(يس(1)وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ(2)إِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ(3)عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(4)تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ(5)لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ(6)
المرحلة السابقة لنزول سورة (يس), شملت هداية الله لأصناف من الناس وتجنبت أصنافا أخرى. وبيان ذلك كالتالي:
من (اقرأ) إلى (الفاتحة) إعداد رسول الله للدعوة, ومنها يؤخذ منهاج وقواعد إعداد الداعية
المسد: فرز اللهبيين, الذين اتخذوا موقفا معاديا بعد اقتناعهم بصدق الرسول, وكشفهم واجتناب شرهم, والذين وصلوا إلى نقطة اللاعودة
من (التكوير) إلى (الإخلاص): بناء الإخلاص علما وإيمانا وسلوكا, في قوم اتبعوا الذكر وخشوا الرحمان بالغيب, وهم طائفة من الذين معه صلّى الله عليه وسلّم.
من (النجم) إلى (القمر): تعميم الدعوة لبيان أنها لا تقتصر فقط على قريش ولكنها تشمل المشركين وأهل الكتاب والكافرين والضالين, وكل الطوائف, مع توجيه رسائل من الله مباشرة إلى كل الطوائف, مع التأكيد على رسول الله بعدم بذل الوقت والجهد في هذه المرحلة, في دعوة المعاندين والغافلين والضالين وغيرهم والاكتفاء بتبليغهم دعوة الله دون مناقشات ومناظرات, والتركيز على الطائفة التي تستجيب فور إبلاغهم بالدعوة.
(ص) : إعداد القائد خليفة الله في الأرض, ليكون الأداة التي يقيم بها الله دينه وشريعته في الأرض, حيث لم يعد الإهلاك العام للذين كفروا صالحا في القرون من بعد القرآن, وما ينظر الكافرين بعد بعثته صلّى الله عليه وسلّم إلا صيحة واحدة ما لها من فواق, وهي صيحة الصاعقة فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله. وإنما حلّت قوة الذين آمنوا محل جنود أخرى لله, تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة, في نفس الوقت الذي تحكم الناس في دولة الإسلام, التي لا إكراه فيها في الدين, والتي تقيم الحق وتحكم الناس بما أراها الله.
(الأعراف): إعداد الأمة القائدة المستخلفة, بعد دراسة آفات الأمم, أسبابها وعلاجها, لتكون عونا لخليفة الله في الأرض في إقامة شريعته ونصرة دينه والضرب على أيدي الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله, حيث يستحيل لفرد وحده أن يقوم بأعباء الدعوة في مناطق متفرقة من العالم, وفي أزمنة متوالية متواصلة إلى يوم القيامة, وإنما يكون ذلك ممكنا بوجود عقيدة يعتنقها فريق من الناس, وينصرونها ويقيمون شعائرها وحكمها في أنفسهم وفي العالم الذي يمكنهم الله منه.
(الجن) تعميم الدعوة لتشمل الجن, وبيان أحوالهم وعلاقتهم بالناس, وتصحيح المعتقدات فيهم.
وكانت نتيجة هذه المرحلة أن استجاب للدعوة من اتبع الذكر وخشي الرحمان بالغيب.
وكان قد حق القول على أكثر الناس فهم لا يؤمنون, حق عليهم قول إبليس عليه لعنة الله, (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82)إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ(83) ص), وقوله (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) الأعراف), وهذا قبل مرحلة (يس).
ثم في (يس):
بدأت جولة جديدة ,لإنذار قوم ما أنذر آباؤهم فهم غافلون, وهم الذين لم يُجْد معهم أسلوب الدعوة في المرحلة السابقة, كنتيجةٍ لمسّ الشيطان لهم, وكانت بالتذكير باليوم الآخر والحساب والجزاء, وبالإعلام بالله الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى.
وتأثير الآباء على الأبناء كبير, فالبيئة التي يُنَشّأ فيها الأبناء تزرع في القلوب والعقول عقائد وأفكارا يصعب جدا إزالتها أو استبدالها بعد ذلك, فالعلم في الصغر كالنقش على الحجر, ولهذا فإن أكثر الذين لا يربيهم آباؤهم على العقيدة الصحيحة يضلون ويكونون من الغافلين, ويحق القول على أكثرهم, إلاّ أن يرحمهم الله ويحيي قلوبهم, وينبههم من غفلتهم.
