قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين(النمل 27)
إنّ سليمان بهذا القول صدّق قولة الهدهد (أحطت بما لم تحط به) فلو كان سليمان قد أحاط بهذا النبأ , لرد على الهدهد مبينا ذلك ولكنه أولا : صدق على عدم إحاطته بالنبأ ثم ثانيا : أراد أن يتأكد من صحة ماجاء الهدهد به
فلنتوقع أن تكون المهام والخطوات التى سيكلف بها سليمان الهدهد , هى ضمن الاختبار الذى سيجريه على الهدهد لبيان صدقه من كذبه.
.. فهل تأكد أحد الاحتمالين لدى سليمان؟ وما دليل صدق الهدهد؟
وبصفته ملكا , فقد واجه سليمان الهدهد بالاحتمالين : الصدق والكذب ولم يواربها بأن قال (سنتأكد من ذلك ) , وهى كياسة من سليمان ودرس للملوك والحكام والمسئولين والمديرين والآباء أن تكون لديهم الأساليب التى يتأكدون بها بأنفسهم من صحة أقوال وأعذار مرءوسيهم وأبنائهم , كما أنه قالها صراحة , فلا داعى للمواربة بل مواجهة.
ولقد وقعت شخصيا مرارا في هذا الخطأ الادارى من قبل , بأن كنت أصدق أعذار العاملين لدىّ , ولا أتأكد من ذلك , ربما حياءً , وللأسف فقد أصبح الحياء – الذى هو شعبة من الإيمان – أصبح عند بعض الناس عيبا إداريا , وربما عيبا اجتماعيا , وما ينبغى له أن يكون كذلك .
ولو أنّى فعلت عند أول اعتذار , كما فعل سليمان عليه السلام , لاكتشفت صدق أو كذب العامل أو الموظف من أول مرة , ولمنعته من اختلاق أعذار بعد ذلك حيث سيعلم أننى سأتأكد من قوله فلا يحاول الكذب .
وقد أصبح إصلاح هذا الخطأ الآن صعبا- وإن لم يكن مستحيلا – حيث اعتاد الناس على أنهم مصدَّقون فيما يعتذرون به , فهذا كان عنده صداع , وذلك والدته مريضة , وتلك أخوها تجرى له عملية جراحية . وربما نسى بعضهم فأمات أباه وأمّه أكثر من مرة.
إن سنة نبينا – صلى الله عليه وسلم – وهى عدم تكذيب أحد بغير دليل ولكننى خلطت بين ذلك , وبين التيقن من صحة النبأ والنظر أصدق الناس أم كانوا من الكاذبين , ربما لشعورى ببشاعة الكذب الذى هو من أعظم الذنوب ويتصف به المنافق ولايمكن أن يكون في خلق المؤمن , فاعتقدت أن هذه الأسباب كافية لأن تمنع الناس من الكذب , ولكن لكل حق حقيقة , ولكل حقيقة دليل .
وكما جاء في سنة النبى صلى الله عليه وسلم : البينة على من ادعى واليمين على من أنكر .
اننى عند أول تطبيق لهذه الآية (قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ) تبين لى أن أحد مسئولى الشراء , يكذب في قيمة فاتورة الشراء بالزيادة عن الحقيقة , وأحد المندوبين لم يورد بعض دفعات سددها بعض العملاء
والكاذب لا يكون كل كلامه كذبا , بل إنه يخلط كذبا وصدقا , وليس كل من صدق مرة صادقا أبدا , و إنما لابد أن يجرب عليه الصدق مرارا حتى يكون من الصادقين.
.. أما من كذب مرة فإنه يشكك في كل ماجاء به حتى يثبت عكس ذلك , فالاحتياط واجب .
لقد قال سليمان في احتمال صدق الهدهد (سننظر أصدقت ) أى في قولك هذا , هذه المرة , وفى احتمال الكذب قال (أم كنت من الكاذبين) فإنه لو كذب مرة , فأغلب الظن أنه يكذب مرارا حتى يكون من الكاذبين فلا تطمئن لأى قول يقوله أو أى نبأ يجىء به فهو يحتاج إلى إثبات مايقوله .
