فئة المغضوب عليهم , الذين كفروا وكذّبوا وصدّوا , وفئة الضالّين الذين لم يؤمنوا بعد عن جهل وقلة علم أو غير ذلك من الأسباب.
ما كان من توفيق فمن الله, وماكان غير ذلك فمن نفسي, وأستغفر الله وأتوب إليه من كل خطأ وعمد
نسأل الله التوفيق ومن العمل ما يرضيه