لقد ثارت عندي تساؤلات عدّة حين شرعت في دراسة السورة.. مثل..
● لماذا قال الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم (إنك لمن المرسلين) ولم يقل إنك لمن الرسل؟ فما الفرق بين رسول ومرسل؟ ومتى يقول له: رسول الله؟ ومتى يقول له: إنك لمن المرسلين؟
● لماذا قال سبحانه: (على صراط مستقيم) ولم يقل (على الصراط المستقيم)؟
● (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(7). ما هو القول الذي حقّ على أكثرهم فهم لا يؤمنون؟
● وهل فعلا لم يؤمن أكثر القوم بعد نزول (يس)؟ وقد نزلت على الأرجح قبل إسلام عمر وخالد بن الوليد وأبي سفيان, بل كان عدد المسلمين قليلا عند نزول السورة رقم 41 بترتيب النزول. أم أن هذا وصف للحالة التي كان عليها الناس حول رسول الله عند نزول السورة؟
● يقول الله: (وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(10) فهل يعني ذلك أنه لا فائدة فيهم, فما هي فائدة دعوتهم وإنذارهم إذن؟
● يقول الله سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ(12). هل هذا ترتيب تاريخي بإحياء الموتى أولا, ثم كتابة ما قدموا وآثارهم, أم أن كتابة ما قدموا وآثارهم تسبق إحياء الموتى؟ وما المقصود بالموتى هنا؟
وقد توصلت إلى الآتي, والله أعلم, ومن شاء المزيد من التفصيل فليرجع إلى نهاية الباب حيث معاني بعض الكلمات:
المرسل هو من أٌرسل بمهمّة أو برسالة محدودة (مثل مبعوث), أو (مرسال) كما نقول بالعامية. والرسول هو الذي أرسل برسالة واسعة التأثير والمدى (مثل السفير), فكل رسول مرسل, وليس كل مرسل رسولا.
وصراط مستقيم هو جزء محدود من الصراط المستقيم العام الذي جاء به رسول الله صلّي الله عليه وسلم, فهناك صراط مستقيم لدعوة الكافرين, وصراط مستقيم لدعوة أهل الكتاب, وصراط مستقيم لدعوة الذين لم ينذر آباؤهم فهم غافلون, وهناك صرط مستقيمة للتعامل مع كل نوعية من الناس, وللتعامل مع كل موضوع أو مادة أو نعمة من نعم الله. ومن مجموع كل هذه الصرط المستقيمة, يتكون الصراط المستقيم الذي ينبغي أن يسير عليه المؤمنون في الدنيا, فيصلون بأعمالهم المهتدية بهدى الله إلى أن يعبروا الصراط المستقيم يوم القيامة إلى الجنة بإذن الله.
وقد حق قول إبليس عليه لعنة الله, أن يقعد لبني آدم صراط الله المستقيم, وأن يغويهم أجمعين, إلا عباد الله المخلصين, فأغوى أكثر الناس وأتاهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم. وبالتالي لم يؤمن أكثرهم في بداية رسالة الإسلام, بل كانوا مقمحين بالأغلال التي جعلها الله فيهم, باتباعهم وسوسة الشيطان, وما جعل من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا, بما اتبعوا الشيطان, ولم تُجدِ فيهم إنذارات رسول الله, فهم لا يؤمنون حتى وقت نزول سورة (يس).
وقد قال الله لإبليس عليه اللعنة: (قال فالحق والحق أقول* لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) وصدق الله العظيم, وهذا في شأن من يظل متبعا للشيطان حتى يأتيه أجله فيموت على ذلك, ومن رحمة الله بعباده أن أمهلهم ليتوبوا ويعودوا إلى ربهم وصراطه المستقيم, ويعينهم الله على ذلك بأنه سبحانه يحيي الموتى بمنهاجه وإنذار رسوله للغافلين.
وكان من اتبع رسول الله حتى سورة (يس) هم من اتبعوا الذكر وخشَوْا الرحمان بالغيب, فبشرهم صلى الله عليه وسلم بمغفرة وأجر كريم, وهم من أمثال خديجة بنت خويلد, وعليّ بن أبي طالب, وأبي بكر الصديق رضوان الله عليهم جميعا.
