قبل أن ينتهى العقد الأخير من القرن العشرين ، وجد المسلمون أنفسهم وسط عالم الأعمال المفتوح ، تفرض عليهم أعرافه ، ويصبغهم بأصباغه ، وتعصف بهم رياحه من كل باب .
قد يجد رجل الأعمال المسلم مبادئ عامة فى ثقافته وموروثاته.. يشعر معها بهوية خاصة به ، تختلف أو تتفق مع ما يرى فى عالم الأعمال من حوله .
ولكن .. هل يتوقع أن يكون بين يديه دليل متكامل لكل مايخطر بباله فى ممارسته لأعماله ، من وحى كتاب الله .. بدءا من فلسفة الاستثمار.. كيف تبدأ مشروعا .. شجرة الادارة .. شئون العاملين .. التسويق .. ادارة الحوار .. سياسات الجودة …
فضلا عن مبادئ المنافسة وأخلاقيات العمل والتعامل .
إن كتاب الله فيه كل ذلك وأكثر .
بل ربما يكون الأصح أن نقول : ان كتاب الله هو القانون والنظام العام الذى قامت عليه الدنيا ، وأسس التعامل الانسانى ؛ وأمثاله تغطى جميع تطبيقات النشاط الانسانى بلا استثناء …
يرى كل انسان فيه رؤيته الخاصة ، التى تتطور طبقا لتطور المعارف الانسانية والأماكن الجغرافية ، والظروف الاجتماعية وغيرها ،
..وهوثابت النص لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه .
ان هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم
لقد سجلت رؤيتى الخاصة ، (التى أسأل الله أن يغفر لى ما قد يشوبها من خطأ) ، والتى جمعت فيها بعضا من معان لآيات الله ؛ كنت استشهد بها فى كل ما يعن لى من أمور ادارية ، فكانت لى هدى للتى هى أقوم ؛ فى الادارة ، وفى تطبيقات علمية واجتماعية ونفسية وغيرها مما لا يتسع المقام لذكره الآن ، كما كانت آيات الله هدى للتى هى أقوم ؛ فى رؤية الحق حقا ، وفى رؤية الباطل باطلا .
أسأل الله أن ينفع بها قارءها … وأن يغفر لكاتبها مافيها من قصور .
واننى ادعو كل مسلم ، بل وكل الناس ، أن يتجاوزوا مرحلة التلاوة والتسابق فى ختم كتاب الله بغير فهم ، الى التدبر والتفكر والتعقل ، بحثا عن الهدى للتى هى أقوم فى كل شىء ، فى نفس الوقت الذى يهتدون به الى التقوى والايمان والرشد والصراط المستقيم .
اننى حين أقرأ فى فاتحة الكتاب ( اهدنا الصراط المستقيم ) انما أعنى بهذا الدعاء أن أتضرع الى الله طالبا أن يهدينى والمسلمين الصراط المستقيم والطريق الأمثل فى كل ممارساتى الشخصية والعملية ، حتى استمتع بنعم الله فى الدنيا ، بما يرضيه سبحانه ، ولكى أتشرف عند الوقوف بين يدى الله لأجيب عن الصراط المستقيم : ( نعم يارب ، لقد هديتنى الصراط المستقيم فى الدنيا فاتبعته ما استطعت الى ذلك سبيلا : فى البيع وفى الشراء ، وفى استخدام الأجهزة والمعدات والسيارات ، وفى تربية أولادى ومعاملة أهلى ، واختيار استثماراتى وأسلوب الاعداد لمشروعاتى ، وكل ذلك يحتاج الى الهداية للصراط المستقيم ، وكل ذلك وجدته فى كتابك الذى يهدى للتى هى أقوم ، فلك الحمد ولك الشكر .
ومن الجدير بالذكر أن هذه رؤيتى الخاصة وما فهمته من وحى كتاب الله …
(قل ان ضللت فانما أضل على نفسى ،وان اهتديت فبما يوحى الى ربى ) .
هذا ما رأيت أنه الحق، فان وجد القارىء فيه جديدا ؛ فليتبعنى الى هذا البحر المحيط ، ومعه أدوات اقتناص المعانى ، ومعدات الغوص فى أعماقها ، فان هذا البحر ملىء بالدر المصون ، واللؤلؤ المكنون ، والكنز المدفون ، وان كل قطرة فيه تعنى كشفا جديدا ، ومددا مفيدا ، للناس عامة ، وللمسلمين خاصة ، فى طريق تحويل يقينهم بأن كتاب ربهم فيه كل شىء ؛ الى واقع عملى يقول : هذه بعض الأشياء التى استخرجناها بالتدبر ؛ وجلوناها بالتفكر .
نسأل الله تعالى أن يشرح بها صدورنا ، ويضع عنا أوزارنا ، التى أنقضت ظهورنا ، ويرفع بها ذكرنا ، وأن يعزنا بكتابه ويغنينا بفضله عمن سواه .
وان وجد القارىء ما يظن أنه الحق ، وهو يخالف رأيى ؛ فأننى أدعوه شاكرا له ؛ أن ينصحنى حتى ندخل معا فيمن استثناهم الله من الخسر الذى فيه الانسان فى قوله تعالى
( والعصر . ان الانسان لفى خسر . الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. ) .صدق الله العظيم