فإذا ارتبط أفراد المجتمع برابطة العصر, ورباهم منهاج الله على الزهد في الدنيا , وجعلهم مستعدين للتنازل عن مباهجها , وأولها المال , فإنهم على الجانب الآخر يواجهون عدوا من الناس , لا يؤمن بالبعث ولا بالحساب , ويحب الدنيا ولا يرى لنفسه حياة أخرى سواها , ولا يعبأ بحساب ولا بعقاب وثواب , فهو يسعى للحصول على الدنيا من أي طريق غير عابئ بحرام أو حلال , دون مراعاة لحقوق أحد , ولا لمحاسبة الله له.
لهذا فإن الله في هذه المرحلة , وبعد بناء الفرد وضم المؤمنين في رابطة العصر , لابد من أن ينبه الجماعة المؤمنة إلى هؤلاء الكافرين المحاربين , ويجهزهم للدفاع عن أنفسهم وأموالهم. ولابد من التدريب على الدفاع , واتخاذ أسباب النصر. فهو يحذر المؤمنين من أن يستغل عدوهم زهدهم في الدنيا, في الانقضاض عليهم والاستيلاء على ما بين أيديهم من نعم الله, فينزّل الله سورة العاديات:
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا(1)فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا(2)فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا(3)فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا(4)فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا(5)إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ(6)وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ(7)وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ(8)أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ(9)وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ(10)إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ(11)
حين يقول الله : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل , يفهم المسلمون أن رباط الخيل هو الاستعداد والتربص للعدو , بالخيل وبغير الخيل من أدوات القوة في القتال وملاقاة العدوّ , فلا ينحصر رباط الخيل في الخيل ذاتها
والعاديات من العدو وهو الجري بسرعة , وهي وإن كانت الخيل في زمن سابق , فربما تكون اليوم هي الطائرات والصواريخ , تضبح محركاتها وهي تعدو في سبيل الله , ووسائل نقل الجنود والعتاد تعدو فتصدر عنها أصوات تسمى الضبح.
والعدْو عند العرب يقال للخيل والكلب والثعلب , وفيها نقل الجنود , والحراسة , والمكر , وكلها لوازم للحرب وقتال العدوّ.
فالموريات قدحا: والموريات جمع مورية من الإيراء وهو إخراج النار بنحو الزناد.
والقدح هو الضرب لإخراج النار كضرب الزناد بالحجر.
ففور هجوم العاديات ضبحا, تقدح الأزندة لضرب النار, من المدفعية والصواريخ.
فالمغيرات صبحا, أغار من الأصل(غور) وهي إقدام على أخذ مال قهرا أو حربا. والصبح لون من الألوان أصله الحُمرة , يوم الصباح يوم الغارة.
وفيها معاني مهاجمة العدو والإغارة عليه, تفاجئه صبحا ,وهو ماجرت العاديات من أجله , ويتم ذلك حديثا بالمدرعات وناقلات الجنود , وطائرات الهليكوبتر , لتغير على العدو.
فأثرن به نقعا: النقع هو الصراخ , أو استقرار شيء كالمائع في قراره .
وينتج عن هذه الهجمات إثارة الصراخ , وإثارة الساكن المستقر.
فوسطن به جمعا: مفاجأة العدو لتفريقه وتشتيته , بحيث يجد المغيرات صبحا أمامه قبل أن يستعد.
استعدوا بالتدريب على فنون الحرب وأدواتها, واستخدامها في النزال والقتال والجهاد, حيث أن الإنسان الكافر الجحود الكنود , لحب الخير شديد , ولا رادع له إلا القوة والأقوياء.