وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ(45)إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ(46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ(47)
وهذه مجموعة من الأنبياء والمرسلين, عليهم صلوات الله وسلامه, جمعها الله في مجموعتين: الأولي هم أولو الأيدي والأبصار, لهم أياد وقوة في الأداء, ولهم أبصار في الفكر والعمل الذهني, وهنا يكتفي القرآن بالإشارة إلى عموم ميزاتهم, ويتلو ذلك تفصيل في آيات أخرى, والسبب أو الميزة التي جعلها الله لهم هي أنه أخلصهم بخالصة, أي خلصت عقولهم وقلوبهم لله رب العالمين, وكان السبب في هذا هو ذكرى الدار.
إن ذكر الدار الآخرة يجعل الإنسان يضعها نصب عينيه, وهو يفكر في حياته, ويخطط لعمله, فلا يكون له هدف يسبق الفوز بالدار الآخرة, فإن كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, كان عمله مخلصا لله, فلم تشبه شائبة من النفاق أو الرياء أو السمعة. يفكر في المصالح العامة قبل أن يفكر في مصلحته. يسعى لتكون كلمة الله هي العليا. لا يحد تفكيره ولا تخطيطه أبعاد قومية أو نزعات قبلية, في أي مكان يكون, ,أي عمل يؤديه لا يكون وجهه متجها إلا لله, كما قال الله سبحانه لرسوله الكريم: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له, وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. , وكما علمنا رسول الكريم , وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. وكما قال الله سبحانه: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا.
إن ذكرى الدار, تنقي القلب من الشرك تنقي العمل من النفاق والرياء, وتنقي الإنسان من نوازع الأنانية والبحث عن الذات, وتجعله إنسانا يفكر في نصرة الله ونصرة دينه, سعى لتكون كلمة الله هي العليا: سئل صلى الله عليه وسلم, عن الرجل يقاتل حمية, والرجل يقاتل لنصرة قومه , والرجل يقاتل ليرى مكانه, أيها في سبيل الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.
وما الذي يشغل هذا الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا, إلا ذكرى الدار؟
ولهذا كان هؤلاء الرسل والأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب ومن سار على هداهم, كانوا عند الله من المصطفين الأخيار.
هؤلاء يجب أن يتمثل بهم قيادات الوزارات والمؤسسات والهيئات التي تخطط للبلاد, والتي لها أياد بيضاء قوية في تنفيذ البرامج التنموية والإصلاحية, والتي لها أبصار تنظر وتحلل بحكمة تخطط وتؤثر في حاضر ومستقبل الأمة.
الأخيار:
ومجموعة أخرى: وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنْ الْأَخْيَارِ(48)
لهم أعمالهم وبصماتهم بأمر الله على الدنيا ومسيرة الإنسان فيها, يذكرهم الله هنا دون تفصيل لأعمالهم, وهذه هي المرة الأولى بترتيب نزول سور القرآن التي يذكر فيها إسماعيل واليسع وذا الكفل, وكل من الأخيار.
وينبغي أن يتمثل بهم كل مسئول في الأمة, من القيادات المتوسطة والصغيرة, فيكون من الأخيار, يجري الخير على أيديهم, ويكونون قدوة حسنة للناس, بدءا من ربّ الأسرة, إلى المديرين وكل راع مسئول عن رعيته.
كما أنه يجب على القيادة العليا أن تُمكّن للأخيار في الأرض, ولا تمكن للأشرار.
المتقون:
وكما كان لداوود ولسليمان ولأيوب حسن مآب, فإن الله يجعل للمتقين حسن مآب أيضا. ويفصله الله في الأيات التالية, (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ(49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ(50)مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ(51)وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ(52)
فحسن المآب يعني:
السكن: جنات عدن
الحرية: مفتحة لهم الأبواب
الراحة: متكئين فيها
الطعام والشراب: يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب
الحياة العائلية والجنسية, وعندهم قاصرات الطرف أتراب
إن هذا كله, باستقرار ودوام لا يمكن أن يجمع إلا في الآخرة, ويكون نتيجة الاستعداد ليوم الحساب.
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ(53)إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ(54)
حقا إن هذا هو الرزق الحق, رزق الله الذي ما له من نفاد. وما دونه من رزق ينفد.
فلماذا يسعى عاقل لرزق له نفاد, ويترك رزقا ما له من نفاد؟
لماذا يضحي بهذا الوعد الحق من الله ليوم الحساب, في سبيله للفوز الموقوت الرخيص القليل ذي العمر القصير في الدنيا؟
كما أننا حين نأخذ ما أعد ربنا للمتقين, فعلينا أن نمكن لهم في الأمة, ونيسر لهم السكن والحرية, مفتحة لهم الأبواب, والراحة والطعام والشراء والحياة العائلية الهادئة. هؤلاء هم الذين يجب على القيادات العليا التمكين لهم, (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض؟ أم نجعل المتقين كالفُجّار؟)