( حتى اذا أتوا على وادى النمل قالت نملة ياأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) (النمل 18)
أتى سليمان على وادى النمل , في هذا الجيش المهيب من جنوده من نوعيات متعددة , وسمع نداء النملة الصالحة تحذيرا لمجتمعها من خطر التحطيم بأرجل سليمان وجنوده , فتبسم ضاحكا من قولها :
انظر ماذا حدث :
● علمت النملة أن هذا القادم هو سليمان ـ وهو شخصية معروفة للنمل ، حيث ذكرت النملة اسمه تحديدا ، ولم تقل :هذا رجل قادم .
● علمت أن من معه جنود ، أى وظيفتهم وصفتهم
● علمت أن سليمان هو رئيسهم – أى العلاقة الادارية بينهم (وجنوده).
● وتوقعت أن يقوموا بتحطيم النمل أثناء سيرهم (لايحطمنكم).
● وبأنهم إن فعلوا فإنما سيكون فعلهم بغير قصد , (وهم لا يشعرون)
● ثم قامت بتوصيل مفهومها للموقف وتعليقها عليه ، فى شكل أمر بسرعة التحرك لتجنب الكارثة ( ياأيها النمل ادخلوا مساكنكم ).
● شرحت النملة إلى مجتمعها من النمل سبب الأمر بسرعة التحرك ( لا يحطمنكم سليمان وجنوده ) حتى تبرر لهم سبب أمرها لهم بدخول مساكنهم.
● علمت النملة شعور سليمان وجنوده , ما يشعرون به وما لا يشعرون , وأنهم لا يشعرون بأنهم قادمون على تحطيم النمل .
● أبلغت النملة مجتمعها بذلك , تبرئة لسليمان وجنوده من تهمة قصد القتل دون سبب أو منفعة , حتى لا ينفعل النمل ضدهم وربما تطوع بعضه بالدفاع أو بالانتقام , دون داع ,فهاجم سليمان وجنوده بالقرص , فقالت ( وهم لا يشعرون )
● إن قول النملة الصالحة الرائدة , إلى مجتمعها , لابد أنه سيصدر من جزء من النملة – نتوقع أن يكون فى المخ – يعمل كجهاز إرسال واستقبال , تخرج منه الموجات بسرعة فائقة – ربما مثل سرعة الموجات الكهرو مغناطيسية – فتصل إلى كل النمل فى لحظة , حتى يتمكن النمل من سرعة التحرك فى الوقت المناسب قبل وصول سليمان وجنوده , فيحطمون النمل وهم لا يشعرون .
● إن قوة هذه الموجات ربما تكون فى إطار الفامتو وات , أو أدنى من ذلك أوأكثر , مما قد يمكن قياسه بعد ارتقاء أجهزة القياس والاختبار.
● إن مساكن النمل مصممة بأسلوب إنشائى خاص , بحيث إن دخلها النمل ، تحميه من آثار وطأة أقدام سليمان وجنوده وهم لا يشعرون . والنمل يدرك هذا جيدا .
● النمل شاهد على نيتك وشعورك , وهل أنت تعنى ما تفعل أو تشعر بما ترتكب , ويمكن أن يشهد لك أو عليك . إذن فالمسألة ليست فقط فى شهادة الكرام الكاتبين , الذين يعلمون ما تفعلون , ولا فى شهادة ألسنة الناس وأيديهم وأرجلهم , وجلودهم , ولكن يبدو أن علينا شهودا آخرين …
…. نسأل الله الستر والعفو والسماح , فى الدنيا والآخرة .
ماذا يمكننا أن نتصور ، لو أننا كشفنا عن هذه اللغة ؛ واستفدنا من معارف النمل ؛ واستعملناه فى توقع نوايا أعدائنا وتحركاتهم ، خاصة وأن لدينا الآن من الأجهزة ما نستطيع به أن ندرك الموجات الكهرومغناطيسية التى تملأ الأثير بالصور والأصوات والألوان والموسيقى ، ولا يوجد ما يمنع علميا من إدراك ما يخرج من النمل من قول ؛ والذى لابد وأن يكون مميزا بشفرة قد يمكننا حلها كما لا يوجد مانع علمى من رصد وقياس هذه الموجات .. خاصة بعد تلك الاكتشافات والاختراعات التى توصل اليها فريق العلماء برئاسة الدكتور زويل لقياس جزء من ألف مليون مليون جزء من الثانية ، وأنشأ كاميرات تصور خطوات التفاعلات الكيميائية بهذا المقياس
لماذا ضحك سليمان؟
( فتبسم ضاحكا من قولها , وقال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت علىّ وعلى والدىّ , وأن أعمل صالحا ترضاه , وأدخلنى برحمتك فى عبادك الصالحين ) (النمل 19)
لقد تغير موقف سليمان تماما حين أتى على وادى النمل وسمع قول النملة!