ولم يقل سليمان : أصدقت أم كذبت .
كما لم يقل : أكنت من الصادقين, أم كنت من الكاذبين .
بل قال عليه السلام : أصدقت أم كنت من الكاذبين .
وفيما روى عن رسول الله (عليكم بالصدق ,فإن الصدق يهدى إلى البر , وإن البر يهدى إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ., وإياكم والكذب فإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار , وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ).
فالأول يصدق ويصدق ويصدق , أى يمارس الصدق مدة حتى يسمى صديقا , فنقول صدق ونقول صادق ثم هو من الصادقين , ثم يكون صديقا , والثانى نقول كذب فهو من الكاذبين وان استمر يكون كذابا .
والكاذب يصدق فى بعض قوله , فهو بالتأكيد لا يكذب فى كل كلمة ينطق بها , ولكنه يكذب فى بعض القول , غير أنه لو كذب مرة لكان من الكاذبين , ولو صدق مرة لم يكن بالضرورة من الصادقين.
ويقول الله تعالى : ( فمن أظلم ممن كذب على الله وكذّب بالصدق إذ جاءه , أليس فى جهنم مثوى للكافرين . والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون)(الزمر 32- 33 ).
.. ثم بدأ الاختبار…
اذهب بكتابى هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون(النمل28)
وضع سليمان الهدهد في موضع اختبار ليتبين مدى صدق روايته عن سبأ , فإن كان كاذبا فإن سليمان سيوقع عليه أشد العقوبة , أما إن كان صادقا, فلينتفع به في نشر رسالة الله والدعوة إليه فى بلاد لم تكن فى حسبانه لولا أن جاءه الهدهد بنبئها اليقين.
حلل سليمان البيانات التى جاء بها الهدهد :
إن قوما بسبأ تملكهم امرأة, إذن فهى تسيطر عليهم , وهذا قد يسبب غرورا فى نفسها يصدها عن الحق.
وهذه المرأة لديها من المقومات فى ملكها , ما قد يجعلها تستكبر على أى نصح أو دعوة للحق (وأوتيت من كل شىء , ولها عرش عظيم ). وهذا أمر متوقع من أى إنسان يُدعى إلى الحق , غير أن وضع هذه المرأة خطير أمام الدعوة , حيث أنها تملكهم , أى تتحكم فيهم وتسيطر عليهم . فإن كانت مصرّة على الكفر , فإن دعوتها إلى الحق لن تُجدى , ودعوة قومها لن تؤثّر فيهم.
أما إن كانت غير مصرّة على الكفر, بأن كانت مجرد مقلدة لما وجدت عليه آباءها , فإن الدعوة قد تجدى معها , بل وتكون هى الباب لهداية قومها لأنها تملكهم .
● وفى الآية الأولى أوصاف سياسية لوضع الملكة وعلوها شخصيا وعناصر غرورها واستكبارها.
● أما فى الآية الثانية فالبيانات عن العقيدة , وأنها عقيدة فاسدة , وبالتالى عمل فاسد زينه الشيطان لهم فهم لايهتدون.
فكتب سليمان كتابا إلى ملكة سبأ يشمل علاج حالتها :
● فأمام الوضع السياسى والشخصى للملكة فى الآية الأولى , يقول “لا تعلو علىّ”.
● وأمام وضع العقيدة فى الآية الثانية يقول ” وأتونى مسلمين” كما سيأتى فى قراءة الملكة لمضمون خطاب سليمان.
كلَّف سليمان الهدهد أربعة تكليفات , يفصل بينها حرف من حروف العطف , الفاء , ثم , والفاء:
- اذهب بكتابى هذا ..
- فألقه إليهم ..
- ثم تولَّ عنهم ..
- فانظر ماذا يرجعون. أى ماذا يكون رجع قولهم ردا عليه , أى قرارهم.
والهدهد بهذا مكلف بعمل محدد ومسئولية كاملة عاقلة. ونتج هذا التكليف عن تعلُّم سليمان منطق الطير , وبالتالى تجنيده , والتفاهم معه في الاتجاهين فهو يأخذ من الهدهد , ويعطيه , ويكلفه .
