في سورة “الكافرون”, أمر الله رسوله والمؤمنين أن يعلنوا صراحة أنهم لا يعبدون ما يعبد الكافرون, لا في الحاضر ولا في المستقبل, (لكم دينكم ولي دين), والمؤمنون مازالوا بعدُ أقل عددا من الكافرين. صحيح أنهم قد بدأوا في الاستعداد للمواجهة بالعاديات ضبحا, ولكن الاستعداد لم يكتمل, وقوة الكافرين قد تفوق قوتهم. فهل يستطيع المؤمنون مواجهة الكافرين فعلا؟ ولو حاول الكافرون الاعتداء على المؤمنين, أيمكن أن ينتصروا على عدو أقوى منهم؟
تجيب سورة الفيل على هذه التساؤلات….
تصاعد الموقف , وأصبح الفريقان مختصمين , متمايزين , والكافرون لا يعبأون ببعث ولا حساب , والإنسان الذي على هذه الصفة , إنسان لربه كنود , وهو لحب الخير شديد ,
لهذا فإن الله يطمئن المؤمنين بأنه معهم, له أفعاله جل شأنه في الدفاع عن المؤمنين وعن مقدساتهم, فكما فعل من قبل بعاد وثمود وفرعون ذي الأوتاد, وكان بالمرصاد, فإنه في الزمن القريب قد فعل مثل ذلك بأصحاب الفيل
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ(2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ(4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ(5)
إن واقعة أصحاب الفيل قد حدثت فيما أسماه العرب عام الفيل, وهو العام الذي وُلد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم,
وجملة ما تشير إليها الروايات المتعددة عن هذا الحادث , أن الحاكم الحبشي لليمن – في الفترة التي خضعت فيها اليمن لحكم الحبشة بعد طرد الحكم الفارسي منها – وتسميه الروايات:”أبرهة ” , كان قد بنى كنيسة في اليمن باسم ملك الحبشة وجمع لها كل أسباب الفخامة , على نية أن يصرف بها العرب عن البيت الحرام في مكة , وقد رأى مبلغ انجذاب أهل اليمن الذين يحكمهم إلى هذا البيت, وقاد جيشا جرارا تصاحبه الفيلة, وفي مقدمتها فيل عظيم ذو شهرة خاصة عندهم . فتسامع العرب به وبقصده . وعز عليهم أن يتوجه لهدم كعبتهم.
حاول بعض العرب مواجهة جيش أبرهة وأفياله فلم يستطيعوا, ولم يمنعوا اعتداءه حتى على إبل عبد المطلب جد النبي عليه الصلاة والسلام, الذي أدرك أنه لا قبل لقريش بمواجهته, وإنما أوكل أمر حماية بيت الله الحرام لله رب العالمين, وحين تعجب أبرهة من مطالبة عبد المطلب بإبله, قال له عبد المطلب: “أما الإبل فهي لي, وأما البيت فله رب يحميه”
وجه أبرهة جيشه وفيله لهدم الكعبة, فبرك الفيل دون مكة لا يدخلها, وجهدوا في حمله على اقتحامها فلم يفلحوا. وهذه الحادثة ثابتة بقول رسول الله [ ص ] يوم الحديبية حين بركت ناقته القصواء دون مكة , فقالوا: خلأت القصواء [ أي حرنت ] فقال رسول الله [ ص ] ” ما خلأت القصواء, وما ذاك لها بخلق, ولكن حبسها حابس الفيل . .” وفي الصحيحين أن رسول الله [ ص ] قال يوم فتح مكة:” إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين , وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس , ألا فليبلغ الشاهد الغائب ” , فهي حادثة ثابتة أنه قد حبس الفيل عن مكة في يوم الفيل . .
ثم كان ما أراده الله من إهلاك الجيش وقائده , فأرسل عليهم جماعات من الطير تحصبهم بحجارة من طين وحجر , فتركتهم كأوراق الشجر الجافة الممزقة . كما يحكي عنهم القرآن الكريم . . وأصيب أبرهة في جسده ,وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة , حتى قدموا به صنعاء , فما مات حتى انشق صدره عن قلبه كما تقول الروايات . .
فاطمئنوا يا أيها الذين آمنوا, فالله معكم أينما كنتم, وهو يصد عنكم كل كنود كافر ويهزم من لا تستطيعوا هزيمته بأنفسكم من الأعداء الظاهرين.
إن منهاج بناء الإخلاص يصل بسورة الفيل إلى أن يطمئن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن الله معهم وناصرهم أمام أية قوة لا قبل لهم بها, كما فعل بأصحاب الفيل. وعلى ذلك فالمخلصون يزداد اطمئنانهم بربهم, ولا يحملون هم عدو أقوى منهم