هدد سليمان النبى الملك عليه السلام , هدد بثلاثة أمور :
1) فلنأتينهم بجنود لاقبل لهم بها .
2) ولنخرجنهم منها أذلة .
3) وهم صاغرون .
فهل نفذ ما هدد به ؟
إن الملوك والرؤساء , بل والمديرين والقادة لابد أن ينفذوا ما يعدون به , وما يتوعدون به , فهل نفذ سليمان وعيده ؟
بفحص الآيات التالية للتهديد , نجد أنه قد نفذ :
1) إن الجنود التى لاقبل لهم بها , هى جنود نوعية لايستطيعون الإتيان بمثلها , ولا يشترط فيها العدد . وفعلا أتاهم سليمان بهذه الجنود:
● إن استعمال الهدهد للمراسلة وحمل الرسائل هو جندى من الطيرلاقبل لهم به .
● والإتيان بالعرش بعلم من الكتاب تم بواسطة جندى لاقبل لهم به.
● وبناء صرح ممرد من قوارير فعله جنود من الجن البنائين .
وهذه نوعيات لجنود من الجن والانس والطير لاقبل لهم ولا لنا بها حتى الآن .
2) وهل خرجت ملكة سبأ من مملكتها ذليلة أم خرجت كريمة؟
لو أنها خرجت كريمة في آلاف من القادة والمقاتلين , أو في وفد كريم , لكان سليمان الملك قد استقبلها بنفسه , ولكنه لم يفعل , وإنما استقبلها غيره . يظهر ذلك من اللفظ ( قيل ) المتكرر مرتين : ( فلما جاءت قيل أهكذا عرشك ) – ( قيل لها ادخلى الصرح ) أى أن آخرين غير سليمان هم الذين قالوا لها في المرتين.
ثم حين اقتربت من الإسلام , وتحقق وعيد سليمان ( قال إنه صرح ممرد من قوارير ) سليمان هو الذى قال , وتبعته بإعلان إسلامها . أى أن سليمان لم يستقبلها وإنما جعل بعض رعاياه أو مسئوليه فى استقبالها , وقيادتها إلى الصرح , وأمرها بالدخول. إن ملكة يستقبلها غير الملك , ليست في موضع تكريم , وإنما هى في موضع ذل .
ثم كان سليمان عند القصر, ولم يكلمها إلا بعد أن نفذ كل ما توعّد به , وبعد أن خلعت عن نفسها كل ثياب الغرور والكبر والعزة , وتركت ما تملك وتعتز به وراء ظهرها , وخرجت من قريتها التى كانت فيها وبها عزيزة , ونزلت من فوق عرشها العظيم , وكانت آخر ثياب الغرور النفسى التى خلعتها هى فى الموقف التالى :
3) وهل كانت الملكة صاغرة ؟ أى هل كانت تفعل شيئا على غير إرادتها ؟ هل كانت مقهورة على تنفيذ أمر لاتحبه ولا ترغب فيه ؟
حين ( قيل لها ادخلى الصرح ) , فلما رأته حسبته لجة , ومن الطبيعى أنها تمتنع عن الدخول إلى لجّة من الماء فتبتلّ ملابسها , وهى لا تعلم عمقه ولا حالته, فهل إذا دعاك أحد إلى دخول قاعة فى قصر , فنظرت فيها فإذا هى لجة من الماء , فهل تدخل وتخوض فى الماء خاصة وأنت لا تعلم ما به؟ بالطبع لن تدخل.
ولكن الملكة كشفت عن ساقيها تمهيدا للدخول , وإعلانا عن استعدادها لتنفيذ الأمر بالدخول للصرح , ولايمكن أن نتوقع أنها كانت سعيدة بتنفيذ هذا الأمر, … فهى تدخل على مضض , أى صاغرة !!! دون أن يقصد سليمان ذلك , فأدركها بقوله “قال إنه صرح ممرد من قوارير”.
إذن فقد حقق الملك كل ماتوعد به !!
وهكذا ينبغى أن يكون الملوك والرؤساء والقادة والمديرون والآباء.
وفى الحقيقة فلقد كان الوعيد موجها لكفرهم واستكبارهم وغرورهم لما رجعوا إلى الحق , أعزهم الله , ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.