ولم يتصرف سليمان مع الهدهد تصرف الناس مع الحمام الزاجل , حيث يربطون الرسائل في رجله , أو كما يتصرف العلماء الذين يدرسون هجرة الطيور حين يربطون حلقات في أرجلها , ولكن سليمان تصرف مع الهدهد تصرفه مع مخلوق عاقل يعتمد عليه بأن سلَّمه الكتاب , وكلفه تكليفا عاقلا.
ونتوقع أن يكون الكتاب على شكل صفحة من أى نوع من أنواع المواد التى تصلح للكتابة عليها .
بأى لغة كان هذا الكتاب ؟
هل من الممكن , ومن العدل , أن يرسل سليمان بكتاب خطير مثل هذا , إلى ملكة سبأ وقومها , فيه نهى وفيه أمر , كما سيأتى بعد(ألا تعلوا علىّ , وأتونى مسلمين) , ويترتب عليه تهديد لهم , دون أن يكون هذا الكتاب بلغة مفهومة للقوم؟
وكيف يعرف سليمان هذه اللغة وهو المتشكك فى رواية الهدهد عن قوم سبأ وملكتهم وأحوالهم , وسوف ينظر أصدق الهدهد أم كان من الكاذبين؟
.. ليس من المفترض أن سبأ يتحدثون لغة سليمان , أو أن سليمان يعرف لغتهم , التى يمكن أن الله يعلمها له , غير أنه وحتى هذه اللحظة لم يكن سليمان متأكدا من رواية الهدهد عنهم , , بل إنه سوف يجرى الاختبارات على الهدهد لينظر مدى صدقه.
وأرجِّح أن يكون للهدهد دخلا في ذلك.
فالوحيد في هذه اللحظة وفى هذه المنطقة من ملك سليمان , الذى يحيط بنبأ سبأ , هو الهدهد , وفى قوله السابق (أحطت) تعليل لكيفية معرفة سليمان بلغة هؤلاء القوم عن طريق الهدهد المحيط بأنباء سبأ وأحوالها , كما أن في ذلك تعليلا لقول الهدهد “أحطت”. إنه لم يأت إلى سليمان فقط بماذكره في الآيتين 23 , 24 من سورة النمل ولكنه ضمّن كلمة (أحطت) معانى الإحاطة بالبلد وقومها وملكتها ويضيف هنا الإحاطة باللغة .
… وإن صحت هذه الرؤية , فإن الهدهد بذلك يفهم لغة البشر , بل ويمكن أن تكون هذه صفة الطيور كلها والله أعلم , حيث أن الطيور -كما ذكرنا – لها صفة العالمية , فتتحرك بحرية تامة بين كل بلاد الدنيا , ولها منطق . ومن له منطق , يمكن أن يفهم منطق غيره , أى اللغة المنطوقة , ومخّه مؤهل لذلك , ينقصه معرفة قاموس الكلمات والتراكيب اللغوية , ولكن الإمكانية المخية موجودة .
وربما يقودنا هذا إلى افتراض أن كل لغة منطوقة لها وسيلة مخِّية لترجمتها إلى لغات أخرى , أى أن بالمخ جزءا مسئولا عن الترجمة من لغة إلى لغة. فكما يقول أهل الاختصاص: ( الألفاظ خدم المعانى ) ,
فكيف تنشأ اللغة أصلا ؟
إن المعنى يولد في المخ أولا , ثم يعبر عنه اللفظ المنطوق من اللسان كما يمكن أن تعبر عنه العيون أو حركات الرأس أو اليد أو الجسم أو قسمات الوجه أو غير ذلك من وسائل التعبير .
ولكن الأساس هو المعنى الذى يولد في المخ .
فالمعنى الموجود فى مخ شخص يحب فى الهند , هو نفس المعنى الموجود فى مخ شخص يحب فى فرنسا أو ألمانيا . فإذا أراد كل منهم التعبير عما فى مخه من معنى , فإنه سيعبر عنه باللغة التى اكتسبها من قومه .
