انتهينا في سورة الدخان من الرافضين لمنهاج فصل الخطاب
والآن جاء دور الذين يبطلون ويعطّلون منهاج فصل الخطاب, حين يسمعون آيات الله تتلى عليهم يصرون باستكبار كأنهم لم يسمعوها, وإذا علموا منها شيئا اتخذوها هزوا.
إن من مشكلات النظام القانوني والقضائي في بلد من البلاد, ليست نقص القوانين واللوائح المنظمة, ولكن إبطال تطبيق النظام هو العلّة الأساسية, والفساد الحادث في الأمم بسبب عدم اتباع النظام والمنهاج, والكيل بمكيالين فيها, أي بإبطال القوانين والشرائع.
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
تبدأ السورة بإشارات إلى آيات الله في السماوات والأرض, وفي خلق الناس واختلاف الليل والنهار, ولم يفصّل الله هنا ما هي الآيات, ولكن دعا المؤمنين والموقنين وقوما يعقلون أن يفكروا فيها ويكتشفوها ويتبينوها.
ثم ينذر الذين يسمعون آيات الله ثم لا يعبئون بها, ويتخذونها هزوا.
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)
ويضرب الله مثلا لآية من آياته , بالبحر الذي سخره للناس لتجري الفلك التي يصنعونها فيه بأمره, وليبتغي الناس من فضل الله, بالصيد, ونقل البضائع والركاب, والاستفادة من كنوز البحر, وبالتالي عدم ترك الآيات هدرا, وعدم استغلالها بسوء.
وضرب الله مثلا ببني إسرائيل, الذين آتاهم الله كل شيء يمكنهم من الحياة بمنهاج الله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ولكنهم عطلوا استغلال الآيات والشريعة التي منّ الله عليهم بها, فلم يكونوا كما أراد الله لهم حملة لرسالته إلى الناس.
ثم بين الله ما هو المطلوب من أمّة الإسلام تجاه الشريعة, باتباعها وعدم اتباع أهواء الذين لا يعلمون: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)
وحذّر الله من الذين اجترحوا السيئات: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)
كما حذّر ممن يتركون شريعة الله ومنهاجه, ويتخذون هواهم إلها, بعد أن وهبهم الله العلم.
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)
وذلك من فساد عقيدتهم في الحساب والقيامة: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)
وليدفع الله الناس لتطبيق منهاجه في الشريعة وفي فصل الخطاب بها, وبعدم إبطالها أو اللجوء إلى غيرها, فإنه بين سبحانه أن له ملك السماوات والأرض, ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27)
وتكون هذه مسئولية جماعية للأمة أن أبطلت عمل الشريعة والمنهاج: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
ويقوم الكتاب حجّة عليهم فلا يدّعي أحد عدم العلم به: (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33)
وكما نسوا آيات الله, ولقاءه فإنهم يُنسوْن يوم القيامة (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)
وبالتالي تستهدف السورة أن تهتم الأمة بشريعتها وبآيات الله التي أنزلها إليها فلا تهملها ولا تبطلها ولا تبدلها ولا تتخذها هزوا…
فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)