إن ما فعله سليمان قبل هذا الموقف أمام عطاءات الله , أن ذكر فضل الله عليه , وحمده , وحدّث بنعمة ربّه .
كما أنه يشعر بالفضل المبين , وأنه متميز ومفضل على كثير من عباد الله المؤمنين.
أما حين سمع قول النملة , فقد تغيرت لهجته إلى الشكر , وإلى العمل .
وشعر أن عليه أمام نعمة الله أن يعمل فيها برضى الله , وأنّ الحمد وحده لايكفى .
فلماذا ضحك سليمان ؟
إنه سعيد بشهادة النملة له بحسن النيّة , وبأنه حكيم فيما يفعله بشعوره , فلا يحطم نملة دون سبب أو دون مبرر.
وسعيد بالنملة الصالحة التى لم تكتف بالنجاة بنفسها , ولكنها أنجت مجتمعها معها , دون أن تثير ضغينة النمل على سليمان وجنوده دون مبرر, فتبسّم ضاحكا من قولها.
ثم توجّه إلى الله بالدعاء لنفسه ولوالديه , وقال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت علىّ وعلى والدىّ .
سبحان الله !!.. سليمان الملك .. الذى كان منذ دقائق يشعر بأنه لا أحد أوتى مثل ما أوتى , علم أن عليه واجبا أمام هذا العطاء , فطلب من الله أن يوزعه , أى أن يوقف حياته , ويحبسها على شكر نعمة الله , أى يستعملها فى طاعة الله , وأن يعمل صالحا يرضاه الله , وأن يدخله الله برحمته فى عباده الصالحين .
إن ماهو فيه من النعم لا يكفى , فالله ينعم على البر والفاجر, ولا ينقطع عطاؤه بكفر أو فسق , ” كلاّ نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك , وما كان عطاء ربّك محظورا” والمهم هو رد فعله أمام نعمة الله وهويتمثل فى الآتى:
● أن يحمد الله , ويذكر فضله .
● أن يشكر ,
● وأن يعمل صالحا يرضاه الله ,
● وأن يدخل برحمة الله فى عباده الصالحين.
وهذ كلُّه من الحكمة , بل هو الحكمة بعينها , أن تشكر لله : كما قال الله للقمان فور أن آتاه الحكمة :(ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله , ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه , ومن كفر فإنَّ الله غنىُّ حميد ) ( لقمان 12).
هنا جمع سليمان – عليه السلام – بين الحكمة والعلم , فتلقَّاهما من الحكيم العليم:( وإنك لتلقَّى القرآن من لدن حكيم عليم)( النمل 6)
الحكمة هى التى تمنعه من سوء التصرف , والتى تمنعه من الجهل.
والعلم الذى يكمل الحكمة , ويعطى الخبرة المانعة من الزلل.
.. ثم من هم عباد الله الصالحون الذين عناهم سليمان فى هذه الآية ؟…
هناك جنود سليمان من الجن والإنس والطير , ولم يذكر فى الآيات مايدلُّ على صلاحهم أو عدم صلاحهم.
.. وهناك سليمان الذى يسأل الله أن يدخله برحمته فى عباده الصالحين ,
.. وهناك النملة التى ذكر حسن تصرفها , وهى التى ظهر أثرعملها الصالح فى التدخل فى الوقت المناسب لحماية نفسها وقومها.
إن سليمان عليه السلام , يرجو أن يدخله الله برحمته فى عباده الصالحين , مثل النملة الصالحة … وسبحان الله رب العالمين .
إن سليمان الملك بكل ما أوتى من نعم وأفضال , يتمنى أن يكون مثل النملة فى العمل الصالح , وفى شكر النعمة وأداء حقها .
وحقا , إن العبرة بالعمل الصالح شكرا لله على نعمه , وليست العبرة بما آتاك الله من فضله , ففضله يؤتيه للناس أجمعين , أما الشكر فلا يكون إلا من عباد الله الصالحين الذين يأخذون فضل الله فيعملون فيه برضا الله وهداه , عملا صالحا ….اللهم اجعلنا منهم ياربّ..