.. فإن أراد أن يكتب هذه المعانى فإنه سيكتب الحروف التى درسها .
أى أن المسألة تتم على ثلاث مراحل :
● مرحلة ميلاد المعنى , وهى واحدة فى كل الناس , ونتوقع أن تكون فى مكان محدد من المخ, ولنطلق عليه اسم “ملف المعانى” يحدث فيها نفس التأثيرات فى كل البشر , عند ميلاد نفس المعنى.
● مرحلة التعبير عنه نطقا, وهى تختلف طبقا لما تلقَّاه كل واحد من أمّه أو أهله طبقا لقاموس المعانى المكتسب,ولنطلق عليه اسم “قاموس اللّغة” والمتوقع أن يكون موجودا فى موضع آخر من المخ .
● مرحلة التعبير بالكتابة, وهى تختلف أيضا حسب الخلفية التى تلقاها كل واحد فى مدرسته , ونسميه “القاموس المصوَّر” : وفيه يكون المعنى أمام الحروف المنطوقة , أمام الشكل المعبر عنه من حروف اللغة , والمتوقع أيضا أن يكون له موضع معين فى المخ .
وتلخيصا لما ذكرنا سابقا , فإن الهدهد جزم بأن سليمان لم يحط بما أحاط هو به, وتعليقا على معرفة الهدهد لمن تسجد ملكة سبأ وقومها , واستشهاده بقدرة الله على إخراج الخبء , وبعلمه سبحانه بما نخفى ومانعلن , فإن الهدهد يعرف مخبوء المخ -, فهو يعلم أصل اللغة المنطوقة – أى يعلم المعانى قبل أن تتحول إلى لغة منطوقة وألفاظ , وبالتالى يمكنه أن يفهم معانى فى أماكن متفرقة من العالم , ولا يقتصر هذا على سبأ, لأنه ربما ذهب شمالا إلى روسيا أو ألمانيا , أو شرقا إلى الهند أوالصين. وهو طائر رحَّال جوَّال , حيث يطير كل حين إلى منطقة مختلفة , بلغات مختلفة يفهمها من “ملف المعانى” الموجود فى مخ القوم.
ثم لو استطاع الاطلاع على مخبوء المخ , فإنه سيرى البيانات المسجلة فيه فى “قاموس اللغة” , من المعانى إلى الألفاظ .
ثم يرى البيانات فى “القاموس المصور” من الألفاظ المنطوقة إلى شكل الحروف المكتوبة.
وبالتالى فيمكننا أن نتوقع أنه عبر لسليمان بمنطق يعلمه سليمان , وربما ساعده في ترجمة المعانى التى أراد سليمان أن يكتبها في كتابه إلى ملكة سبأ ترجمها إلى اللغة المنطوقة أو المقروءة أيضا عند سبأ , لكى يتمكن سليمان من كتابة كتابه باللغة التى يعرفها قوم سبأ.
كما يبرر هذا أن سليمان أمر الهدهد بأن يتولى عنهم فينظر ماذا يرجعون , فيعود ليخبر سليمان بقرارهم , أى لغتهم المنطوقة .
إذن فالهدهد – إن صح ما أتصوره _ أحاط أيضا بالمكتوب من اللغة لا بالمنطوق فقط.
وعلى ما يبدو فإن كلمة ( أحطت ) تتسع ومازالت تتسع , وهى غاية في الدقة في التعبير , فهى ليست معرفة لصورة البلد فقط ولكن لاسمها , وقومها وملكتها , وعلاقاتهم , وتصرفاتهم ونياتهم في السجود , وفعل الشيطان بهم , وعدم اهتدائهم , ثم لغتهم المنطوقة والمكتوبة أيضا .كل هذا يدخل ضمن كلمة (أحطت).
فالآيات تحتمل – والله أعلم – أن الهدهد أحاط ضمن ما أحاط به عن سبأ – أحاط بلغة القوم المنطوقة والمكتوبة , ونقلها إلى سليمان , وفصّلها الله ضمن المفهوم العام بأن سليمان كتب كتابا مقروءا بلغة يفهمها قوم سبأ الذين لايعرف سليمان أحوالهم يقينا حتى هذه اللحظة , ولكنه سينظر أصدق الهدهد في روايته أم كان من الكاذبين , وبالتالى فهو ربما لايعرف بأى لغة يتحدثون وبأى حروف يكتبون , ومصدر معرفته هو الهدهد.