وهنا بدأت مرحلة جديدة مع سورة (يس), تدخّل الله سبحانه بصراط مستقيم مخصّص لإنذار قوم ما أنذر آباؤهم فهم غافلون, فالله سبحانه هو وحده الذي يحيي الموتى الذين انتهى أجلهم, كما أنه سبحانه يحيي موتى القلوب, أي يحيي قلوبهم بالإسلام والإيمان, فيقدّمون أعمالهم, ثم يكتب الله ما قدموا وآثارهم بعد أن يحييهم من موت قلوبهم ومن كفرهم ومن غفلتهم.
فالله سبحانه لا يترك الشيطان يغوي بني آدم دون أن تصل إليهم هداية الله, وإلا لما اهتدى جُلّ الصحابة الذين تأخر إسلامهم. ولما اهتدى إلا القليل (وما كان الله ليضلّ قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون).
وعموما, فالمرحلة التي نزلت فيها سورة (يس) هي مرحلة ما زالت دعوة رسول الله البشير النذير تبني وتهدي الغافلين, وتبين للناس ما نزّل إليهم, وليست مرحلة من اليأس من الغافلين والكافرين, فما زال الطريق طويلا أمام الدعوة.
وفي السورة منهاج الله لإنذار قوم ما أنذر آباؤهم فهم غافلون, بعد أن مكثوا في الضلال والغفلة حينا فهم لا يؤمنون.
ولعل المثل الآتي يوضح الصورة:
حين يُحلَب اللبن من البقرة, فإن القشدة التي تظهر على سطحه تكون كثيفة وكاملة الدسم, وتظهر بمجرد حلب اللبن من ضرع البقرة, ودون غلي اللبن, هذه هي القطفة الأولى للقشدة. وكانت في الناس مثل أبي بكر وعليّ وخديجة.
ثم حين يُغلى اللبن للمرة الأولى, يظهر الجيل الثاني من القشدة, من أمثال عمر بن الخطاب, وفي الغلية الثانية يظهر الجيل الثالث من القشدة الأقل دسامة, وهكذا في كل غلية يقل الدسم إلى أن نصل إلى فتح مكة فيسلم أبو سفيان بن حرب, ويكون أقل دسما ممن سبقوه, كالقشرة الرقيقة من القشدة التي نراها عند غلي اللبن منزوع الدسم.
سورة (يس) منهاج لإنذار قوم ما أنذر آباؤهم فهم غافلون, والذين لم يستجيبوا في الفترة الأولى, ولم يؤمر رسول الله بالتوجه إليهم في المرحلة السابقة, بل أُمِر بتجنُّبهم مرحليا, كما جاء في سورة عبس. ثم ها هو الآن يأخذ من الله منهاج مواجهة المجموعة التالية من الناس الغافلين.
وتكون قراءة معاني مقدمة السورة كالتالي:
كان من استجاب لرسول الله في بدايات الدعوة هم من اتبعوا الذكر وخشَوْا الرحمان بالغيب, حيث اكتفوا منه صلّى الله عليه وسلّم بالإنذار بالبعث والحساب والجزاء والثواب والعقاب, كما جاء في سورة التكوير. وقد حق القول على بقية الناس من حوله بأن أغواهم الشيطان وقعد لهم صراط الله المستقيم, وأتاهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم. وبسبب غفلتهم, جعل الله من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا, فأغشاهم فهم لا يبصرون, ولم يستجيبوا لإنذار الرسول, فهم لا يؤمنون.
فأنزل الله سورة (يس) بمنهاج أو صراط مستقيم لإنذار هؤلاء الغافلين الذين ما أنذر آباؤهم. وفي هذا الصراط المستقيم, يحيي الله قلوب هؤلاء الموتى, يحييها بالإسلام وبالإيمان(نحييهم بالإيمان بعد الجهل ). وإحياؤهم: إخراجهم من الشرك إلى الإيمان
والسورة فيها منهاج للقرآن الحكيم. والحكمة هي المنع, المنع من الخطأ, والمنع من الجهل. وقد فهمت وصف القرآن في سورة (يس) بالقرآن الحكيم, بأن فيها من منهاج القرآن ما يمنع الخطأ ويزيل الجهل بالعقيدة, أي منهاج للتربية ليعوّض النقص الناتج عن عدم التربية على العقيدة. فالقوم الذين ما أنذر آباؤهم فهم غافلون, لم يتلقَّوا التربية الصحيحة على العقيدة السليمة من آبائهم. فكانت (يس) منهاجا للتربية لهم, التربية التي تزيل الجهل وتمنع الخطأ والزلل في فهم مبادئ العقيدة الصحيحة, وبالتالي وُصِف ما فيها من القرآن بالقرآن الحكيم.
