وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)
يمثل موسى عليه السلام في سورة مريم, مرحلة الشباب المتزوجين حديثا, فهمت ذلك من الإشارة إلى نداء الله له من جانب الطور الأيمن, وقد حدث هذا بعد أن قضى موسى الأجل وسار بأهله, أي بعد أن تزوج بثماني سنوات أو بعشر سنوات, والتفاصيل في سورة القصص. وقد كان عليه السلام قويا, وكز الذي من عدوه فقضى عليه, وله الشجاعة الأدبية في مواجهة أظلم الحكام – فرعون- وأعتى الظالمين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد, وزعيم الكفر الذي ادّعى الألوهية, أي أن الشاب من أمثال موسى عليه السلام يواجه الفساد والظلم والطغيان والكفر, ولا يخشى في الله لومة لائم, ويعينه الله ويشد عضده بإخوته, وبأمثال هؤلاء الشباب يغير الله وجه الدنيا, ويصلح فسادها.
وكذلك كان أتباع موسى من الشباب (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه)
في هذه المرحلة وصف الله موسى عليه السلام بأنه كان مخلَصا, وكان رسولا نبيا,
والإخلاص من كلمة (خلص) وهو الشيء الذي لا تشوبه شائبة. اختار الله من مخلوقاته اللبن ليصفه بالإخلاص, (لبنا خالصا) واللبن لو كانت فيه أية شائبة فإنها تلوثه, وتُرى فيه بوضوح, بخلاف غيره من السوائل. واللبن يخلصه الله من بين فرث ودم, من بين المواد المحيطة به, المضرّة منها والمفيدة ولكنها في غير موضعها. كذلك الشاب المخلص, يخلصه الله من كل الأهواء والاتجاهات والملوثات الشخصية والخلقية من حوله فلا تشوبه شائبة.
والإخلاص هو الصفة التي يجب أن يتصف بها الشباب الوارث لكتاب الله والحامل لمسئولية رسول الله صلّى الله عليه وسلم, فستتشعب علاقاته الشخصية والاجتماعية والمالية والدينية. ولو لم تتوافر صفة الإخلاص فيه فإنه لا يصلح وارثا حاملا لهذه المسئولية, فمن سيتأثر بغير المخلِصين وغير المخلَصين؟ فإن كان من المخلصين قرّبه الله نجيّا. فالشاب الذي نشأ في طاعة الله يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. ومن تقرب إلى الله شبرا تقرب إليه ذراعا فيلتف حول المخلصين إخوانا لهم, وتشملهم رحمة الله سبحانه.
كما وهب الله لموسى من رحمته أخاه هارون نبيا. وكذلك المخلص يهب الله له إخوانا مخلصين يعينونه على الحق, ويتناصحون معه فيؤمنون بالله, ويعملون الصالحات, ويتواصون بالحق ويتواصون بالصبر, هؤلاء فقط هم الذين استثناهم الله من الخسر(والعصر, إن الإنسان لفي خسر, إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)
وفي هذه المرحلة من العمر, يخرج الإخوة من بيت الآباء, ويختار كل منهم حياته, وعلاقاته. فإن اختار الأخ أن تستمر علاقاته بأخيه, وجمع بينها الحب والإخلاص والوفاء, فإن هذا يكون هبة من الله سبحانه, ويجب أن يحرص عليها الشباب, خاصة في هذه المرحلة من العمر.