هناك احتمال آخر , أن سليمان سيكتب الكتاب بلغته وحروفه هو , ثم حين يُلقى إلى قوم سبأ , يكون لديهم ترجمان , فيترجمها إلى لغة القوم , وهو ما اعتاد الناس عليه , غير أن الملكة تقول لملئها (إنى ألقى إلىّ..).
… أو أن يتصادف أن لغة قوم سبأ تكون نطقا وحروفا متطابقة مع لغة سليمان وقومه – وهذا احتمال ثالث .
وحتى هذا الاحتمال الثالث , لابد وأن للهدهد فيه دخلا , حيث لن يكتب سليمان عليه السلام كتابا بلغة إلى قوم ليست لديه معلومات حديثة عنهم , و لن يكتب إليهم إلا وهو موقن بأن هذه اللغة التى يكتب بها مفهومة لدى القوم , خاصة وهو يرسل لهم دعوة إلى الله , ولهجته ناهية فى ( ألا تعلو علىّ ) و آمرة فى ( وائتوني مسلمين) , والأمر والنهى فيه تهديد , فهو من مركز قوة , ولايجوز أن تدعو قوما إلى الله , أو أن تنهاهم وتأمرهم وتحاسبهم على عدم طاعتهم , دون أن تكون متأكدا من أنهم سيفهمون ما تقول وما تكتب , فكما قال الله تعالى (لانكلف نفسا إلا وسعها)(الأعراف42) وكما قال سبحانه ( وما أرسلنا من رسول إلى بلسان قومه ليبين لهم ) (إبراهيم 4).
وكون سليمان قد كتب حروفا وكلمات , وأرسلها عن طريق الهدهد , فإن الهدهد – وهو الواسطة – لم يطلب إليه أن يقرأها أو يترجمها حيث أن منطقه هو منطق الطير , وهذا على خلاف ما كان يحدث من رسائل متبادلة بين الشعوب والملوك , بأن يكون هناك واسطة من الناس الذين يعلمون لغات مختلفة فيساعدون في الترجمة , ولكن الأمر في حالتنا هذه أن الواسطة لاينطق إلا منطق الطير , ولكنه يحيط بالمعانى , كما يحيط بالكلمات المكتوبة .
وتلخيصا , فقد عرف سليمان من الهدهد , نبأ جديدا يذاع لأول مرة , عن وجود ملكة وقومها في سبأ , وهم يسجدون للشمس من دون الله , فأراد أن ينظر أصدق الهدهد في نبئه أم كان من الكاذبين فكتب كتابا يدعو هؤلاء القوم إلى الله بلغة وحروف يفهمونها , والتى ربما عرفها من الهدهد , حتى يكون حكيما منصفا غير ظالم , حين يدعوهم , وحين يحاسبهم على النهى والأمر .
أمر سليمان الهدهد بالذهاب بكتابه هذا , و إلقائه إليهم فور وصوله لهم ( فألقه ) ويدل على الفورية حرف الفاء , ثم يتركهم ويتولىعنهم بعد فترة يدل عليها حرف ( ثم ) في ( ثم تول عنهم ) ولكنه لايتركهم نهائيا عائدا إلى سليمان إلا بعد أن ينظر ماذا يرجعون , (… فانظر ماذا يرجعون) , مايتراجعون بينهم من الكلام , ردا على كتاب سليمان وهذا يؤكد فهم الهدهد لغة القوم لفظا ومعنى , لأن سليمان عليه السلام كلفه بمراقبة كلامهم لإبلاغه , فالهدهد لايذهب ويلقى الكتاب فقط , ولكنه ينظر ردود أفعالهم وأقوالهم , وبالتالى ينتظره سليمان أن يأتيه بتقرير عما سمع وفهم من مناقشات القوم وما انتهوا إليه من قرارات .