والقرآن يحوي مناهج معالجة لكل حالة من حالات فساد العقائد وفساد الإنسان, وفساد طبائعه. وعلى سبيل المثال, فإن قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون لا نبدأ الدعوة لهم بالحديث عن طبيعة المسيح عيسى بن مريم, ولا بالحديث عن مجاهدتهم وتحدّيهم بالقتال كما في سورة براءة مثلا. وإنما يبدأ الحديث معهم في اتجاه إزالة جهلهم وغفلتهم, وبالتالي تربيتهم على قواعد وأسس العقيدة السليمة الصحيحة وبناء معرفتهم ووجدانهم.
إذن فالسورة هي رسالة محدّدة لعلاج حالة قوم ما أنذر آباؤهم فهم غافلون. وهي صراط مستقيم محدود أيضا لإصلاح حال هؤلاء الغافلين.
وضمن الرسالة الكاملة للإسلام, هناك رسالات محدّدة أخرى, مثل الرسالة لأهل الكتاب ألاّ يغلوا في دينهم وألاّ يقولوا على الله غير الحق, والرسالة للذين هادوا, ورسالة للذين كفروا, ورسالة إلى الضالين, وهكذا في مجموعة رسالات تعالج كل منها حالة من الحالات بصراط مستقيم, وتجتمع الأهداف كلها والرسالات كلها في الرسالة الكاملة الخاتمة للإسلام, ومن مجموع صُرُط مستقيمة كثيرة, يكون الصراط المستقيم الكامل المتكامل الذي نطلبه من الله في كل صلاة وفاتحة كتاب, أن يهدينا الصراط المستقيم, صراط الذين أنعم الله عليهم , غير المغضوب عليهم ولا الضالّين.
وضرب الله مثلا للمرحلة الأولى من الدعوة, بإرسال الله مرسلين إلى أصحاب القرية, حيث أرسل إليهم اثنين فكذبوهما, فعزّز الله بثالث ليبلغوهم عن الله ولينذروهم, ولكنهم لم يستجيبوا لهم, بل هددوهم بالرجم وعذاب أليم.
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ(13)إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ(14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَانُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ(15)قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ(16)وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ(17)قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ(18)قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ(19)
وكان من استجاب لدعوة المرسلين هو رجل جاء من أقصى المدينة يسعى, وهو يمثل من آمن مع رسول الله من الدعوة الأولى, ومن استجابوا له صلّى الله عليه وسلّم بمجرد أن سمعوا الذكر, حيث استجاب هذا الرجل للمرسلين, واتبع الذكر, ودعا لاتباع المرسلين, وخشي الرحمان بالغيب, فبُشّر بمغفرة فقال ( ياليت قومي يعلمون* بما غفر لي ربّي..) وبُشّر بأجرٍ كريم فقال (وجعلني من المكرمين)
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(20)اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21) وَمَا لِي لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(22)أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَانُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِي(23)إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(24)إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِي(25)قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26)بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ(27)
أما قومه من بعده, فقد أصابتهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون, صيحة الإهلاك, مثل ما أصاب قوم نوح, أو قوم هود أو قوم صالح, أو قوم شعيب, (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ(28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ(29)
وتلك كانت سنّة الله تجاه من غفل, وكفر, واستكبر.
ولكن هذه السنّة تحولت في الرسالة الخاتمة من إهلاك إلى معالجة للغفلة والكفر والاستكبار, وتُعلم أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم أن يعالجوا هذه الآفات في الإنسانية وتلك الآثار من كيد الشيطان وقوله, حيث تستمر الرسالة إلى يوم الدين, وبالتالي فإن أحوال الناس قابلة للتغيير في كل وقت وحين, بعد وفاة رسول الله, واستمرار دعوته وأمته إلى يوم الدين, تأمر بالمعروف, وتنهى عن المنكر, وتؤمن بالله, وتكون منهم أمة يدعون إلى الخير, ويستخلفها الله على دينه وشريعته والخلق العظيم الذي أرسل به رسله أجمعين, كي تدعو إليه, وتمتثل به, فلا حاجة إذن إلى صيحة مهلكة للكافرين والمستكبرين وحتى المحاربون المعادون, فلهم في دعوة الإسلام معالجات تختلف باختلاف الأحوال, ولكل حالة علاجها.
