ذكرت قصة سليمان عليه السلام فى كتاب الله فى عدة مواضع:
ففى سورة البقرة (الآية 102) , ذكر الله ما حدث من طائفة من بنى إسرائيل , الذين اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان , هؤلاء الشياطين الذينكفروا يُعلمون الناس السحر وماأنزل على الملكين هاروت وماروت , ببابل, فيتعلِّمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه , وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله .
وفى سورتى النساء (الآية 163) والأنعام (الآية 84) , ذُكر سليمان فيمن ذكر من النبيين من بعد نوح ومن ذرية إبراهيم – عليهم جميعا الصلاة والسلام- الذين أوحى الله إليهم , وذكر نسبهم .
وفى سورة الأنبياء (78و79), ذكر الله سبحانه , قضية الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم , التى حكم فيها داوود , ثم فهمها الله لسليمان عليهما السلام فحكم حكما أفضل .
ثم ذكر إمكانيات وأفضالا وهبها الله لسليمان, فالريح عاصفة تجرى بأمره , ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك (81و82).
وفى سورة النمل(الآيات15 إلى 44) , قص الله علينا من أحسن القصص , فذكر موقف النملة , والهدهد , وقصة سليمان مع سبأ وملكتهم فى ثلاثين آية متواصلة , حوت أسرارا فى غاية الأهمية من “كنوز الملك سليمان” , وهى موضوعنا فى هذا الكتاب .
وفى سورة سبأ (الآيات 12إلى14), ذكرت تفاصيل أخرىعن أفضال الله علىسليمان , حيث سخّر له الريح غدوُّها شهر ورواحها شهر , وأسال له عين القطر , ومن الجنّ من يعمل بين يديه بإذن ربِّه , فيعملون له مايشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات , فلما قضى الله عليه الموت ما دلَّهم على موته إلا دابَّة الأرض تأكل منسأته ,فلما خرَّ تبينت الجن أن لوكانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين
وفى سورة ” ص ” (الآيات30 إلى 40). قصّ الله أنه وهب لداوود سليمان , نعم العبد , إنه أواب , إذ عُرض عليه بالعشىِّ الصافنات الجياد. وفتنه الله وألقى على كرسيِّه جسدا ثم أناب .ثم سأل الله المغفرة وأن يهب له ملكا لا ينبغى لأحد من بعده , فسخَّر الله له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب , والشياطين كل بنَّاء وغوَّاص , وآخرين مقرنين فى الأصفاد , ومكّنه الله من عطائه هذا , فيمنن أويمسك بغيرحساب
هذا ملخص ما ذكر عن سليمان فى كتاب الله .
فما هى دعوته ؟ وما هى رسالته؟ وما هو أسلوبه فى الدعوة؟
.. إن سليمان عليه السلام تعامل مع المعادن الرئيسية ..
ألان الله الحديد لأبيه داوود , وأسال لسليمان عين القطر , وبنت له الشياطين صرحا ممرَّدا من قوارير , وهم يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات .
وهو يتعامل مع خلق الله الذين لا نعتاد التعامل معهم : ..الجن , ومنها العفاريت , والشياطين بأنواعها : البنَّاء والغوَّاص والمقرنين فى الأصفاد .
.. والطير ، والنملة , والهدهد , فاتخذ منهم الجنود , والرسل , والعيون.
كما أنه – عليه السلام – استعرض إمكانيات علمية وتقنية عالية بمقاييس عصره , وبمقاييس عصرنا هذا ..
فما زال أسلوب نقل عرش ملكة سبأ الذى عرض تنفيذه عفريت من الجن , أوما نفَّذه فعلا الذى عنده علم من الكتاب , ما زالت غير معروفة حتى الآن , وسنحاول تحليلها بإذن الله.
علاوة على أسلوبه فى إدارة ملكه , والمبادئ التى أرساها للحكم .
فضلا عن الحكمة فى أحكامه , وفى الاختبارات التى أجراها للهدهد ولملكة سبأ.
