تكرر ذكر القلب في سورة الأحزاب عشر مرات, واستهدفت القلب المتقلب عادة, لكي يستقر على دين الله, ويسلم له سبحانه, فتستقر على الإسلام لله قلوب النبي والذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين يستخلفهم الله في الأرض, وفي المقابل؛ تتحير وتتهوّك قلوب الكافرين والمنافقين بسبب تخبطهم في عبادة آلهة أخرى بغير الحق.
● إن الله سبحانه يجعل لنا في رسول الله أسوة حسنة, فيطوِّع قلبه لله وحده لا شريك له, ولا يستجيب لهواه, حتى يكون هواه ملكا لله وحده, فتجده يسلم قلبه لحكم الله (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ..), فالقلب إما أن يكون لله, أو أن يكون به شرك فيكون لله ولغيره, أو يكون به نفاق فيظهر تسليما لله, ويبطن غير ذلك, أو به مرض, فيتشكك ويتهوك, أو يكون كافرا بالله غير معترف بوجوده, أو غير معترف له بالخلق والأمر.
ولاستقرار الجبهة الداخلية يبدأ باستقرار الأسرة أمام الأهواء:
● فيحكم قلوب الأزواج ليحمي الزوجة من تقلب قلب زوجها حين يغضب عليها, فيقول لها (أنت عليّ كظهر أمّي) تحريما لمعاشرتها. فيقول الله مصححا هذه العادة الذميمة: (.. وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ..)
● ويحمي الآباء من ميل قلوبهم إلى الأبناء بالتبني فيتجاوز الهوى والحب والعاطفة الحدود, حتى لتختلط الحقائق والأنساب والمواريث, بين ابن حقيقي من الصلب والدم, إلى ابن دعيّ بالتبنّي (.. وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ..) فيحول الله بين المرء وقلبه, ويهدي عباده الذين آمنوا إلى السبيل السوي البعيد عن الهوى والمحكوم لله, فيكون الدين في القلوب لله وحده (.. وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)).
● ويضع الله الميزان القسط الذي يقيم فيه ما اختل وانحرف من عادات الناس وأهوائهم, وأخطائهم, ويسمي الأمور بمسمياتها بالحق, في نفس الوقت الذي يحافظ فيه على مشاعر الأبناء بالتبني, وعلى مستقبلهم ومصالحهم (ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ..) ويغفر ويرحم ويتجاوز سبحانه عن الخطأ, كما لا يسمح بالتعمُّد(..وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)
● ويصحح سبحانه الوضع الاستثنائي الناشئ عن التآخي بين المهاجرين والأنصار في المدينة بعد الهجرة, حتى لا تختلط الأنساب والمواريث والحقوق, فيقيم الله القسط, ويسمي الأمور بمسمياتها (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ..) مع حفظ احتمال أن يفعل المؤمنون من المهاجرين والأنصار إلى أوليائهم معروفا.. (.. إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6))
ويبتلى الجميع إذ جاءتهم جنود من فوقهم ومن أسفل منهم, وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر, حتى شكك وتشكك المنافقون في وعد الله, ودعت طائفة للرجوع عن القتال والمواجهة, واستأذن فريق منهم, وخانت طائفة من أهل الكتاب عهدهم مع النبي, وثبت المؤمنون قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله, وكان منهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه, وكان للجميع في رسول الله أسوة حسنة في الثبات والجهاد والتوكل على الله والثقة بنصره.
ويتعرض قلب رسول الله الأسوة الحسنة عليه الصلاة والسلام, إلى ابتلاءات فيجتازها مسلما لله:
● فحين ينصح زيدا بأن يمسك عليه زوجه, ويخفي في نفسه ما الله مبديه, يطلقها زيد, ويزوجها الله لرسوله بآيات القرآن (زوجناكها)
● ويرغب رسول الله في الزواج من أم هانئ, فينهاه الله,
● وتهب امرأة مؤمنة نفسها للنبي فيسمح الله لها,
● ويحل الله له أزواجه,
● ويحرم عليه النساء من بعد ولا أن يتبدل بهن من أزواج ولو أعجبه حسنهن,
● كما يحرم الله على المؤمنين أن ينكحوا أزواج النبي من بعده أبدا.
وإلى تفاصيل سورة الأحزاب..