إن الغافلين يحتاجون إلى تنبيه, ولهذا فإن منهاج سورة (يس), يشتمل على صيحات ثلاث:
● خامدون: الأولى بالتذكير بصيحة أهلكت أقواما مثل عاد وثمود ومدين فإذا هم خامدون.
● والثانية صيحة واحدة يموت بها الإنسان فجأة, فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون,
● ثم صيحة واحدة يوم القيامة, فإذا هم جميع لدى الله محضرون.
ويبدأ منهاج (يس) في إحياء قلوب من الموات والغفلة, لقوم ما أنذر آباؤهم فهم غافلون. وتلك هي الخطوات:
- ياحسرة على العباد: إن هناك احتمالا لوجود فئة ضمن الغافلين, يكفي لإنذارهم التنبيه بالحسرة عليهم بسبب عدم اكتراثهم برسولهم, واستهزائهم به. فينتبهون لحالهم ويفكرون, ويُعملون العقول في التفكير, وبالتالي يمكن أن يصلوا بعقولهم إلى الحق. كما لو أنك قلت لطالب مقصّر في دراسته: “ياحسرة عليك, ما تهتم بمدرسيك وما يأتونك به من علم”, فتكون هذه الملاحظة كفيلة بلفت نظره لما يضيع منه من خير, فينتبه. ولأمثال هؤلاء الذين يكفيهم لفت النظر, توجّه هذه الآية: )يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون(30)
- كم أهلكنا قبلهم: وفئة أخرى بإحساس أقل, فهم يحتاجون إلى التذكير بما حدث للقرون من قبلهم من إهلاك, وفي ذلك تهديد غير مباشر, فتوجّه لهم هذه الآية: )أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ(31)
- جميع لدينا محضرون: ثم فئة ثالثة, لا يُجدِي معهم لفت النظر ولا التهديد غير المباشر بالتذكير بما حدث لغيرهم, وإنما ينبههم من غفلتهم أن يعرفوا أنهم محضرون لدى الله, دون الحاجة إلى ذكر ما سيحدث لهم حين يحضرون, فلا يذكر هنا الحساب والجزاء والنار وأهوالها, فقد يكفي التنبيه بالحضور لدى الله: )وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ(32)
وكل هذه المراحل من التنبيه متوجهة إلى الحسّ والشعور والذاكرة, دون نظر إلى آيات أخرى خارج الإنسان. - الذي خلق الأزواج كلها: ثم يخرج الله سبحانه بالإنسان إلى التذكير بالآيات المرتبطة بنعمة الأكل التي تهمه أولاً: (وَآيَةٌ لَهُمْ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ(33)وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ(34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ(35)سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ(36)
- كل في فلك يسحبون: ثم يذكّر الله الإنسان الغافل الجاهل بالآيات الكونية من حوله, من الليل والنهار والشمس والقمر: (وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ(37)وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(38)وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ(39)لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(40)
- ولا هم ينقذون إلا رحمة منا: ثم بآيات التمكين من الحركة ووسائل النقل والانتقال التي علمها الله للأجداد, وآيات الرحمة بالأمن والأمان, حيث أنه في لحظات معينة لا يجد الإنسان منقذا ولا مغيثا إلا رحمة من الله: (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ(41)وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ(42)وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ(43)إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ(44)
- اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون: ثم إذا شعر الإنسان الغافل بخطورة حاجته إلى الرحمة خلال حركته في الحياة, فإن الله ينبهه إلى موجبات هذه الرحمة, وكيف يحصل عليها: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(45) فبالتقوى يكون الإنسان محل رحمة الله.
- كانوا عنها معرضين: وهناك من لا ينتبه لكل هذه التنبيهات والآيات, بل يظل معرضا: (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ(46)
- تصحيح عقيدة: أنطعم من لو يشاء الله أطعمه: فإذا انتبه الإنسان الغافل إلى نعم الله في الطعام والشراب والليل والنهار والشمس والقمر, وإلى موجبات رحمة الله من التقوى, فربما يعتقد أن الله لا يكلف أحدا من خلقه بالإنفاق على غيره, اكتفاء بقدرات الله سبحانه في الرزق, وهذا أيضا جهل بقواعد العقيدة وسنن الله في إدارة الحياة وجعل الناس بعضهم لبعض عونا وسببا في الرزق وفي الحياة, رغم أن الله يملك كل ذلك ويتحكّم فيه, وإنما هو يرزق الناس بعضهم ببعض, ولهذا يذكر الله ردّ الذين كفروا إذا قيل لهم أنفقوا, فيقول الله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(47)) ولكن الله سبحانه يبين هنا أن هذا إنما هو قول الذين كفروا, ولا ينبغي أن يكون قولا للذين آمنوا, حيث يصل بهم إيمانهم إلى فهم سنن الله في خلقه وفي زرقه ونعمته.