وسليمان هو نبى القوة والعلم والحكمة
فقد استغل كل الإمكانيات العلمية والتقنية التى تفضل الله بها عليه وعلى رعاياه وجنوده , فى نشر دعوة الله, وأثبت أن القوة والعلم , مع الحكمة , هى من أهم مقومات الدعوة , التى لا تحتاج إلى جهد كبير من الداعية , بل هى مقومات المُلك ,. فبها استطاع بعون الله وفضله أن يصل بدعوة الله إلى أرض لم تكن تعلمها , وإلى قوم لم يكن ليصل إليهم إلا بواسطة هذه الإمكانيات .
إنَّ قصة سليمان عليه السلام , تعلمنا أن الكون كله كيان واحد , وأنَّ كل ما فيه يمكن أن يتعاون ويتفاعل مع بعضه فى سبيل الوصول إلى العزَّة والحكمة , لتطوير الدنيا والقدرة على أسبابها , واستعمالها فى طاعة الله والعمل بأمره .
إننا اليوم بتعرفنا على خصائص الناس , يمكننا التعاون معهم وتوظيفهم فى أداء الوظائف المناسبة ..
.. وبمعرفتنا لصفات بعض الحيوانات , نستعملها فى أداء بعض الوظائف والأعمال , كما نستعمل الكلب فى الكشف عن اللصوص والمخدرات , والصقر فى الصيد .
.. ونستطيع التعامل مع المواد المختلفة بسبب تعرفنا على خصائصها مواصفاتها.
.. وباطلاعنا على أسرار التفاعلات الكيميائية , نتمكن من تجنب بعض الأمراض , وتعظيم الاستفادة من نعم الله وخلقه.
.. وبتعرفنا على خصائص البكتيريا , نسخِّرها فى العلاج , أو توليد الطاقة , أو الزراعة والصناعة والطعام .
.. وباكتشافنا لخبايا الموجات الكهرومغناطيسية , تمكنَّا من ثورة الاتصالات , ونقل البيانات والصور عبر الأثير .
.. وباكتشاف خصائص الدوائر الإلكترونية , تمكنَّا من صناعة الحاسبات الآلية , وما تلاها من ثورات علمية تتوالى كل يوم , بل وكل لحظة فى كل المجالات.
فماذا يمكن أن يحدث لو عُلِّمنا منطق الطير ؟
وماذا يحدث لو عرفنا خصائص النمل , واستطعنا التفاهم معه ؟
وماذا يحدث لو تعرفنا على خصائص جديدة وخطيرة من خصائص الهدهد.
وماذا يحدث لو توصلنا إلى أسرار المخّ , وعمل مسح لما فيه من بيانات , كما يحدث فى الذاكرة الصلبة لجهاز الحاسب الآلى؟
وماذا يحدث لو توصلنا إلى أسلوب نقل الأجسام بسرعات تقارب سرعة الضوء؟
إن هذه الأسئلة – وغيرها الكثير- لاتدور عن أشياء وهمية أو مستحيلة , وستتبين ذلك بنفسك بمشاركتك فى التحليل والتفكير فى المعانى المباشرة وغير المباشرة لآيات سورة النمل التالية. وسأذكر ما أنار الله لى منها, وأستغفره سبحانه عن أى خطأ قد يقع فى الفهم بسبب جهل منّى دون قصد
.. وفى مطالع سورة النمل , وقبل أن يبدأ الله فى سرد القصص فيها , قال سبحانه:”وإنك لتُلقّى القرآن من لدن حكيم عليم “(النمل 6) , فلنتوقع أن نرى ما يوافق هاتين الصفتين فى الآيات التالية : أين الحكمة ؟ وأين العلم ؟ وما هى فائدة الحكمة ؟ وماهى فائدة العلم ؟ وإلى أى هدف توصل الحكمة والعلم؟
ومن الجدير بالذكر – وقبل أن أبدأ- فإن ما ذكرته فى هذا الكتاب هو مجرد رؤية خاصة , تفتح الأبواب للتدبّر فى كتاب الله , والانشغال بالله عما سواه
وبصرف النظر عن الاستنتاجات التى استنتجتها ,فإن هذا رأى , ومن كان عنده خيرا منه فليأتنا به مشكورا ومأجورا إن شاء الله.
… فدعنا نبدأ …ولنفكر معا…
ومن فضلك صحح لى ماتراه خطأ…..
بسم الله الرحمن الرحيم
والعصر * إن الإنسان لفى خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر*
صدق الله العظيم