قد يشتد خفاء الشر, حتى ليدخل إلى الصدور في شكل وسوسة, فلا تستطيع الأسلحة منعه, ولا الجنود. فيعلم الله المخلصين من عباده كيف يمنعون دخول الوسواس إلى صدورهم, فيذهلهم عن إخلاصهم لله وهم غير قادرين عليه بأنفسهم ولا بقوتهم, فيستعيذون بالله من شره..
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5)مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)
والاستعاذة بالرب , الملك , الإله , تستحضر من صفات الله – سبحانه – ما به يدفع الشر عامة , وشر الوسواس الخناس خاصة .
فالرب هو المربي والموجه والراعي والحامي . والملك هو المالك الحاكم المتصرف . والإله هو المستعلي المستولي المتسلط . . وهذه الصفات فيها حماية من الشر الذي يتدسس إلى الصدور . . وهي لا تعرف كيف تدفعه لأنه مستور .
والله – برحمة منه – يوجه رسوله [ ص ] وأمته إلى العياذ به والالتجاء إليه , مع استحضار معاني صفاته هذه , من شر خفي الدبيب , لا قبل لهم بدفعه إلا بعون من الرب الملك الإله . فهو يأخذهم من حيث لا يشعرون , ويأتيهم من حيث لا يحتسبون .
والوسوسة: الصوت الخفي . والخنوس:الاختباء والرجوع . والخناس هو الذي من طبعه كثرة الخنوس .
إن هذه المعركة مع الوسواس الخناس, لم يترك الله الإنسان المخلص فيها مجردا من العدة . فقد جعل له من الإيمان جنة , وجعل له من الذكر عدة , وجعل له من الاستعاذة سلاحا . . فإذا أغفل الإنسان جنته وعدته وسلاحه فهو إذن وحده الملوم !
عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله تعالى خنس , وإذا غفل وسوس ” .
وأما الناس فنحن نعرف عن وسوستهم الشيء الكثير . ونعرف منها ما هو أشد من وسوسة الشياطين
رفيق السوء الذي يتدسس بالشر إلى قلب رفيقه وعقله من حيث لا يحتسب ومن حيث لا يحترس , لأنه الرفيق المأمون !
وحاشية الشر التي توسوس لكل ذي سلطان حتى تتركه طاغية جبارا مفسدا في الأرض , مهلكا للحرث والنسل !
والنمام الواشي الذي يزين الكلام ويزحلقه , حتى يبدو كأنه الحق الصراح الذي لا مرية فيه .
وبائع الشهوات الذي يتدسس من منافذ الغريزة في إغراء لا تدفعه إلا يقظة القلب وعون الله .
وعشرات من الموسوسين الخناسين الذين ينصبون الأحابيل ويخفونها , ويدخلون بها من منافذ القلوب الخفية التي يعرفونها أو يتحسسونها . . وهم شر من الجنة وأخفى منهم دبيبا !
والإنسان عاجز عن دفع الوسوسة الخفية . ومن ثم يدله الله على عدته وجنته وسلاحه في المعركة الرهيبة !
وبذلك يحمي الله المخلصين من شكل آخر من أشكال الأعداء, حتى لا تذهلهم عن إخلاصهم لله, كلما ارتبطوا بربهم, ولجأوا إليه