- متى هذا الوعد: وهنا يصل الإنسان الغافل إلى الاعتقاد بالبعث بعد الموت, ولكنه يتساءل: متى هذا الوعد؟ (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(48)) وهو تطوّر إيجابيّ للعقيدة, ولكنه ليس كافيا وليس كاملا, وما زال فيه تشكُّك.
- صيحة تأخذهم: فيعالج الله الجهل البادي في هذا التساؤل, بأن ينبّه الغافلين إلى ما يرونه وينظرونه كل يوم من موت الناس فجأة, حتى أثناء حياتهم ومعاملاتهم وخصوماتهم, فتأتيهم صيحة الموت ربما دون مقدّمات, فلا يستطيعون توصية, ولا إلى أهلهم يرجعون: (مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ(49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ(50) وفي ذلك تنبيه من غفلة, وحث على عدم تأجيل الإيمان بالله وعدم الاستغراق في التردد, لما في ذلك من خطورة انتهاء الحياة بغتة قبل الإيمان, فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.
- صيحة البعث: الصيحة الثالثة للبعث يوم القيامة للحساب والجزاء, وفيها تنبيه للغافلين: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنْ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ(51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَانُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ(52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ(53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(54)
- المصائر : إعلان مسبق عن نتيجة الحساب, رحمة من الله بالناس حيث لا يفاجأون يوم القيامة, وإنما تكون معرفتهم بالمصائر وهم في الدنيا حافزا لهم للإيمان والتوبة والالتزام بما يُرضي الله سبحانه: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ(55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ(56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ(57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ(58) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ(59)
- الحساب: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ(60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(61)وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ(62)هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ(63)اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ(64)
- الحواس المعطلة في الدنيا تعطل يوم الحساب: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(65)وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ(66)وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ(67)
- لا تنتظر طول العمر, فمن يعمره الله ينكسه في الخلق, فلا يستطيع لنفسه شيئا, ولا يدري الإنسان متى ينكسه الله في الخلق, فلا ينبغي أن يكون غافلا حتى يصل إلى هذه المرحلة من العمر. وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ(68)
- الذكر والقرآن : (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ(69)لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ(70). بينت الآية أن الكافرين ليسوا بأحياء, وهي تعزز معنى إنا نحن نحيي الموتى, بأنه يخص الكافرين الضالين المكذبين موتى القلوب.
- النعم الوهبية: تنبيه الغافلين إلى نعم الله التي يهبها لعباده من غير حول منهم ولا قوة, أفلا يشكرون؟ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ(71)وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ(72)وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ(73)
- علاج الشرك: وعدم فائدته في نصرة أصحابه (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ(74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُحْضَرُونَ(75)
- تثبيت رسول الله أمام قول الكافرين الغافلين: فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ(76)
- علاج الكفر: هذا درس إعلامي في قدرات الله, في إحياء العظام وهي رميم, بضرب المثل من جعل الشجر الأخضر نارا, وقدرات الله في خلق السموات والأرض, وأي أمر يريده أن يقول له كن فيكون.(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ(77)وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ(78)قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ(79)الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ(80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ(81)إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(82)فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(83)
طبقا لما جاء في عهد الله لبني آدم في سورة الأعراف, فإن الغفلة هي السبب الأول لمعصية الله: (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) (172)
والسبب الثاني الاتباع الأعمى للآباء, أو عدم تنشئة الآباء لأبنائهم على أساس الإيمان بالله وتقواه, وطاعته فيما أمر والانتهاء عما نهى. كما قال الله في سورة الأعراف:
أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ(173)
أن يحتج المخالفون لأمر الله بأنهم ذرية لآباء أشركوا بالله وأنه ليست عليهم مسئولية حيث اتبعوا آباءهم دون تفكير.
ولو كان بعض من الناس غافلين بسبب أنهم لم يربّهم آباؤهم على الإيمان والتقوى, فإن سورة (يس) فيها منهاج إنذار قوم ما أنذر آباؤهم فهم غافلون. أعلن الله هذا في قوله في مطلع سورة (يس)